مشاهدة النسخة كاملة : مسافر بلا أي شيء!**انيس منصور
مشهور
17/01/2007, 01:23 AM
مسافر بلا أي شيء!
أنا المسافر بلا حقائب ـ أو بلا أي شيء غير ملابسي. حدث ذلك سنة 1962 عندما سافرت مع القوات المصرية إلى الكونغو فى طائرة حربية أمريكية وحولي المدافع والقنابل المصرية لاستخدامها عند اللزوم في غابات الكونغو لحماية ثورة الرئيس لومومبا ـ وتحت علم الأمم المتحدة.. وكان من نصيبي أن اجلس في سيارة جيب في عكس اتجاه الطائرة! وأمضيت في الكونغو يوما واحدا!
ويوم سافرت حول العالم لمدة 228 يوما بلا توقف، كانت معي حقيبة واحدة بها ورق وقلم وملابسي الداخلية ليوم واحد. وكلما احتجت إلى تغيير ملابسي اشتريت ملابس جديدة لتبقى حقيبتي خالية ولا تدل على صاحبها! وعندما عدت إلى القاهرة في يناير سنة 1960 كانت الرحلة قد بدأت في يونيو سنة 1959 سألني موظف الجمارك إن كانت معي حقائب. فقلت: ولا واحدة! ولم يتسع الوقت لكي أحكي له قصة حياتي مع أطول رحلة قام بها كاتب في التاريخ. ولا أعرف كم مرة سافرت بعد ذلك. وكل الذي اذكره أن لدي 37 جواز سفر قد امتلأت بالتأشيرات ذهابا وإيابا! ومنذ أيام سافرت إلى المنصورة ـ بلدي الذي يبعد عن القاهرة 150 كيلومترا ـ وليوم واحد. واندهشت جدا لوجود عدد من الحقائب. ثلاث حقائب! ولكن لماذا؟
هناك حقيبة اسمها الصيدلية: ففي هذه الحقيبة كل العقاقير الخاصة بالبرد والزكام والسعال. أقراص وحبوب وسوائل. وكل العقاقير الخاصة بالإمساك والإسهال والمغص.. وحقيبة أخرى بها كل الملابس الصوفية.. جلباب صوف وبلوفرات صوف تحت الملابس الخارجية وفوقها.. ومن النادر أن استخدم كل هذه العقاقير. فليس هناك وقت ولا خوف من البرد. وحتى لو كان هناك برد ففي بلدنا عشرات الأطباء الأصدقاء والأقارب. ولا خوف من أي شيء! ولكن الخوف أصبح عادة وكذلك الوسوسة. ومن الغريب أنني في رحلتي حول العالم لم أصب إلا مرة واحدة بالزكام. وكانت العدوى من (الدلاي لاما) الذي كنت أول من قابله بعد فراره من التبت إلى جبال الهملايا.. ويكفي أن أتوهم لتنتقل العدوى إلى كل جهازي التنفسي. وأنا في سباق مع الموسيقار محمد عبد الوهاب. مرة يسبقني إلى الزكام ومرة أسبقه إلى العطس.. ومرة أسبقه في اكتشاف عقاقير جديدة في فرنسا، ويسبقني إلى معرفة عقاقير جديدة في أمريكا. وأنا اسبقه إلى تحذير أم كلثوم منه، أو يسبقني هو في تحذير طه حسين.. ويعتمد عبد الوهاب في معلوماته عن العقاقير على صديقه الأمير بدر بن عبد العزيز وأنا أعتمد على العالم فاروق الباز.. وتنتهي المباراة السنوية إلى صفر لحساب عبد الوهاب وصفر لحسابي أنا، فكل هذه العقاقير لم تفلح في إنقاذنا من الزكام والسعال!
مشهور
17/01/2007, 01:26 AM
بدل عن ضائع
كانت مارغريت ثاتشر أقرب الحلفاء إلى واشنطن والأكثر حماسةً للسياسة الأميركية. وقد ايدت الإدارة وساندتها حتى في أحد أكثر مواقفها استنكاراً في العالم، سواء بين الأصدقاء أو الخصوم. أي في التشيلي ودعم اغوستو بينوشيه، الديكتاتور الموصوف. لكن في الوقت نفسه كانت ثاتشر تعمل بالدرجة الأولى من أجل بريطانيا لا من أجل اميركا. وفي عز تلك العلاقة راحت تستغل الوضع الاقتصادي في أميركا من اجل ان تحول لندن الى مركز اقتصادي منافس لنيويورك وربما متقدم عليها.
الآن تحاول دولتان كبريان استغلال التخبط الأميركي في الشرق الأوسط: الصين وروسيا. وتحاول الصين التقرب من جميع الفرقاء دفعة واحدة، بينما تحاول روسيا ألا تغضب احداً. لكن يبدو ان النظام الاقتصادي ليس المتغير الوحيد في الصين التي تعيش الآن بالمتطلبات الاستهلاكية لأي دولة اخرى، من النفط الى السيارات الفاخرة الى اغلى دور الازياء الحديثة التي تملأ بكين الآن، خلافاً لذلك الطقم الموحد الشهير الذي عرف ببذلة ماو. وفيما يتكاثر الاعداء من حول اميركا، تحاول بكين استمالتهم الى صداقتها، هذه المرة دون أي استثناءات، ايديولوجية أو سواها. وتمارس روسيا الاتحادية سياسة مماثلة. ولذلك تلعب دورا غامضاً بين المتخاصمين من اجل ألا تغضب احداً، وعلى سبيل المثال اقترعت في مجلس الأمن الى جانب المحكمة الدولية في قضية الرئيس رفيق الحريري، لكنها طالبت خارج المجلس بتعديل بنودها. واستقبلت رئيس الحكومة اللبنانية فؤاد السنيورة الذي عاد مقتنعاً بأن موسكو تدعم سياساته كلياً، وبعد سفره استقبلت الرئيس السوري بشار الأسد الذي عاد مقتنعاً بالدعم الروسي التقليدي لدمشق. وعندما يتحدث السفير الروسي في بيروت عن القضايا العاجلة، يستخدم معرفته باللغة العربية لكي لا يقول شيئاً، أو لكي يقول كل الاشياء مرة واحدة. وكان السفير عضواً بارزاً في سفارة بيروت خلال الحرب اللبنانية، يوم كان الاتحاد السوفياتي يلعب دوراً رئيسياً في الصراع العنفي الدائر. لكن ذلك زمن وهذا زمن. ويحيط السفير نفسه بإطار من التواضع مظهراً الكثير من الحرص على عدم إظهار اي تحد أو أي استعلاء، كما كان الأمر مع السفراء السوفيات، الذين كانوا يرون في بيروت ساحة مثالية لمحاربة النفوذ الغربي ومواجهته.
انها الفرصة الذهبية بالنسبة للدولتين الكبريين. فقد زال من امامهما العائق الايديولوجي الذي كان قائماً في الصراع مع اميركا. انه اليوم صراع سياسي اقتصادي مع دولة غارقة في حرب العراق والنزاعات مع العرب، في حين تحاول الدولتان المنافستان الوقوف على مسافة واحدة من الجميع. وها هي بكين تعلم الفلسطينيين والاسرائيليين كيف يتفقون.
مشهور
17/01/2007, 01:28 AM
بلابل بني ياس
أفقت أمس على تغريد البلابل. المئات من البلابل. وربما الآلاف. لا أدري. واعتقدت عندما أفقت أنني في حلم، فعدت إلى النوم. لكنها ظلت تغرد تحت نافذتي. وتطلعت من خلف الزجاج فرأيت مئات العصافير فوق عشرات من أشجار «البوغانفيليا»، أحب العرائش عندي. وعندها قلت، يا صبي، انه حلم، فعد إلى النوم لكي لا ينقطع.
منذ سنوات طويلة حرمنا من تغريد البلابل والعصافير في لبنان. وعندما أفيق في الصباح في قريتي أرى شجرا كثيرا ولا اسمع بلبلا واحدا يغرد سيمفونيته، أو عصفورا صغيرا. أو حتى دوريا مهاجرا. لقد أخاف الصيادون أسراب الطير أو أبادوها. وأصبحت طيور الأرض والبحر تحيد عنا في طريق الصيف وطرق الشتاء. وقد زرعت في حديقتي الكثير من «البوغانفيليا» لكنها لا تزال صغيرة مثل زغب الطيور التي أجفلها صيادو لبنان.
جئنا إلى جزيرة «صير بني ياس» على أطراف أبوظبي ضيوفا على الشيخ محمد بن زايد. وصلنا في المساء ولم نر الكثير من الجزيرة المترامية. وفي الصباح قامت البلابل تعزف نشيد الفرح بلا انقطاع. هنا لا يقتلون العصافير. ويزرعون الشجر في الرمال، ويحلون المياه المالحة من أجل أن ينبت العشب وتعلو الأشجار ويكثر الفيء في الصحراء وتأمن البلابل إلى أنها سوف تغني دون خوف من متوحش. وهنا ربما أكثر من أي مكان في العالم يصبح أن تستعاد قصيدة الأصمعي المغردة «صوت صفير البلبل» التي وضعها على وزن التغريد الطويل:
صوت صفير البلبل هيج قلب الثمل
الماء والزهر معا مع زهر لحظ المقل
وأنت يا سيد لي وسيدي ومولي لي
فكم فكم تيمني غزيل عقيقلي
قطفته من وجنة من لثم ورد الخجل
فقال لا لا لا لا لا وقد غدا مهرول
والخوذ مالت طربا من فعل هذا الرجل
فولولت وولولت ولي ولي يا ويل لي
فقلت لا تولولي وبيني اللؤلؤ لي
قالت له حين كذا انهض وجد بالنقل
وقتية سقونني قهوة كالعسل لي
شممتها بأنفي أزكى من القرنفل
في وسط بستان حلي بالزهر والسرور لي
والعود دندن دنا لي والطبل طبطب طب لي
طب طبطب طب طبطب طب طبطب طبطب طب لي
والسقف سق سق سق لي والرقص قد طاب لي
شوى شوى وشاهش على ورق سفرجل
وغرد القمر يصيح ملل في ملل
ولو تراني راكبا على حمار اهزل
يمشي على ثلاثة كمشية العرنجل
والناس ترجم جملي في السوق بالقلقلل
والكل كعكع كعكع خلفي ومن حويللي
لكن مشية هاربا من خشية العقنقلي
الى لقاء ملك معظم مبجل
يأمر لي بخلعة حمراء كالدم دملي
اجر فيها ماشيا مبغددا للذيل
انا الاديب الالمعي من حي أرض الموصل
نظمت قطعا زخرفت يعجز عنها الأدب لي
أقول في مطلعها صوت صفير البلبل
مشهور
17/01/2007, 01:31 AM
الأم مدرسة
بينما كنت واقفاً أمام رجل الاستقبال في احد الفنادق، اخذ يبشرني انه في يوم الغد (الثلاثاء) سوف يقيم الفندق حفلة بالخارج في الهواء الطلق، وفي ثاني يوم صحوت من نومي نشيطاً متحمساً لحضور تلك الحفلة، غير انني تفاجأت بإعلان موضوع على صالة المدخل بالفندق وفيه التالي: يأسف الفندق بأن حفلة الثلاثاء الليلية سوف تقام يوم السبت من هذا الأسبوع بدلا من يوم الخميس، عندما قرأت ذلك اصابني ما يشبه الخلل في رأسي، فذهبت الى رجل الاستعلامات استفهم فقال لي: إن كل ما ورد في ذلك الاعلان غلط، فالحفلة سوف تقام يوم الاثنين.. عندها تركته رأساً وانطلقت الى الخارج لكي اقرأ وأتأكد من اسم ذلك المكان، وهل انا سكنت بالفعل في فندق، أم انني اخطأت الطريق والمكان وسكنت في (مرستان)؟!
>>>
في القرن السابع عشر كان هناك صراع لا يتوقف بين روسيا والقبائل (القوقازية)، وكان يقود احدى تلك القبائل زعيم شجاع ومشهور يقال له (شاميل)، وبينما كانت الحرب غير المتكافئة تدور بينه وبين قوات روسيا القيصرية، نصحته أمه بالاستسلام، فما كان منه إلا ان يحكم عليها بمائة جلدة، وفعلا بطحوها امامه وأخذ يجلدها وبعد ان ألهب ظهرها بأكثر من سبعين سوطاً اخذته الشفقة والندامة من كثرة صياحها وتوسلاتها، فأكب عليها باكياً وهو يقبلها ويعتذر لها، ويحكم هو على نفسه بألف جلدة تكفيراً له على ما اقترفه بحقها، وفعلا نفذوا فيه الحكم بعد ان شفيت امه من جراحها، وامر جنوده ان يكتفوه ويجلدوه بدون رحمة بنفس السوط الذي جلدت به امه، ولا يتوقفوا عن الجلد مهما طلب منهم ذلك الا إذا وافقت امه، وفعلا أحكموا وثاقه، وبطحوه امامها، وتناوب على جلده اربعة رجال أشداء، وبعد ان اخذت الآلام منه مأخذاً ما كان منه الا ان (يجأر) بالصياح ويدعوهم للتوقف، غير ان هؤلاء الرجال كلما سألوا الأم عن ذلك، كانت تقول لهم: استمروا وشددوا الضرب، ولفظ المسكين أنفاسه وهو تحت جلد السياط قبل ان يبلغوا ألف جلدة. وبعدها ما كان من تلك الأم (المنتقمة) إلا ان تقول للجنود: احفروا لهذه (الرمة) حفرة في نفس المكان وادفنوها، ثم خرجت وهي تجر اذيالها بكل كبرياء.
ولقد ذكرتني بأم عبد الله الصغير آخر ملوك غرناطة، عندما وبخت ابنها عندما شاهدته يبكي متحسراً بعد استسلامه وخروجه من غرناطة، وذلك عندما قالت له مقولتها الشهيرة. ابك مثل النساء، على ملك لم تحافظ عليه كالرجال. الحمد لله انه ليس لي أم كأم عبد الله الصغير، ولا أم كأم شاميل الأحمق الأهبل.
vBulletin® v3.8.11, Copyright ©2000-2025