مشهور
27/11/2006, 03:31 PM
الكلام اللامسؤول ... سلاح قاتل!
أي عاقل يفهم أن الكلمة سلاح خطير، ولا سيما عندما تكون مدخلاً إلى الفتنة. ولقد قال رسول الله (صلى الله عليه وسلّم): «فتنة اللسان أشد من ضربة السيف». كذلك قال الإمام محمد الباقر: «لا يسلم أحد من الذنوب حتى يخزن لسانه».
ولكن يظهر أننا نعيش زمنا يتناقص فيه عدد العقلاء الذين يقدّرون عواقب الكلام اللامسؤول فإذا به يتحوّل في الساحات العربية المفتوحة على الفتن ـ وبالذات في لبنان والعراق ـ إلى سلاح طائش، بل مجرم، يحصد الناس والأرزاق ... والمستقبل.
أكان لبنان بحاجة إلى جنازة إضافية لشهيد جديد لكي يتأكد عقم التفكير السياسي لأصحاب المصالح المحليين وغير المحليين؟ وهل من طائل للانتحار الجماعي الذي يعمم السواد كل يوم في سواد العراق؟
لا جدال في أن ثمة جهات خارجية تريد الشر لكنها في أي ظرف من الظروف كانت ستجد نفسها عاجزة عن تحقيق مبتغاها لو لم تجد أرضاً خصبة واعدة تفي بالغرض. والمنطقة العربية، بما فيها من موارد ومزايا استراتيجية، تثير حقاً شهية الطامعين بيد أن اختلاف أهلها على قضايا مصيرية تتعلق بالهوية والتعايش يسهل مهمّة الطامع ويعجل في السقوط تحت سلطته.
وإذا ما أضفنا إلى الاختلاف على القضايا المصيرية عاملين آخرين، هما: أولاً انعدام الثقة المتبادل بين اللاعبين المحليين، وثانياً افتقار النخب المفترض أنها صاحبة القرار إلى حكمة الممارسة، والقدرة على تنفيس التوتر وإيجاد المخارج والتسويات، لا يعود مستغرباً كيف دخل كل من لبنان والعراق، وربما فلسطين أيضاً، النفق المظلم الطويل.
في كل يوم، بل في كل ساعة، يتأكد لكل مراقب مدى صعوبة إنجاز توافق عقلاني يمكن أن يكون مقدمة إلى حوار ذي معنى بين مكوّنات تبدو اليوم متنافرة متعادية.
ولنقلها بصراحة بلا مواربة ...
لا ... المسألة ليست كلها مسألة طرف ثالث «دخل على الخط» ويسعى إلى التفجير. ذلك أن اللاعبين المحليين «تربة صالحة» للفتن نتيجة عقود من تراكم الهواجس والأحقاد.
ففي العراق، حيث سقط قبل بضعة أيام نحو 160 قتيلاً في تفجيرات شبه متزامنة، أمامنا «مطحنة» بشرية تسحق كل أمل في وفاق حقيقي. وكل المؤشرات مع الأسف تشير إلى أن الجميع ـ ربما باستثناء الأكراد ـ يدور في حلقة مفرغة، محاولاً أن يتذاكى و«يختطف» ما يستطيع اختطافه من بضاعة فوق سفينة غارقة.
ولا أدري كيف يستطيع أهل القرار ـ إذا كان في بغداد أهل قرار ـ السير قدماً في حكم بلد جريح كالعراق، عندما تصدر «فرمانات» توقيف عبثية يتعذر تنفيذها واقعياً بقدر ما تزيد صدقية المستهدفين بها كما صدر بحق الشيخ حارث الضاري.
أما في لبنان، فحدّث ولا حرج. فهذا البلد الذي يعتز أبناؤه بأنه صدّر الحرف إلى العالم، وجعل الكلمة شعلةً مضيئة، صار فيه النقاش السياسي ضرباً من «الردح» الذي يخفي نيات خبيثة يستحيل أن تبني أوطاناً، فما بالك في منع نشوب حروب أهلية.
الكل يتهِّم (بكسر الهاء)، والكل متهَّم (بفتح الهاء) بينما يد القتل تمارس وظيفتها المعتادة بـ«سادية» عجيبة. وعندما يسقط الضحية وتتطاير التهم ينسى المحرّضون أنهم أسهموا سلفاً، وربما عمداً، في تجهيل الفاعل وتغييبه وتسهيل مهمته.
لم يدرك اللبنانيون بعد ـ أم تراهم يعلمون وينكِرون (!) ـ أن التحريض على القتل عبر التخوين المستمر والتجييش الدائم للشارع ... يُهدِر الدماء، وعندما يُهدَر الدم ترخص الحياة وتفتح أمام القاتل المجرم كل أبواب الهرب والتخفي.
هذا بالضبط ما فعلته وما تفعله حالياً التلفزيونات والصحف والأبواق من دون أن تخشى مكروهاً قد يصيب من تهدر دمهم. فهل إذا وقع القضاء ولو على أيدي عملاء إسرائيل ستغسل أيديها؟
هل ترضى أن تشارك مجدداً بـ«تجهيل» القتلة ... كما فعل «حاكمو» لبنان طوال العقود الثلاثة السابقة عندما اغتيل كمال جنبلاط وحسن خالد ورينيه معوض ورفيق الحريري؟ ثم استمر المسلسل باغتيال سمير قصير وجورج حاوي وجبران تويني ... وبالأمس بيار الجميل؟
ثم أن جرثومة التحريض المسهِّلة لتنفيذ أحكام الإعدام ما عادت مقتصرة على اللبنانيين، وإن كان ساستهم الميامين يكافحون لتغطيتها وتعطيل إنشاء محاكمها. فها هي ملء السمع والبصر في أجهزة إعلامية حكومية شقيقة ... تحرض وتخوّن ... وتتهم وتدين. وكل هذا مع تكرار نفي التدخل في الشأن اللبناني!!
من المعيب طبعاً أن تصبح دولة عربية في موقع المتهَّم بجر لبنان إلى الفتنة، علماً بأن الجهة الوحيدة المفترض أنها تسعى لذلك هي إسرائيل. ولا ريب في أن إسرائيل صاحبة مصلحة أساسية في تدمير لبنان والعراق ... وأكثر من لبنان والعراق.
ولكن سماح بعض «الأشقاء» بجعل مسألة الاتهام «وجهة نظر» معقولة استناداً لـ«سجلّ سوابق» مطموس ... أمر لا يشرّفهم، ولا يشرف أي جهة عربية أو إسلامية، إذا هي وضعت نفسها أو سهّلت تصرفاتها للآخرين وضعها ضمن دائرة الشك.
إن مسلسل نحر لبنان والعراق بواسطة «التخوينيين» و«التكفيريين»، سيستمر ويقود إلى الهاوية طالما لم يفهم أبناء العراق ولبنان، رغم كل ما حدث وما ينذر بأن يحدث، واقع أنه لا رابح في الحروب الأهلية.
وقد يكون مفيداً لبعض دول الجوار العربية أن تنأى بنفسها عن نيران لبنان والعراق، الواقعين على حدود خطرة وغير عربية، إذا ما سُمح ببقاء هذه النار مشتعلة.
ثم إن دخول العرب حلبة حروب «إقليمية ـ دولية» على أرضهم، من دون أن يكون لديهم التصوّر الكافي لأي مستقبل ينتظرهم وينتظر منطقتهم، أو نتيجة حسابات خاطئة، إنما هو مغامرة عبثية باهظة الكلفة
أي عاقل يفهم أن الكلمة سلاح خطير، ولا سيما عندما تكون مدخلاً إلى الفتنة. ولقد قال رسول الله (صلى الله عليه وسلّم): «فتنة اللسان أشد من ضربة السيف». كذلك قال الإمام محمد الباقر: «لا يسلم أحد من الذنوب حتى يخزن لسانه».
ولكن يظهر أننا نعيش زمنا يتناقص فيه عدد العقلاء الذين يقدّرون عواقب الكلام اللامسؤول فإذا به يتحوّل في الساحات العربية المفتوحة على الفتن ـ وبالذات في لبنان والعراق ـ إلى سلاح طائش، بل مجرم، يحصد الناس والأرزاق ... والمستقبل.
أكان لبنان بحاجة إلى جنازة إضافية لشهيد جديد لكي يتأكد عقم التفكير السياسي لأصحاب المصالح المحليين وغير المحليين؟ وهل من طائل للانتحار الجماعي الذي يعمم السواد كل يوم في سواد العراق؟
لا جدال في أن ثمة جهات خارجية تريد الشر لكنها في أي ظرف من الظروف كانت ستجد نفسها عاجزة عن تحقيق مبتغاها لو لم تجد أرضاً خصبة واعدة تفي بالغرض. والمنطقة العربية، بما فيها من موارد ومزايا استراتيجية، تثير حقاً شهية الطامعين بيد أن اختلاف أهلها على قضايا مصيرية تتعلق بالهوية والتعايش يسهل مهمّة الطامع ويعجل في السقوط تحت سلطته.
وإذا ما أضفنا إلى الاختلاف على القضايا المصيرية عاملين آخرين، هما: أولاً انعدام الثقة المتبادل بين اللاعبين المحليين، وثانياً افتقار النخب المفترض أنها صاحبة القرار إلى حكمة الممارسة، والقدرة على تنفيس التوتر وإيجاد المخارج والتسويات، لا يعود مستغرباً كيف دخل كل من لبنان والعراق، وربما فلسطين أيضاً، النفق المظلم الطويل.
في كل يوم، بل في كل ساعة، يتأكد لكل مراقب مدى صعوبة إنجاز توافق عقلاني يمكن أن يكون مقدمة إلى حوار ذي معنى بين مكوّنات تبدو اليوم متنافرة متعادية.
ولنقلها بصراحة بلا مواربة ...
لا ... المسألة ليست كلها مسألة طرف ثالث «دخل على الخط» ويسعى إلى التفجير. ذلك أن اللاعبين المحليين «تربة صالحة» للفتن نتيجة عقود من تراكم الهواجس والأحقاد.
ففي العراق، حيث سقط قبل بضعة أيام نحو 160 قتيلاً في تفجيرات شبه متزامنة، أمامنا «مطحنة» بشرية تسحق كل أمل في وفاق حقيقي. وكل المؤشرات مع الأسف تشير إلى أن الجميع ـ ربما باستثناء الأكراد ـ يدور في حلقة مفرغة، محاولاً أن يتذاكى و«يختطف» ما يستطيع اختطافه من بضاعة فوق سفينة غارقة.
ولا أدري كيف يستطيع أهل القرار ـ إذا كان في بغداد أهل قرار ـ السير قدماً في حكم بلد جريح كالعراق، عندما تصدر «فرمانات» توقيف عبثية يتعذر تنفيذها واقعياً بقدر ما تزيد صدقية المستهدفين بها كما صدر بحق الشيخ حارث الضاري.
أما في لبنان، فحدّث ولا حرج. فهذا البلد الذي يعتز أبناؤه بأنه صدّر الحرف إلى العالم، وجعل الكلمة شعلةً مضيئة، صار فيه النقاش السياسي ضرباً من «الردح» الذي يخفي نيات خبيثة يستحيل أن تبني أوطاناً، فما بالك في منع نشوب حروب أهلية.
الكل يتهِّم (بكسر الهاء)، والكل متهَّم (بفتح الهاء) بينما يد القتل تمارس وظيفتها المعتادة بـ«سادية» عجيبة. وعندما يسقط الضحية وتتطاير التهم ينسى المحرّضون أنهم أسهموا سلفاً، وربما عمداً، في تجهيل الفاعل وتغييبه وتسهيل مهمته.
لم يدرك اللبنانيون بعد ـ أم تراهم يعلمون وينكِرون (!) ـ أن التحريض على القتل عبر التخوين المستمر والتجييش الدائم للشارع ... يُهدِر الدماء، وعندما يُهدَر الدم ترخص الحياة وتفتح أمام القاتل المجرم كل أبواب الهرب والتخفي.
هذا بالضبط ما فعلته وما تفعله حالياً التلفزيونات والصحف والأبواق من دون أن تخشى مكروهاً قد يصيب من تهدر دمهم. فهل إذا وقع القضاء ولو على أيدي عملاء إسرائيل ستغسل أيديها؟
هل ترضى أن تشارك مجدداً بـ«تجهيل» القتلة ... كما فعل «حاكمو» لبنان طوال العقود الثلاثة السابقة عندما اغتيل كمال جنبلاط وحسن خالد ورينيه معوض ورفيق الحريري؟ ثم استمر المسلسل باغتيال سمير قصير وجورج حاوي وجبران تويني ... وبالأمس بيار الجميل؟
ثم أن جرثومة التحريض المسهِّلة لتنفيذ أحكام الإعدام ما عادت مقتصرة على اللبنانيين، وإن كان ساستهم الميامين يكافحون لتغطيتها وتعطيل إنشاء محاكمها. فها هي ملء السمع والبصر في أجهزة إعلامية حكومية شقيقة ... تحرض وتخوّن ... وتتهم وتدين. وكل هذا مع تكرار نفي التدخل في الشأن اللبناني!!
من المعيب طبعاً أن تصبح دولة عربية في موقع المتهَّم بجر لبنان إلى الفتنة، علماً بأن الجهة الوحيدة المفترض أنها تسعى لذلك هي إسرائيل. ولا ريب في أن إسرائيل صاحبة مصلحة أساسية في تدمير لبنان والعراق ... وأكثر من لبنان والعراق.
ولكن سماح بعض «الأشقاء» بجعل مسألة الاتهام «وجهة نظر» معقولة استناداً لـ«سجلّ سوابق» مطموس ... أمر لا يشرّفهم، ولا يشرف أي جهة عربية أو إسلامية، إذا هي وضعت نفسها أو سهّلت تصرفاتها للآخرين وضعها ضمن دائرة الشك.
إن مسلسل نحر لبنان والعراق بواسطة «التخوينيين» و«التكفيريين»، سيستمر ويقود إلى الهاوية طالما لم يفهم أبناء العراق ولبنان، رغم كل ما حدث وما ينذر بأن يحدث، واقع أنه لا رابح في الحروب الأهلية.
وقد يكون مفيداً لبعض دول الجوار العربية أن تنأى بنفسها عن نيران لبنان والعراق، الواقعين على حدود خطرة وغير عربية، إذا ما سُمح ببقاء هذه النار مشتعلة.
ثم إن دخول العرب حلبة حروب «إقليمية ـ دولية» على أرضهم، من دون أن يكون لديهم التصوّر الكافي لأي مستقبل ينتظرهم وينتظر منطقتهم، أو نتيجة حسابات خاطئة، إنما هو مغامرة عبثية باهظة الكلفة