تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : مقالة اعجبتني فنقلتها لكم اعضا منتدى رباع اقراو معي جزاكم الله خيرمشهور


مشهور
16/03/2007, 10:36 PM
بالفصيح
الإنسان والفراشة



عبدالله الناصر
يقال إن هناك تشابهاً متناقضاً بين الإنسان والفراشة.. فالفراشة تولد دودة قبيحة تنخر الأشياء وتفسدها ثم تبدأ هذه الدودة في دورة التحول إلى أن تصبح فراشة تطير بجناحين خفيفين رشيقين ملونين.. ونرى هذه الفراشة تسبح في ملكوت الله وتنتقل بين الزهور والأشجار لتضفي جمالاً وسلاماً على الطبيعة.
بينما الإنسان يولد طفلاً جميلاً لطيفاً وادعاً مسالماً كالفراشة في نقائه وجماله، وبراءته، ثم يدخل طور التحول والتبدل إلى أن يخرج من شرنقة الفراشة إلى دودة بشرية ضخمة تأكل وتفسد وتعيث في الأرض خرابا في كثير من حالاته وتقلباته..

أقول إن هذا في غالب الأحوال "البشرية" لأن هناك فئة من البشر تحافظ على فطرتها ووداعتها وخيرها، غير أن الفئة الغالبة في بني البشر هي صفة التحول والتبدل إلى درجة قد تصل إلى حد التوحش والهمجية..

وهذه الصفة قد يتفرد بها الإنسان دونما الكائنات الحية الأخرى، فتلك الكائنات تولد بطبيعتها ولا تتبدل إلا فيما يقبل التدريب والترويض، وإن كان ترويضاً لا يخرجها من طبيعتها بقدر ما يجعلها قادرة على شبه التفاهم الضيق مع الإنسان.. أما الغالب فيها فتولد وتكبر على ماهيتها الأولى.. فابن الأسد يحاول الافتراس والصيد منذ أيامه الأولى، وفراخ الصقور تختلف بطبيعتها عن فراخ الحمام والدجاج..

أما الإنسان فهو متطور منذ ولادته إلى موته يتطور ويتبدل. وأعني بذلك تطوره الإدراكي، وربما أن نزعة حب التملك، والسيطرة، والتحكم، والاستجابة لنزعات الشهوة والرغبة وراء تحولاته الدائمة.. والإنسان في نموه يستفيد من تجارب وسلوك الكائنات الأخرى من حوله، فهو يحاول أن يقلد الأسد في شجاعته، والذئب في إفساده، والثعلب في مكره، والصقر في شموخه، والجمل في تحمله، والحصان في كبريائه، والثعبان في اماتته.. فضلاً عن استفادته من معطيات الطبيعة، حيث يوظف كل تلك الأشياء في سبيل الوصول إلى غاياته وأهدافه، وهكذا يبدأ الإنسان يخرج من فطرته من حيث يشعر أو من حيث لا يشعر إلى أن ينسلخ من إنسانيته الأولى أو يكاد..

ومنذ الأزل والفلاسفة يحاولون تعديل سلوك الإنسان، ومحاولة سد كل الذرائع، كي لا يخرج من شرنقته الإنسانية، ولكن أولئك فشلوا في مجمل محاولاتهم.. وقد جاء الدين ليرتقي بالإنسان من انحطاط المعاش الجسدي إلى التسامي به نحو أعلى درجات النقاء والسلوك الروحي، المتمثل في عبادة الله، كي تكون رسالته فوق صغائر الحياة الفانية والتي يعيشها ولا يعي نهايتها البائسة.. فهو يولد كي يموت، وهو دائماً يذرف الدموع على الموتى، ويمشي وراء الجنائز، ومع هذا يزداد في طغيانه وتجبره وتعاليه.. غير أن الإنسان في كثير من الأحيان يتمرد على التعاليم الدينية النقية التي ترفعه إلى درجة الاتصال بخالقه، فلا يجزع ولا يخاف ولا يخضع لأي مخلوق إلا لخالقه، فيكبر في ذات نفسه، ويتجنب الشطط والميل إلى نزعة الشر والإفساد في الأرض.

ورغماً عن التطور الإنساني الذي وصل إليه في الصناعة والابتكار إلا أنه يزداد طمعاً وجشعاً، وتزداد لديه نزعة التملك والاستحواذ والاستبداد، فسخر هذه الصناعة في كثير من الأحيان لتحقيق رغباته، وأهوائه، ومطامعه، التي لا تنتهي إلى حد، بل ربما أن التطور الصناعي أو الحضارة الصناعية أتت على البقية الباقية من الفضيلة والإنسانية.

فالملاحظ أن الإنسان يتقدم صناعياً في كل شيء بشكل تصاعدي ولكنه في المقابل ينحدر أخلاقياً بشكل تهابطي سريع.. فنرى أن الأخلاق، والمثل، والفضائل الإنسانية، تنحدر يوماً بعد يوم.

ففي المجال السياسي لم تعد هناك حصانة من أي نوع يمكن أن تحمي الإنسان من الدمار والذبح إلا حصانة القوة، ومن الناحية الاقتصادية لم يعد هناك شيء يحميه إلا ارتفاع رأس ماله.. ومن الناحية الاجتماعية نجد أنه ينعزل شيئاً فشيئاً إلى درجة الوحدة والانقطاع حتى مع أهله وذويه، ومن ناحية الحب والرحمة والمودة بينه وبين أخيه الإنسان فقد أصبحت هذه الأشياء من مخلفات الماضي ومن فلكلور تاريخه المنسي، إنه يكاد يكون من النادر اليوم أن نجد في الغرب مثلاً كتاباً جديداً يدعو إلى التمسك بالقيم، أو قصيدة يغازل فيها الحبيب محبوبته بشكل رومانسي..!! فيقول: انه قد شغفه الحب وأضناه الغرام..

لقد خلق الله الإنسان وجعله متغيراً متبايناً في سلوكه مختلفاً في مزاجه وأهوائه، وزوده بعقل يحكم هذه الأهواء، وطالب إليه المحبة والشفقة والرحمة والإنصاف والعدل في الأرض ونهاه عن الإيغال وراء شهوات النفس ورغباتها التي تقوده إلى الجهالة والعمى.. الجهالة بالحق الإنساني والعمى عن فعل الخير وفعل العدل ومحاربة الظلم والجور..

غير أن الإنسان يبتعد بفطرته من تلقاء نفسه منبهراً بما حوله من زخرف الحياة ومتاعها ولذتها منحرفاً بتكوينه الإنساني.. من نقائه وبراءته إلى الهمجية والشذوذ والقتل والإبادة.. متحولاً من فراشة جميلة إلى دودة ضخمة تأكل ما حولها حتى تموت فيخرج منها دود يأكلها..


5 تعليقات
1
القناعة كنز لا يفنى


القناعة كنز لا يفنى
الرجل الأصيل لا يتغير مهما أغرته الحياة وأغراه الأخرين
عندما يؤمن الأنسان بأن العطاء أمر عفوي، فأن وهب حسنة بيده اليمنى، على يده اليسرى الأتعرف ذلك.وأذا قام الأنسان بفروضه الدينية، وخاصة دفع الزكاة تماما كما ينص عليه الدين، وأغدق بمساعدة المحتاجين والمعوذين. فهذا لن يتغير ولن يتلون، ولن يتبدل
من يتخذ من الدين مسلكا يوميا في حياته ويعمل بأخلاص لخدمة بلده، والبشر حوله ويتبع تعاليم دينه، فلا خوف عليه من الأنزلاق



د. عبدالله عقروق. فلوريدا
06:44 صباحاً 2007/03/16
2
الله يجزاهم خير اللي حطوك يوم الجمعه بس


مشكور على مقالك



سلطان السهلي
08:16 صباحاً 2007/03/16
3


مشكور جدا جدا
كل ما ذكرت ملخصها يا أخي الفاضل بقول الله تعالى ( إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين )



مشعل
11:15 صباحاً 2007/03/16
4


مقال اكثر من رائع سلمت اناملك
ففي المجال السياسي لم تعد هناك حصانة من أي نوع يمكن أن تحمي الإنسان من الدمار والذبح إلا حصانة القوة، ومن الناحية الاقتصادية لم يعد هناك شيء يحميه إلا ارتفاع رأس ماله.. ومن الناحية الاجتماعية نجد أنه ينعزل شيئاً فشيئاً إلى درجة الوحدة والانقطاع حتى مع أهله وذويه،
ياسلام درر تسلم يالناصر



فهد بن محمد بن عبدالعزيز
03:27 مساءً 2007/03/16
5


مقالة رائعة
ونحن البشر مصيرنا عائدون إلى الدود.
لك أجمل التحيأتي