تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : اشرب: فقد دافعت عنك الدبابير!


مشهور
04/01/2007, 04:17 PM
اشرب: فقد دافعت عنك الدبابير!

إذا كنت من الذين يشربون القهوة كل يوم، فأنت واحد من أربعة آلاف مليون.. وإذا كنت تشرب الشاي فأنت واحد من ثلاثة آلاف مليون.. وإذا كنت مثلي تشرب القهوة والشاي فأنت واحد من ألفي مليون نسمة.. أما الذين لا مزاج لهم فلا يشربون لا القهوة ولا الشاي، فهم بضعة ملايين!

والقهوة شراب ينعش.. والذي ينعش هو مادة «الكافيين» الموجودة في القهوة وفي الشاي أيضا. وفي القرن الثالث عشر لاحظ أحد الرعاة في الحبشة أن الماعز إذا أكلت من نبات أخضر يرتفع عن الأرض ثلاثة أمتار، فإنها تظل طول الوقت تجري وترقص ولا تنام.. إنها شجرة البن.. وأول من تعاطاها الرهبان حتى لا يناموا.. ولما اكتشفوا القهوة، أقاموا لها محلات خاصة هي المقاهي. وقد ازدحم الناس في المقاهي، وانشغلوا عن العمل. وقد أغلقت المقاهي في مكة المكرمة سنة 1511.. وفي القاهرة سنة 1534. وفي استنبول سنة 1554. وفي ايطاليا سنة 1660.. والملك تشارلز الثاني أغلق ثلاثة آلاف مقهى سنة 1675. وكانوا في ذلك الوقت إذا وصفوا سيدة بأنها منحلة يقولون: إنها من هذا النوع الذي يشرب القهوة والشاي مرتين في اليوم!!

وهناك خطر يهدد الفنجان الذي في يدك، هذا الخطر جاء من أفريقيا وينتقل الآن إلى كل الدنيا.. فهناك حشرة صغيرة جدا تضع بيضها في حبات البن.. فإذا فقس البيض خرجت منه حشرات ضئيلة تتغذى على حبات البن.. فإذا هي خاوية تماما.. وهذه الحشرة الصغيرة جدا قد أهلكت ألوف الأفدنة.. وأفسدت ملايين الأطنان من البن.. وسوف يؤدي ذلك إلى ارتفاع سعر البن أو اتجاه الناس إلى الشاي.. أو تزييف البن في كل مكان!

والعلاج عادة يكون برش شجيرات البن بالمواد الكيماوية التي تخنق هذه الحشرة، وعيب المبيدات الحشرية أنها تقتل الحشرات، وتتسلل إلى البن.. ثم إلى الإنسان الذي يجد المبيدات في الماء والهواء واللبن واللحم والخضروات!!

ولكن العلماء الإنجليز اهتدوا إلى علاج تقليدي آخر: علاج بيولوجي بدلا من العلاج الكيماوي. وهو أنهم يطلقون نوعا خاصا من الدبابير.. هذه الدبابير تأكل بيض هذه الحشرة.. أو تأكل الحشرات نفسها.. أو تضع بيضا فوق بيض هذه الحشرة.. فإذا فقس بيض الدبابير أكل بيض الحشرة. وقد جرب الإنسان ذلك الأسلوب مع بداية استعماره لاستراليا.. فقد توحشت الفئران وراحت تأكل الطيور وتهاجم الحيوانات والأطفال فأتوا لها بالقطط التي تقضي عليها، ولكن القطط نفسها توحشت فراحت تأكل الأرانب والطيور والأطفال، فأتوا لها بالكلاب التي توحشت وصارت تطارد الذئاب وتهاجم الأبقار والجواميس والإنسان..

فالانسان أحدث خللا في التوازن في عناصر البيئة. ولذلك عاد إلى تحقيق هذا التوازن.. فإذا كانت الفئران ضارة فالثعابين تأكلها.. وإذا كانت الثعابين ضارة فإن بيعها أكثر ضررا.. وسوف تستخدم الدبابير حتى يظهر لنا ضرر آخر، حينئذ سوف نقضي على الدبابير ونترك الحشرات تأكل البن، لأن هذا أهون كثيرا من ضرر آخر!

مشهور
04/01/2007, 04:18 PM
اكتشفت خلال زيارة القاهرة ان في صحيفة «الأهرام ويكلي» وهي للمناسبة متواضعة الشكل ممتازة المادة، صحافياً من نوع خاص جداً. انه نجل رئيس غانا الاستقلالية، كوامي نكروما. والسيد نكروما الابن، كاتب مجتهد وذو اسلوب وقد تمصَّر على نحو راق ومؤثر معا. ولا اخفي بأنه قد سرني ان تحتضن القاهرة رجلا من ابناء الذاكرة الماضية. ولا شك ان نكروما الابن يعيش هاجس ذلك الأب، الذي بدأ حياته استاذاً جامعياً في اميركا ثم محررا لشعبه وبطلا من ابطال العالم الثالث الخارج من النير الاستعماري، ولكنه انتهى ينام على سرير عريض مصنوع من الذهب. ومن فقر الغانيين.

كان كوامي نكروما احد الاسماء التي ترن في آذاننا كل يوم. وبرغم الفارق في القامات الفكرية والوطنية، وقف الى جانب نهرو وتيتو وشو ان لاي ثم تاه كما تاه معظم قادة الاستقلال في القارة السمراء. صبوا كل التهم على الاستعمار وذهبوا يسهرون. والبعض اخذ يردد خرافات مضحكة من نوع ان الاستعمار هو الذي قسم افريقيا. والواقع ان افريقيا لم تكن في اي مرحلة منذ ولادتها دولة او دولاً أو اوطانا. كانت وطنا جميلا وغابة رائعة لقبائل تنتقل في ارض ليس فيها ارض واحدة تؤدي إلى اي مكان. وعندما انشأ الرجل الابيض انما انشأها لكي يسهل لنفسه احتلال الشعب وسرقة المناجم. ولم تكن في افريقيا هويات فاصلة ولا لغات تراثية تميز الناس عن بعضها. ولا مؤسسات من اي نوع. كانت قبائل تخاف بعضها البعض وتطارد بعضها البعض وتهرب الى الداخل الكثيف الجميل المليء بالانهار والتماسيح، كما في رواية الطيب صالح الذائعة «موسم الهجرة الى الشمال». وبسبب التنقل والترحال لم تكن في الداخل الافريقي مدن قديمة مثل اوروبا او الشرق العربي او آسيا. ولذلك ايضاً يقيم كثير من الافريقيين منذ الاستقلال في اراض لم تكن لهم من قبل. ليس في افريقيا نينوى وآشور وبغداد وصور. افريقيا قارة واحدة لعالم من مهاجري الداخل. ميزتها التقاطع وليس الاستمرار. اكواخ تبنى اليوم وتهجر غداً. وحقول تزرع اليوم وتهمل غداً.

لم تعرف افريقيا الطرقات الا في اوائل القرن العشرين. بدل الطرق هناك ممرات. لذلك لا يزال الافارقة يتنقلون مشياً خلف بعضهم البعض. فوق ممر في غابة، حتى لو كانوا على طريق حديث.

كم يبدو لنا اليوم، بعدما حدث لافريقيا، ان قادة الاستقلال لم يفهموا قارتهم حقاً. لقد ورثوا خطوطا وحدوداً استعمارية لم يحاولوا ان يبنوا ضمنها اوطانا حقيقية. كمثل الكونغو ـ برازفيل والكونغو ـ كينشاسا. او كمثل ما حدث لرواندا بين التوتسي والهوتو في احد بشع مجازر التاريخ. حاولت ان التقي نكروما الابن في القاهرة. لكن موعد السفر داهمني. كنت اريد ان اطرح عليه اسئلة كثيرة عن افريقيا. عن قضايا لم نستطع فهمها. عن تدهور رجل من «اوساغيفيو» المنقذ، الى سرير عريض من الذهب في بلد لم يبلغ اللقمة بعد

مشهور
04/01/2007, 04:19 PM
نكروما صحافياً

اكتشفت خلال زيارة القاهرة ان في صحيفة «الأهرام ويكلي» وهي للمناسبة متواضعة الشكل ممتازة المادة، صحافياً من نوع خاص جداً. انه نجل رئيس غانا الاستقلالية، كوامي نكروما. والسيد نكروما الابن، كاتب مجتهد وذو اسلوب وقد تمصَّر على نحو راق ومؤثر معا. ولا اخفي بأنه قد سرني ان تحتضن القاهرة رجلا من ابناء الذاكرة الماضية. ولا شك ان نكروما الابن يعيش هاجس ذلك الأب، الذي بدأ حياته استاذاً جامعياً في اميركا ثم محررا لشعبه وبطلا من ابطال العالم الثالث الخارج من النير الاستعماري، ولكنه انتهى ينام على سرير عريض مصنوع من الذهب. ومن فقر الغانيين.

كان كوامي نكروما احد الاسماء التي ترن في آذاننا كل يوم. وبرغم الفارق في القامات الفكرية والوطنية، وقف الى جانب نهرو وتيتو وشو ان لاي ثم تاه كما تاه معظم قادة الاستقلال في القارة السمراء. صبوا كل التهم على الاستعمار وذهبوا يسهرون. والبعض اخذ يردد خرافات مضحكة من نوع ان الاستعمار هو الذي قسم افريقيا. والواقع ان افريقيا لم تكن في اي مرحلة منذ ولادتها دولة او دولاً أو اوطانا. كانت وطنا جميلا وغابة رائعة لقبائل تنتقل في ارض ليس فيها ارض واحدة تؤدي إلى اي مكان. وعندما انشأ الرجل الابيض انما انشأها لكي يسهل لنفسه احتلال الشعب وسرقة المناجم. ولم تكن في افريقيا هويات فاصلة ولا لغات تراثية تميز الناس عن بعضها. ولا مؤسسات من اي نوع. كانت قبائل تخاف بعضها البعض وتطارد بعضها البعض وتهرب الى الداخل الكثيف الجميل المليء بالانهار والتماسيح، كما في رواية الطيب صالح الذائعة «موسم الهجرة الى الشمال». وبسبب التنقل والترحال لم تكن في الداخل الافريقي مدن قديمة مثل اوروبا او الشرق العربي او آسيا. ولذلك ايضاً يقيم كثير من الافريقيين منذ الاستقلال في اراض لم تكن لهم من قبل. ليس في افريقيا نينوى وآشور وبغداد وصور. افريقيا قارة واحدة لعالم من مهاجري الداخل. ميزتها التقاطع وليس الاستمرار. اكواخ تبنى اليوم وتهجر غداً. وحقول تزرع اليوم وتهمل غداً.

لم تعرف افريقيا الطرقات الا في اوائل القرن العشرين. بدل الطرق هناك ممرات. لذلك لا يزال الافارقة يتنقلون مشياً خلف بعضهم البعض. فوق ممر في غابة، حتى لو كانوا على طريق حديث.

كم يبدو لنا اليوم، بعدما حدث لافريقيا، ان قادة الاستقلال لم يفهموا قارتهم حقاً. لقد ورثوا خطوطا وحدوداً استعمارية لم يحاولوا ان يبنوا ضمنها اوطانا حقيقية. كمثل الكونغو ـ برازفيل والكونغو ـ كينشاسا. او كمثل ما حدث لرواندا بين التوتسي والهوتو في احد بشع مجازر التاريخ. حاولت ان التقي نكروما الابن في القاهرة. لكن موعد السفر داهمني. كنت اريد ان اطرح عليه اسئلة كثيرة عن افريقيا. عن قضايا لم نستطع فهمها. عن تدهور رجل من «اوساغيفيو» المنقذ، الى سرير عريض من الذهب في بلد لم يبلغ اللقمة بعد