عبد المجيد
30/01/2007, 12:19 AM
تفاصيل الحرب التى خاضها مقاتلو حزب الله ضد عـرب الأهـواز وعـرب العـراق
حسن صبرا
رئيس تحرير مجلة الشراع اللبنانية
لم يكن أشد المتشائمين فيما يتعلق بإمكانية «لبننة» حزب الله يظنون يوما بأن مشروع إدخال هذا الحزب بإمكاناته على مختلف الأصعدة إلى الدولة اللبنانية سينتهى بإدخال الدولة اللبنانية كلها - مجتمعا ومؤسسات - فى دهاليز الحسابات الإيرانية كورقة فى جيبها أو فى درجها تخرجها ساعة تشاء من خلال التقاط إيران قضية الصراع العربى مع العدو الصهيونى، فساندت حزب الله لتكون هى على خطوط العدو فى جنوب لبنان عبره، حيث الجبهة الوحيدة التى كانت مفتوحة وظلت فى المواجهة مع إسرائيل.
طبعا مر حزب الله باختبارات قوية عديدة، قبل أن تعمِّده إيران حصانها الرابح فى الصراع العربى - الصهيونى، وطبعا لم يكن الصراع الإيرانى مع إسرائيل من طبيعة الصراع العربى مع العدو، فإيران لا ترى فى المواجهة مع إسرائيل إلا فرصة ثمينة لتحسين شروطها فى أى تعامل مع الولايات المتحدة الأمريكية.. لعلها تسمح لها بما كانت أعطته واشنطن سابقا لشاه إيران شرطيا فى الخليج.. مع تحسين فى وضعية إيران المستفيدة من مشروعها الإسلامى لاختراق النسيج العربى اعتمادا على قوى بدأت تشكيلها انطلاقا من معطيات عربية متوفرة لمصلحتها وأهمها الصراع مع إسرائيل. وفى هاتين الحالتين، أى اختبار حزب الله إيرانيا ثم سرقة شعار المواجهة مع إسرائيل، فإن إيران لم تترك عند أحد شكا يوما ما بأن حساباتها الفارسية ليست فقط لا علاقة لها بأى مصلحة عربية.. بل ولا بأى مصلحة إسلامية، ودليلنا على ذلك مسألتان جوهريتان :
- المسألة الأولى فى العراق سابقا ولاحقا..
فقد جاء تشكيل إيران لحزب الله عام 1982 بعد أقل من عامين على بدء الحرب العراقية - الإيرانية «1980-1988»، التى مهما اختلف كثيرون فى تشخيص نظام الرئيس الراحل صدام حسين وسلوكه الفظيع فى التعامل مع الشعب العراقى المظلوم قبلها وبعدها، فإننا يجب ألا ننسى له فضيلة الوقوف فى وجه الجموح الإيرانى نحو المشرق العربى وقضية فلسطين تحديدا.. ولمن خانته ذاكرته فى إرهاصات الحرب الإيرانية - العراقية تلك.. نعيده إلى مشروع الإمام الخومينى - وهو مؤسس الجمهورية الإسلامية فى إيران - لتشكيل جيش القدس من 20 مليون مقاتل يزحف من طهران نحو بغداد فدمشق فبيروت ليكون على حدود فلسطين. كان على إيران لتنفيذ هذا المشروع اجتياح العراق أولا ثم سوريا «سلما بالتفاهم مع حافظ الأسد يومها، أو حربا..» ومن بعدها لبنان. وكان تشكيل هذا الجيش هو إعلان حرب على العراق خاضها صدام حسين يومها لمدة ثمانى سنوات فأوقف إيران عن زحفها. فلما سقط نظام البعث فى العراق بواسطة الاحتلال الأمريكى فى 9/4/2003، عاد الزحف الإيرانى من جديد ليتكرس فى هذه الحالة التى يعيشها العراق اليوم وشعبه ومجتمعه ووحدته تحت الاحتلال الأمريكى والإيرانى. المسألة الثانية: أن إيران التى صدها صدام حسين لثمانى سنوات عمدت إلى بدائل محلية فى كل بلد عربى استطاعت التأثير فيه مالا وسلاما وتحريضا مذهبيا وخطايا- من الأنظمة الحاكمة - وثقافة وفلسفة. من هذه البدائل حزب الله فى لبنان، ولنترك مؤسسه السيد على محتشمى يتحدث فى هذه المسألة ليقول فى حديث نشر فى جريدة إيرانية خلال الحرب الصهيونية على لبنان بعد أسر حزب الله الجنديين الصهيونيين يوم 12/7/2006 يقول محتشمى: استدعانى الإمام الخومينى وكنت سفيرا لإيران فى دمشق ليقول لى: إن زحفنا نحو فلسطين محفوف بالعقبات والمخاطر، فأمامنا دولتان لا نستطيع تجاوزهما وصولا إلى فلسطين هما تركيا، حيث انتمائها للحلف الأطلسى وأغلبيتها السنية لا تسمح لنا بالعبور منها إلى سوريا ففلسطين.. ثم أمامنا العراق، حيث أغلبية شعبه شيعية، لكن نظامه فى حالة حرب معنا، ولن يسمح لنا بالامتداد، ولم يعد أمامنا إلا الاعتماد على شباب فى لبنان نساعدهم كى يكونوا على حدود إسرائيل.. ومن هناك يمكن أن نطل على حدود فلسطين. يتابع محتشمى: إن هذه كانت بداية تشكيل حزب الله، والبدء بتدريبه وتسليحه وتمويله.. واختباره!!
كيف كان الاختبار ؟
يقول محتشمى : لقد تم إحضار المئات من الشباب اللبنانى الشيعى إلى إيران لتدريبهم واختبارهم بعد التدريب.. فقد كلفناهم بالمشاركة فى قمع ثورة عرب الأهواز والحمرة وعبادات، وهى الأراضى العربية التى سلمتها السلطات البريطانية لإيران وأطلقت عليها اسم عربستان أول الأمر، وهى تحمل اليوم اسم خورستان. قمع حزب الله اللبنانى بالمشاركة مع قوات الحرس الثورى الإيرانى ثورة العرب فى عربستان. والأهم من ذلك- يتابع محتشمى الذى أصبح فيما بعد وزيرا للداخلية، وهو من أركان الإصلاحيين الآن فى الحياة السياسية الإيرانية وأنصار الرئيس السابق محمد خاتمى- أن الحرس الثورى الإيرانى دفع بمقاتلين من حزب الله لمواجهة الجيش العراقى خلال الحرب العراقية- الإيرانية «1980-1988» علما بأن أغلبية هذا الجيش العربى من الطائفة العربية الإسلامية الشيعية. كان تعميد حزب الله بالقتال ضد جهتين عربيتين لحساب الفرس هو المدخل العملى الميدانى ليصبح الحزب ورقة إيرانية خالصة تردفها ثقافة مذهبية تجعل الحزب كله مربوط الولاء بمرجعية ولاية الفقيه التى نص دستور إيران الإسلامى عليها، على أن يكون الولى المرشد فيها فارسيا تحديدا وشيعيا اثنا عشريا أيضا.. ونص دستور حزب الله على أن الولى الفقيه «فى إيران» هو المرجع الأعلى له فى كل الأمور والمسائل سياسيا وفقهيا. ولا بأس بعد ذلك أن يقاتل حزب الله إسرائيل فى جنوب لبنان، فهذا القتال يعمده عربيا أول الأمر، فيستولى على قلوب الجماهير العربية العطشى لأى نصر ضد إسرائيل، وحيث العرب عاجزون عن توظيف أى نصر ضد إسرائيل لمصلحتهم لغياب أى مشروع لديهم، فإن إيران جاهزة لهذه الحالة، فلديها المشروع، ولديها الدولة القوية الفتية، ولديها الفلسفة الشمولية، ولديها الإمكانات.. وأمامها ضعف عربى شامل رأت فيه دائما رجل المنطقة المريض الجاهزة لوراثته كما ورثت الإمبراطوريات الاستعمارية الغربية رجل المنطقة المريض الدولة العثمانية فى القرن الماضى.
سوريا وإيران
كان نصر حزب الله على إسرائيل عام 2000 وإرغام قواتها المحتلة على الجلاء عن الأراضى اللبنانية فرصة عظيمة له ولإيران لاستثمار هذا الانتصار داخليا وفق مشروع طهران.. لكن الحاجة السورية للحزب فى مساومات نظام دمشق المفتوحة مع العدو الصهيونى حول الجولان أولا. ثم حاجة دمشق للبقاء فى لبنان، الدجاجة التى تبيض ذهبا، وقد سرق نظام دمشق من أموال الشعب اللبنانى عشرات مليارات الدولارات خلال 15 سنة من الوصاية القمعية للشعب اللبنانى، جعل حزب الله يؤخر هذا الاستثمار بابتداع مسألة مزارع شبعا اللبنانية التى دخلتها القوات السورية عام 1955 لأنها نقطة ربط بين الحدود اللبنانية والفلسطينية والسورية، واحتلتها إسرائيل خلال عدوان يونيو 1967 مع الجولان السورية. ظل الحزب على سلامه على الحدود مع العدو بحجة تحرير مزارع شبعا إرضاء للنظام السورى، فلما أرغم نظام دمشق على مغادرة لبنان بعد القرار 1559 الصادر إثر التهديد القسرى الذى فرضه بشار الأسد على الشعب اللبنانى 3 سنوات حكما لإميل لحود 2004، ثم اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريرى يوم 14/12/2005 وجدت إيران أن فرصتها لاستثمار وجود حزب الله فى لبنان عسكريا قد حانت فى ظل صعود إيرانى تمثل فى أمرين: الأمر الأول هو احتلال أمريكا للعراق.. حيث حولته إيران إلى احتلال مشترك أمريكى - إيرانى يعيث بالعراق فسادا وفتنة وتمزيقا نهبا ثم قتلا من خلال ثلاث قوى غير شرعية هى 1- الاحتلال الأمريكى 2- القاعدة التى يتم تسريبها من إيران وسوريا 3- فرق الموت التى شكلها الحرس الثورى الإيرانى داخل الأحزاب العراقية التى تم تدريبها فى إيران، وهى منظمة «بدر» التابعة للمجلس الأعلى للثورة الإسلامية فى العراق - حزب الدعوة - وجيش المهدى التابع لمقتدى الصدر. وهذه القوى فرضت عشرات التشكيلات على شكل عصابات مسلحة للقتل والنهب وتصفية الضباط العراقيين الذين حاربوا إيران خلال الحرب العراقية - الإيرانية. الأمر الثانى : هو اقتراب إيران من إمكانية تملك سلاح نووى بعد المساعدات القيمة التى حصلت عليها من أبو القنبلة الباكستانية الجنرال عبد القدير. وهكذا حصل انفجار حرب الصيف «يوليو / أغسطس 2006» فى ضوء تصاعد الموقف بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية.. فلما انتهى القتال العسكرى إلى هزيمة سياسية شاملة لحزب الله وإيران وفق القرار 1701 الذى أقفل جبهة القتال الوحيدة مع إسرائيل ومنع إيران أن تكون على حدود فلسطين المحتلة، وألغى إمكانية المساومة الإيرانية مع أمريكا انطلاقا من لبنان.. كان لابد أن يتوجه حزب الله إلى الداخل اللبنانى ليدخل معه إيران فى كل صغيرة وكبيرة فى لبنان.. ولا بأس أن تستفيد سوريا، خاصة بعد أن نجحت إيران فى استتباع النظام السورى من خلال المسائل التالية :
1- الضعف السورى الشامل سياسيا واقتصاديا وعزلة عربية ودولية، خاصة بعد سلوكها فى لبنان، وإخراج قواتها منه، وتحرر حزب الله من الاعتماد على نظام دمشق ليتحول حزب الله إلى حاجة سورية، أى أصبحت دمشق بحاجة إلى طهران.
2- بسبب هذه الحاجة، فإن إيران عمدت إلى إرسال الآلاف من عناصر الحرس الثورى الإيرانى إلى سوريا وأرسلت معهم معدات ثقيلة تمثلت فى شبكات من الصورايخ المضادة للطائرات وصواريخ باليستية تطال عمق الأراضى الفلسطينية المحتلة.
3- مساعدات اقتصادية نفطية ومالية وأرصدة فى مصرف سوريا المركزى. 4- اجتياح إيرانى للسياحة الدينية فى سوريا ترسل إيران بموجبها مئات آلاف من الزوار لمقام السيدة زينب فى دمشق.
وقد ربطت إيران هذا كله بأوسع عملية تشييع فارسية داخل سوريا بدءا من المدن الرئيسية وتحديدا فى دمشق وحلب، حيث أقليات شيعية سورية «تاريخيا».
ماذا يعنى شعار حزب الله «إلى الداخل در»؟!
احتفلت جبهة الجنوب بنشر 15 ألف جندى لبنانى، ومثلها من القوات الدولية، فى مناطق كان حزب الله قد أقام فيها جبهة عسكرية خالصة من أى وجود أمنى غريب عن الحزب وجمهوره، ومع هذا ظل الحزب يتباهى بامتلاكه كمية ونوعية من الأسلحة لا يملكها الجيش اللبنانى ولا طبعا اية جهة أخرى فى لبنان. ومادامت هذه الأسلحة لا يمكن الآن استخدامها ضد إسرائيل، فإنها باستمرارها فى أيدى الحزب تعنى أنها يمكن أن تستخدم ضد الدولة اللبنانية وجمهورها وأى جهة تعارض أى مشروع لحزب الله ومن ورائه إيران ومن أمامه نظام بشار الأسد. وحيث لكل أمر بداية.. فإن بداية المشكلة التى أرادها حزب الله فى الداخل اللبنانى لاستعراض قوته هى حديثه عن عدم وجود حكومة وطنية فى لبنان، فبدأ بتخوين الحكومة ورئيسها فؤاد السينورة وهو - أى الحزب وقياداته وإعلامه - كان يشيد بدور السينورة وأداء الحكومة خلال العدوان الصهيونى على لبنان بل ذهب حليف حزب الله رئيس مجلس النواب نبيه برى إلى القول يوم 31/8/2006- أى بعد 17 يوما على وقف إطلاق النار- أن حكومة السينورة هى حكومة المقاومة السياسية. تناغم حزب الله مع تهجم بشار الأسد على الحكومة وقوى 14 آذار الاستقلالية «سعد الحريرى- وليد جنبلاط - أمين الجميل- سمير جعجع» متهما إياها بأنها منتج إسرائيلى.. ومثلما تناغم حزب الله مع بشار الأسد فى تطاوله على الدول العربية الكبرى التى وقفت مع لبنان وشعبه خلال الحرب وقبلها وبعدها مثل مصر والمملكة العربية السعودية واصفا قياداتها بأنهم أنصاف الرجال!!
ورغم اتهام الحكومة ورئيسها بأنها خائنة وأنها حكومة السفير الأمريكى فيلتمان فإن مطلب حزب الله مازال حتى الآن الإمساك بالثلث المعطل داخل هذه الحكومة. لماذا؟ إذا أصبح لحزب الله وحلفائه الثلث المعطل داخل هذه الحكومة فإن هذا يعنى على الصعيد العملى ما يلى:
1- إمكانية فرط الحكومة بتقديم هؤلاء الوزراء استقالاتهم عند أى منعطف أو استحقاق يمس مصالح إيران وسوريا، فحسب الدستور تصبح الحكومة مستقيلة إذا استقال ثلث أعضائها.
2- استحالة تشكيل حكومة أخرى فى لبنان ليظل لبنان بلا حكومة، وحيث إن مؤسسات لبنان موزعة حسب الطائف أو الدستور بين رئاسة الجمهورية التى يرأسها أحد أتباع سوريا، وهو إميل لحود، ورئاسة مجلس النواب الذى يرأسه حليف حزب الله الرئيس نبيه برى، فلا تبقى إلا «رئاسة » الحكومة التى لن يتم تشكيلها أبدا إذا استقال وزراء حزب الله وحلفاؤه إلا وفق ما يريد هذا الحزب ومن خلفه إيران ومن أمامه نظام بشار.
ومتى تختلف مصلحة حزب الله ومصلحة لبنان؟!
هناك ثلاث محطات رئيسية يختلف فيها موقف حزب الله ومن ورائه إيران ومن أمامه بشار الأسد مع الدولة اللبنانية.. المحطة الأولى هى المحكمة الدولية التى سيشكلها مجلس الأمن الدولى لمحاكمة قتلة الرئيس الشهيد رفيق الحريرى الذين قتلوا وحاولوا قتل كل من مروان حمادة، وسمير نصير وجورج حاوى وإلياس المر ومى شدياق وجبران توينى وبييرأمين الجميل فضلا عن 14 عملية تفجير طالت مناطق مختلفة من الشباب بعد انسحاب القوات السورية عسكريا منه. يقول حزب الله أنه ضد هذه المحكمة لأنها ستحاكم مسئولين فيه على ارتكابهم عمليات خطف رهائن فى لبنان فى الثمانينيات من القرن الماضى.. وواقع الحال أن قانون المحكمة ونظامها لا يبحث هذه المسائل.. إنما يخاف حزب الله أن يتم سؤاله عن دوره فى اغتيال الحريرى والآخرين، لأنه صاحب أقوى جهاز أمنى فى لبنان، ولأن أمنه كان أول من وصل إلى ساحة جريمة قتل الحريرى بعد دقائق من التفجير الإرهابى.. ولأنه يعرف كل شاردة وواردة أمنية فى لبنان وهو المشهود له بمقارعة والانتصار على جهاز الموساد الصهيونى فى لبنان وبقدرته على خطف ضابط صهيونى وإحضار عملاء من داخل فلسطين المحتلة.. فلا يعقل ألا يعرف شيئا عن عمليات الاغتيالات التى تمت فى لبنان، علما بأن مروان حمادة يملك دليلا على أن السيارة التى استهدفته لاغتياله فى 1/10/2004 خرجت من مربع حزب الله الأمين بعد تفخيخها لقتله.. وعلما بأن الضباط السوريين المتهمين بعقد اجتماعات تمهيدية لجريمة قتل الحريرى كانوا يلتقون فى المربع الأمين التابع والخاضع لسيطرة حزب الله الأمنية الحاكمة، وهذه وغيرها من التفاصيل التى يعرفها حزب الله ولا يعرفها كثيرون تجعله يخشى التحقيقات التى أجراها المحقق الألمانى فى هذه الجريمة ديتليف ميلس، ومن ثم المحقق البلجيكى الذى خلفه سيرج براميرتس، ورغم أن زعيم الأغلبية النيابية سعد الحريرى قال إنه لا يتهم حزب الله فى جريمة قتل والده إلا أن حزب الله يخشى أن يتوصل التحقيق فى هذه الجريمة وغيرها إلى ما لا يريده.
هذا أولا
إلا أن الأهم أيضا أن النظام السورى المتورط حتى النخاع فى كل جرائم الاغتيالات التى تمت فى لبنان سواء اغتيال الرئيس الشهيد الحريرى إلى اغتيال الوزير الشهيد بيير الجميل أو تلك التى سبقت خلال الـ30 سنة السابقة من قتل الزعيم كمال جنبلاط إلى المفتى الشيخ حسن خالد إلى الرئيس بشير الجميل ورينيه معوض إلى عشرات الاغتيالات السياسية الأخرى. نظام بشار يعرف أن لجنة التحقيق الدولية تمتلك أدلة دامغة على تورطه فى هذه الجرائم، لذا فهو يعارض تشكيل المحكمة الدولية ولا يريد أن يسمع اسمها، وهو قال لآخر مبعوث بريطانى زاره منذ عدة أشهر: إننى لن أضع رقبتى تحت رحمة المقصلة الدولية. نظام بشار الأسد يريد إجهاض المحكمة الدولية عن طريق منع قيامها من لبنان بنسف الحكومة اللبنانية الحالية، ومنع وجود حكومة لبنانية ثانية نهائيا، وهو يقدر بواسطة حزب الله إذا حصل الحزب على الثلث المعطل فسيسيقل وزراؤه وحلفاؤه ولا تشكل حكومة جديدة. وبات من المعروف أن المملكة العربية السعودية التى كانت مهتمة بأمن سوريا حتى لا تتكرر فيها مأساة العراق أرسلت رئيس جهاز الأمن الوطنى الأمير بندر بن سلطان للقاء بشار الأسد وقد حاول الأمير السعودى إقناع بشار بتسليم صهره آصف شوكت لإبعاد المقصلة عنه فيتيح عقد صفقة على غرار صفقة لوكيربى بين أمريكا وليبيا التى سلمت ضابطين من أمن ليبيا للمحاكمة فسجن واحد وأطلق الآخر، لكن بشار رفض تسليم آصف شوكت، وهو صهره ويرأس الاستخبارات العسكرية، لأنه يخشى إذا حوكم شوكت أن يستدرج اسم شقيقه ماهر الأسد. فلما حاول بندر إقناع بشار بتسليم رستم غزالة الذى كان مسئول الاستخبارات السورية فى لبنان خلال اغتيال الحريرى، رد بشار بسرعة: لا، لأننى أخاف أن يتكلم هذا الضابط، وكانت هذه إشارة إلى عدم تسليم رستم غزالة المتورط فى الجريمة. وقد بلغ خوف بشار الأسد من المحكمة الدولية حد التوسل إلى موسكو أن تعدل نظامها الأساسى الذى يسمح بمسئولية الرئيس على المرءوس فشطبت هذه العبارة من نظام المحكمة، بحيث إذا اعتقل رستم غزالة فإن الرجل الآخر الذى سيعتقل هو بشار نفسه، لأن الجميع يعرف فى لبنان وسوريا أن غزالة كان يتلقى تعليماته من بشار نفسه ومباشرة.
القرار 1701
شطب القرار 1701 الوجود الإيرانى على حدود فلسطين المحتلة، وألغى مفعول قوة حزب الله على الحدود لاستخدامها بناء على طلب إيران فى حال حصول مواجهة بين إيران وإسرائيل، وهذا القرار الذى أمده مجلس الأمن الدولى لوقف حرب صيف 2006 وافقت عليه حكومة السنيورة وحزب الله كان مشاركا فيها. الآن حزب الله يريد تطيير الحكومة حتى يلغى مفاعيل موافقة الدولة اللبنانية على هذا القرار بتعذر تشكيل حكومة جديدة وبالعودة إلى التواجد الأمنى باستهداف القوات الدولية فى جنوب لبنان. ولا ننسى أن رئيس إيران أحمدى نجاد قال إن بلاده ستعاقب الدول التى تفرض عقوبات على إيران حسب القرار 1737 لرفضها وقف تخصيب اليورانيوم.. وهذا يعنى معاقبة فرنسا وإيطاليا وإسبانيا وهى الدول التى وافقت على القرار الدولى وتلتزم به.. وهى الدول وغيرها التى نشرت قواتها فى جنوب لبنان.
باريس 3
هو المؤتمر العربى والدولى لمساندة لبنان اقتصاديا، وسوريا وإيران وحزب الله ضد هذا المؤتمر، لأنه يمكن حكومة لبنان من الوقوف على رجليها للملمة جراحها الاقتصادية التى تسبب فيها العدوان الصهيونى على لبنان، وقد أعطاه حزب الله المبرر والفرصة كى يدمر ويلحق خسائر بلبنان تزيد على 10 مليارات دولار أمريكى. حزب الله ونظام بشار يراهنان على عجز حكومة لبنان عن دفع رواتب موظفيها وفى مقدمتهم جنود الجيش اللبنانى المنتشر فى الجنوب، وبالتالى يعجزها عن تجنيد المزيد من الشباب فى الجيش لاعتبارات اجتماعية ووطنية، فتجد الدولة نفسها عاجزة عن القيام بواجباتها.. فتكون دولة حزب الله جاهزة للحلول مكانها. دولة حزب الله حصلت خلال السنوات العديدة الماضية على نحو 20 مليار دولار مساعدات من إيران لتمكن نفسها من بناء جيش ومؤسسات ونشر ثقافتها وفلسفتها المذهبية المعادية لوحدة الإسلام والمعادية للعروبة. دولة حزب الله ترهق الجيش اللبنانى وقوى الأمن الداخلى فى اعتصاماتها ومظاهراتها لتفتيت القوى الأمنية المركزية وإظهار عجز الدولة عن حماية شعبها ومؤسساتها. دولة حزب الله التى أعلن أمينها العام حسن نصر الله أنه جاهز كى يكون هو الدولة العادلة والقادرة.. يريدها أن تحل محل الدولة اللبنانية.. وعندئذ تأتى إيران لتساعدها وتأخذها فى أحضانها.. والذى يعطى المال يملك القرار، وهذا هو حال حزب الله مع إيران ويريد تعميم التجربة على كل لبنان. هذه المسائل الثلاث وغيرها هى عناوين المواجهة بين حزب الله ومن ورائه إيران ومن أمامه نظام بشار، التى يعيشها لبنان دولة وشعبا ومؤسسات.
كيف الخلاص؟
حزب الله أوصل الأمور إلى نقطة الصدام كى تدخل إيران على الخط لإعادة رسم الخارطة السياسية الرسمية ضمن المؤسسات وفق الحسابات الإيرانية، أى حصة أكبر لحزب الله وأتباعه فى السلطة إمساسا بها وإ خضاعا للسياسة الإيرانية عبرها. وإيران تريد من هذا الإمساك مساومة أمريكا على ملفها النووى ولما ردت أمريكا بتصعيد الموقف فى العراق لجأت إيران إلى المملكة العربية السعودية التى زارها مسئول الملف النووى الإيرانى على لاريجانى فى إشارة واضحة للربط بين الملف النووى ولبنان وفى محاولة لحل وسط كان جاهزا سلفا فقد اتفقت إيران والسعودية على حل للأزمة يتناسب مع مشروع أو مبادرة أمين عام جامعة الدول العربية.. لكن عقبتين واجهتا الاتفاق السعودى الإيرانى العقبة الأولى: أن بشار الأسد لا يريد نجاح مبادرة عمرو موسى لأنها تلحظ موافقة الحكومة اللبنانية على تشكيل المحكمة الدولية.. وبشار الأسد لا يريد أن يسمح بها. العقبة الثانية: أن شريك حزب الله المارونى ميشيل عون لاحظ فى مبادرة عمرو موسى إجراء انتخابات رئاسية يتفق فيها الفرقاء على رئيس توافقى، فيقضى على مستقبل عون السياسى، لأنه غير مقبول من الأكثرية اللبنانية.
لذا انفجر الوضع فى لبنان لمدة 24 ساعة تداعى فيها العالم لوقفة خاصة بعد أن تبين الطابع المذهبى لحركة حزب الله الذى هاجم جمهوره مناطق المسلمين السنة وحاصر بيروت بالكامل مثلما حاصرها العدو الصهيونى عام 1982.
ومن يظن أن وقف إضراب حزب الله ادخل لبنان فى هدنة واهم لأن الاعتصام الذى ينفذه الحزب مازال قائما، ولأن المشروع الإيرانى مازال حاضرا، ولأن حزب الله وأمينه العام محاصر بإرادته وثقافته وهوائه بين مطرقة المشروع الإيرانى وسندان الخوف السورى.
حسن صبرا
رئيس تحرير مجلة الشراع اللبنانية
لم يكن أشد المتشائمين فيما يتعلق بإمكانية «لبننة» حزب الله يظنون يوما بأن مشروع إدخال هذا الحزب بإمكاناته على مختلف الأصعدة إلى الدولة اللبنانية سينتهى بإدخال الدولة اللبنانية كلها - مجتمعا ومؤسسات - فى دهاليز الحسابات الإيرانية كورقة فى جيبها أو فى درجها تخرجها ساعة تشاء من خلال التقاط إيران قضية الصراع العربى مع العدو الصهيونى، فساندت حزب الله لتكون هى على خطوط العدو فى جنوب لبنان عبره، حيث الجبهة الوحيدة التى كانت مفتوحة وظلت فى المواجهة مع إسرائيل.
طبعا مر حزب الله باختبارات قوية عديدة، قبل أن تعمِّده إيران حصانها الرابح فى الصراع العربى - الصهيونى، وطبعا لم يكن الصراع الإيرانى مع إسرائيل من طبيعة الصراع العربى مع العدو، فإيران لا ترى فى المواجهة مع إسرائيل إلا فرصة ثمينة لتحسين شروطها فى أى تعامل مع الولايات المتحدة الأمريكية.. لعلها تسمح لها بما كانت أعطته واشنطن سابقا لشاه إيران شرطيا فى الخليج.. مع تحسين فى وضعية إيران المستفيدة من مشروعها الإسلامى لاختراق النسيج العربى اعتمادا على قوى بدأت تشكيلها انطلاقا من معطيات عربية متوفرة لمصلحتها وأهمها الصراع مع إسرائيل. وفى هاتين الحالتين، أى اختبار حزب الله إيرانيا ثم سرقة شعار المواجهة مع إسرائيل، فإن إيران لم تترك عند أحد شكا يوما ما بأن حساباتها الفارسية ليست فقط لا علاقة لها بأى مصلحة عربية.. بل ولا بأى مصلحة إسلامية، ودليلنا على ذلك مسألتان جوهريتان :
- المسألة الأولى فى العراق سابقا ولاحقا..
فقد جاء تشكيل إيران لحزب الله عام 1982 بعد أقل من عامين على بدء الحرب العراقية - الإيرانية «1980-1988»، التى مهما اختلف كثيرون فى تشخيص نظام الرئيس الراحل صدام حسين وسلوكه الفظيع فى التعامل مع الشعب العراقى المظلوم قبلها وبعدها، فإننا يجب ألا ننسى له فضيلة الوقوف فى وجه الجموح الإيرانى نحو المشرق العربى وقضية فلسطين تحديدا.. ولمن خانته ذاكرته فى إرهاصات الحرب الإيرانية - العراقية تلك.. نعيده إلى مشروع الإمام الخومينى - وهو مؤسس الجمهورية الإسلامية فى إيران - لتشكيل جيش القدس من 20 مليون مقاتل يزحف من طهران نحو بغداد فدمشق فبيروت ليكون على حدود فلسطين. كان على إيران لتنفيذ هذا المشروع اجتياح العراق أولا ثم سوريا «سلما بالتفاهم مع حافظ الأسد يومها، أو حربا..» ومن بعدها لبنان. وكان تشكيل هذا الجيش هو إعلان حرب على العراق خاضها صدام حسين يومها لمدة ثمانى سنوات فأوقف إيران عن زحفها. فلما سقط نظام البعث فى العراق بواسطة الاحتلال الأمريكى فى 9/4/2003، عاد الزحف الإيرانى من جديد ليتكرس فى هذه الحالة التى يعيشها العراق اليوم وشعبه ومجتمعه ووحدته تحت الاحتلال الأمريكى والإيرانى. المسألة الثانية: أن إيران التى صدها صدام حسين لثمانى سنوات عمدت إلى بدائل محلية فى كل بلد عربى استطاعت التأثير فيه مالا وسلاما وتحريضا مذهبيا وخطايا- من الأنظمة الحاكمة - وثقافة وفلسفة. من هذه البدائل حزب الله فى لبنان، ولنترك مؤسسه السيد على محتشمى يتحدث فى هذه المسألة ليقول فى حديث نشر فى جريدة إيرانية خلال الحرب الصهيونية على لبنان بعد أسر حزب الله الجنديين الصهيونيين يوم 12/7/2006 يقول محتشمى: استدعانى الإمام الخومينى وكنت سفيرا لإيران فى دمشق ليقول لى: إن زحفنا نحو فلسطين محفوف بالعقبات والمخاطر، فأمامنا دولتان لا نستطيع تجاوزهما وصولا إلى فلسطين هما تركيا، حيث انتمائها للحلف الأطلسى وأغلبيتها السنية لا تسمح لنا بالعبور منها إلى سوريا ففلسطين.. ثم أمامنا العراق، حيث أغلبية شعبه شيعية، لكن نظامه فى حالة حرب معنا، ولن يسمح لنا بالامتداد، ولم يعد أمامنا إلا الاعتماد على شباب فى لبنان نساعدهم كى يكونوا على حدود إسرائيل.. ومن هناك يمكن أن نطل على حدود فلسطين. يتابع محتشمى: إن هذه كانت بداية تشكيل حزب الله، والبدء بتدريبه وتسليحه وتمويله.. واختباره!!
كيف كان الاختبار ؟
يقول محتشمى : لقد تم إحضار المئات من الشباب اللبنانى الشيعى إلى إيران لتدريبهم واختبارهم بعد التدريب.. فقد كلفناهم بالمشاركة فى قمع ثورة عرب الأهواز والحمرة وعبادات، وهى الأراضى العربية التى سلمتها السلطات البريطانية لإيران وأطلقت عليها اسم عربستان أول الأمر، وهى تحمل اليوم اسم خورستان. قمع حزب الله اللبنانى بالمشاركة مع قوات الحرس الثورى الإيرانى ثورة العرب فى عربستان. والأهم من ذلك- يتابع محتشمى الذى أصبح فيما بعد وزيرا للداخلية، وهو من أركان الإصلاحيين الآن فى الحياة السياسية الإيرانية وأنصار الرئيس السابق محمد خاتمى- أن الحرس الثورى الإيرانى دفع بمقاتلين من حزب الله لمواجهة الجيش العراقى خلال الحرب العراقية- الإيرانية «1980-1988» علما بأن أغلبية هذا الجيش العربى من الطائفة العربية الإسلامية الشيعية. كان تعميد حزب الله بالقتال ضد جهتين عربيتين لحساب الفرس هو المدخل العملى الميدانى ليصبح الحزب ورقة إيرانية خالصة تردفها ثقافة مذهبية تجعل الحزب كله مربوط الولاء بمرجعية ولاية الفقيه التى نص دستور إيران الإسلامى عليها، على أن يكون الولى المرشد فيها فارسيا تحديدا وشيعيا اثنا عشريا أيضا.. ونص دستور حزب الله على أن الولى الفقيه «فى إيران» هو المرجع الأعلى له فى كل الأمور والمسائل سياسيا وفقهيا. ولا بأس بعد ذلك أن يقاتل حزب الله إسرائيل فى جنوب لبنان، فهذا القتال يعمده عربيا أول الأمر، فيستولى على قلوب الجماهير العربية العطشى لأى نصر ضد إسرائيل، وحيث العرب عاجزون عن توظيف أى نصر ضد إسرائيل لمصلحتهم لغياب أى مشروع لديهم، فإن إيران جاهزة لهذه الحالة، فلديها المشروع، ولديها الدولة القوية الفتية، ولديها الفلسفة الشمولية، ولديها الإمكانات.. وأمامها ضعف عربى شامل رأت فيه دائما رجل المنطقة المريض الجاهزة لوراثته كما ورثت الإمبراطوريات الاستعمارية الغربية رجل المنطقة المريض الدولة العثمانية فى القرن الماضى.
سوريا وإيران
كان نصر حزب الله على إسرائيل عام 2000 وإرغام قواتها المحتلة على الجلاء عن الأراضى اللبنانية فرصة عظيمة له ولإيران لاستثمار هذا الانتصار داخليا وفق مشروع طهران.. لكن الحاجة السورية للحزب فى مساومات نظام دمشق المفتوحة مع العدو الصهيونى حول الجولان أولا. ثم حاجة دمشق للبقاء فى لبنان، الدجاجة التى تبيض ذهبا، وقد سرق نظام دمشق من أموال الشعب اللبنانى عشرات مليارات الدولارات خلال 15 سنة من الوصاية القمعية للشعب اللبنانى، جعل حزب الله يؤخر هذا الاستثمار بابتداع مسألة مزارع شبعا اللبنانية التى دخلتها القوات السورية عام 1955 لأنها نقطة ربط بين الحدود اللبنانية والفلسطينية والسورية، واحتلتها إسرائيل خلال عدوان يونيو 1967 مع الجولان السورية. ظل الحزب على سلامه على الحدود مع العدو بحجة تحرير مزارع شبعا إرضاء للنظام السورى، فلما أرغم نظام دمشق على مغادرة لبنان بعد القرار 1559 الصادر إثر التهديد القسرى الذى فرضه بشار الأسد على الشعب اللبنانى 3 سنوات حكما لإميل لحود 2004، ثم اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريرى يوم 14/12/2005 وجدت إيران أن فرصتها لاستثمار وجود حزب الله فى لبنان عسكريا قد حانت فى ظل صعود إيرانى تمثل فى أمرين: الأمر الأول هو احتلال أمريكا للعراق.. حيث حولته إيران إلى احتلال مشترك أمريكى - إيرانى يعيث بالعراق فسادا وفتنة وتمزيقا نهبا ثم قتلا من خلال ثلاث قوى غير شرعية هى 1- الاحتلال الأمريكى 2- القاعدة التى يتم تسريبها من إيران وسوريا 3- فرق الموت التى شكلها الحرس الثورى الإيرانى داخل الأحزاب العراقية التى تم تدريبها فى إيران، وهى منظمة «بدر» التابعة للمجلس الأعلى للثورة الإسلامية فى العراق - حزب الدعوة - وجيش المهدى التابع لمقتدى الصدر. وهذه القوى فرضت عشرات التشكيلات على شكل عصابات مسلحة للقتل والنهب وتصفية الضباط العراقيين الذين حاربوا إيران خلال الحرب العراقية - الإيرانية. الأمر الثانى : هو اقتراب إيران من إمكانية تملك سلاح نووى بعد المساعدات القيمة التى حصلت عليها من أبو القنبلة الباكستانية الجنرال عبد القدير. وهكذا حصل انفجار حرب الصيف «يوليو / أغسطس 2006» فى ضوء تصاعد الموقف بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية.. فلما انتهى القتال العسكرى إلى هزيمة سياسية شاملة لحزب الله وإيران وفق القرار 1701 الذى أقفل جبهة القتال الوحيدة مع إسرائيل ومنع إيران أن تكون على حدود فلسطين المحتلة، وألغى إمكانية المساومة الإيرانية مع أمريكا انطلاقا من لبنان.. كان لابد أن يتوجه حزب الله إلى الداخل اللبنانى ليدخل معه إيران فى كل صغيرة وكبيرة فى لبنان.. ولا بأس أن تستفيد سوريا، خاصة بعد أن نجحت إيران فى استتباع النظام السورى من خلال المسائل التالية :
1- الضعف السورى الشامل سياسيا واقتصاديا وعزلة عربية ودولية، خاصة بعد سلوكها فى لبنان، وإخراج قواتها منه، وتحرر حزب الله من الاعتماد على نظام دمشق ليتحول حزب الله إلى حاجة سورية، أى أصبحت دمشق بحاجة إلى طهران.
2- بسبب هذه الحاجة، فإن إيران عمدت إلى إرسال الآلاف من عناصر الحرس الثورى الإيرانى إلى سوريا وأرسلت معهم معدات ثقيلة تمثلت فى شبكات من الصورايخ المضادة للطائرات وصواريخ باليستية تطال عمق الأراضى الفلسطينية المحتلة.
3- مساعدات اقتصادية نفطية ومالية وأرصدة فى مصرف سوريا المركزى. 4- اجتياح إيرانى للسياحة الدينية فى سوريا ترسل إيران بموجبها مئات آلاف من الزوار لمقام السيدة زينب فى دمشق.
وقد ربطت إيران هذا كله بأوسع عملية تشييع فارسية داخل سوريا بدءا من المدن الرئيسية وتحديدا فى دمشق وحلب، حيث أقليات شيعية سورية «تاريخيا».
ماذا يعنى شعار حزب الله «إلى الداخل در»؟!
احتفلت جبهة الجنوب بنشر 15 ألف جندى لبنانى، ومثلها من القوات الدولية، فى مناطق كان حزب الله قد أقام فيها جبهة عسكرية خالصة من أى وجود أمنى غريب عن الحزب وجمهوره، ومع هذا ظل الحزب يتباهى بامتلاكه كمية ونوعية من الأسلحة لا يملكها الجيش اللبنانى ولا طبعا اية جهة أخرى فى لبنان. ومادامت هذه الأسلحة لا يمكن الآن استخدامها ضد إسرائيل، فإنها باستمرارها فى أيدى الحزب تعنى أنها يمكن أن تستخدم ضد الدولة اللبنانية وجمهورها وأى جهة تعارض أى مشروع لحزب الله ومن ورائه إيران ومن أمامه نظام بشار الأسد. وحيث لكل أمر بداية.. فإن بداية المشكلة التى أرادها حزب الله فى الداخل اللبنانى لاستعراض قوته هى حديثه عن عدم وجود حكومة وطنية فى لبنان، فبدأ بتخوين الحكومة ورئيسها فؤاد السينورة وهو - أى الحزب وقياداته وإعلامه - كان يشيد بدور السينورة وأداء الحكومة خلال العدوان الصهيونى على لبنان بل ذهب حليف حزب الله رئيس مجلس النواب نبيه برى إلى القول يوم 31/8/2006- أى بعد 17 يوما على وقف إطلاق النار- أن حكومة السينورة هى حكومة المقاومة السياسية. تناغم حزب الله مع تهجم بشار الأسد على الحكومة وقوى 14 آذار الاستقلالية «سعد الحريرى- وليد جنبلاط - أمين الجميل- سمير جعجع» متهما إياها بأنها منتج إسرائيلى.. ومثلما تناغم حزب الله مع بشار الأسد فى تطاوله على الدول العربية الكبرى التى وقفت مع لبنان وشعبه خلال الحرب وقبلها وبعدها مثل مصر والمملكة العربية السعودية واصفا قياداتها بأنهم أنصاف الرجال!!
ورغم اتهام الحكومة ورئيسها بأنها خائنة وأنها حكومة السفير الأمريكى فيلتمان فإن مطلب حزب الله مازال حتى الآن الإمساك بالثلث المعطل داخل هذه الحكومة. لماذا؟ إذا أصبح لحزب الله وحلفائه الثلث المعطل داخل هذه الحكومة فإن هذا يعنى على الصعيد العملى ما يلى:
1- إمكانية فرط الحكومة بتقديم هؤلاء الوزراء استقالاتهم عند أى منعطف أو استحقاق يمس مصالح إيران وسوريا، فحسب الدستور تصبح الحكومة مستقيلة إذا استقال ثلث أعضائها.
2- استحالة تشكيل حكومة أخرى فى لبنان ليظل لبنان بلا حكومة، وحيث إن مؤسسات لبنان موزعة حسب الطائف أو الدستور بين رئاسة الجمهورية التى يرأسها أحد أتباع سوريا، وهو إميل لحود، ورئاسة مجلس النواب الذى يرأسه حليف حزب الله الرئيس نبيه برى، فلا تبقى إلا «رئاسة » الحكومة التى لن يتم تشكيلها أبدا إذا استقال وزراء حزب الله وحلفاؤه إلا وفق ما يريد هذا الحزب ومن خلفه إيران ومن أمامه نظام بشار.
ومتى تختلف مصلحة حزب الله ومصلحة لبنان؟!
هناك ثلاث محطات رئيسية يختلف فيها موقف حزب الله ومن ورائه إيران ومن أمامه بشار الأسد مع الدولة اللبنانية.. المحطة الأولى هى المحكمة الدولية التى سيشكلها مجلس الأمن الدولى لمحاكمة قتلة الرئيس الشهيد رفيق الحريرى الذين قتلوا وحاولوا قتل كل من مروان حمادة، وسمير نصير وجورج حاوى وإلياس المر ومى شدياق وجبران توينى وبييرأمين الجميل فضلا عن 14 عملية تفجير طالت مناطق مختلفة من الشباب بعد انسحاب القوات السورية عسكريا منه. يقول حزب الله أنه ضد هذه المحكمة لأنها ستحاكم مسئولين فيه على ارتكابهم عمليات خطف رهائن فى لبنان فى الثمانينيات من القرن الماضى.. وواقع الحال أن قانون المحكمة ونظامها لا يبحث هذه المسائل.. إنما يخاف حزب الله أن يتم سؤاله عن دوره فى اغتيال الحريرى والآخرين، لأنه صاحب أقوى جهاز أمنى فى لبنان، ولأن أمنه كان أول من وصل إلى ساحة جريمة قتل الحريرى بعد دقائق من التفجير الإرهابى.. ولأنه يعرف كل شاردة وواردة أمنية فى لبنان وهو المشهود له بمقارعة والانتصار على جهاز الموساد الصهيونى فى لبنان وبقدرته على خطف ضابط صهيونى وإحضار عملاء من داخل فلسطين المحتلة.. فلا يعقل ألا يعرف شيئا عن عمليات الاغتيالات التى تمت فى لبنان، علما بأن مروان حمادة يملك دليلا على أن السيارة التى استهدفته لاغتياله فى 1/10/2004 خرجت من مربع حزب الله الأمين بعد تفخيخها لقتله.. وعلما بأن الضباط السوريين المتهمين بعقد اجتماعات تمهيدية لجريمة قتل الحريرى كانوا يلتقون فى المربع الأمين التابع والخاضع لسيطرة حزب الله الأمنية الحاكمة، وهذه وغيرها من التفاصيل التى يعرفها حزب الله ولا يعرفها كثيرون تجعله يخشى التحقيقات التى أجراها المحقق الألمانى فى هذه الجريمة ديتليف ميلس، ومن ثم المحقق البلجيكى الذى خلفه سيرج براميرتس، ورغم أن زعيم الأغلبية النيابية سعد الحريرى قال إنه لا يتهم حزب الله فى جريمة قتل والده إلا أن حزب الله يخشى أن يتوصل التحقيق فى هذه الجريمة وغيرها إلى ما لا يريده.
هذا أولا
إلا أن الأهم أيضا أن النظام السورى المتورط حتى النخاع فى كل جرائم الاغتيالات التى تمت فى لبنان سواء اغتيال الرئيس الشهيد الحريرى إلى اغتيال الوزير الشهيد بيير الجميل أو تلك التى سبقت خلال الـ30 سنة السابقة من قتل الزعيم كمال جنبلاط إلى المفتى الشيخ حسن خالد إلى الرئيس بشير الجميل ورينيه معوض إلى عشرات الاغتيالات السياسية الأخرى. نظام بشار يعرف أن لجنة التحقيق الدولية تمتلك أدلة دامغة على تورطه فى هذه الجرائم، لذا فهو يعارض تشكيل المحكمة الدولية ولا يريد أن يسمع اسمها، وهو قال لآخر مبعوث بريطانى زاره منذ عدة أشهر: إننى لن أضع رقبتى تحت رحمة المقصلة الدولية. نظام بشار الأسد يريد إجهاض المحكمة الدولية عن طريق منع قيامها من لبنان بنسف الحكومة اللبنانية الحالية، ومنع وجود حكومة لبنانية ثانية نهائيا، وهو يقدر بواسطة حزب الله إذا حصل الحزب على الثلث المعطل فسيسيقل وزراؤه وحلفاؤه ولا تشكل حكومة جديدة. وبات من المعروف أن المملكة العربية السعودية التى كانت مهتمة بأمن سوريا حتى لا تتكرر فيها مأساة العراق أرسلت رئيس جهاز الأمن الوطنى الأمير بندر بن سلطان للقاء بشار الأسد وقد حاول الأمير السعودى إقناع بشار بتسليم صهره آصف شوكت لإبعاد المقصلة عنه فيتيح عقد صفقة على غرار صفقة لوكيربى بين أمريكا وليبيا التى سلمت ضابطين من أمن ليبيا للمحاكمة فسجن واحد وأطلق الآخر، لكن بشار رفض تسليم آصف شوكت، وهو صهره ويرأس الاستخبارات العسكرية، لأنه يخشى إذا حوكم شوكت أن يستدرج اسم شقيقه ماهر الأسد. فلما حاول بندر إقناع بشار بتسليم رستم غزالة الذى كان مسئول الاستخبارات السورية فى لبنان خلال اغتيال الحريرى، رد بشار بسرعة: لا، لأننى أخاف أن يتكلم هذا الضابط، وكانت هذه إشارة إلى عدم تسليم رستم غزالة المتورط فى الجريمة. وقد بلغ خوف بشار الأسد من المحكمة الدولية حد التوسل إلى موسكو أن تعدل نظامها الأساسى الذى يسمح بمسئولية الرئيس على المرءوس فشطبت هذه العبارة من نظام المحكمة، بحيث إذا اعتقل رستم غزالة فإن الرجل الآخر الذى سيعتقل هو بشار نفسه، لأن الجميع يعرف فى لبنان وسوريا أن غزالة كان يتلقى تعليماته من بشار نفسه ومباشرة.
القرار 1701
شطب القرار 1701 الوجود الإيرانى على حدود فلسطين المحتلة، وألغى مفعول قوة حزب الله على الحدود لاستخدامها بناء على طلب إيران فى حال حصول مواجهة بين إيران وإسرائيل، وهذا القرار الذى أمده مجلس الأمن الدولى لوقف حرب صيف 2006 وافقت عليه حكومة السنيورة وحزب الله كان مشاركا فيها. الآن حزب الله يريد تطيير الحكومة حتى يلغى مفاعيل موافقة الدولة اللبنانية على هذا القرار بتعذر تشكيل حكومة جديدة وبالعودة إلى التواجد الأمنى باستهداف القوات الدولية فى جنوب لبنان. ولا ننسى أن رئيس إيران أحمدى نجاد قال إن بلاده ستعاقب الدول التى تفرض عقوبات على إيران حسب القرار 1737 لرفضها وقف تخصيب اليورانيوم.. وهذا يعنى معاقبة فرنسا وإيطاليا وإسبانيا وهى الدول التى وافقت على القرار الدولى وتلتزم به.. وهى الدول وغيرها التى نشرت قواتها فى جنوب لبنان.
باريس 3
هو المؤتمر العربى والدولى لمساندة لبنان اقتصاديا، وسوريا وإيران وحزب الله ضد هذا المؤتمر، لأنه يمكن حكومة لبنان من الوقوف على رجليها للملمة جراحها الاقتصادية التى تسبب فيها العدوان الصهيونى على لبنان، وقد أعطاه حزب الله المبرر والفرصة كى يدمر ويلحق خسائر بلبنان تزيد على 10 مليارات دولار أمريكى. حزب الله ونظام بشار يراهنان على عجز حكومة لبنان عن دفع رواتب موظفيها وفى مقدمتهم جنود الجيش اللبنانى المنتشر فى الجنوب، وبالتالى يعجزها عن تجنيد المزيد من الشباب فى الجيش لاعتبارات اجتماعية ووطنية، فتجد الدولة نفسها عاجزة عن القيام بواجباتها.. فتكون دولة حزب الله جاهزة للحلول مكانها. دولة حزب الله حصلت خلال السنوات العديدة الماضية على نحو 20 مليار دولار مساعدات من إيران لتمكن نفسها من بناء جيش ومؤسسات ونشر ثقافتها وفلسفتها المذهبية المعادية لوحدة الإسلام والمعادية للعروبة. دولة حزب الله ترهق الجيش اللبنانى وقوى الأمن الداخلى فى اعتصاماتها ومظاهراتها لتفتيت القوى الأمنية المركزية وإظهار عجز الدولة عن حماية شعبها ومؤسساتها. دولة حزب الله التى أعلن أمينها العام حسن نصر الله أنه جاهز كى يكون هو الدولة العادلة والقادرة.. يريدها أن تحل محل الدولة اللبنانية.. وعندئذ تأتى إيران لتساعدها وتأخذها فى أحضانها.. والذى يعطى المال يملك القرار، وهذا هو حال حزب الله مع إيران ويريد تعميم التجربة على كل لبنان. هذه المسائل الثلاث وغيرها هى عناوين المواجهة بين حزب الله ومن ورائه إيران ومن أمامه نظام بشار، التى يعيشها لبنان دولة وشعبا ومؤسسات.
كيف الخلاص؟
حزب الله أوصل الأمور إلى نقطة الصدام كى تدخل إيران على الخط لإعادة رسم الخارطة السياسية الرسمية ضمن المؤسسات وفق الحسابات الإيرانية، أى حصة أكبر لحزب الله وأتباعه فى السلطة إمساسا بها وإ خضاعا للسياسة الإيرانية عبرها. وإيران تريد من هذا الإمساك مساومة أمريكا على ملفها النووى ولما ردت أمريكا بتصعيد الموقف فى العراق لجأت إيران إلى المملكة العربية السعودية التى زارها مسئول الملف النووى الإيرانى على لاريجانى فى إشارة واضحة للربط بين الملف النووى ولبنان وفى محاولة لحل وسط كان جاهزا سلفا فقد اتفقت إيران والسعودية على حل للأزمة يتناسب مع مشروع أو مبادرة أمين عام جامعة الدول العربية.. لكن عقبتين واجهتا الاتفاق السعودى الإيرانى العقبة الأولى: أن بشار الأسد لا يريد نجاح مبادرة عمرو موسى لأنها تلحظ موافقة الحكومة اللبنانية على تشكيل المحكمة الدولية.. وبشار الأسد لا يريد أن يسمح بها. العقبة الثانية: أن شريك حزب الله المارونى ميشيل عون لاحظ فى مبادرة عمرو موسى إجراء انتخابات رئاسية يتفق فيها الفرقاء على رئيس توافقى، فيقضى على مستقبل عون السياسى، لأنه غير مقبول من الأكثرية اللبنانية.
لذا انفجر الوضع فى لبنان لمدة 24 ساعة تداعى فيها العالم لوقفة خاصة بعد أن تبين الطابع المذهبى لحركة حزب الله الذى هاجم جمهوره مناطق المسلمين السنة وحاصر بيروت بالكامل مثلما حاصرها العدو الصهيونى عام 1982.
ومن يظن أن وقف إضراب حزب الله ادخل لبنان فى هدنة واهم لأن الاعتصام الذى ينفذه الحزب مازال قائما، ولأن المشروع الإيرانى مازال حاضرا، ولأن حزب الله وأمينه العام محاصر بإرادته وثقافته وهوائه بين مطرقة المشروع الإيرانى وسندان الخوف السورى.