مشهور
09/03/2007, 01:35 PM
د. عايض القرني
من المعلوم في الشريعة الإسلامية أن الناس جميعاً سواسية كأسنان المشط؛ لأنهم من أب واحد وأم واحدة، وإنما يفضل الفاضل منهم بتقوى الله وحده، كما قال تعالى: «إن أكرمكم عند الله أتقاكم»، وفي الحديث: «لا فضل لعربي على أعجمي ولا لعجمي على عربي ولا لأحمر على أسود ولا أسود على أحمر إلا بالتقوى» رواه أحمد. الناس لآدم وآدم من تراب، ولهذا من المقرر في الشرع تكافؤ الناس وتساويهم في أنسابهم، ولهذا عمل الصدر الأول من هذه الأمة بقاعدة تكافؤ الناس في أنسابهم، وفي الحديث: «يا بني بياضة أنْكِحُوا أبا هندٍ وأنْكِحُوا إليه» رواه أبو داود وصحّحه ابن حجر.
وأبو هند كان حجّاماً وبنوا بياضة أسرةٍ من أسر الأنصار وهم أزديّون من أشرف العرب، وقد تزوج بلال بن رباح أخت عبد الرحمن بن عوف، وتزوج أسامة بن زيد فاطمة بنت قيس القرشية، ولكن لما بَعُد الناس عن الشرع وتعلَّقوا بأنسابهم القبلية وانتماءاتهم الأسرية رفض الكثير منهم هذا المبدأ، ووصل الحال إلى الإنكار والاستنكاف حتى إن من يقدم على التزوج من غير طبقته قد يخاطر بنفسه خاصة في المناطق القبلية والعشائر والبوادي، فإذا وصل الحال إلى الإنسان بأن يصبح في خطر من تزوجه من غير طبقته بحيث يتعرض للتهديد أو الضرر أو الإساءة إلى أسرته بالاستهزاء والسخرية والسب والأذى فإن درء المفاسد مقدَّم على جلب المصالح، وقد عرفنا قضايا لما اكتشف فيها البعض نسب الآخر وقد سبق أن صاهره هدّده بالقتل حتى أفتاه بعض العلماء بفراق زوجته، حيث أوشك أن ينشب بين الأسرتين قتال، والشرع لا يأمر بالمخاطرة إلى درجة أن تذهب النفس أو يسفك الدم، أيعيش الإنسان مرعوباً مهدداً لا يأمن على أسرته ونفسه من أجل تطبيق بعض أفراد الشريعة، ورأيي أن تعم في الناس ثقافة المساواة والتكافؤ، ويبيّن لهم رأي الإسلام عن طريق العلماء والدعاة ووسائل الإعلام والتعليم، ويُحارب التمييز العنصري في المدارس والجامعات والخطب والندوات والمؤلفات، وينقل الناس تدريجياً إلى وعي راشد حتى يصبح لديهم العلم الكافي بهذه المسألة، حينها يصبح الأمر طبيعياً أن يتزوج الإنسان من غير طبقته في المجتمع المسلم، وقد حصل هذا في بعض الدول الإسلامية. أما في المناطق التي ما زالت تفتخر بالأنساب والأحساب فرأيي أن لا يغامر الإنسان رجلا أو امرأة بمشروع زواجه لما يترتب على ذلك من أضرار، وقد عشنا قضايا حصل فيها الفراق بعد أن اكتشف أحد الطرفين عدم تكافؤ النسب، وأيَّدت القبيلة هذا الفراق وهو دليل على رسوخ التمييز العنصري، وغياب الوعي الإسلامي وعدم الامتثال للشريعة في هذا الباب، ولهذا نصَّ بعض الأئمة الكبار على اشتراط الكفاءة بالنسب، وهو قول ضعيف لكن بعضهم نظر إلى ما قد يترتب على هذا الأمر من مفاسد، وهذه المسائل الاجتماعية تُحل حلا جماعيا من قِبَل الدولة والمجتمع بحيث يقتنع الجميع في الآخر بمساواة الإنسان للإنسان في نسبه بغض النظر عن لونه وطبقته وحرفته، ولهذا يقول صلى الله عليه وسلم: «إذا أتاكم من ترضون دينه وأمانته فزوِّجوه»، ولم يُذكر في الحديث النسب فعسى أن يتجه العلماء ورجال الإعلام والتعليم إلى بث الوعي بين الناس وتأصيل مبدأ المساواة الإنسانية، فإن الناس جميعاً خُلقوا أحرارا، كما قال عمر: متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا، حتى إن الميثاق الدولي ينص على هذا، ففي إحدى مواد هيئة الأمم المتحدة ما نصه (الإنسان وُلد حرّاً ليس لأحد عليه رِقْ)، ولكن من حِكْمة الشريعة الإسلامية أنها تراعي المصالح وتدفع المفاسد، فإذا كبرت المفسدة وعَظُمَتْ وقلَّت المصلحة وصَغُرَتْ دُفعت المفسدة الكبرى بترك المصلحة الصغرى، وحفظ الإنسان في نفسه وعرضه مقدم على تحصيل مصلحة تقرير زواجه من غير طبقته؛ ليقيم بذلك قاعدة التكافؤ في النسب، إذاً الجهل وقلّة الوعي هو السبب وراء ما حصل من خلاف ومن إنكار في مسألة زواج الإنسان من طبقة غير طبقته، وحلُّ ذلك حملة علمية ودعوية وثقافية تنبذ الكراهية والتمييز العنصري والتعلق بالأخلاق الجاهلية والعصبية القبيلية، ونحن لا نقول للإنسان أن يتحدى الصعاب ويخاطر بنفسه؛ ليحقق التكافؤ بالنسب بزواجه من غير طبقته، وما معنى قولنا له اصبر على القيام بمشروع الزواج إلى آخر قطرة من دمك؟ نحن أيها الناس سواسية من أب وأم، كلنا ذو دم أحمر وليس فينا من له دم أزرق، فأبيضنا وأحمرنا وأسودنا يعودون إلى مادة الطين الأولى التي خُلق منها آدم أبو البشر ولا تفاضل بيننا إلا بتحقيق تقوى الله بالعلم النافع والعمل الصالح ولي قصيدة:
* ولا تحسب الأنساب تنجيك من لظى - ولو كنتَ من قيسٍ وعبد مدانِ
* أبو لهب في النار وهو ابن هاشــم - وسلمانُ في الفردوس من خرسانِ
التعليــقــــات
رائد اسكندراني، «المملكة العربية السعودية»، 08/03/2007
للشيخ عائض القرني مجموعة رائعة من الكتب السهلة والمفيدة انصح نفسي واخوتي بقراءتها على رأسها (التفسير الميسر) و(لا تحزن).
محمد عبد الكريم، «المملكة العربية السعودية»، 08/03/2007
الكفاءة لمن يطلقها ولا يعرف معناها يقصد بها التساوي في القدر والقيمة , يقال تكافأت كفتا الميزان إذا تساوتا وتعادلتا , ومن يزعم ان جنساً ما لا يكافئ جنساً إنما يعني عن قصد أو غير قصد انه هذا الجنس أعلى قدراً من الآخر , وهذا مخالف للعقل والفطرة وقبل ذلك للدين , فالناس طالما انهم لاب وام سواسية وان اختلفوا في الملامح والاشكال كما يختلف الاخوة من اب وام , ولكن ما الحيلة فيمن غلب الوهم على بصيرته وعقله وظن لاسباب لا يعلمها سواه انه افضل من بقية البشر , وان الله سبحانه _ وهذا مقصد من قال بما يسمى بكفاءة النسب في النكاح - أعطاه حقاً منعه عن آخرين , فهو في نظر نفسه ليس اعلى قدرا عند الناس فحسب بل اعلى قدرا عن الله تعالى , وبالتالي فهو مستثنى من تشريعات إلهية للناس كافة بمساواة بعضهم بعضاً وان الدين والخلق هما معيار الكفاءة والقدر , كما جاء في كتاب الله وسنة رسوله , والعجيب ان هذا الوهم الخيالي ليس قصراًعلى العوام الجهلة فقط بل يتعداه إلى سواهم من المثقفين وطلبة العلم , فهو قد يكون الداء الفكري الوحيد الذي اشترك فيه الجاهل والمتعلم.
خليل داود، «المملكة العربية السعودية»، 08/03/2007
لا فرق بين عربي وأعجمي إلا بالتقوى ، إن أكرمكم عند الله أتقاكم ، المسلمين كأسنان المشط ، ومع ذلك ونحن في القرن الواحد والعشرين ولا يزال بيننا أناس يفكرون بمسألة الكفاءة في النسب وكأن الله اصطفاهم على غيرهم من البشر وأنهم أعلى مكانة من غيرهم ، ومع الأسف الشديد هناك أناس يؤيدون تلك الفئة ويؤازروهم ، الأدهى والأمر أن قضاة ومن أهل العلم يحكموا بذلك ، حسبنا الله ونعم الوكيل.
سعيد الغامدي، «المملكة العربية السعودية»، 08/03/2007
في ظل العنوسة القاتلة، في ظل الإنفتاح المتزايد يوما بعد يوم، من السهل كسر طوق العنصرية في تكافئ النسب. ما لم تجد من يضرم نارها من بعض الإعلاميين أو من آخرين بقصد أو بغير قصد. فالناس كما يتعودون عليه، المهم لابد من صد اي شخص يتوجه للمحاكم بقصد التكافئ في النسب، طالما لم يرتكبوا محرما او كبيرة من الكبائر، وكان عقد النكاح سليما في جميع اركانه. فعند القضاء الناس سواسية كالمشط هكذا ينبغي ان يكون والا يكون قد ساهم بقصد او بغير قصد في اشعال نار الفتنة بين الناس. ونحن عكس من يقول ان عدم التكافئ فيه فتنة بين الناس، بل نقول ان تشجيع الناس على تزويج بناتهم وعدم النظر لمسألة انت ابن فلان طالما هو كفء في خلقه ودينه وعمله، هو امر محمود وسوف يعتاد الناس على ذلك مع مرور الوقت، وسوف يحذون حذو بعضهم. ونرجو من علمائنا الأفاضل حفظهم الله أن لا يعطوا فرصة للمغرضين.
سمير الهاشمي، «المملكة العربية السعودية»، 08/03/2007
شيخنا الفاضل بارك الله فيك. من المعلوم بديهية أن الانسان السوي لا يزوج ولا يتزوج الا بعد معرفة المتقدم او المتقدم اليه معرفة كاملة الا في الاحوال النادرة. وما يثار هذه الايام من القضايا المرفوعة في المحاكم للتفريق لعدم تكافؤ النسب يخفي وراءه كثيرا من قضايا توزيع التركة وما فيها من عدم قبول الحق. والله أسأل ان يجزيك خير الجزاء على مقالاتك التى تنير العقول وتهدي الى سواء السبيل (ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس ولكن اكثر الناس لا يشكرون)............
محمد علي الكاظمي، «فرنسا ميتروبولتان»، 09/03/2007
اود ان اوضح امرا لم يتطرق اليه فضيلة الشيخ و هو ان الفقهاء الذين اشترطوا الكفاءة اعتبروها في الرجال دون النساء.
اي ان الرجل يفترض ان يكون كفؤا للمرأة اذا ارادت الزواج به . اما الزوج فلا ضير عليه في ذلك و لا يعير بالمستوى الاجتماعي لزوجته. و في تاريخنا الاسلامي نجد بعض الخلفاء و الامراء تزوجوا من اماء .
و اعتبر الحنفية و الشافعية و الحنابلة مبدأ الكفاءة فيما يتعلق بالنسب و الحرفة, و الحرية في بعض الاقوال . اما الامامية و المالكية فاشترطوا الكفاءة في الدين فقط.
ناصح الرشيد، «الفلبين»، 09/03/2007
الشيخ عايض القرني، موضوع المقال في غاية الاهمية لمجتمعنا الاسلامي وركزت فيه على عوامل مهمة في ترابط المجتمع ونصحت فيه جزاك الله كل خير لكن احب ان اعلق على هذا الموضوع بالنقاط التالية:
1.التفرقة الاجتماعية تزيد في مجتمعنا يوما بعد يوم بسبب التخلف عن تعاليم الاسلام. وتطبيقها.
2. زيادة التفرقة وتجاهل اثارها ينذر بخطر عظيم على المجتمع يستفيد منه اعداء الاسلام والاعداء المتربصين بدولتنا الذين يتهمونها بعدم الديموقراطية في كثير من المحافل الدولية .
3. اكثر من يؤمن بهذه التفرقة والتميز في اقوالهم وافعالهم المهاجرون داخليا من المحافظات الصغيرة الى المدن الكبيرة مثل الرياض او جدة او الدمام . ويعود ذلك الى رغبتهم المحافظة على جماعتهم او قبيلتهم مثال ذلك وجود احياء في تلك المدن لا يقطنها الا فئة محددة ينتمون الى بعضهم البعض .
شكرا لك ياشيخ والسلام عليكم.
محمدعبدالرحمن الجوف، «المملكة العربية السعودية»، 09/03/2007
بدايتك في الموضوع ممتازة ولكنك بعد البداية الموفقة تطالبنا بالرضوخ الى كفاءة النسب بحجة ((درء المفاسد)) الا تعتقد يا شيخي الفاضل ان الرضوخ لهذا القانون هو من اكبر مفسدة؟ لماذا نرضخ لحكم البشر خوفا من القتل او النزاعات ولا نرضخ لحكم رب البشر؟ مع العلم ان رب البشر يستطيع ان يعاقبنا بعقاب اشد من الموت واشد من النزاعات اذا خالفنا اوامره بأن لافرق بين عربي ولا اعجمي الا بالتقوى. وميزنا بين الناس على اساس عرقي او قبلي... والله ياشيخ عائض كلامك غريب...نخاف من البشر ونعصي رب البشر!!!
د. سيد الأمين السلطاني، «فيتنام»، 09/03/2007
يسرني أن أشاطر رأي الشيخ عائض القرني، جزاه الله خيرا، لولا افتخار الناس في عصرنا الحاضر لتزوجن أخواتنا اللاتي بلغن سن اليأس، وإن مشكلة العنوسة التي عمت وطمت في العالم الإسلامي ناتجة عن المفاخرة بالأحساب والأنساب، مع أن المصطفى صلوات الله وسلامه عليه قال إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد عريض أو كما قال المصطفى.
خالد التميمي، «فرنسا ميتروبولتان»، 09/03/2007
لله درك ياشيخ عائض دائما كتاباتك تصب في صالح الأمة، دائما منك المفيد رحم الله والديك ورفع قدرك ... فياليت من يدعي الكتابة او مِن من يقول انه كاتب ان يحذي حذوك ويكتب للصالح العام .. جزاك الله خيرا يا شيخنا الجليل ووفقك الله...
أسمهان قولي، «الامارت العربية المتحدة»، 09/03/2007
شيخنا الكريم..
التكافؤ بين الطرفين ..تحديدا - في موضوع الزواج شيء لا يستهان به ..
لا أقول في النسب..بل في الثقافة و تقارب البيئة..و هذا ليس من قبيل العلو و التكبر و لكن..التكافؤ يمكن أن يقارب المسافة بين الزوجين و يحقق مزيدا من التفاهم و الانسجام..! و الكثير من الزيجات أخذت طريقها نحو الفشل بسبب صعود الزوج نحو سلم النجاح و الترقي بينما تخلفت الزوجة التي أخذتها عجلة الحياة فكانت تراوح مكانها بينما الزوج كان في صعود..
walid shishani-sweden، «السويد»، 09/03/2007
لا أعتقد أن للنسب علاقة في تكافؤ من عدمه، والحالات التي سمعنا بها وقرأنا عنها تبين بأن المشكلة الأساس هي التفاوت الفكري في تقدير الأمور، فكثيرا ما يتم الطلاق بين زوجين من نفس النسب ،فالعملية أولا وأخيرا هي خلاف بين جهل ووعي، وبالتالي هي تفاوت فكري بكل مستوياته.والحقيقة أن الأديان ساهمت إلى حد ما في مساعدة الأنسان لتجاوز مثل هذه الخلافات، حيث لم يمانع الأسلام زواج المسلمة من غير المسلم إن هو قبل الأسلام دينا، والقصد هو تقريب الأفكار من بعضها لتنسجم وتستمر الحياة. وكذا الغرب المسيحي ،فلا تتزوج الغربية مسلما ما لم يتفهم لعقليتها أو تتفهم هي لعقليته. هكذا يبدوا لنا أن النسب وإدعاءه ما هو إلا ضرب من ضروب الجهل والغرور.
ناصر العبدالله، «المملكة العربية السعودية»، 09/03/2007
كنت أتمنى ياشيخ ألاتدخل في تلك القضية الحساسة شرعا واجتماعياً ....وأود أن أذكرك أن تكافؤ النسب قضية شرعية ولم يخترعها المجتمع !! ثم إن الحالات التي كسرتها في عهد النبي صلى الله عليه وسلم حالات معدودة ونادرة ..والحكم للغالب ..
مشعل العتببي، «المملكة العربية السعودية»، 09/03/2007
كنا نتمنى ان تخف العنصرية القبلية وان كان بقاءها سيستمر الى قيام الساعة كما اخبر بذلك النبي عليه الصلاة والسلام حتى شاهدت قناة الساحة وبرنامج شاعر المليون.
من المعلوم في الشريعة الإسلامية أن الناس جميعاً سواسية كأسنان المشط؛ لأنهم من أب واحد وأم واحدة، وإنما يفضل الفاضل منهم بتقوى الله وحده، كما قال تعالى: «إن أكرمكم عند الله أتقاكم»، وفي الحديث: «لا فضل لعربي على أعجمي ولا لعجمي على عربي ولا لأحمر على أسود ولا أسود على أحمر إلا بالتقوى» رواه أحمد. الناس لآدم وآدم من تراب، ولهذا من المقرر في الشرع تكافؤ الناس وتساويهم في أنسابهم، ولهذا عمل الصدر الأول من هذه الأمة بقاعدة تكافؤ الناس في أنسابهم، وفي الحديث: «يا بني بياضة أنْكِحُوا أبا هندٍ وأنْكِحُوا إليه» رواه أبو داود وصحّحه ابن حجر.
وأبو هند كان حجّاماً وبنوا بياضة أسرةٍ من أسر الأنصار وهم أزديّون من أشرف العرب، وقد تزوج بلال بن رباح أخت عبد الرحمن بن عوف، وتزوج أسامة بن زيد فاطمة بنت قيس القرشية، ولكن لما بَعُد الناس عن الشرع وتعلَّقوا بأنسابهم القبلية وانتماءاتهم الأسرية رفض الكثير منهم هذا المبدأ، ووصل الحال إلى الإنكار والاستنكاف حتى إن من يقدم على التزوج من غير طبقته قد يخاطر بنفسه خاصة في المناطق القبلية والعشائر والبوادي، فإذا وصل الحال إلى الإنسان بأن يصبح في خطر من تزوجه من غير طبقته بحيث يتعرض للتهديد أو الضرر أو الإساءة إلى أسرته بالاستهزاء والسخرية والسب والأذى فإن درء المفاسد مقدَّم على جلب المصالح، وقد عرفنا قضايا لما اكتشف فيها البعض نسب الآخر وقد سبق أن صاهره هدّده بالقتل حتى أفتاه بعض العلماء بفراق زوجته، حيث أوشك أن ينشب بين الأسرتين قتال، والشرع لا يأمر بالمخاطرة إلى درجة أن تذهب النفس أو يسفك الدم، أيعيش الإنسان مرعوباً مهدداً لا يأمن على أسرته ونفسه من أجل تطبيق بعض أفراد الشريعة، ورأيي أن تعم في الناس ثقافة المساواة والتكافؤ، ويبيّن لهم رأي الإسلام عن طريق العلماء والدعاة ووسائل الإعلام والتعليم، ويُحارب التمييز العنصري في المدارس والجامعات والخطب والندوات والمؤلفات، وينقل الناس تدريجياً إلى وعي راشد حتى يصبح لديهم العلم الكافي بهذه المسألة، حينها يصبح الأمر طبيعياً أن يتزوج الإنسان من غير طبقته في المجتمع المسلم، وقد حصل هذا في بعض الدول الإسلامية. أما في المناطق التي ما زالت تفتخر بالأنساب والأحساب فرأيي أن لا يغامر الإنسان رجلا أو امرأة بمشروع زواجه لما يترتب على ذلك من أضرار، وقد عشنا قضايا حصل فيها الفراق بعد أن اكتشف أحد الطرفين عدم تكافؤ النسب، وأيَّدت القبيلة هذا الفراق وهو دليل على رسوخ التمييز العنصري، وغياب الوعي الإسلامي وعدم الامتثال للشريعة في هذا الباب، ولهذا نصَّ بعض الأئمة الكبار على اشتراط الكفاءة بالنسب، وهو قول ضعيف لكن بعضهم نظر إلى ما قد يترتب على هذا الأمر من مفاسد، وهذه المسائل الاجتماعية تُحل حلا جماعيا من قِبَل الدولة والمجتمع بحيث يقتنع الجميع في الآخر بمساواة الإنسان للإنسان في نسبه بغض النظر عن لونه وطبقته وحرفته، ولهذا يقول صلى الله عليه وسلم: «إذا أتاكم من ترضون دينه وأمانته فزوِّجوه»، ولم يُذكر في الحديث النسب فعسى أن يتجه العلماء ورجال الإعلام والتعليم إلى بث الوعي بين الناس وتأصيل مبدأ المساواة الإنسانية، فإن الناس جميعاً خُلقوا أحرارا، كما قال عمر: متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا، حتى إن الميثاق الدولي ينص على هذا، ففي إحدى مواد هيئة الأمم المتحدة ما نصه (الإنسان وُلد حرّاً ليس لأحد عليه رِقْ)، ولكن من حِكْمة الشريعة الإسلامية أنها تراعي المصالح وتدفع المفاسد، فإذا كبرت المفسدة وعَظُمَتْ وقلَّت المصلحة وصَغُرَتْ دُفعت المفسدة الكبرى بترك المصلحة الصغرى، وحفظ الإنسان في نفسه وعرضه مقدم على تحصيل مصلحة تقرير زواجه من غير طبقته؛ ليقيم بذلك قاعدة التكافؤ في النسب، إذاً الجهل وقلّة الوعي هو السبب وراء ما حصل من خلاف ومن إنكار في مسألة زواج الإنسان من طبقة غير طبقته، وحلُّ ذلك حملة علمية ودعوية وثقافية تنبذ الكراهية والتمييز العنصري والتعلق بالأخلاق الجاهلية والعصبية القبيلية، ونحن لا نقول للإنسان أن يتحدى الصعاب ويخاطر بنفسه؛ ليحقق التكافؤ بالنسب بزواجه من غير طبقته، وما معنى قولنا له اصبر على القيام بمشروع الزواج إلى آخر قطرة من دمك؟ نحن أيها الناس سواسية من أب وأم، كلنا ذو دم أحمر وليس فينا من له دم أزرق، فأبيضنا وأحمرنا وأسودنا يعودون إلى مادة الطين الأولى التي خُلق منها آدم أبو البشر ولا تفاضل بيننا إلا بتحقيق تقوى الله بالعلم النافع والعمل الصالح ولي قصيدة:
* ولا تحسب الأنساب تنجيك من لظى - ولو كنتَ من قيسٍ وعبد مدانِ
* أبو لهب في النار وهو ابن هاشــم - وسلمانُ في الفردوس من خرسانِ
التعليــقــــات
رائد اسكندراني، «المملكة العربية السعودية»، 08/03/2007
للشيخ عائض القرني مجموعة رائعة من الكتب السهلة والمفيدة انصح نفسي واخوتي بقراءتها على رأسها (التفسير الميسر) و(لا تحزن).
محمد عبد الكريم، «المملكة العربية السعودية»، 08/03/2007
الكفاءة لمن يطلقها ولا يعرف معناها يقصد بها التساوي في القدر والقيمة , يقال تكافأت كفتا الميزان إذا تساوتا وتعادلتا , ومن يزعم ان جنساً ما لا يكافئ جنساً إنما يعني عن قصد أو غير قصد انه هذا الجنس أعلى قدراً من الآخر , وهذا مخالف للعقل والفطرة وقبل ذلك للدين , فالناس طالما انهم لاب وام سواسية وان اختلفوا في الملامح والاشكال كما يختلف الاخوة من اب وام , ولكن ما الحيلة فيمن غلب الوهم على بصيرته وعقله وظن لاسباب لا يعلمها سواه انه افضل من بقية البشر , وان الله سبحانه _ وهذا مقصد من قال بما يسمى بكفاءة النسب في النكاح - أعطاه حقاً منعه عن آخرين , فهو في نظر نفسه ليس اعلى قدرا عند الناس فحسب بل اعلى قدرا عن الله تعالى , وبالتالي فهو مستثنى من تشريعات إلهية للناس كافة بمساواة بعضهم بعضاً وان الدين والخلق هما معيار الكفاءة والقدر , كما جاء في كتاب الله وسنة رسوله , والعجيب ان هذا الوهم الخيالي ليس قصراًعلى العوام الجهلة فقط بل يتعداه إلى سواهم من المثقفين وطلبة العلم , فهو قد يكون الداء الفكري الوحيد الذي اشترك فيه الجاهل والمتعلم.
خليل داود، «المملكة العربية السعودية»، 08/03/2007
لا فرق بين عربي وأعجمي إلا بالتقوى ، إن أكرمكم عند الله أتقاكم ، المسلمين كأسنان المشط ، ومع ذلك ونحن في القرن الواحد والعشرين ولا يزال بيننا أناس يفكرون بمسألة الكفاءة في النسب وكأن الله اصطفاهم على غيرهم من البشر وأنهم أعلى مكانة من غيرهم ، ومع الأسف الشديد هناك أناس يؤيدون تلك الفئة ويؤازروهم ، الأدهى والأمر أن قضاة ومن أهل العلم يحكموا بذلك ، حسبنا الله ونعم الوكيل.
سعيد الغامدي، «المملكة العربية السعودية»، 08/03/2007
في ظل العنوسة القاتلة، في ظل الإنفتاح المتزايد يوما بعد يوم، من السهل كسر طوق العنصرية في تكافئ النسب. ما لم تجد من يضرم نارها من بعض الإعلاميين أو من آخرين بقصد أو بغير قصد. فالناس كما يتعودون عليه، المهم لابد من صد اي شخص يتوجه للمحاكم بقصد التكافئ في النسب، طالما لم يرتكبوا محرما او كبيرة من الكبائر، وكان عقد النكاح سليما في جميع اركانه. فعند القضاء الناس سواسية كالمشط هكذا ينبغي ان يكون والا يكون قد ساهم بقصد او بغير قصد في اشعال نار الفتنة بين الناس. ونحن عكس من يقول ان عدم التكافئ فيه فتنة بين الناس، بل نقول ان تشجيع الناس على تزويج بناتهم وعدم النظر لمسألة انت ابن فلان طالما هو كفء في خلقه ودينه وعمله، هو امر محمود وسوف يعتاد الناس على ذلك مع مرور الوقت، وسوف يحذون حذو بعضهم. ونرجو من علمائنا الأفاضل حفظهم الله أن لا يعطوا فرصة للمغرضين.
سمير الهاشمي، «المملكة العربية السعودية»، 08/03/2007
شيخنا الفاضل بارك الله فيك. من المعلوم بديهية أن الانسان السوي لا يزوج ولا يتزوج الا بعد معرفة المتقدم او المتقدم اليه معرفة كاملة الا في الاحوال النادرة. وما يثار هذه الايام من القضايا المرفوعة في المحاكم للتفريق لعدم تكافؤ النسب يخفي وراءه كثيرا من قضايا توزيع التركة وما فيها من عدم قبول الحق. والله أسأل ان يجزيك خير الجزاء على مقالاتك التى تنير العقول وتهدي الى سواء السبيل (ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس ولكن اكثر الناس لا يشكرون)............
محمد علي الكاظمي، «فرنسا ميتروبولتان»، 09/03/2007
اود ان اوضح امرا لم يتطرق اليه فضيلة الشيخ و هو ان الفقهاء الذين اشترطوا الكفاءة اعتبروها في الرجال دون النساء.
اي ان الرجل يفترض ان يكون كفؤا للمرأة اذا ارادت الزواج به . اما الزوج فلا ضير عليه في ذلك و لا يعير بالمستوى الاجتماعي لزوجته. و في تاريخنا الاسلامي نجد بعض الخلفاء و الامراء تزوجوا من اماء .
و اعتبر الحنفية و الشافعية و الحنابلة مبدأ الكفاءة فيما يتعلق بالنسب و الحرفة, و الحرية في بعض الاقوال . اما الامامية و المالكية فاشترطوا الكفاءة في الدين فقط.
ناصح الرشيد، «الفلبين»، 09/03/2007
الشيخ عايض القرني، موضوع المقال في غاية الاهمية لمجتمعنا الاسلامي وركزت فيه على عوامل مهمة في ترابط المجتمع ونصحت فيه جزاك الله كل خير لكن احب ان اعلق على هذا الموضوع بالنقاط التالية:
1.التفرقة الاجتماعية تزيد في مجتمعنا يوما بعد يوم بسبب التخلف عن تعاليم الاسلام. وتطبيقها.
2. زيادة التفرقة وتجاهل اثارها ينذر بخطر عظيم على المجتمع يستفيد منه اعداء الاسلام والاعداء المتربصين بدولتنا الذين يتهمونها بعدم الديموقراطية في كثير من المحافل الدولية .
3. اكثر من يؤمن بهذه التفرقة والتميز في اقوالهم وافعالهم المهاجرون داخليا من المحافظات الصغيرة الى المدن الكبيرة مثل الرياض او جدة او الدمام . ويعود ذلك الى رغبتهم المحافظة على جماعتهم او قبيلتهم مثال ذلك وجود احياء في تلك المدن لا يقطنها الا فئة محددة ينتمون الى بعضهم البعض .
شكرا لك ياشيخ والسلام عليكم.
محمدعبدالرحمن الجوف، «المملكة العربية السعودية»، 09/03/2007
بدايتك في الموضوع ممتازة ولكنك بعد البداية الموفقة تطالبنا بالرضوخ الى كفاءة النسب بحجة ((درء المفاسد)) الا تعتقد يا شيخي الفاضل ان الرضوخ لهذا القانون هو من اكبر مفسدة؟ لماذا نرضخ لحكم البشر خوفا من القتل او النزاعات ولا نرضخ لحكم رب البشر؟ مع العلم ان رب البشر يستطيع ان يعاقبنا بعقاب اشد من الموت واشد من النزاعات اذا خالفنا اوامره بأن لافرق بين عربي ولا اعجمي الا بالتقوى. وميزنا بين الناس على اساس عرقي او قبلي... والله ياشيخ عائض كلامك غريب...نخاف من البشر ونعصي رب البشر!!!
د. سيد الأمين السلطاني، «فيتنام»، 09/03/2007
يسرني أن أشاطر رأي الشيخ عائض القرني، جزاه الله خيرا، لولا افتخار الناس في عصرنا الحاضر لتزوجن أخواتنا اللاتي بلغن سن اليأس، وإن مشكلة العنوسة التي عمت وطمت في العالم الإسلامي ناتجة عن المفاخرة بالأحساب والأنساب، مع أن المصطفى صلوات الله وسلامه عليه قال إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد عريض أو كما قال المصطفى.
خالد التميمي، «فرنسا ميتروبولتان»، 09/03/2007
لله درك ياشيخ عائض دائما كتاباتك تصب في صالح الأمة، دائما منك المفيد رحم الله والديك ورفع قدرك ... فياليت من يدعي الكتابة او مِن من يقول انه كاتب ان يحذي حذوك ويكتب للصالح العام .. جزاك الله خيرا يا شيخنا الجليل ووفقك الله...
أسمهان قولي، «الامارت العربية المتحدة»، 09/03/2007
شيخنا الكريم..
التكافؤ بين الطرفين ..تحديدا - في موضوع الزواج شيء لا يستهان به ..
لا أقول في النسب..بل في الثقافة و تقارب البيئة..و هذا ليس من قبيل العلو و التكبر و لكن..التكافؤ يمكن أن يقارب المسافة بين الزوجين و يحقق مزيدا من التفاهم و الانسجام..! و الكثير من الزيجات أخذت طريقها نحو الفشل بسبب صعود الزوج نحو سلم النجاح و الترقي بينما تخلفت الزوجة التي أخذتها عجلة الحياة فكانت تراوح مكانها بينما الزوج كان في صعود..
walid shishani-sweden، «السويد»، 09/03/2007
لا أعتقد أن للنسب علاقة في تكافؤ من عدمه، والحالات التي سمعنا بها وقرأنا عنها تبين بأن المشكلة الأساس هي التفاوت الفكري في تقدير الأمور، فكثيرا ما يتم الطلاق بين زوجين من نفس النسب ،فالعملية أولا وأخيرا هي خلاف بين جهل ووعي، وبالتالي هي تفاوت فكري بكل مستوياته.والحقيقة أن الأديان ساهمت إلى حد ما في مساعدة الأنسان لتجاوز مثل هذه الخلافات، حيث لم يمانع الأسلام زواج المسلمة من غير المسلم إن هو قبل الأسلام دينا، والقصد هو تقريب الأفكار من بعضها لتنسجم وتستمر الحياة. وكذا الغرب المسيحي ،فلا تتزوج الغربية مسلما ما لم يتفهم لعقليتها أو تتفهم هي لعقليته. هكذا يبدوا لنا أن النسب وإدعاءه ما هو إلا ضرب من ضروب الجهل والغرور.
ناصر العبدالله، «المملكة العربية السعودية»، 09/03/2007
كنت أتمنى ياشيخ ألاتدخل في تلك القضية الحساسة شرعا واجتماعياً ....وأود أن أذكرك أن تكافؤ النسب قضية شرعية ولم يخترعها المجتمع !! ثم إن الحالات التي كسرتها في عهد النبي صلى الله عليه وسلم حالات معدودة ونادرة ..والحكم للغالب ..
مشعل العتببي، «المملكة العربية السعودية»، 09/03/2007
كنا نتمنى ان تخف العنصرية القبلية وان كان بقاءها سيستمر الى قيام الساعة كما اخبر بذلك النبي عليه الصلاة والسلام حتى شاهدت قناة الساحة وبرنامج شاعر المليون.