مشهور
10/12/2006, 02:30 AM
السويدان وعبيد العصر!
عدد السبت 8/12/2006وصف الدكتور طارق السويدان الموظفين بأنهم عبيد العصر الحالي، وأن طبيعة العمل تحت مسمى موظف تشبه نظام الرق، وقال: «في الماضي كان يؤتى بالعبيد لأعمال السخرة مقابل أجر زهيد، وما يحدث اليوم أن الموظفين يمارسون نفس الدور».
قرأت ما قاله الدكتور السويدان في تلك الأمسية الثقافية في جدة لاكتشف أنني موغل في الرق والعبودية، فمنذ أن تخرجت من الجامعة وقعت في قبضة القرصنة الوظيفية، فما أن تلفظني واحدة حتى تلقي القبض علي أخرى، ويبدو أنني قد أدمنت العبودية ـ بهذا المعنى ـ إذ أصبحت أحمل قيودي في «ملف علاقي» وأذهب لأبحث لحريتي عن سيد باسم الوظيفة.. أكثر من ربع قرن وأنا أهبط بتوقيعي على دفتر الدوام قبل الثامنة صباحا كل يوم، وقد كنت في صبايا أحلم ألا يضطرني خبز الحياة للاصطباح بوجه ذلك الدفتر الكئيب، لكن ذلك الدفتر ظل ينشب مخالبه في دمي، وتمردت عليه ذات زمن تاركا له نصف قوتي ونصف النهار، وإن بقي لهاث ركضه في الدروب يلاحقني، فاستسلم له حينا، وحينا أواصل الهروب.
الدكتور السويدان في تلك الأمسية كان يحث الشباب على الاتجاه إلى الأعمال الحرة وهجر الوظائف الإدارية سواء في القطاع الحكومي أو الأهلي، ولكن لم يقل الدكتور السويدان لأولئك الشباب كيف يمكنهم التحرر من الوظائف، وأنا أخشى أن يتسرع بعضهم فيعمل بنصيحة السويدان فيصبح حاله كحال العبيد الذين أصدر إبراهام لنكولن ذات زمن بعيد قرارا بتحريرهم فتقافزوا في الهواء فرحا بحريتهم، ولكن لم تمض سوى بضعة شهور حتى عادوا باختيارهم إلى أسيادهم ليرتموا في أحضان العبودية بطوعهم واختيارهم من جديد، فلنكولن الذي أصدر قرارا بتحريرهم لم يستطع أن يحرر دواخلهم من سيكولوجية العبودية التي أجبروا على الارتماء في احضانها طويلا.. وهكذا فإن التوجه للأعمال الحرة وتكوين مواقف إيجابية تجاهها لا يتحقق عبر أمسية «أثنينية» عابرة، ولكن عبر سياقات تربوية وتعليمية مبكرة وطويلة، وإلا كنا كمن يعمل على توريط الشباب ودفعهم إلى البطالة، وسيتحمل مسؤولية تشغيلهم حينئذ الدكتور السويدان وأولئك الذين صفقوا لكلماته طويلا في تلك الأمسية «الجداوية» المثيرة.
عدد السبت 8/12/2006وصف الدكتور طارق السويدان الموظفين بأنهم عبيد العصر الحالي، وأن طبيعة العمل تحت مسمى موظف تشبه نظام الرق، وقال: «في الماضي كان يؤتى بالعبيد لأعمال السخرة مقابل أجر زهيد، وما يحدث اليوم أن الموظفين يمارسون نفس الدور».
قرأت ما قاله الدكتور السويدان في تلك الأمسية الثقافية في جدة لاكتشف أنني موغل في الرق والعبودية، فمنذ أن تخرجت من الجامعة وقعت في قبضة القرصنة الوظيفية، فما أن تلفظني واحدة حتى تلقي القبض علي أخرى، ويبدو أنني قد أدمنت العبودية ـ بهذا المعنى ـ إذ أصبحت أحمل قيودي في «ملف علاقي» وأذهب لأبحث لحريتي عن سيد باسم الوظيفة.. أكثر من ربع قرن وأنا أهبط بتوقيعي على دفتر الدوام قبل الثامنة صباحا كل يوم، وقد كنت في صبايا أحلم ألا يضطرني خبز الحياة للاصطباح بوجه ذلك الدفتر الكئيب، لكن ذلك الدفتر ظل ينشب مخالبه في دمي، وتمردت عليه ذات زمن تاركا له نصف قوتي ونصف النهار، وإن بقي لهاث ركضه في الدروب يلاحقني، فاستسلم له حينا، وحينا أواصل الهروب.
الدكتور السويدان في تلك الأمسية كان يحث الشباب على الاتجاه إلى الأعمال الحرة وهجر الوظائف الإدارية سواء في القطاع الحكومي أو الأهلي، ولكن لم يقل الدكتور السويدان لأولئك الشباب كيف يمكنهم التحرر من الوظائف، وأنا أخشى أن يتسرع بعضهم فيعمل بنصيحة السويدان فيصبح حاله كحال العبيد الذين أصدر إبراهام لنكولن ذات زمن بعيد قرارا بتحريرهم فتقافزوا في الهواء فرحا بحريتهم، ولكن لم تمض سوى بضعة شهور حتى عادوا باختيارهم إلى أسيادهم ليرتموا في أحضان العبودية بطوعهم واختيارهم من جديد، فلنكولن الذي أصدر قرارا بتحريرهم لم يستطع أن يحرر دواخلهم من سيكولوجية العبودية التي أجبروا على الارتماء في احضانها طويلا.. وهكذا فإن التوجه للأعمال الحرة وتكوين مواقف إيجابية تجاهها لا يتحقق عبر أمسية «أثنينية» عابرة، ولكن عبر سياقات تربوية وتعليمية مبكرة وطويلة، وإلا كنا كمن يعمل على توريط الشباب ودفعهم إلى البطالة، وسيتحمل مسؤولية تشغيلهم حينئذ الدكتور السويدان وأولئك الذين صفقوا لكلماته طويلا في تلك الأمسية «الجداوية» المثيرة.