المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : بعد صراع مع مظاهر الحياة اليومية..*التزام الشباب.. نماذج إيجابية وأخرى سلبية ومتصادمة


مشهور
23/12/2006, 02:35 AM
بعد صراع مع مظاهر الحياة اليومية..
التزام الشباب.. نماذج إيجابية وأخرى سلبية ومتصادمة




تقرير - يحيى الأمير
* كم عدد الشباب الذين يستمعون الى الاغاني؟ كثيرون جداً. ومن هؤلاء الكثير كم هم الذين يشعرون ان ما يقومون به عبارة عن مخالفة شرعية؟، ويوقنون بذلك ويتبنونه في الوقت الذي يزدهر فيه سوق الاغاني وتباع فيه كثير من الاصدارات الفنية بعضها قبل ان يصدر بشكل رسمي. والشباب الواقفون امام كاونتر المبيعات في محلات بيع الكاسيت والسي دي هم ايضا لديهم القدرة على جدالك حول ان ما يقومون به مخالفة، انما الى هذا الحد، وينتهي حماسهم، وبمجرد ان يتم طرح التناقض القائم بين اقبالهم على امر ما، ويقينهم الواسع بأنه عبارة عن مخالفة، اذ لا يجد احدهم ما يقوله الا الالتجاء لعبارات التسويف وتحريك الايدي في منظر تسليم لا مبرر له، لا يصفونه الا بأنه (هكذا) وهذا ما يحدث، ولا حول لهم ولا قوة. ويقول سعود العبيدالله: هذه امور تصيبني بالحيرة، لكني موقن في النهاية ان ما يضرني لا يمكن ان اقدم عليه، لكني اشعر بالضياع لاني اقوم بما لم اتصالح معه.


* هذه الذوات تحمل في طياتها مشكلة متناهية الخطورة، والمشكلة انها متنامية تتصاعد بشكل جيلي، اذ يجد الشباب استمتاعا وانجذابا نحو ما يرون فيه مخالفة. انه استمتاع مع شعور بالاقتراف تمتد آثاره لتصبغ الشخصية الشابة بحالة من التناقض والتدرب على قبول الفكرة لا الممارسة، وعلى ابقاء التطبيق بعيدا عن الاعتناق، ولا يتوقف هذا عند حد عدم التصالح مع الاغاني وغيرها من الممارسات، بل يتحول هذا التضاد ليصبح سلوكا.

كل الشباب مثلا مؤمنون بقيم المرور، وبتعليمات السلامة، ولا يمكن لاحد ان يجادلك في كونها ضارة او تؤدي الى سوء، انما لماذا لا يلتزمون بها؟ يبدو ان السبب في ذلك يعود الى انهم تدربوا فعليا على مسألة بقاء التصرفات والافعال اليومية خارج القناعة التي يؤمنون بها.

السبب في ذلك يعود بشكل متجذر الى ان التعليمات التي يراد لها ان تصنع القيم استنزفت قيمتها وفقدت تأثيرها من خلال الالحاح على افكار لا تضر احدا، ويمكن التصالح معها، وعدم تهويلها، وكثير من الشباب مثلا لا يروق لهم ان تظل ثيابهم قصيرة في الوقت الذي لا يطيلونها فيه كبرا او اختيالا على الناس، وانما (هكذا) لانها امر لا يضر ولا يؤدي الى ضرر، وهي في ذات الوقت من الامور التي ظل الالحاح عليها على انها من الاخطاء، فيما لا تشير الحياة إلى اي نتائج سلبية، فلم يحدث لاحد ان اقترف خطيئة او تسبب في ظلم احد او في ظلم نفسه لان ثوبه لا يلتزم بطول معين، يحدث هذا الحفز مع تغييب القيمة النبوية الحكيمة من النهي، وهي التكبر والخيلاء، والتي يحمل التنبيه اليها وربطها بالتحريم اشارة الى الاخلاق والادب والذوق والمساواة ونبذ التعالي على الناس، وهي العلة التي اذا سقطت تراجع الحكم، لكن الذي استقبله الشباب من تعليمات غالبا ما كانت تتحرك بعيدا عن هذا التمييز بين القيمة والحكم، واخذت تلح على الحكم، وبالمقابل لم يحدث لاحد ان وجد ضرراً ولا تبريرا لهذه الفكرة، واخذت المتطلبات الشبابية ترى في مثل هذه الاشكال من اللبس اضافة جمالية ادخلتها في حيز العادي.

هذا مثال يسير على ان قابلية حسنة للتعامل مع التعليمات ذات الصبغة القيمية والمدلول الملتزم توجد لدى الشباب السعودي لكنها بحاجة الى قليل من الترشيد وكثير من التبرير، فالمفهوم المتداول للضار والخطأ بحاجة الى ربطه بآثاره، ولا يمكن مقارنة تحريم المخدرات مثلا بتحريم الثياب الطويلة، ذلك ان الاستجابة لتحريم المخدرات مرتبطة بكل وضوح بالضرر البالغ الذي تتركه ومرتبطة كذلك بالقيم العليا في التشريع الديني الذي يمنع الاضرار بالنفس والعقل. واقتناع الشباب بالتعليمات والوعظ المتعلق بالمخدرات مثلا منطلق من دورهم في فهم وملامسة الخطر الذي تشكله.

ابرز التحولات التي تظهر في حياة الشباب تلك التي تتعلق بالالتزام، او بالتعبير الفقهي (التوبة) وهي فكرة في اصلها تحمل كثيراً من المعاني الايجابية لانطلاقها من فكرة المراجعة والتقييم الذاتية، وذات شابة تستطيع ان تقرر وتنفذ، لكن اللافت للنظر هنا هو ان حالات الالتزام انما تأتي بعد امتلاء بالتعليمات التي لا تذهب الى القيم وتراوح في منطقة الضار غير المتحقق ضرره، فيركز (الملتزم) حديثا وبشدة على مظاهر تتعلق باللبس ومشاهدة التلفزيون واقفال الموسيقى العرضية كالتي تأتي في فاصل نشرة اخبارية او نحو ذلك، في الوقت الذي تتراجع فيه القيم ذات العلاقة المتينة بروح الالتزام كقيم العدل والرحمة والحفاظ على النفس وعلى الممتلكات العامة، واداء فروض الله والناس، والبحث عن حالة من التواصل الايجابية واللطيفة مع العائلة والاصدقاء، وقبل ذلك البحث عن تحقيق الذات من خلال العمل والانتاج والالتزام بمتطلبات الحياة والقدرة على تفعيل قيم التدين لتصبح قيم عمل وانتاج وتحضر كما هي عليه في الحقيقة.

في الواقع ان ما يحدث يظل خارج ذلك في حالات متعددة، والكثير من الامهات الطيبات والآباء الطيبين يشتكون من حالات الالتزام العكسية المتشددة والطارئة التي يتحول معها احد ابنائهم الى خصم للبيت اكثر من كونه عونا، ويبدأ الخلاف اليومي حول جهاز التلفزيون الذي في الصالة، ولباس اخته، ومسافة اقتراب السائق من الباب الداخلي، وتفاصيل أخرى تحول اليوم المنزلي الى جحيم من المشاحنات، يصبح فيها الطرف الاضعف هم الاهل بسبب ان ابنهم يقدم ما يقدمه تحت طائلة ان هذا هو الحق وتقول سارة السعد: (كان ابني لطيفا وبمجرد ان بدأ يراجع كثيرا من تصرفاته اخذ يحتد معي ومع اخواته وتوترت حياتنا، واستمر ذلك لفترة طويلة، حتى التقى برجل رشيد اتضح له بعدها ان الالتزام تصالح مع الحياة لا خصاما معها).

نماذج ايجابية أخرى يتحول معها الشاب الى حالة رحمة جديدة تعم البيت، يستثمر وقته في اضفاء حالة من الرأفة وحسن التعامل مع الجميع، وتحظى العائلة في مثل هذه النماذج بامتنان عظيم.

يحدث هذا التباين لان الطريق الى المراجعة والالتزام انما تأتي بعد حشد هائل من التعليمات التي لا تمس جوهر القيم الدينية الفعلية العالمية وانما تظل في دوران حول مظاهر خارجية، يتحول معها الداخل الى هذه التعلميات والمعتنق لها الى شخص يعيش غربة عن الحياة لا صلحا معها، ذلك انه يتوقف عند المظاهر اليومية لتحويلها الى عقد ومحظورات يستنفد جهده في ادائها.

الشباب الذين راجعوا حياتهم باتجاه الالتزام على يد فقهاء وسطيين وعلميين ومجددين، هم الاكثر توازنا والاكثر بعثا على خطاب مدني يروج بشكل ايجابي لشخصية الملتزم وانطلاقاً من قيم حقيقية وجوهرية، ولم يكونوا قادمين من قلق سطحي.

الذين ينتقلون فجأة دون ادوات تعينهم على فك السطحية التي لم يستطيعوا بسببها التعايش مع مواقف ومظاهر حياة يومية ينتقلون الى حياتهم الجديدة بذات الخلل.