المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : من حق المرأة المسلمة أن تتحجب، وأن تطالب الجميع باحترام


عبد المجيد
17/12/2006, 11:13 PM
بنات المشايخ.. بلا حجاب
نريد للصحوة الإسلامية المعاصرة أمرين: أولهما: البعد عن الأخطاء التى انحرفت بالأمة وأذهبت ريحها وأطمعت فيها عدوها، والآخر: إعطاء صورة عملية للإسلام تعجب الرائين، وتمحو الشبهات القديمة وتنصف الوحى الإلهى. ويؤسفنى أن بعض المنسوبين إلى هذه الصحوة فشل فى تحقيق الأمرين جميعا، بل ربما نجح فى إخافة الناس من الإسلام، ومكن خصومه من بسط ألسنتهم فيه..
ماذا يرى الإخوان المسلمون وأشياعهم فى الكلمات السابقة.. هل تحمل إساءة للإسلام وتطاولا عليه؟ هل يأخذون عليها أنها تطالب بإعطاء صورة عملية تعجب الرائين؟ هل يغضبون لأنها تصف بعض المنسوبين إلى الدعوة الإسلامية والمحسوبين عليها بالفشل، وتؤكد نجاحهم فى إخافة الناس من الإسلام؟! قبل أن تتوالى الاتهامات على كاتب هذه السطور، وعلى «روز اليوسف» قبله، بطبيعة الحال، وقبل أن يشرع الباحث المزعوم «....» فى إضافة صفحات جديدة إلى فضيحته غير العلمية، المسماة برسالة الدكتوراه، أنبه إلى أن السطور الأولى منقولة حرفيا من كتاب «السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث، للمرحوم الشيخ محمد الغزالى، وفى كتابه المهم كثير وكثير من أمثال هذه العبارات!
عبس وذبيان
ما أكثر الصفحات التى كتبت عن قضية وزير الثقافة الفنان فاروق حسنى، بعد رأيه الشخصى غير الرسمى، الذى صرح فيه برأى عن الحجاب، وما أكثر الساعات التى خصصتها البرامج الفضائية، داخل مصر وخارجها، لمناقشة ما قاله الوزير ومالم يقله، وكم شكت الميكروفونات، التى صنعها الغرب الكافر كما صنع الكاميرات، من هيمنة الأصوات العصبية التى تتشاجر ولا تتحاور، توجه الاتهامات ولا تناقش، تطلق الأحكام النهائية القاطعة ولا تعرف فضيلة التواضع.
هل يستحق الأمر كل هذا الضجيج؟!
من حق المرأة المسلمة أن تتحجب، وأن تطالب الجميع باحترام اختيارها، ومن حق المرأة المسلمة ألا ترتدى الحجاب، وأن تطالب المحجبات ودعاة الحجاب باحترامها، وألا يصل الطوفان إلى حد اتهامها فى دينها وأخلاقها وشرفها، هل كانت زوجات كبار قراء القرآن الكريم، وصورهن منشورة فى هذا العدد، بعيدات عن الإسلام؟ وهل كان أزواجهن الشيوخ الأفاضل جاهلين بأن الحجاب فريضة حتمية و«معلوم من الدين بالضرورة»؟! هل كان الشيخ الأزهرى الجليل، الذى نشرت صورة ابنته بالملابس الرياضية فى منتصف الستينيات، من دعاة الرذيلة وأعداء العفاف؟! هل ارتكب الشيخان أحمد حسن الباقورى ومحمد متولى الشعراوى، وكلاهما تولى منصب الوزارة، خطيئة لا تغتفر عندما شاركا فى اجتماعات لمجلس الوزراء، مع وزيرات غير محجبات؟! هل كانت السلطة السياسية الجائزة، الملكية والناصرية والساداتية، تمارس قهرا لكى تجبر بنات وزوجات الشيوخ على السفور؟! كانت ملابسهن وقورة محتشمة، ولم يكن أحد ينظر إلى الشعر العارى ويطيل التحديق فيه، هل نهمل كافة قضايانا المصيرية، ونشعل حربا أهلية بسبب «شعر المرأة»؟، هل يمثل الشعر كل هذه الأهمية التى استهلكت أطنانا من الورق، وعشرات من ساعات البث التليفزيونى؟!
هأنذا أنظر فى كتاب المرحوم الشيخ محمد الغزالى وأضع خطوطا كثيرة تحت سطرين من سطوره أهديهما إلى الأشاوس والمغاوير، الذين رصوا صفوفهم لمحاربة فاروق حسنى: «إننا لسنا مكلفين بنقل تقاليد عبس وذبيان إلى أمريكا وأستراليا، إننا مكلفون بنقل الإسلام وحسب» ! وآه من دعاة البادية يافضيلة الشيخ! لماذا لا نكون عصريين متسامحين أيها الدعاة، ولماذا لا نخاصم التشنج والتعنت والتعصب؟! لن نكون كذلك إلا إذا أدركنا أن الإسلام دين أعمق وأشمل من أن يكون الشعار الحاكم فيه هو «الحجاب قبل الحساب» و«حجابى عفتى»، وغير ذلك من مقولات يخيل فيها للمرأة أن الحجاب هو الفريضة الوحيدة التى ينبغى على المسلم أن ينشغل بها ويحارب من أجلها! يقول الشيخ الغزالى فى كتابه: «المأساة أننا نحن المسلمين مولعون بضم تقاليدنا وآرائنا إلى عقائد الإسلام وشرائعه لتكون دينا مع الدين.. وأذكر هنا قصة الناقة التى عرضها صاحبها بعشرة دراهم، واشترط أن تباع قلادتها معها بألف درهم! فكان الناس يقولون: ما أرخص الناقة لولا هذه القلادة الملعونة. وأقول كذلك: ما أيسر الإسلام وأيسر أركانه. وما أصدق عقائده وشرائعه، ولولا ما أضافه أتباعه من عند أنفسهم، واشترطوا على الناس أن يأخذوا به ويدخلوا فيه!».
رحم الله الشيخ الغزالى، وأعان الدعاة المتشنجين على إدراك الجوهر العميق الذى يرمى إليه من حكاية الناقة والقلادة!. الإسلام دين الحشمة والوقار، وعداؤه أصيل لكل ما هو فج مبتذل قبيح، ومخالف للفطرة والآداب العامة، عندما كانت مصر بلا حجاب، لم يكن قاموسنا اللغوى الاجتماعى يعرف كلمات مثل «الاغتصاب» و«التحرش الجنسى»، ولم تكن أفلامنا السينمائية تقدم «سيد العاطفى»و«عليا الطرب بالتلاتة»، ولم يكن إنتاجنا الغنائى يتضمن «بوس الواوا» و«العنب»، وكنا مسلمين ملتزمين بالأركان الخمسة للإسلام، أنت الآن تسير فى شوارعنا فترى المحجبات فى كل مكان، وعلامتهن الوحيدة هى غطاء للرأس ملىء- فى معظم الأحيان- بالزخارف اللافتة للأنظار، وأسفله ملابس ضيقة مثيرة لا تحقق المعنى الحقيقى للحشمة والالتزام، وتوشك الواحدة منهن أن تقول لك: الغطاء فوق رأسى، وشعرى غائب عن الأنظار، فلا شأن لك بباقى جسدى!. أهذا ما يريدونه من المرأة المسلمة؟!
يقول المرحوم الشيخ محمد الغزالى، الذى يزعم أحد مناقشى شبه الباحث «...» أن زواج ابنته الفاضلة من حفيد السيدة فاطمة اليوسف «رد إلهى»: كما أن الجمهور على أن للنساء ملابس، وللرجال ملابس، والأصل فى ملابس النساء أن تكون ستارة لأجسامهن، ولا حرج فى أن تكون جميلة غير مثيرة، والأصل فى ملابس الرجال أن تلائم أعمالهم، ولا حرج فى أن تكون جميلة. كما قال ابن عباس: «رأيت على رسول الله أحسن ما يكون من الحلل». هكذا- ببساطة- يقدم الرجل صياغة واضحة للقضية التى ينشغل بها الآن من لا يجدون ما يشغلهم، وهيهات أن تجد فى كلمات الغزالى ما ينم عن التنطع أو التهديد أو احتكار اليقين!.
المعركة ليست ضد فاروق حسنى، وليست دفاعا عن الحجاب، لكنها تهدف إلى تحقيق المزيد من الانتصارات «العنترية» التى تسحب من رصيدنا الحضارى: النقاب بعد الحجاب، واعتزال العمل بعد النقاب، والتوقف عن التعليم بعد اعتزال العمل، وملازمة البيت- مثل قطع الأثاث- بعد إلغاء التعليم!. معركتهم الحقيقية ضد الحضارة والتقدم واحترام إنسانية المرأة، والدليل على ذلك أن صراخهم لا يتوقف من أجل النقاب! والشيخ الغزالى- رحمه الله- هو من يقول: «وقد رأى النبى- صلى الله عليه وسلم- الوجوه سافرة فى المواسم والمساجد والأسواق، فما روى عنه قط أنه أمر بتغطيتها، فهل أنتم أغير على الدين والشرف من الله ورسوله؟». ولا أظن أن السؤال يحتمل إلا إجابة واحدة!. ويروى الغزالى فى كتابه، عن سهل بن سعد رضى الله عنه: «أن امرأة جاءت إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقالت: يارسول الله، جئت لأهب لك نفسى، فنظر إليها رسول الله فصعد النظر إليها وصوبه، ثم طأطأ رأسه- لم يجبها بشىء- فلما رأت أنه لم يقض فيها بشىء جلست..» ويعقب الشيخ الغزالى على القصة بقوله: «والسؤال: فيم صعب النظر وصوبه إن كانت منقبة؟»
ولا أظن- أيضا- أن هذا السؤال يحتمل إلا إجابة واحدة!. جوهر فكر الشيخ الغزالى يتجلى بوضوح فى قوله الموجز الدال: «ولا شك أن بعض النساء فى الجاهلية، وعلى عهد الإسلام، كن يغطين أحيانا وجوههن مع بقاء العيون دون غطاء، وهذا العمل كان من العادات لا من العبادات، فلا عبادة إلا بنص». وما أفدح الثمن الذى ندفعه نتيجة للخلط، وليد الجهل، والتنطع وفراغ العقل، بين العادات والعبادات!. حكاية أخرى يرويها الشيخ الغزالى عن امرأة جاءت إلى النبى- صلى الله عليه وسلم- يقال لها «أم خلاد»، وهى منتقبة، تسأل عن ابنها الذى قتل فى إحدى الغزوات، فقال لها بعض أصحاب النبى: جئت تسألين عن ابنك وأنت منتقبة؟ فقالت المرأة الصالحة: إن أرزا ابني فلم أرزا حيائى!!.
ويعلق الشيخ الغزالى: «واستغراب الأصحاب لتنقب المرأة دليل على أن النقاب لم يكن عبادة!»
ونعلق نورنا على ما قالته «أم خلاد»، فنشير إلى أنها تتحدث عن «حيائها» وليس عن «دينها» والحياء مفهوم نسبى، يتغير بتغير الزمان والمكان، فعلى من أذن يزايد المتشنجون؟!. دلالة الغياب
فى كتابه « الفتاوى.. دراسة لمشكلات المسلم المعاصر فى حياته اليومية العامة»، يتصدى فضيلة الإمام الأكبر الشيخ محمود شلتوت للإجابة عن مئات الأسئلة المتعلقة بعشرات القضايا الجوهرية، التى يواجهها المسلم المعاصر فى حياته اليومية، ينقسم الكتاب، الذى يقترب عدد صفحاته من خمسمائة صفحة، إلى عدة أقسام، منها قسم كامل يحمل عنوان «فى الأسرة والأحوال الشخصية»، يتطرق فيه الإمام الجليل شيخ الأزهر إلى كثير من الهموم الحقيقية الجادة، يشغل هذا القسم نحو مائة صفحة، لكننا لا نجد فيه شيئا عن الحجاب وزى المرأة!. الاهتمام كله ينصب على أسئلة تتعلق ب: علاقة الخاطب بمخطوبته، عقود الزواج وأنواعه، زواج المسلم بغير المسلمة، أحكام الرضاع، الإجهاض، تحديد النسل أو تنظيمه، الطلاق، التبنى، التلقيح الصناعى، الختان.. هذه عينة من القضايا التى «كان» ينشغل بها الناس قبل نصف قرن تقريبا، لم يكن الحجاب موجودا فى الشارع المصرى المسلم ولا أحد يسأل عنه أو يتعارك حوله، فإلى أين وصلنا.. وإلى أين نسير؟!. السؤال الجدير بالاهتمام حقا، نجده فى قسم «العبادات»، وعن زى «الرجل» أثناء الصلاة: «هل تجوز الصلاة بالبرنيطة؟».
فى بعض سطور الإجابة مفتاح مهم، لاقتحام المعركة الوهمية التى تدور الآن، فالعالم الجليل يقول: «والإسلام لا يعرف زيا خاصا للرأس، والزى وغطاء الرأس من الأمور التى يتركها الإسلام للعرف الذى يجرى عليه الناس، وليس صحيحا ما يقال أن القبعة زى خاص بغير المسلمين وشعار غير إسلامى، فالمسلم وغيره فى ذلك سواء، والذين يلبسون القبعات من المسلمين لا يقصدون التشبه بغيرهم فيما هو من خصائص دينهم، وإنما يلبسونها لتقيهم من حر الشمس أو برد الشتاء مثلا، أو لأن عرف بلادهم جرى على ذلك». المفتاح الذى نعنيه يتمثل فى فكرتين تتطرق الإجابة إليهما: لا يوجد ما يسمى بالزى الإسلامى للرجال، أهمية مراعاة الأعراف والتقاليد الاجتماعية البعيدة عن الدين. أعان الله منتخب «دون كيشوت» الذى يشهر سيوفه الخشبية فى مواجهة طواحين الهواء، فالوقت ليس مناسبا للحديث عن حتمية أن يرتدى رجال مصر الجلباب الأبيض القصير المستورد من الصحراء، لكن هذا الزى يمثل علامة إسلامية ضرورية عند نجوم المنتخب، وبعد أن يفرغوا من المرأة وحجابها ونقابها وملازمتها للبيت لا تبرحه حتى تموت، سيلتفتون إلى الرجل وحجابه وجلبابه!
يجزم الشيخ شلتوت أن الإسلام لا يحدد للرجال زيا أو يلزمهم بغطاء معين للرأس، لكنهم ولا شك سيخوضون عما قريب معركتهم الحاسمة الضارية ضد الملابس الغربية الكافرة، ولهم فى «كرافتات» إيران الممنوعة المحرمة قدوة ومثال!. الأمر الثانى يتعلق بضرورة التمييز الصارم بين «العادات» و«العبادات»، ذلك أن الملابس- فى عمومها- تخضع للتقاليد والأعراف الاجتماعية الموروثة والمكتسبة، وتتطور تبعا لما يلحق بالمجتمع من تغيير،فلماذا إذن إصرارهم المتعنت غير المنطقى على قلب سلم الأولويات، والانصراف عن الدين الجوهرى الراسخ الذى لا يحتمل خلافا، إلى الاجتماعى النسبى الذى يتغير كل يوم؟!
لم تكن النساء المصريات محجبات فى زمن الشيخ شلتوت، ولم يكن العالم الجليل ممن يسكتون فى مواجهة الخلل والانحراف، لكننا لا نعرف عنه أنه خاض معركة وهمية لمناقشة سلوك اجتماعى، والمعيار الوحيد الذى يحكمه هو الاحتشام وتجنب إثارة الفتنة، كم فى المحجبات من مثيرات فى ملابسهن العصرية التى لا تعرف الحشمة والوقار، وكم فى السافرات من وقورات محترمات لا تلتفت الأنظار إليهن، المشكلة الحقيقية تكمن فى اتجاه العيون: هل تراود النظر إلى العقل وما يحويه، أم إلى الرأس وما يغطيه؟!.
الأخوات المسلمات
ربما لا يروق الشيخ محمد الغزالى للكثيرين من المتشنجين المتطرفين، الذين كتب عنهم ساخرا: «إنهم يطلبون العلم يوم السبت، ويدرسونه يوم الأحد، ويعملون أساتذة له يوم الاثنين»!. وقد يتساءل بعضهم مستنكرا: ومن يكون الشيخ شلتوت هذا؟، فمن قواعد علم الجهل أن المنتمين إليه لا يعرفون إلا القليل الذى يتشبثون به، ولا يملكون إلا ترديد الشعارات دون قدرة على الحوار وإعمال العقل.
من أجل هؤلاء نتوقف أمام حسن البنا، مؤسس جماعة الإخوان المسلمين، والمرشد الأول لها، و«الشهيد» الذى يستعينون به ويلجأون إليه كأنه لا ينطق عن الهوى!. «مذكرات الدعوة والداعية» من مؤلفات حسن البنا المعروفة، وقد يكون مفيدا أن نشير إلى موضعين مهمين فى الكتاب:
الموضع الأول يحمل عنوان «الأخوات المسلمات فى القاهرة»،وبعد مقدمة قصيرة عن تكوين فرقة فى القاهرة من نساء بيوت الإخوان وقريباتهن، نطالع نص الكلمة التى وجهتها «السيدة الصالحة الحاجة لبيبة أحمد، رئيسة الفرقة»،تتضمن الكلمة توجيهات عامة للبنات والسيدات المسلمات، وليس فيها إشارة واحدة إلى الحجاب وقضية زى المرأة المسلمة، السؤال الذى يطرح نفسه هنا: إذا كان الحجاب فريضة دينية، وركنا لا ينبغى التفريط فيه، فلماذا تهمله المرأة الصالحة الفاضلة، التى تقود الفرقة الأولى للأخوات المسلمات فى عهد حسن البنا؟! نقفز صفحات فى كتاب حسن البنا، حتى نصل إلى الموضع الثانى، حيث نجد عنوانا: «المطالب الخمسون» تحت هذا العنوان يرد النص الكامل للخطاب الذى وجهه حسن البنا إلى الملوك والأمراء، العرب والمسلمين، ويتضمن ما يسميه كاتبه «المطالب العملية التى تنبنى على تمسك المسلمين بإسلامهم، وعودتهم إليه فى شأنهم». يعيدا عن المطالب السياسية والاقتصادية، يركز البنا على ثلاثين من المطالب الاجتماعية، وتحظى المرأة وقضاياها بنصيب وافر من هذه المطالب، لكن: لا كلمة واحدة عن حجاب المرأة المسلمة!.
إنه يطالب باحترام الآداب العامة، والقضاء على البغاء، أما البند الوحيد الذى يقترب من قضية الزى، فيأتى نصه على النحو التالى:
«6- مقاومة التبرج والخلاعة وإرشاد السيدات إلى ما يجب أن يكون والتشديد فى ذلك، وبخاصة على المدرسات والتلميذات والطبيبات والطالبات ومن فى حكمهن»!. لقد كتب حسن البنا آلاف الكلمات فى هجاء الديمقراطية والتعددية الحزبية، وكتب آلافا أخرى فى الهجوم على الوفد وتمجيد الملك فاروق ورموز أحزاب الأقلية غير الشعبية، ومثل هذه الكتابات «السياسية» تثير خلافا سياسيا لا علاقة له بالدين، فهل ضاق وقت البنا عن الكتابة التفصيلية فى قضية «دينية» مثل الحجاب؟!، أم أنه كان يرى الأمر فى سياقه الاجتماعى، البعيد عن الصراعات السياسية والقضايا الدينية؟!. إذا كان الحجاب بمثل هذه الأهمية التى يتحدث عنها إخوان اليوم ويشنون من أجلها الحملات ويشعلون الحروب، فلماذا سكت عنها المرشد المؤسس؟ ولماذا قنع بكلمات عامة لا يمكن لمسلم واحد أن يعارضها؟! أليس كل المسلمين، وكل الأسوياء من أتباع الديانات المختلفة، يعادون الخلاعة، ويرفضون الابتذال، ويحملون على التهتك؟!.
الإخوان المعاصرون ملتزمون بتعاليم مرشدهم، ومعركتهم ضد فاروق حسنى «سياسية» وليست «دينية»، فهم يستعرضون قوتهم، ويختبرون قدرتهم على التأثير، ويخوضون معركة لن يخسروا فيها، وقد يحققون بعض المكاسب!. الهدف السياسى هو المحرك، والحجاب «غطاء» سياسى، والمأساة الحقيقية أن الكثيرين قد انساقوا وراء مخططهم، وركبوا الموجة دون إتقان للسباحة!
زى الراهبات
فى 27 يوليو سنة 1953، اجتمع حسن الهضيبى مع المستر «التنج» السكرتير السياسى للسفارة الأمريكية بالقاهرة، وتطرق الاجتماع لمناقشة «الأوضاع السياسية للمرأة»، حيث أعلن الهضيبى أن الإخوان مختلفون مع النظام فى هذه الزاوية، ولا إشارة فى محضر الاجتماع إلى اختلافهم مع ضباط الثورة حول مسألة حجاب المرأة!. جمال عبد الناصر، من ناحية أخرى، لم يتردد فى التشهير بحسن الهضيبى، ونسب إليه أنه طالب أن تتخذ الثورة قرارا بفرض الحجاب على النساء، وإغلاق دور السينما!واللافت للنظر، أن الرئيس عبد الناصر قد استخدم سلاحا بسيطا فى الرد على هذين المطلبين، فقد نصح المرشد أن تتحجب ابنته أولا، وأن تمتنع عن دخول السينما!. التطرق إلى الحياة الشخصية ليس واردا، وللمرحوم حسن الهضيبى كل الاحترام مع الاحتفاظ بحق الخلاف الجذرى مع أفكاره وتوجهاته السياسية، ولأسرته الفاضلة كل التقدير والإقرار بحريتها غير المقيدة فى ممارسة خصوصيتها دون تدخل من أحد، لكن الناس يرصدون مثل هذه المفارقات الغرائبية، ولا يملكون إلا التساؤل عن الازدواجية اللافتة المحيرة: كيف تطالب الآخرين بالتزام ما لا تلتزم به؟!
ويتساءل الناس أيضا: إذا كان الحجاب فريضة قاطعة، ومما يندرج تحت مفهوم «المعلوم من الدين بالضرورة»، فكيف سمح كثير من الشيوخ والعلماء الأجلاء بسفور زوجاتهم وبناتهم وشقيقاتهم؟! ومثل هذا السؤال لابد أن يتجه إلى حسن الهضيبى نفسه!. تراث الصحافة المصرية، فى السنوات العشرين الأخيرة، حافل بتصريحات كثيرة لبعض رموز تيار الإسلام السياسى، من الإخوان وغيرهم، يقولون فيها! أنهم لا يفرضون الحجاب على بناتهم وزوجاتهم، وإن الاختيار وحرية القرار متروك لهن بلا إجبار!. الذين حضروا المناظرة الشهيرة بين الدكتور رفعت السعيد وأحد أبرز رموز هذا الاتجاه، فبراير 1995، يتذكرون جيدا أن زوجة المفكر الإسلامى وابنته كانتا غير محجبتين، ويتذكرون- أيضا- أن الحوار العنيف كان سياسيا خالصا، لم يتطرق إلى الحجاب والنقاب والسواك!. لن أذكر أسماء هؤلاء الزعماء والرموز، فكثير منهم بين يدى الله، والهدف من الإشارة إلى حياتهم الشخصية العائلية ليس التشهير أو المعايرة أو تصيد المفارقات والتناقضات، لكننى أتساءل فحسب: إذا كان الحجاب فريضة إسلامية لا يجوز النقاش حولها، فهل يمكن التسامح فيه والدخول إلى دائرة الاختيار الحر؟!. الإخوان المسلمون وأشياعهم يقولون أن المسألة محسومة، أما المرحوم المستشار حسن الهضيبى، بعيدا عن حياته العائلية، فإنه يقول فى الحديث الذى نشر فى مجلة «روز اليوسف» فى أكتوبر 1953، وأعادت نشره فى ديسمبر 2006، إن النقاب عادة أرستقراطية لا تمت للإسلام بصلة، وأن النساء الفقيرات فى الريف سافرات، أما نساء العائلات الثرية فهن المحجوبات عن نظر الناس لأسباب اجتماعية! ويقول الهضيبى بالحرف الواحد: «واللبس الذى تلبسه الراهبات المسيحيات لا غبار عليه من وجهة نظر الإسلام.. كذلك كل لبس تلبسه المرأة وتراعى فيه الواجبات الإسلامية، بحسب زمانها ومكانها، ولا يمنعها من مزاولة نشاطها العلمى والتجارى وغيره». كلمات الهضيبى، المرشد الثانى للإخوان المسلمين، تعود إلى ما يزيد على نصف قرن، ولو أن أحدا قال اليوم ما قاله المرشد، لامتطى أحد علماء الجهل منبره، وأباح دمه. وما حدث مع الدكتورة سعاد صالح ليس ببعيد، فقد أباح أحدهم دمها، لأنها قالت ما قاله الهضيبى!. المفاجأة
«هذا التجشم وسيلة من الوسائل الوقائية للفرد والجماعة، ومن ثم يبيح القرآن تركه عندما يأمن الفتنة، فيستثنى المحارم الذين لا تتوجه ميولهم عادة ولا تثور شهواتهم، وهم الآباء والأبناء وآباء الأزواج وأبناؤهم، والإخوة وأبناء الإخوة وأبناء الأخوات.. يستثنى كذلك «ما ملكت أيمانهن». قيل من الإناث فقط، وقيل من الذكور كذلك، لأن الرقيق لا تمتد شهوته إلى سيدته، والأول أولى، لأن الرقيق إنسان تهيج فيه شهوة الإنسان، مهما يكن له من وضع خاص فى فترة من الزمن ويستثنى التابعون غير أولى الإربة من الرجال.. وهم الذين لا يشتهون النساء لسبب من الأسباب، كالجب والعنة والبلاهة والجنون.. وسائر ما يمنع الرجل أن تشتهى نفسه المرأة، لأنه لا فتنة هنا ولا إغراء، ويستثنى «الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء»، وهم الأطفال الذين لا يثير جسم المرأة فيهم الشعور الجنسى، فإذا ميزوا وثار فيهم هذا الشعور.. ولو كانوا دون البلوغ فهم غير داخلين فى هذا الاستثناء، وهؤلاء كلهم، عدا الأزواج، ليس عليهم ولا على المرأة جناح أن يروا منها، إلا ما تحت السرة إلى تحت الركبة، لانتقاء الفتنة التى من أجلها كان الستر والغطاء، فأما الزوج فله رؤية كل جسدها بلا استثناء». أرى السيوف مشهرة للتكفير، فكيف يجوز لكل هؤلاء «الغرباء» أن يروا من المرأة كل شىء، إلا ما تحت السرة إلى تحت الركبة؟!.
قبل أن تغمد السيوف فى المكان الخطأ، أنبه إلى أن المقتبس السابق، بين علامتى التنصيص، من كتاب سيد قطب: «فى ظلال القرآن»، الجزء الثامن عشر، الطبعة الأولى، ص96. من الذى يملك أن يزايد على سيد قطب؟!
للمزيد من الوعى بأهمية وخطورة ما يقوله المفكر الإخوانى، صاحب الشعارات المدوية عن «جاهلية» المجتمع وضرورة تكفيره، لابد أن نتوقف أمام التحليل المهم الذى يقدمه الأستاذ جمال البنا، الشقيق الأصغر لحسن البنا، فى كتابه «الحجاب»: «والكلام الذى جاء فى الظلال هو أقرب الكلام إلى سياق الآية، وهو أيضا الذى يلحظ الحكمة فى التشريع، ألا وهى أنهم محارم، فانتفى مبرر التحجب، وبمقتضى هذا التفسير فإن هذه المجموعة التى يمكن أن تبلغ المائة أو تزيد، خاصة أن ما يحرم من الرضاعة يحرم من النسب، ويمكن للمرأة المسلمة أن تجلس معهم، وهى مرتدية زيا يمكن أن يكشف عن جسمها باستثناء ما بين السرة والركبة». ويضيف الأستاذ البنا: «هذه آية موجودة فى صميم آيات الحجاب، وهى مع هذا توجد مجتمعا مختلطا كأشد وأوثق ما يكون الاختلاط، فهل يحقق هذا فى أى مجتمع إسلامى، أم أن المسلمين يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض؟ لقد غرس القرآن الكريم واحة مؤنقة وسط صحراء الأعراف الجاهلية القاحلة، فى شكل مجتمع مختلط، يمكن أن يضم مائة، ما بين رجل وامرأة، يجتمعون معا، ويمكن للمرأة أن ترتدى من الأزياء ما تشاء، بشرط ألا لا يتعدى ما يكشفه ما بين السرة والركبة، أى يدخل فيما يباح ما يسمونه «الديكولتيه» الذى يكشف عن الصدر والظهر، ويلبس عادة فى مناسبات السهرة، ولكن شيئا من هذا ما كان ليخطر فى بال العرب الجفاة فى الجاهلية القديمة، والمسلمين المعاصرين الذين يعيشون جاهليتهم الجديدة.. بل إن من المحتمل أن يرموا من يقول هذا بالزندقة والزيغ والكفر والتحلل.. إلخ، وهو لا يأتى بسوى ما جاء به القرآن». ليس «احتمالا»، لكنه السائد الشائع!.
.............
من حق المرأة المسلمة أن ترتدى من الثياب ما يحقق الهدف الأخلاقى الأسمى: الحشمة والوقار، ومن واجب المجتمع المسلم أن ينشغل بهمومه الحقيقية، وأن يتخذ من الدين سلاحا للتقدم والتنمية والوصول إلى الحياة الأفضل. الكارثة أنهم يتوقفون عند الشكليات، ويحاربون من أجل المظهر لا الجوهر، ويرتدون ثياب العلماء لتحقيق أهداف سياسية، ويرددون ما لا يفهمون، ويدعون أنهم يحتكرون الحقيقة المطلقة.. إلى هؤلاء المتنطعين، أهدى كلمات قليلة العدد جليلة الفائدة، للمرحوم الشيخ محمد الغزالى:
«وهكذا بين عشية وضحاها يقع زمام المسلمين الثقافى بين أدعياء ينظر إليهم أولو الألباب باستنكار ودهشة. وإذا كان هؤلاء: لم يرزقوا شيوخا يربونهم، أو أساتذة يثقفونهم، فسوف تربيهم الأيام والليالى وما أحفلها بالعجائب». ما الذى يمكن قوله عمن يجعلون من الفروع جذورا، ومن الأصول أوراقا تتساقط مع الرياح؟!. ما الذى يمكن قوله عن الذين يهملون التحديات الحقيقية، ويحصرون جهادهم ضد فيلم سينمائى أو رواية أو قصيدة شعر؟! ما الذى يمكن قوله لمن يجمعون بين الصلف والجهل؟!
.............
الله المستعان!.
مصطفى بيومى

بوسي كات
18/12/2006, 12:13 PM
وانا اضم صوتى لصوتك استاذى
واقول للمرأه المسلمه
الحجاب فريضه
جزاك الله خيرا أستاذى

صقر الجنوب
18/12/2006, 04:47 PM
شكرا جزيلا على هذا الطرح

رحاب الرحمن
14/01/2007, 06:28 AM
السلام عليكم
نشكركم على طرحكم هذا الموضوع
و ندعوا الله بالهداية للجميع