المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : إدانة سهلة وحكم معقد لصدام حسين *سمير عطالله


مشهور
30/12/2006, 01:49 AM
إدانة سهلة وحكم معقد

لن يواجه قضاة المحكمة الخاصة التي أحيل عليها صدام حسين قراراً أكثر سهولة من هذا القرار. هناك مائة تهمة على الأقل يمكن تبرير حكم الإعدام بسببها. وهناك خمسون يمكن بسببها تثبيته بدون شك. ولكن هل قضية صدام حسين موضوع جنائي الآن؟ ومنذ أن اعتقل في حفرة بعد مقتل ولديه، كم تغيرت المعالم السياسية في العراق وكم تغيرت مفاهيم القتل ومفهوم الجريمة السياسية، وماذا بقي من العراق الذي سقط يوم سقط صدام حسين واختفى محمد الصحاف وهو يطلق آخر تحذير للأوغاد والعلوج؟

كم تبدو بعيدة المسافة الزمنية بين سقوط صدام حسين عن السدة، وسقوطه في الأسر، ثم سقوطه في دائرة الحكم بالموت. رجل مليء بالأحداث منذ أن خرج من تكريت طالبا حياة بغداد، فإذا به بعد قليل يريد بغداد نفسها ثم يريد العراق، ثم يريد بلاد العرب، وأراد أن يضع كل هذه الأحلام في أيدي رجال من تكريت. لم يثق بأهل الحزب ولا بأهل السلطة ولا بأهل المؤسسات. أعطى ثقته لأصهاره وسلمهم المال والسلطة. ولما خانوه أمر بذبحهم. كان الملك حسين من اقرب أصدقائه ومستشاريه، لكنه عندما دعاه إلى الغداء خلال زيارة رسمية إلى الأردن، اكتشف الملك أن ضيفه حمل طعامه معه من العراق. وعاتبه الملك. وقال إن في ذلك إهانة لأصول الضيافة العربية. ولم يمد صدام يده إلى صحن مضيفه.

سلم مخابرات الدولة لشقيقه، أولا وثانيا، وسلم الصلاحيات والقرارات إلى أبناء عمومته، وسلم الشؤون الكبرى إلى عزت الدوري، الرفيق القديم في تكريت. ولم يترك شيئا للصدفة. الباقون أعطاهم احتفاليات الحكم ومظاهر اللقب.. وشيئا من المال.لذلك كان مضحكا أن ينفي المتهم صدام حسين مسؤوليته عما حدث في الجنوب وفي الشمال قائلا لقضاته، هاتوا لي ورقة واحدة وقعت عليها. لم يكن في حاجة لأن يوقع. ولا حتى لأن يهمس. كان يكفي أن يحرك حاجبه فيتحرك العراق. أو يتجمد.

أذكر دائما، في استقراء شخصية صدام حسين، ما رواه لي عبد العزيز البابطين. فقد كان في مكتبه عندما سمعا صوت انفجار كبير. ولم يهتز صدام. وقال لأبي سعود: «ترى لو حدث هذا أمام عبد الناصر، هل كان يخاف؟» كل شيء عنده كان يختصر في شجاعة رفض الواقع. التفوق على الخوف وليس التخوف على مصلحة البلد والناس. الشجاعة في شن الحروب لكن من دون رسم أي خطة للخروج. فقد كان واثقا من أنه سيربح حتى عندما رأى أميركا تتقدم 32 دولة و700 ألف جندي لمحاربته، وفي الحرب الديبلوماسية رفض أن يصدق أنه وحيد وأن الحصار يعل البلد ويقتل الناس. وحتى عندما وقف في قفص حديدي مع بضعة رجال من تكريت لا يزال يرفض أن يصدق أن موسم الأحلام قد سقط في حفرة.