المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قرارات من حمام السباحة!


مشهور
21/02/2007, 02:14 AM
قرارات من حمام السباحة!

إذا أنت أمسكت سكينا وأتيت ببصلة وقطعتها إلى قطعتين أو أربع ثم وضعت أنفك فيها. وظهرت على وجهك السعادة، فأنت مصري فرعوني. فقد كان أجدادنا يفعلون ذلك إذا شعر الواحد منهم بدوخة أو كان عنده صداع. وما زلنا نفعل ذلك في الريف.. وهذه هي بداية العلاج بالعطور في التاريخ.

إن كيميائيا فرنسيا اسمه جانفوس قدم لأوروبا العلاج بالزيوت العطرية وذلك بشمها واستخدامها في التدليك.. وكان ذلك سنة 1930. ومن يومها أصبحت فرنسا هي المنتجة الأولى للعطور في العالم..

وهناك أكثر من 300 مستخلص للعطور في فرنسا تدر على فرنسا مئات المليارات من الدولارات سنويا. ولا تنافسها إلا صناعة أدوات التجميل..

والتاريخ يحدثنا عن الذي كانت تمارسه بلقيس ملكة سبأ وكليوبطرة ملكة مصر وكذلك (شجرة الدر) التي حكمت مصر ثمانين يوما عندما كان زوجها مريضا وعندما مات أيضا!! أما بلقيس فكانت تستخدم ألبان الإبل والأتان وتضعها دافئة في حوض وتخلطها بالعطور والبهارات من آسيا. وتتمدد وتتقلب ساعات وتخرج من الماء وقد تغطى جسدها بطبقة زيتية ناعمة.. أما كليوبطرة فكان حمامها اليومي حفلة موسيقية غنائية. فهي تختار الماء الدافئ مخلوطا باللبن وبكثير من الأعشاب والزيوت العطرية.. وتقوم الفتيات الصغيرات بتدليكها، بينما الموسيقى تعزف والمطربات يغنين لها ويتمنين لها العافية ولمصر السلام ولجيوشها النصر برا وبحرا. وأحيانا كانت كليوبطرة تصدر القرارات الهامة من وراء ستار ـ أي عندما تكون أعصابها هادئة. ويا ليت الزعماء يفعلون مثلها فيدخل الرئيس الأمريكي في البانيو ويستحم على مهله.

وبمنتهى الهدوء والسعادة يقول: اسحبوا قواتنا من الشرق الأوسط.. ويا إسرائيل خدي فلسطين بالحضن. وكفى! ويا دار ما دخلك شر.. ويعم السلام عالمنا.. والسبب هو الماء الدافئ والحمام الساخن والعطور..

وهكذا يدار الكون من الأندية الرياضية ومن الحمام التركي والجاكوزي. ويصدر قرار من الأمم المتحدة بمنع المنبهات: الشاي والقهوة ثم توزيع الأبصال على كل الناس. فينام من ينام ويموت من يموت.. أما الذي استغل الموت في الحمام فهي شجرة الدر عندما علمت أن زوجها سوف يتزوج غيرها أطلقت عليه الخدم فضربوه بالقباقيب حتى الموت!

فما رأيك؟!

مشهور
21/02/2007, 02:16 AM
المسؤول أو اللامسؤول

«المسؤول» من الكلمات التي تحيرني. وتحملني على الشعور بإساءة الاستعمال او مسخ المعنى. وفي كل الاحوال اجدها في غير مكانها. لا ادري من المسؤول عن اصطلاح «المسؤول». نقرأه ونسمعه ونواجهه في كل مكان وكل مناسبة. صرح مسؤول من وزارة كذا. ولدى الاستفسار من المسؤولين في الادارة، وهلمجرا. نقول ذلك ونحن نعلم جيدا انهم غير مسؤولين بتاتا. من يجرؤ على مساءلتهم ومحاسبتهم؟ المنطق والعقل السليم يقتضيان ان نقول صرح لا مسؤول من الوزارة الفلانية ولدى الاستفسار من اللامسؤولين في الوزارة.

هذا موضع يذكرني بالمسرحية العراقية «من المسؤول؟», وهي عن قصة الفتاة التي اغتصبها رجل شرير. كيف يمكن ان نصفه بالمسؤول؟ لو كان مسؤولا لحاكموه ورجموه. كان على المؤلف ان يقول «من اللامسؤول». جرني ذلك الى متابعة الموضوع واستقصائه. يعرف قاموس محيط المحيط المسؤولية بأنها «عند ارباب السياسة الاعمال التي يكون بها الانسان مطالبا». هذا تعريف ينسجم مع المفهوم القرآني في سورة بني اسرائيل في قوله تعالى: «إن العهد كان مسؤولا»، أي مطلوبا وملزما ولا يجوز نكثه.

ولكن، أي من هؤلاء المسؤولين يلتزم حقا بما يقوله، او يعد به او يفرضه عليه القانون وتمليه التعليمات والسنن الاخلاقية؟ بيد ان صاحب محيط المحيط يعطي ايضا معنى آخر للمسؤولية. يقول ان السؤال هو طلب الادنى من الاعلى مع الخضوع. لاحظوا موسيقية الكلمة الأخيرة «مع الخضوع». يا لها من كلمة جميلة. يظهر بجلاء ان مسؤولينا قرأوا هذا القاموس الجليل ورأوا الأخذ بهذا الفرع من معنى المسؤولية. انها تعني ان نتوسل بهم ونبوس كنادرهم ونفعل كل شيء يعبر لهم عن خضوعنا المطلق او غير المشروط او «المسؤول» لمقامهم.

من هذا المنطلق شاع بيننا في هذه الأيام اصطلاح «من منطلق المسؤولية». شاع ذلك بصورة خاصة على ألسنة الكتاب والمسؤولين في العراق وسواه من البلدان التي هدها التشاحن والمنازعات. قررنا القيام بكذا واجرينا المفاوضات ووقعنا اتفاقية التفاهم والسلام ... كذا وكذا من منطلق المسؤولية. لا ادري اين هي هذه المسؤولية. كل هذه التصرفات الرعناء والقتل التي هلك فيها الوف الشبان ودمرت المدن وتشرد القوم. وكلها من منطلق المسؤولية. لماذا لا نكون صريحين في كلامنا فنقول من منطلق «اللامسؤولية».

كما تصفحت قاموس المحيط، تصفحت قاموس اكسفورد الجديد. ما يقابل كلمة مسؤول بالعربية كلمة responsible بالانجليزية. يفسرها القاموس عندهم بأنها تعني المطالب بالحساب والواجب. ولكن الطريف في الاستعمال الانجليزي انهم اشتقوا اصطلاح responsible من كلمة response التي تعني الاجابة والاستجابة. الاشتقاق عندنا من السؤال وعندهم من الجواب. ولكل طريقه في فهم الأمور.

مشهور
21/02/2007, 02:18 AM
هزيمة «المنتصرين»

عندما وصل الجنرال اميل لحود الى الرئاسة في لبنان، كدت افعل ما لم افعله في عمري: ان اضيء شرفة المنزل ابتهاجا بالحدث على طريقة اللبنانيين في الاحتفال بفوز البرازيل او المانيا في كأس العالم. كان يمثل، بالنسبة اليَّ، بداية جديدة وأملا جديدا. وعندما كتبت في «الرأي» قبل ذلك عن مرشحي الرئاسة، كانت حصة أقرب الاصدقاء وأحبهم، جان عبيد، مقالا واحدا. وكان هناك مقال واحد عن نسيب لحود ومقال واحد عن ميشال إده. اما الرجل الذي لا تربطني به صداقة ولا معرفة طويلة، فقد كتبت عنه مقالتين، اسبوعين متتاليين. وفي ضعف واضح حياله.

كنت اعتقد ان اميل لحود قادم من مدرستين: الجيش والعائلة اللبنانية بكل قيمها التقليدية والخلقية، فيما اصدقائي قادمون من مدرسة واحدة، ولا يستندون الى دعم الجيش. وكنت طوال عمري، وما ازال، ضد وصول عسكري الى السلطة، بعد ما شهدنا من مآس حول العالم، ومع ذلك كنت اعتقد ان انتماء اميل لحود الى المثل والقيم المدنية، سوف يكون مكملا، وليس مناقضا، لمناقبية المدرسة العسكرية.

لم استطع ان اجرد نفسي من مشاعري كمواطن بعد غياب ربع قرن عن لبنان. ولذلك تمنيت وصول رجل قوي يعد بالنظام والنزاهة والقانون. واستمر رهاني على الرئيس لحود في السنوات الاولى. وكنت قريبا منه، لا انقطع عن زيارته، ولا اتردد في مصارحته، ولا أبخل في الشيء الوحيد الذي املك: قلمي.

وجدت نفسي بعد سنوات في خيبة شخصية. وفعلت ما يفعله اي كاتب حالم ومواطن يحب حلمه. تراجعت في هدوء. وكما لم اخرج من ضميري يوم تفاءلت بالرئيس لحود لم اخرج من ضميري وانا ارى الى ماذا وصل البلد في عهده. واعرف تماما محدوديات الإنسان ورؤساء الدول الصغيرة والتائهة، لكن اصبح من الصعب الاستمرار في البحث عن مبررات لسلوك الرئيس اللبناني والبلد واقع في اليأس والخراب والضياع. إن المحدوديات البشرية يجب ألا تجرد الانسان من قيمه الاخلاقية. ومن مبادئه الدستورية. ومن مسؤوليته حيال نفسه وكرامته. وبعدما قبل اميل لحود التمديد لنفسه، او سعى اليه، ها هو يوحي الآن بأنه لن يخرج من القصر عند انتهاء ولايته. يحدث ذلك في الوقت الذي بدأ رئيس فرنسا يودع شعبه منذ الآن، وفي الوقت الذي تبدأ الحملة الرئاسية في اميركا منذ اليوم. ومعلوم ان لحود يعتبر جاك شيراك وجورج بوش ألد أعدائه الشخصيين وانه انتصر عليهما. وربما يكون رئيس لبنان قد انتصر على رئيسي اميركا وفرنسا. لكنه هزم امام نفسه. وامام اهله. وامام جيشه. وامام دستوره. وامام القسم الدستوري الذي اقسمه. كثيرون من رؤساء لبنان تمنوا البقاء في القصر لكن احداً لم يبلغ به الامر ان اعلن ذلك. لا احد. ان الانتصار الاكبر هو الانتصار على النفس. انتصار الضمير.