مشهور
06/01/2007, 02:58 PM
عندما يضن البحر ويمحل
عندما انهارت صناعة اللؤلؤ في الخليج اوائل القرن الماضي انهار كل شيء. كانت «صناعة» صعبة وشاقة وعمالها يتعبون ويتركون عائلاتهم ويغوصون في اعماق البحر، ويصابون في رئاتهم، وتضرب الشمس جلودهم، وينهكون ويضربهم اليأس عندما يضن البحر ويمحل. ومع ذلك كان الموسم يحرك كل شيء. المنازل تلقى الاطعمة. والاطفال يفرحون بالألبسة. والآباء تنشرح صدورهم لأنهم قدموا لعائلاتهم ما يرد الشح والقحط. وربما ايضاً بعض الألعاب غير كرة القدم المصنوعة من بقايا الأثواب والرقع القديمة.
وعندما بدأ اليابانيون في «زرع» اللؤلؤ، افتقر الخليج. الحداثة ألغت الاصالة وألغت المواسم. في لندن سألت عن صديق ناجح في حقل الطباعة، فقيل لي ان التطور في التصوير الغى ثلاثة أرباع عمله وعطل ثلاثة ارباع موظفيه، ومنذ سنوات افقنا ذات يوم لنجد ان اسهم شركة «زيروكس» تدنت من مرتبة «الصمود» الاقتصادي الى الانهيار، لأن كل الحداثة التي كانت توفرها اصبحت لا فائدة لها، فيما حلت محلها حداثة اخرى. وسألت عن بعض من اعرف في مكاتب السفر فقيل لي انهم اغلقوا الابواب ومشوا، لأن المسافر اليوم يقطع تذكرته ويحجز مقعده ويطلب الوجبة التي يريدها، من خلال الانترنت.
وكنت كتبت هنا قبل سنوات كثيرة ان الانترنت ستسعد بشراً وتسبب المآسي لآخرين. وانها سوف تلغي مئات آلاف الوظائف، كما الغى النفط تدريجياً المناجم، وكما الغت السيارة عربات الخيل، وكما اثرت الطائرة على حجم النقل البحري. واسوأ ما حدث للانسان المعاصر هو العولمة، لكن لم يعد ممكنا ان نعيش خارجها. لم يعد ممكنا لأي منزل في اي مكان من الأرض، ان يرمي طباخ الغاز من النافذة لأنه يريد العودة الى الفحم. فالعثور على الفحم في المدن اصبح في صعوبة العثور على الكهرباء في القرن التاسع عشر.
الحداثة تجرفنا من دون ان تأخذ رأينا في الأمر. وقبل ثلاثين عاماً كانت السيارات في لبنان بلا مكيف، الا قليلها. والآن المكيف قبل السيارة. لم يعد هناك ما يدهش ولا ما يفاجئ. العالم يتقدم من دون ان يتطلع الى الوراء، وإلا فلن يخطو خطوة واحدة الى الأمام. أما ما هو الامام وما هو الوراء في هذه الحال، فلست ادري، واذكر قولاً لفيلسوف الماني لم اعد اذكر من هو: «هل من الضروري ان تكون طريق العودة دائماً الى الوراء».
يفتح التقدم مجالات جديدة امام الناس ويغلق حقولاً كثيرة. «لقد حل القاموس الالكتروني محل «المورد» و«المنجد». وهو أيضاً قاموس ناطق يعلمك لفظ الكلمات. وعندما بدأت عملي كانت مهنة جمع الاحرف او صفها، مهنة الرجال الاشداء الذين يتحملون ضرر القصدير وهي الآن مهنة الصبايا. وللذين مثلي لا يعرفون استخدام الكومبيوتر حتى لصف المقالات، هناك آلة تقدم إليها مقالتك، فتصفها وترسلها. ولكن بالنسبة إليَّ طريقة استخدامها تتطلب الانتماء إلى عصر ما زلت خارجه.
عندما انهارت صناعة اللؤلؤ في الخليج اوائل القرن الماضي انهار كل شيء. كانت «صناعة» صعبة وشاقة وعمالها يتعبون ويتركون عائلاتهم ويغوصون في اعماق البحر، ويصابون في رئاتهم، وتضرب الشمس جلودهم، وينهكون ويضربهم اليأس عندما يضن البحر ويمحل. ومع ذلك كان الموسم يحرك كل شيء. المنازل تلقى الاطعمة. والاطفال يفرحون بالألبسة. والآباء تنشرح صدورهم لأنهم قدموا لعائلاتهم ما يرد الشح والقحط. وربما ايضاً بعض الألعاب غير كرة القدم المصنوعة من بقايا الأثواب والرقع القديمة.
وعندما بدأ اليابانيون في «زرع» اللؤلؤ، افتقر الخليج. الحداثة ألغت الاصالة وألغت المواسم. في لندن سألت عن صديق ناجح في حقل الطباعة، فقيل لي ان التطور في التصوير الغى ثلاثة أرباع عمله وعطل ثلاثة ارباع موظفيه، ومنذ سنوات افقنا ذات يوم لنجد ان اسهم شركة «زيروكس» تدنت من مرتبة «الصمود» الاقتصادي الى الانهيار، لأن كل الحداثة التي كانت توفرها اصبحت لا فائدة لها، فيما حلت محلها حداثة اخرى. وسألت عن بعض من اعرف في مكاتب السفر فقيل لي انهم اغلقوا الابواب ومشوا، لأن المسافر اليوم يقطع تذكرته ويحجز مقعده ويطلب الوجبة التي يريدها، من خلال الانترنت.
وكنت كتبت هنا قبل سنوات كثيرة ان الانترنت ستسعد بشراً وتسبب المآسي لآخرين. وانها سوف تلغي مئات آلاف الوظائف، كما الغى النفط تدريجياً المناجم، وكما الغت السيارة عربات الخيل، وكما اثرت الطائرة على حجم النقل البحري. واسوأ ما حدث للانسان المعاصر هو العولمة، لكن لم يعد ممكنا ان نعيش خارجها. لم يعد ممكنا لأي منزل في اي مكان من الأرض، ان يرمي طباخ الغاز من النافذة لأنه يريد العودة الى الفحم. فالعثور على الفحم في المدن اصبح في صعوبة العثور على الكهرباء في القرن التاسع عشر.
الحداثة تجرفنا من دون ان تأخذ رأينا في الأمر. وقبل ثلاثين عاماً كانت السيارات في لبنان بلا مكيف، الا قليلها. والآن المكيف قبل السيارة. لم يعد هناك ما يدهش ولا ما يفاجئ. العالم يتقدم من دون ان يتطلع الى الوراء، وإلا فلن يخطو خطوة واحدة الى الأمام. أما ما هو الامام وما هو الوراء في هذه الحال، فلست ادري، واذكر قولاً لفيلسوف الماني لم اعد اذكر من هو: «هل من الضروري ان تكون طريق العودة دائماً الى الوراء».
يفتح التقدم مجالات جديدة امام الناس ويغلق حقولاً كثيرة. «لقد حل القاموس الالكتروني محل «المورد» و«المنجد». وهو أيضاً قاموس ناطق يعلمك لفظ الكلمات. وعندما بدأت عملي كانت مهنة جمع الاحرف او صفها، مهنة الرجال الاشداء الذين يتحملون ضرر القصدير وهي الآن مهنة الصبايا. وللذين مثلي لا يعرفون استخدام الكومبيوتر حتى لصف المقالات، هناك آلة تقدم إليها مقالتك، فتصفها وترسلها. ولكن بالنسبة إليَّ طريقة استخدامها تتطلب الانتماء إلى عصر ما زلت خارجه.