مشاهدة النسخة كاملة : الهروب للأمام **مشعل السديري
مشهور
06/01/2007, 02:18 AM
الهروب للأمام
«لبلوغ المناصب الرفيعة، هناك أمران اثنان: يجب أن يكون المرء إما صقراً، أو حيّة»
ـ وهناك أمر ثالث يجب ألا ننساه، وهو أن يكون المرء جربوعاً، إذا كان يملك موهبة «الجربعة».
* *
«بوسعي مقاومة كل شيء باستثناء الإغراء»
ـ انني أغني للإغراء مثلما غنى فريد الأطرش، وأقول: يا ليتني عبد من عبيدك وليل ونهار ما بين ايدك.
* *
«ليس سعيداً من لا يريد أن يكون سعيداً»
ـ وليس تعيساً من لا يريد أن يكون تعيساً، وليس عاقلاً من لا يريد أن يكون عاقلاً. بالله عليكم هل رأيتم أسخف من هذا المنطق.. إنني أريد أن أكون سعيداً وعاقلاً غير تعيس، لكنني كلما حاولت تنغلق الأبواب بوجهي، ومع ذلك ما زلت أعيش، وأقذف الناس أحيانا بالحجارة.
* *
«إن للأحمق ميزة كبيرة على الإنسان العاقل، انه دوماً راضٍ عن نفسه».
ـ يا ليتني لم أسمع هذه المقولة.
* *
«أنت لا تكتب بحرية طالما أنك تفكر في أولئك الذين سيقرأونك، ولا تكتب على نحو جيد طالما أنك لا تفكر فيهم».
ـ يبدو لي أن هذا هو السبب في أن كتاباتي لا تبتعد كثيراً عن (خربشة الدجاج) البلدي.
* *
«ليس بالعواطف الجميلة نتوصل إلى الثروة»
ـ دسنا على العواطف وأبو العواطف، ومع ذلك لم نصل، لم يبق إلا الانخراط في ميدان الشحاذة، أو ميدان قطّاع الطرق.
* *
«في الحب .. الانتصار الوحيد هو الهروب»
ـ للأمام وليس للخلف.
مشهور
06/01/2007, 02:20 AM
مساخر مؤلمة
تذكر اعدامات حكومة نوري المالكي المتلاحقة باعدامات كوبا في السنوات الأولى للثورة، واعدامات الثورة الايرانية لرجال السافاك وعهد الشاه، وطبعا «بوجبات» الاعدام في بدايات صدام حسين. على ان الفارق هو لحساب السيد المالكي، ويستحق التقدير، أو بالأحرى التثمين، بلغة الثورات، وهو ان الاعدام هنا يتم بعد المحاكمة لا قبلها، وأقوال المحكومين تدون وهم أحياء.
كانت الولايات المتحدة تسارع الى ادانة احكام الاعدام والمحاكمات الصورية. وكانت تذكر الدول بحقوق الانسان. وكانت ترسل صحافييها تحت الخطر الشديد لكي يسجلوا كيف تخرق الثورات تلك الحقوق. لكن اميركا اكتفت الآن بالقول ان الطريقة (وليس الاعدام نفسه) شأن عراقي. وهي تستنكر «الفوضى» في الاعدام وليس مظاهرها ومضامينها ودلالاتها والهتاف لمقتدى الصدر رمز حقوق الانسان في العراق الجديد.
هناك ما هو أسوأ من السقوط السياسي: المسخرة في تبريره. ونحن نعرف ذلك في لبنان أكثر من سوانا. فالقاموس السياسي عندنا لا يقضي بإعطاء الكلمات معانيها ومفرداتها بل بإعطاء المساخر تبريراتها. لم تعد هناك كلمة تعني ما تعني، ولا عادت هناك لغة واحدة ولا مفهوم واحد ولا معايير واحدة.
لقد فقدنا في العالم العربي ما كان ذات يوم أس التراث وركن التخاطب: الشهامة والفروسية والصدق. ويبدو ان بعض الشعوب تستطيب الخدر أكثر من مخدريها. وتتعاظم ظاهرة اتباع الغوغائيين وانحسار الاوادم والعمارين ودعاة الحرية. ويعم الفساد السياسي والمالي والضمائري وسط تصفيق الجماهير وتهليلها. وثمة جماهير على مدى الامة منقسمة الى فريقين: واحد يلطم وينوح، وآخر يهلل ويهتف ويرقص حول الجثث المعلقة مثل آكلي لحوم البشر.
اذا كنا قد سلمنا منذ زمن بأن العقل العربي قد قضى، فماذا حدث للضمير العربي ومعايير الأخلاق وموروثات السلوك والعادات، ولماذا اصبحت الحال القومية بلا خيار. وصارت في ايد لا هموم قومية لها ولا مشاعر انسانية حتى في قعر الحد الأدنى. فالعربي القتيل والعربي الحي والعربي المشرد والعربي الجائع والعربي المجوع، هو مجرد رقم احصائي في خدمة «المقاومة» أو «السلطة»، أمة بلا مستقبل وبلا خيار. تدعي انها تخاف المحتلين والمستعمرين، لكنها في حقيقة دواخلها لا تخاف سوى نفسها وأهلها ونواياهم وما أظهروا وما يضمرون.
وها هو الناطق الاميركي يقول «لو تولينا نحن تنفيذ الاعدام لكان الامر مختلفا». كأن يكون أكثر حنانا ورأفة. وكان يمحى عن الشريط التهليل لمقتدى الصدر، كأنما صدام حسين لم يرتكب سوى جريمة واحدة في العراق هي قتل والده.
ويسعدنا في هذه المناسبة تثمين موقف الاخوة الاكراد. انهم غائبون عن السمع. ولا شأن للرئيس بما يقرره رئيس وزرائه ولا بصورة العراق ولا بمظاهر المشنقة والشنق واحجام الجلادين. وقد خسر صدام حسين كل معارك عمره، التي تميزت بالبلطجة والمسدس المربوط الى حزامه مثل رجال الكاوبوي، وربح معركة واحدة في الثواني الاخيرة من حياته، عندما بدا ارقى كثيرا من جلاديه، واهدأ اعصابا، وأرقى مظهرا. لقد فات حكام العراق اليوم ان يحولوا لحسابهم مشهدا مثيرا امام العالم ويظهروا كم انهم خليقون بنشر العدالة، لكن الارجح ان هذا أقصى ما يستطيعون.
مشهور
06/01/2007, 02:23 AM
يا أبناء الأرز كلكم: سيزيف!
في أساطير الإغريق، أن البطل عوليس ذهب فى مغامرات حول العالم. وغاب طويلا. عشرين عاما. وترك زوجته الجميلة بنيلوبة فتكاثر على بابها وتحت شباكها عشرات من الشباب يقولون لها: سيبك منه.. وهل معقول ان تضيعي شبابك من اجل رجل مجنون مثل زوجك!
ولكنها كانت على يقين من انه سوف يعود سالما مخلصا، كما أنها مخلصة له.. وكل يوم تقول لهم حكاية ورواية.. وأخيرا اهتدت الى حيلة قالت لهم: إنني أصنع بلوفر واذا اكتمل البلوفر فسوف اختار من بينكم رجلا! وكانت ما تصنعه بالليل تفكه بالنهار، ولم يكمل البلوفر عشرين عاما، حتى جاء زوجها وانقض على هؤلاء الشبان! والقصة تدل على صبر الزوجة واخلاصها. وتدل أيضا على الاصرار فى ان تمضي فى صنع البلوفر ليلا ونهارا دون ملل أو كلل! وكذلك فعل الشعب اللبناني في مواجهة الدمار والخراب، فالذى يهدمونه ليلا يعودون الى بنائه نهارا وهم مصرون على الهدم والبناء معا!!
وهناك قصة اخرى تقول: ان قضاة الاغريق حكموا على البطل سيزيف بأن يدفع أمامه حجرا الى أعلى الجبل. فإذا بلغ القمة انحدر الحجر الى السفح، فعاد سيزيف الى رفعه مرة اخرى الى القمة.. والى الابد!!
ولم يشعر البطل بأن هذا العذاب سخيف وممل. بل انه أراد أن يغيظ من عاقبوه، وكان يؤدي هذه العبقرية رافع الرأس واضح الابتسام.. كأنه اراد ان يقول: إن الذي يقوم به ليس سجنا مع الشغل والنفاذ.. وإنما هي رياضة الصعود والهبوط. يريد ان يقول لهم: انهم أرادوه عقابا، أما هو فأراده رياضة، أرادوا ان يحطموا رأسه، فرفعه الى أعلى.. أرادوا ان يكسروا ساقيه وقدميه، فازداد رشاقة وحيوية فلا انتهت العقوبة ولا سيزيف عرف اليأس!
وكذلك فعل الشعب اللبناني.. فالمحلات التجارية التي تهدمها القنابل او الصواريخ ليلا، يقومون ببنائها نهارا.. أو يعرضون سلعهم فوق الخرائب المجاورة لهم.. وكأن الحرب لم تفعل شيئا.. انهم لم يغلقوا دكانا، ولكنهم فتحوا واحدا آخر الى جواره.. ربما التقى الذي يبني والذي يهدم على منتهى واحد.. أو في دكان واحد.. فإذا جاء الليل ذهب صاحب الدكان لينام تحت الارض.. وذهب الرجل الآخر الى سلاحه يهدم الخرائب مرة اخرى.. فإذا طلع النهار عاد التاجر الى مكان مجاور وعاد المخرب الى نفس المكان يحول الحجارة الى تراب وهباب بعد ذلك!!
شيء عجيب أن تجد اللبنانين الذين تحطمت واجهاتهم الزجاجية، يعودون الى شراء واجهات أخرى ومن الزجاج أيضا.. إنهم يرفضون الدمار ويرفضون الخراب ويرفضون الموت.. انهم يواجهون القنابل بواجهات من زجاج، ويواجهون الصواريخ بإرادة من حديد!!
وليس بيننا أحد لم يحزن على الذي أصاب لبنان بأيدي أبنائها تجار السلاح والمخدرات والخونة والمرتزقة.. ولكن يسعدنا جميعا ان يعود لبنان الى ما كان عليه من جمال ودلال.. الى المقاهي الصغيرة البديعة.. والى أندية الليل الباهرة.. والى البيوت اللبنانية الدافئة.. فليس في شرقنا العربي أحد مثل أهل لبنان في الذوق واللطف والكلام الحلو.. وأذكر اني كنت أختلف مع الناشرين اللبنانيين الذين زوروا كتبي وسرقوني.. ونختلف ونهدد بأن نذهب الى القضاء.. ونختلف على الف او الفين من الليرات.. ولكن في الليل يقيم الناشر عشاء يدعو اليه أجمل وألطف الناس ويتكلف العشاء أكثر من عشرة آلاف ليرة. كيف؟ انه كناشر مصاص للدماء ولكن كصاحب بيت أو كإنسان في غاية الذوق والكرم والكلام الحلو ـ كلامه وكلام زوجته وأولاده!
والله وحشنا لبنان الجميل الفخم اللذيذ.. فلبنان ليس له نظير في الشرق بل وأجمل من كثير من بلاد الغرب.. وليس بيننا من لا يحمل له أجمل الذكريات وأبدعها وأبقاها..
ان سيزيف اللبناني قادر على أن يحقق المعجزات.. وقد بدأ فى ذلك.. وكلها سنوات وتعود الى أجمل ما صنع الله وما صنع الانسان أيضا!
vBulletin® v3.8.11, Copyright ©2000-2025