تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : حذار من المفاتيح الضائعة**خالد القشطيني


مشهور
05/03/2007, 01:19 AM
حذار من المفاتيح الضائعة

المفاتيح وضياع المفاتيح من متاعب الحياة . لم يحدث لي أن التقيت برجل لم يمر بها، وبما تضمنته من شجون ومفارقات ومن مضحكات ومبكيات. من المشاهد التي لا أنساها مشهد رأيته في إحدى القرى الألمانية النائية. اجتمع فيها أهل القرية بملابسهم التاريخية التقليدية حول تمثال مريم المجدلية. ثم انصرفوا كل الى ناحية. ودفعتني فضوليتي الكرخية الى سؤال احدهم عن المناسبة، أهي عرس ؟! فأشار الى رجل كئيب واقف وقال، لقد أضاع الهر شتاين مفاتيح بيته ومضى عليه يومان، وهو وأسرته ينامون في الطريق. فاستنجد بالقس وأهل القرية لعل مريم المجدلية تساعده في العثور على مفاتيحه.

محنة أليمة، ولكنها لا تدنو بشيء من المحنة التي واجهتها قبل سنوات لا بسبب فقدان مفاتيحي وإنما بسبب عثورنا على مفاتيح غيرنا. اتضح أن ضياع مفتاح أيسر من العثور على مفتاح. ثبت ذلك بعد أن عثر ابني نائل على مفتاح صغير صدئ بجانب طريق ريفي في ويلز. وكنت قد وعظته عن أهمية الأمانة والصدق: إذا عثرت على شيء فسلمه للشرطة..الخ. ووجدت في لقيته مناسبة تطبيقية فراح ليسلم المفتاح العتيق لأحد الشرطة. بيد ان الشرطي البريطاني الحريص على القانون رفض تسلمه منه باعتباره طفلا قاصرا. سأله عن ولي امره، فأجابه «أبي». فقال له: إذن فعلى والدك أن يأتي بالمفتاح ويسلمه.

استسخفت الفكرة وهممت برمي المفتاح في القمامة، ولكن فكرة مزعجة طرأت لي. ما الذي يحدث إذا وقعت سرقة ؟ ستتجه الشبهات حالا الى الرجل الذي عثر على مفتاح ولم يسلمه. ركبت القطار عندئذ وقطعت ثلاثين ميلا الى اقرب مركز شرطة في سوانزي. وهنا فتح المأمور سجلا اكبر من سجل غوانتانامو: اسمك، اسم ابيك، لقب عائلتك، متزوج أم أعزب؟ بدأت بالتضايق من كل ذلك. فقاطعت المأمور: «يا سيدي، هل كل ذلك ضروريا؟ انه مجرد مفتاح قديم صغير. ربما يعود الى ما قبل الحرب العظمى ومات اهله أو غيروا قفلهم». فأجاب: «هذا شيء ثانوي. القانون قانون ولا بد من تطبيقه. والآن عنوانك، شغلك، عنوان عملك؟ تاريخ ومحل ولادتك»... استمر بالاستجواب حتى وصل موضوع الإفادة. ما أن أدليت بها حتى وضع القلم جانبا وأغلق السجل: «يا سيدي هذا الطريق الريفي خارج منطقتنا. عليك ان تسلم المفتاح لشرطة كاردف. ارجو ان تتأكد من المنطقة اولا في المستقبل».

فكرت ثانية برمي المفتاح في الزبالة. بيد ان الشرطة أصبحت على علم به وستتضاعف شبهاتها اذا لم اسلمه حسب القانون. فركبت القطار الى كاردف. وبعد كثير من البحث اهتديت الى مركز الشرطة الذي وجدته عامرا برجال سرقت بيوتهم ونساء اغتصبت أعراضهن. أخذت مكاني حتى جاء دوري وباشروا معي: «اسمك؟ اسم عائلتك؟... الخ». وبعد ان انتهيت من الإفادة والإعادة ، تسلم المأمور المفتاح ووضعه في ظرف خاص وختم ووقع عليه. ثم طلب مني التوقيع ايضا عليه وعلى السجل واستودعني بالله: «شكرا على امانتك وسنتصل بك». أثارت الكلمتان الأخيرتان القلق في نفسي. ما الذي يتطلب المزيد من الاتصال؟ وكما سيجد القارئ في حلقتي القادمة لم يكن قلقي بدون مبرر.




التعليــقــــات
أ/خالد الفقيه، «المملكة العربية السعودية»، 04/03/2007
أستاذ خالد القشطيني توقعت هذه الامور المعقدة والروتينية عندنا فقط قي العالم العربي صحيح الامانة مهمة لكن، لقد كره الناس الامانة بسبب القانون المغفل احيانا.

جيولوجي/محمد شاكر محمد صالح، «المملكة العربية السعودية»، 04/03/2007
استاذ خالد قليلون هم من يتسمون بالأمانة الفائقة كما فعلت انت في حكاية المفتاح خاصة في حالة التعامل مع نظام سين وجيم في مراكز الشرطة واعتقد انه لو حدث ذلك في احدى دولنا العربية لدار الحوار الآتي من جاويش مركز الشرطة:
ياعم انت باين عليك راجل فايق وفاضي روح بيتكم بلاش تعب دماغ وده مفتاح مصدي لايودي ولايجيب.

المصطفى خربوش كاتب المغرب، «المملكة المغربية»، 04/03/2007
الحياة تجربة ترى الأحسن والأسوء، فهي صراع من أجل البقاء، كل يوم تصادفك أمور غريبة، بالتعقل تجتاز المخاطر.

شمس نوفل، «روسيا»، 04/03/2007
إن ضياع المفاتيح مشكلة معقدة يعاني منها كل انسان وكذلك ايجاد مفتاح ما وخصوصا عندما يجعل الانسان منه مشكلة امانة وضمير لكن هل جرب احد منكم ان يضع مفتاحه في مكان ما ومن ثم يبحث عنه ولا يجده و هو امام عينيه لقد جربت تلك اللحظة و صدقني لهي اصعب اللحظات. لا ادري لماذا او كيف يصل الانسان في مجتمعنا الى هكذا حالات. لقد كانت جدتي تعلق مفتاحها بخيط في رقبتها حتى لا يضيع فهل سنصل نحن الى هكذا حل لهذه المشكلة. ربما...

Azad Shawkat، «المانيا»، 04/03/2007
الاستاذ العزيز خالد القشطيني المحترم، شوقتنا الى تكملة القصة...ماذا كان سيحصل إذا كان مع المفتاح محفظة نقود! لربما كانوا يمطرونك بالاسئلة! لأن صديقا لي في المانيا وجد محفظة نقود في محطة للقطار وسلمها الى شرطيين ظنا منه سوف يشكرانه ويحصل على نقطة إيجابية إضافية في سجله الشخصي.. لكن إستفسار الشرطيين والاسئلة المعقدة جعلته يشعر بالخوف أكثر من شعوره بالفرحة.. من ذلك اليوم قرر عدم تكرار هذا الامر مرة ثانية!

ساطع غريب الحاج، «الاردن»، 04/03/2007
جميل جدا أخي أبا نائل، وأبقاك الله لترسم ابتسامات على شفاه قراء تسيل أعينهم دمعا ودما على ما يجري اليوم في اليمن ولبنان وفلسطين والعراق والصومال والسودان. وبعد، هل لي أن أُذكِّرُ بأنك قد كتبت عن نفس الموضوع قبل خمس او ست سنين؟ حين كان اليمن السعيد يعيش دون حوثيين، وكانت مآتم لبنان أقل مما هي عليه الآن، وكانت فلسطين تحلم بالسلام، والعراق مقموعا بصدام وليس بالمرجعيات والميليشيات، والصومال يلهو لا يدري إلى أين يذهب، والسودان كان مشغولا بالجنوب فقط ولم تكن دارفور قد استفاقت على مد النزعات الانفصالية بعد.

مجدى شلبى، «مصر»، 04/03/2007
* معاناتك مع هذا المفتاح اللعين، تشبه إلى حد بعيد معاناة المفكرين والمبدعين، فهم يجدون مفاتيح العقول التى لاتلين وكانها من حديد!
* إلا أن الجهلاء يفضلون النوم فى العراء، ويرفضون تسلم المفتاح من باب (يادار مادخلك شر)!
* ألا ترى معى أن هذا العناء أدهى وأمر!


مجدى شلبى، «مصر»، 04/03/2007
في ظل أسلوب التسرع، نعاني كثيراً من افتقاد الصبر الذي هو (مفتاح) الفرج!
في أحيان كثيرة يتم سرقة الصندوق، رغم كون المفتاح معنا!
إذا كان لك عدو واحد يا أبا نائل، فلا شك أنه صاحب هذا المفتاح اللعين!
من السهل أن تُضَيع (مفتاحك) ، لكن من العسير أن تعيده إليك مرة أخرى!

الأستاذ
06/03/2007, 06:22 AM
بسبب مثل هذة التعقيدات ، يتهرب دائما المواطن لدينا عن أداء مسؤليتة فى ابلاغ السلطات عن أى شيئ ، حتى و لو وجد قتيلا فى الشارع ، خشية أن يتهم هو فية ، ( و هو عادة ما يحدث إذ يفشل غالبا رجال الشرطة فى معرفة الفاعل ) ، إذا صادف الرجل جريحا فى الطريق يخشى إستدعاء الإسعاف له ( س و ج ، و بطاقتك ، و ما صلتك به ، و تعال إركب معانا و إلا لن تتسلمة المستشفى ،، إلخ ، إلخ ، يكون الراجل مات على الأرض )
موضوع طريف جدا ،أخى مشهور ، و رجاء وافينا بالجزء الثانى