مشهور
25/11/2006, 03:28 PM
الحقيقة الوحيدة
السياسة مهنة لا قلب لها، ولا ضوابط، ولا احكام. وعندما طلب الانتداب الفرنسي من القاضي الفرد نقاش ان يصبح رئيسا للجمهورية، فوجئ الرجل، الذي ارسل المندوب السامي في طلبه في ساعة متأخرة من الليل. وعندما عرض عليه الموضوع قال له: «دعني افكر قليلا. فنحن القضاة نعمل بموجب قاعدة تقول ان قبول الرشوة اسهل من قبول العمل السياسي».
شيع بيار الجميل امس الاول الى مدفن في ارض اجداده، وهو في الرابعة والثلاثين واب لطفلين، مثل جبران تويني. ولا ادري كم كان عدد المشيعين على وجه الضبط. لكنهم جميعا عادوا الى بيوتهم. وعاد السياسيون الى اعمالهم. ولا ادري اين ذهب القتلة. لكن ثمة شابا لن يعود الى أي مكان، وثمة أما فقدت بكرها، وثمة زوجة شابة ترملت. هذه هي الحقيقة الوحيدة، الباقي اوهام، الباقي سياسيون يبيعون الناس اوهاما وحتوفا، واناس سذج يهللون ويرفعون الرايات ويأكلون الشعارات. والحقيقة ان ثمة شابا قتل واما تنوح وتتشح بالسواد مدى الحياة، واي حياة.
لبنان بابل سياسية فاسدة. يقتل فيها الشباب سدى. ويخرج فيها مليون مودع وهم يعرفون اسم القتيل ولا يعرفون شيئا عن القاتل. مليون مودع يتركون شابا في مدفن للنسيان ويعودون الى حياتهم، الى قلقهم وخوفهم وعجزهم ويأسهم. وفي الطريق الى المدفن يضعون البلد في مهبّ الريح. والحقيقة الوحيدة هي ان فاجعة شخصية قد حدثت في عائلة تريد ان تكابر. لكنها مثل كل عائلة اخرى، عندما تكون وحدها، تبكي وتفتقد شابا قتل في منتصف الطريق بكواتم الصوت كما في شيكاغو العشرينات.
السياسة تنسى، لان لا قلب لها. الام لا تنسى، والاطفال لن ينسوا. وذاكرة الوطن مهترئة، اذ يكفي ان تلبس الضحية عباءة الشهادة وينتهي الامر. شعب قلق مرتعد وخائف، وقاتل مطمئن يتنقل في وضح النهار. وعندما خاطب ميشال عون وزير الداخلية قبل ايام قال ان عليه (الوزير) ان «يضب زعرانه»، أي رجال الامن. على ان المشكلة ليست في «ضب زعران» وزارة الداخلية، بل في «ضبِّ» القتلة اصحاب الرشاشات الكاتمة، الذي اشاع مناخ القتل في لبنان هو قاموس البذاءة، التي استطابها السياسيون. ألسنة فالتة بلا رادع وتعابير سوقية تسخف العمل الوطني والسياسي وتجعل منه سلوكا شارعيا. لغة تحريضية رديئة تستبيح كرامات الناس وحياتهم وتضع العدالة في يد صاحب كاتم الصوت. وفي هذا المستوى من الانحطاط الخطابي، تنقلب جميع المقاييس او تزول. ويصبح القتل مجرد تهمة سياسية اخرى.
السياسة مهنة لا قلب لها، ولا ضوابط، ولا احكام. وعندما طلب الانتداب الفرنسي من القاضي الفرد نقاش ان يصبح رئيسا للجمهورية، فوجئ الرجل، الذي ارسل المندوب السامي في طلبه في ساعة متأخرة من الليل. وعندما عرض عليه الموضوع قال له: «دعني افكر قليلا. فنحن القضاة نعمل بموجب قاعدة تقول ان قبول الرشوة اسهل من قبول العمل السياسي».
شيع بيار الجميل امس الاول الى مدفن في ارض اجداده، وهو في الرابعة والثلاثين واب لطفلين، مثل جبران تويني. ولا ادري كم كان عدد المشيعين على وجه الضبط. لكنهم جميعا عادوا الى بيوتهم. وعاد السياسيون الى اعمالهم. ولا ادري اين ذهب القتلة. لكن ثمة شابا لن يعود الى أي مكان، وثمة أما فقدت بكرها، وثمة زوجة شابة ترملت. هذه هي الحقيقة الوحيدة، الباقي اوهام، الباقي سياسيون يبيعون الناس اوهاما وحتوفا، واناس سذج يهللون ويرفعون الرايات ويأكلون الشعارات. والحقيقة ان ثمة شابا قتل واما تنوح وتتشح بالسواد مدى الحياة، واي حياة.
لبنان بابل سياسية فاسدة. يقتل فيها الشباب سدى. ويخرج فيها مليون مودع وهم يعرفون اسم القتيل ولا يعرفون شيئا عن القاتل. مليون مودع يتركون شابا في مدفن للنسيان ويعودون الى حياتهم، الى قلقهم وخوفهم وعجزهم ويأسهم. وفي الطريق الى المدفن يضعون البلد في مهبّ الريح. والحقيقة الوحيدة هي ان فاجعة شخصية قد حدثت في عائلة تريد ان تكابر. لكنها مثل كل عائلة اخرى، عندما تكون وحدها، تبكي وتفتقد شابا قتل في منتصف الطريق بكواتم الصوت كما في شيكاغو العشرينات.
السياسة تنسى، لان لا قلب لها. الام لا تنسى، والاطفال لن ينسوا. وذاكرة الوطن مهترئة، اذ يكفي ان تلبس الضحية عباءة الشهادة وينتهي الامر. شعب قلق مرتعد وخائف، وقاتل مطمئن يتنقل في وضح النهار. وعندما خاطب ميشال عون وزير الداخلية قبل ايام قال ان عليه (الوزير) ان «يضب زعرانه»، أي رجال الامن. على ان المشكلة ليست في «ضب زعران» وزارة الداخلية، بل في «ضبِّ» القتلة اصحاب الرشاشات الكاتمة، الذي اشاع مناخ القتل في لبنان هو قاموس البذاءة، التي استطابها السياسيون. ألسنة فالتة بلا رادع وتعابير سوقية تسخف العمل الوطني والسياسي وتجعل منه سلوكا شارعيا. لغة تحريضية رديئة تستبيح كرامات الناس وحياتهم وتضع العدالة في يد صاحب كاتم الصوت. وفي هذا المستوى من الانحطاط الخطابي، تنقلب جميع المقاييس او تزول. ويصبح القتل مجرد تهمة سياسية اخرى.