تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : عندما وطئ (عقالي) بالأقدام **مشعل السديري


مشهور
06/01/2007, 02:47 PM
عندما وطئ (عقالي) بالأقدام

في يوم شتائي بارد خرجت متعمداً كنوع من (عقاب الذات)، وقررت أن أذهب لمشاهدة فيلم في إحدى السينمات، وهذا الفيلم قد سمعت عنه كثيراً، وتحمست له أكثر، خصوصاً أن مواصفات بطلة الفيلم تلائمني كثيراً، ودمها (شربات). وبعد أن وصلت بعد مشوار من المشي لا يقل عن نصف ساعة، وكانت يداي وقتها ترتعدان داخل جيبَيْ معطفي، وخشمي العزيز يختبئ كأي طفل جبان خلف (لفحتي)، وإذا بي أتفاجأ بصف طويل عريض يلتف كالأفعى على مسافة لا تقل عن ثلاثمائة متر، طبعاً نسيت الفيلم وقلت (عنه ما كان)، ونسيت فتاة أحلامي وقلت (عنها ما كانت)، ووقفت فقط أتفرج على هؤلاء (المهابيل) المرتجفين من شدة البرد، بعضهم ينفخ بيديه، وبعضهم ينظر بساعته، وبعضهم يلتصق بمن هو أمامه طلباً للحرارة والدفء، وبعضهم يتقافز في مكانه ليقاوم (الحصر)، وبينما أنا كنت غارقاً بتأملي واستمتاعي بعذاب ومعاناة هؤلاء، وإذا بي ألمح رجلاً به شيء من (الحيوانية) يأتي فجأة ويحشر نفسه حشراً بين أفراد المقدمة من دون أي مراعاة للنظام أو شعور الآخرين، فما كان من الذي يقف خلفه إلا أن تناول قبعة رأسه التي كان يعتمرها، وخلعها ثم ناولها للذي خلفه، والذي خلفه ناولها للآخر الذي خلفه، وبما ان الجميع قد لاحظوا وشاهدوا ما فعله ذلك الأهوج الذي لم يحترم أي نظام أو شعور للآخرين، فقد تناول الجميع قبعته الواحد تلو الآخر، وعندما وصلت الى آخر واحد بالصف أخذ يلوّح بها لذلك الرجل، وقبل أن يصل إليه ليأخذها منه، رماها له على رصيف الشارع. وأخذ الجميع يتضاحكون، فيما تناول ذلك الرجل قبعته ونفضها وترك الصف بمن فيه وولى الأدبار ذاهباً على عجل. ذلك المنظر أو الموقف أرجعني القهقرى متذكراً موقفاً مشابهاً حصل لي شخصياً قبل عدة سنوات، وكنت وقتها أؤدي صلاة الجمعة في المسجد النبوي الشريف بالمدينة المنورة، وحرصاً مني وخوفاً على (عقالي) من أن يسقط عن رأسي عند الركوع والسجود، فقد أزحته وثبتُّه على مؤخرة رأسي، ومع أول ركعة لاحظت ولله الحمد انه ثابت ولم يسقط، فازداد سروري وإعجابي بذكائي، غير انني ما كدت أرفع رأسي وأستقيم مع الركعتين بكل نشاط، وإذا بعقالي يسقط للوراء ويقع على الراكع الذي خلفي، وهو لا شعورياً عندما استقام قذف به تلقائياً للذي خلفه، وهكذا توالى عقالي المسكين تتقاذف به الرؤوس من صف الى صف، الى ان انتهى به المقام على الأرض أمام رابع صف، ولا أكذب عليكم أن خشوعي (الله يعفو عني) قد تخلخل قليلاً، وأصبح كل همي هو التفكير بعقالي ـ خصوصاً أنه (مرعز) ـ، وما كاد الإمام ينتهي من تسليمته الثانية، إلاّ وأنا أتلفت للخلف باحثاً عنه، حاولت أن أسأل من هو خلفي، غير أنني لاحظت أنه مستغرق عني بالتسبيح، فاحترمت ذلك وانتظرت الى أن ينتهي من التسبيح، وعندما انتهى سلمت عليه أسأله: هل مر عليك عقال ضائع أو طائر؟!، فاعتقد أنني أمزح معه أو أستخف به، فقال لي: احترم نفسك نحن في أطهر مكان، فحكيت له ما حصل لي فعلاً فصدقني وقال: صحيح أنني أحسست بشيء يسقط على رأسي، غير أنني لا آبه عندما أكون في صلاتي سواء سقط على رأسي عقال أم قنبلة، قلت له: أبعد الله رأسك عن القنابل إن شاء الله لا يسقط على رأسك غير زهور (الغلا ديولا)، قل آمين، نظر إليّ وهز رأسه متعجباً ولم يقل آمين. وقفت حائراً وعيناي زائغتان الى أن انفضت الجموع، وإذا بي أجد عقالي ساقطاً معفوساً من كثرة ما وطئته الأقدام.