مشهور
22/06/2007, 05:01 PM
قاتل الله العشق
إنه رجل قليل الكلام إلى درجة أن الذي لا يعرفه ويجلس معه لأول مرّة يعتقد انه (اطرم). انه يعمل، وينجز، وقد يهز رأسه أو يبتسم، ولكن (فين وفين) لما ينطق.
كنت جالساً معه في فناء منزله وكان الباب الخارجي مفتوحاً، وفجأة وإذا برجل يدخل علينا ويقرئنا السلام، رددت على سلامه، فيما بقي (أبو الهول) صامتاً إلا من إيماءة صغيرة من رأسه.
ويبدو أن ذلك الرجل يعرف (أبو الهول)، ولكن مضت مدة طويلة لم يقابله، لأنه قال له:
لقد وصلت قبل أيام من السفر، فهل أخوك في المنزل؟!
فاضطر (أبو الهول) أن يجيبه باقتضاب قائلاً: لا، انه ليس في المنزل.
ـ ممكن اجلس انتظره إذا لم يكن لديك مانع؟!
ـ أهلاً وسهلاً، تفضل.
وبعد مضي أكثر من ساعة ونحن ثلاثتنا جالسون صامتون، وكنت الوحيد وقتها أسلي نفسي بتصفح مجلة فنية نسائية، وأخذ الرجل يتضايق وينفد صبره، فعاد يسأل (أبو الهول): أين ذهب أخوك؟!
ـ لقد ذهب إلى المقبرة.
ـ وإلى متى سيبقى هناك؟!
ـ لا أدري، فقد ذهب منذ أربعة أعوام ونصف.
* * *
أمس ذهبت إلى طبيب الأسنان حسب الموعد المعتاد (كل ستة أشهر) لتنظيف أسناني، بما علق فيها من (سوء الكلام).
وذلك الطبيب ما هو إلاّ (فنان) بمعنى الكلمة، في براعته، وفي حركاته، وفي الأغاني التي لا يستطيع أن يعمل دون أن تخترق طبلة أذنه. وأنا شخصياً لا أبتعد عنه كثيراً، فمن المستحيل أن أرسم إلا إذا كانت الأغاني والموسيقى تملأ أرجاء الغرفة، وأحياناً ارقص معها وألف وأدور حول نفسي، وحول اللوحة والفرشاة في يدي، والألوان تلطخ وجهي.. إنها (طقوس) تكاد أحياناً، أو هي في أغلب الأحيان تكاد أن تكون جنونية رائعة.
المهم أنني جلست على الكرسي مسلماً نفسي (وطقم أسناني) للطبيب الفنان الذي أدار جهازه على أغنية لفيروز، وما هي إلاّ لحظة وإذا به يرجع الكرسي للخلف وأصبحت بعدها ممداً وكأنني على سرير أو تابوت، ففتحت فمي تلقائياً على الآخر، وأغمضت أجفاني لأسرح مع أغنية فيروز، وتوقعت أن الطبيب سوف يباشر العمل، غير أنه لم يفعل أي شيء، وعندما تعبت من فتح فمي، أخذت أتململ، وإذا بي أسمعه يضحك ضحكة خفيفة، ثم انفجر بضحك متواصل، ساعتها أغلقت فمي ورفعت ظهري قاعداً، والتفت ناحيته معتقداً أنه يضحك عليَّ، فقال: لا اطمئن، فقد تذكرت زبونة أتتني قبل أسبوع، وكانت ممددة على نفس الكرسي الذي أنت عليه الآن، فسألته على الفور: هل هي جميلة؟!، فقال: (أنا في إيه وأنت في إيه؟!)، اسمعني يا أخي، عندما أردت أن أباشر عملي في أسنانها، أدرت الجهاز على أغنية لمحمد عبده، وبعد قليل وإذا بالزبونة تصيبها نوبة بكاء مفاجئة، واعتقدت لأول وهلة أنها تبكي من الألم، وكلما حاولت أن أهدئ روعها ازدادت بالبكاء، وعرفت أخيراً أنها أخذت تبكي عندما سمعت الأغنية، فسألته ماذا كانت الأغنية، قال: إنها أغنية (الأماكن)، قلت له: قاتل الله العشق (شو بيذل).
إنه رجل قليل الكلام إلى درجة أن الذي لا يعرفه ويجلس معه لأول مرّة يعتقد انه (اطرم). انه يعمل، وينجز، وقد يهز رأسه أو يبتسم، ولكن (فين وفين) لما ينطق.
كنت جالساً معه في فناء منزله وكان الباب الخارجي مفتوحاً، وفجأة وإذا برجل يدخل علينا ويقرئنا السلام، رددت على سلامه، فيما بقي (أبو الهول) صامتاً إلا من إيماءة صغيرة من رأسه.
ويبدو أن ذلك الرجل يعرف (أبو الهول)، ولكن مضت مدة طويلة لم يقابله، لأنه قال له:
لقد وصلت قبل أيام من السفر، فهل أخوك في المنزل؟!
فاضطر (أبو الهول) أن يجيبه باقتضاب قائلاً: لا، انه ليس في المنزل.
ـ ممكن اجلس انتظره إذا لم يكن لديك مانع؟!
ـ أهلاً وسهلاً، تفضل.
وبعد مضي أكثر من ساعة ونحن ثلاثتنا جالسون صامتون، وكنت الوحيد وقتها أسلي نفسي بتصفح مجلة فنية نسائية، وأخذ الرجل يتضايق وينفد صبره، فعاد يسأل (أبو الهول): أين ذهب أخوك؟!
ـ لقد ذهب إلى المقبرة.
ـ وإلى متى سيبقى هناك؟!
ـ لا أدري، فقد ذهب منذ أربعة أعوام ونصف.
* * *
أمس ذهبت إلى طبيب الأسنان حسب الموعد المعتاد (كل ستة أشهر) لتنظيف أسناني، بما علق فيها من (سوء الكلام).
وذلك الطبيب ما هو إلاّ (فنان) بمعنى الكلمة، في براعته، وفي حركاته، وفي الأغاني التي لا يستطيع أن يعمل دون أن تخترق طبلة أذنه. وأنا شخصياً لا أبتعد عنه كثيراً، فمن المستحيل أن أرسم إلا إذا كانت الأغاني والموسيقى تملأ أرجاء الغرفة، وأحياناً ارقص معها وألف وأدور حول نفسي، وحول اللوحة والفرشاة في يدي، والألوان تلطخ وجهي.. إنها (طقوس) تكاد أحياناً، أو هي في أغلب الأحيان تكاد أن تكون جنونية رائعة.
المهم أنني جلست على الكرسي مسلماً نفسي (وطقم أسناني) للطبيب الفنان الذي أدار جهازه على أغنية لفيروز، وما هي إلاّ لحظة وإذا به يرجع الكرسي للخلف وأصبحت بعدها ممداً وكأنني على سرير أو تابوت، ففتحت فمي تلقائياً على الآخر، وأغمضت أجفاني لأسرح مع أغنية فيروز، وتوقعت أن الطبيب سوف يباشر العمل، غير أنه لم يفعل أي شيء، وعندما تعبت من فتح فمي، أخذت أتململ، وإذا بي أسمعه يضحك ضحكة خفيفة، ثم انفجر بضحك متواصل، ساعتها أغلقت فمي ورفعت ظهري قاعداً، والتفت ناحيته معتقداً أنه يضحك عليَّ، فقال: لا اطمئن، فقد تذكرت زبونة أتتني قبل أسبوع، وكانت ممددة على نفس الكرسي الذي أنت عليه الآن، فسألته على الفور: هل هي جميلة؟!، فقال: (أنا في إيه وأنت في إيه؟!)، اسمعني يا أخي، عندما أردت أن أباشر عملي في أسنانها، أدرت الجهاز على أغنية لمحمد عبده، وبعد قليل وإذا بالزبونة تصيبها نوبة بكاء مفاجئة، واعتقدت لأول وهلة أنها تبكي من الألم، وكلما حاولت أن أهدئ روعها ازدادت بالبكاء، وعرفت أخيراً أنها أخذت تبكي عندما سمعت الأغنية، فسألته ماذا كانت الأغنية، قال: إنها أغنية (الأماكن)، قلت له: قاتل الله العشق (شو بيذل).