تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : عاشق لكل العصور: ابن حزم **سمير عطالله


مشهور
30/01/2007, 01:46 AM
عاشق لكل العصور: ابن حزم

دليل الأسى نار على القلب تلفح..

ودمع على الخدين يهمي ويسفح

إذا كتم المشغوف سر ضلوعه..

فان دموع العين تبدي وتفضح

إذا ما جفون العين سالت شئونها..

ففي القلب داء للغرام مبرح

هذه أبيات ابن حزم الاندلسي الذي عاش في القرن العاشر، ولكن أبياته هذه وغيرها عاشت عشرة قرون أخرى، بل إن المستشرق الألماني بولك ينشر إحصائية تبين أن اسم ابن حزم قد تردد في اكثر من ستة آلاف كتاب كلها تتحدث عن الحب والغرام. ومن الغريب أن ابن حزم هذا من رجال الدين ومن العلماء.. ولكن لم يكد يكتشف المستشرق بتروف سنة 1924 كتابا نادرا لابن حزم اسمه «طوق الحمامة» حتى تحول ابن حزم الى إمام للعشاق والمحبين في العصور الوسطى في أوروبا والعصر الحديث.. ففي هذا الكتاب قد تحدث عن اسرار الحب والود والغرام والعشق.. وانواع النساء والهجر والصد.. وفن الرسائل.. وملامح المرأة وملاحتها أيضا.. وأحبهن إليه.. وابن حزم يستنكر نظرية الحب من أول نظرة.. وفي ذلك يقول: «وإني لأطيل العجب من كل من يدعي انه يحب من نظرة واحدة.. ولا أكاد اصدقه ولا أجعل حبه الا ضربا من الشهوة.. وما لصق بأحشائي حب إلا مع الزمن الطويل.. وبعد ملازمة الشخص له دهرا، وأخذني معه في كل جد وهزل».. ولكن كيف يكون هذا حال رجل كان إماما للدين ثم إماما للدنيا ايضا؟!

ان ابن حزم الاندلسي قد وضع اصبعه على مشكلة العصر كله.. عصره وعصرنا أيضا.. فقد كانت المرأة هي التي تعلم الأطفال.. تعلمهم القرآن والحديث والشعر والخط. ومن الطبيعي أن يبدي الطفل اهتمامه بالمرأة في سن مبكرة فإذا أصبح شابا رأى اهتمام الكبار بالشعر والغزل والمغامرات .. ورأى عددا كبيرا من النساء في بيته وفي بيت غيره من الكبراء والأثرياء.. وكان ابن حزم واحدا منهم.. وهي نفس قضية العصر.. فكل الصحف والمجلات والمسارح تعرض قصص الجنس، وأغاني الجنس ورقص الجنس.. فكل شيء يشعل النار في أجسام الأطفال والشبان.. ويندهش الكثير من الآباء والمصلحين والمربين لهذه الفورة الجنسية عند الجميع.. مع ان الذي يبعث على الدهشة ألا يكون شيء من ذلك؟! وابن حزم لا يترك جيله وهذه الأجيال دون نصيحة، فيقول: ان العلم يضيء ولا يحرق.. ولكن الجهل يقتل ويحرق.. فلا خوف من العلم أو معه؟!

وهذه العبارة صادقة وحسنة النية.. وهي وحدها التي تؤكد ان ابن حزم فعلا كان يعيش في القرن العاشر، ولا يعرف ماذا أصاب الناس في القرن الواحد والعشرين. وكيف اختلطت في عقولهم وقلوبهم ومعداتهم وأحلامهم كل المعاني: فهم يتحدثون عن الكراهية بمنتهى الحب، وعن الموت بمنتهى الحيوية!

مشهور
30/01/2007, 01:51 AM
مع الاستشراق وخصومه الضرر الذي ألحق (2)

خلط خصوم الاستشراق بين فريقين وبين مسألتين: بين المستشرق الاكاديمي العلمي الباحث، بكل تجرد، عن ميزات الفكر الاسلامي والتراث العربي، وبين المستشرق، أو المستعرب الذي ارسلته حكومته في دور مزدوج ولهدف مزدوج، ظاهره علمي وباطنه سياسي. وكذلك بين مسألتين: الصراع التاريخي بين الشرق والغرب بجميع وجوهه ومنطلقاته وآثاره، ووجود عناصر فردية ـ ولكن مؤثرة ـ في الغرب، ايدت القضية العربية، أو انبهرت بالاسلام، أو ببساطة اشهرت اسلامها وانضمت الى «الحياة العربية» سواء عاش أصحابها بقية حياتهم في الغرب أو في العالم العربي. وللأسف فإن النظرة الى هؤلاء ظلت تشكيكية حذرة، وغالبا تبسيطية اتهامية، لا تصدق ان لها في الغرب اصدقاء بل اعداء دائمين.

أعتقد ان هذا الموقف من الاستشراق، ألحق ضررا واضحا بعملية لا حدود لبعض فوائدها في الاعمال البحثية فقد تراجع كثيرون عن الانخراط في هذا العلم الذي لا غنى لنا عنه. وتوقفت جامعات كثيرة عن متابعة دراستها العلمية في التاريخ والتراث وحتى الآداب، خوفا من التهم، خصوصا ان كتاب ادوارد سعيد حول النقد الى تيار سياسي، اكاد أقول، متعجرف لا يقبل النقاش ويرفض النظر الى الدراسات من زاوية علمية، كما نظر ـ تكرارا ـ الى الدراسات السوفياتية، أو الاوروبية الشرقية، التي حمل بعض اشهرها تحقيرا للتراث العربي وهجوما إلحاديا على الاسلام. لكن هذا النوع ظل في منأى عن أي مساءلة أو بحث، بل أخفي تحت أكمام سحرية، خصوصا لدى مفكر مثل انور عبد الملك، الذي اطلق الجدل في مطالعته المأثورة «الاستشراق في ازمته» عام 1963، أي في ذروة شبابه اليساري، وفي مرحلة كانت فيها الغلواء القومية تنظر الى الغرب على انه عدو مطلق والى الشرق الشيوعي على انه حليف مطلق. لم يلق النقاش ما يستحقه في العالم العربي، حيث الثقافة مسألة هامشية، والخلاف الفكري عداء، والفكر الآخر مؤامرة، وأفضل وأعدل ما حظيتُ به كتاب «الاستشراق بين دعاته ومعارضيه» (دار الساقي) للاستاذ هاشم صالح، وهو محاولة لنقل الافكار الاتهامية ومطالعات الدفاع والرد من قبل المستشرقين انفسهم. وليس الكتاب ـ ولا هذه السطور ـ على الاطلاق، محاولة لتبرئة الخبث أو السوء أو الاساءة أو الاهداف السياسية، مهما كانت موضوعية وانما هي محاولة سريعة وعابرة لتنقية الزؤان من القمح. فمن يخض في الكتابات الغربية عن العرب، فقد يجد ان لا مثيلا لعمقها وجديتها ومشاعرها، في اي تراث عربي.

إلى اللقاء.