تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : وكانوا كئيبين


مشهور
12/12/2006, 01:11 AM
وكانوا كئيبين

وصلت أمس إلى القاهرة.. وهذا ليس خبراً اجتماعياً. هذه حالة إنسانية. فأنا ما زلت هارباً من لبنان، البلد الذي أعلن منه سعيد تقي الدين أن فيه ثلاثة فرقاء: الموالاة والمعارضة والناس الذين على حق. في بيروت كان يدعوني رؤوف أبو زكي كل عام الي حضور مؤتمر«الاقتصاد والأعمال». ولم اذهب إلا مرة واحدة، للإصغاء الي محمد بن راشد ومهاتير محمد، الذي لا تزال البي بي سي تصرُّ علي انه «محاضر» محمد، تماماً كما لا تزال «النهار» تصرّ على ميخائيل «غورباتشيوف» بعد مرور15 عاماً علي ضربته الكبرى: تفكيك الكابوس الستاليني.

لا أذهب إلى مؤتمر «الاقتصاد والأعمال» لأن علاقتي مع الأول مقطوعة ومع الثانية مفجوعة. لكنني التقيت رؤوف أبو زكي في «المنتدى الاستراتيجي» في دبي وعاتبني على التغيب المتمادي وقال إن مؤتمره هذا العام في القاهرة، فحزمت حقيبتي وجئت. لماذا جئت؟ أيضا السؤال ليس شخصياً واجتماعياً. جئت لأن رؤوف أبو زكي نموذج لنجاح الفرد اللبناني وللخراب اللاحق بوطن اسمه لبنان ودولة مقطعة الأوصال كان اسمها الدولة اللبنانية. وخراب بيروت ومنع رؤوف أبو زكي «وسواه» من أن يعرضوا نجاحهم في ديارهم، ومنعوا من الاستمرار في رسم صورة لبنان التي خطفها السياسيون ومزقوها علي عتبات الإسفاف والتزلم.

بدأ رؤوف أبو زكي، القروي البسيط والمتواضع، حياته محرر الصفحة الاقتصادية في «النهار». وعندما تقرر للبنان أن ينتحر عام 1975 قرر رؤوف أن يعيش. وأنشأ مجلة «الاقتصاد والأعمال» التي أصبحت الآن مجموعة ضخمة على مدى العالم العربي. وفي مؤتمرها السنوي الحالي جاء الدكتور أحمد نظيف ممثلا الرئيس حسني مبارك ووزير الاقتصاد ووزير الاستثمار ومحاضر يحمل نوبل في الاقتصاد وحضر عمرو موسى العائد من عذابات بيروت واستحالات لبنان.

مصر تحضر لمشاركة هذا الإنسان المستمر النجاح والثابت الطيبة والمتواضع، وهو لا يستطيع أن يعقد مؤتمره في لبنان، لأن اللبنانيين في الساحات والطرقات يريدون قتل بلدهم مرة أخرى من أجل إحيائه من جديد. وثمة من يلبد الغيوم في سمائه، كما قال الملك عبد الله بن عبد العزيز متحدثاً عن حال الأمة. والأمة حزينة وبائسة لم تعد تعرف أية رياح تردّ، وأي أبواب تسدّ. ولعل قدرها المؤقت ـ على ما نأمل ـ أن يظل الصراع الخارجي عليها دماراً داخلياً فيها. وقد تعدَّد منقذوها وتكاثروا فقامت بابل من جديد، لا لكي ترفع أبراجها بل لكي تنشر سوء الفهم وانعدام الحوار وتعدم سبل التلاقي.

التقيت أمس ديبلوماسياً عربياً كبيراً أعد كل شيء للاستقرار في بيروت. وقال لي «لست أدري الي أين سنذهب الآن». وقلت له، أنت، علي الأقل، تملك القدرة على الانتقال. لكن هناك مئات آلاف البؤساء الذين يرون بيروت تحوَّل الى مجرد حشود متضاربة ومتناحرة ومتعادية، لا يستطيعون الانتقال الي مكان. لقد فرض عليهم ان يجوعوا وان يحزنوا وان يصغوا كل يوم لتصريحات السقط السياسي والتعابير الزقاقية. ذهبت بعد وصولي إلى القاهرة بقليل للعشاء في بيت احمد بهاء الدين. وكان بين ضيوف زوجته «أم زياد»، سفير بريطانيا، وسفير ألمانيا، والدكتور مصطفى الفقي، والشيخ فيصل الجيلاني، والدكتور بطرس بطرس غالي، وزوجاتهم، وعدد من المحامين وقدامي أصدقاء بهاء. وبدل أن أسأل خبراء العالم عما يحدث، طرح علي الجميع سؤالا واحداً: ماذا في لبنان. وكانوا كئيبين.