المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : بلاد الكلام و... الحوار **سمير عطالله


مشهور
24/07/2007, 02:02 AM
بلاد الكلام و... الحوار

عندما انتخبت الهند قبل أعوام رئيسا يدعى «أبو الكلام» تركزت التعليقات والتحليلات على انه أول رئيس يخرج من طبقة «المنبوذين»، أدنى الطبقات في شبه القارة. وفاتنا جميعا، والهند تستعد الآن لانتخاب رئيس قد يكون امرأة، أن الرئيس أبو الكلام انتخب في بلاد أم الكلام! وبالمقارنة مع الهند، لا نحن، ولا فيدل كاسترو، ولا أحد، يمكن أن يلقى في المرتبات والتصنيفات شيئا.

كان وزير الدفاع الهندي أيام نهرو، رجلا نحيلا مثل عصاه، يدعى كريشنا مينون. وكان سياسيو العالم الثالث يرتعدون خوفا إذا بدأ العزيز كريشنا حديثا ما، أو خصوصا، خطابا ما، فقد كان أبا الكلام وأمه وأبناء عمومته. وقد ألقى مرة خطابا أمام الجمعية العامة والأمم المتحدة استغرق تسع ساعات. وذهب بعض الحاضرين من الوفود لتناول الغداء واستراحوا وعادوا، وكان كريشنا لا يزال يحكي. يحكي. ولا تزال الأمم المتحدة تبحث إلى اليوم عمن يكسر ذلك الرقم القياسي. عبثا يا مولاي.

لم يكن كريشنا مينون أول آباء الكلام في الهند ولا آخرهم. وعندما تتحدث الناس عن الشعر الملحمي والقصائد التي لا نهاية لها، يخطر في البال دوما «الياذة» هوميروس، لأن القلائل منا يعرفون ملحمتي الهند «الرامابانا» و«المهاباراثا». ويا مولاي «المهاباراثا» وحدها أطول سبع مرات من «الألياذة» و«الاوديسة» مجتمعتين! أجل، أجل.

لا يزال هناك جدل حول أصول «ألف ليلة وليلة» وما تداخل فيها عبر الزمن حتى وصلت إلى نصها النهائي. لكن النظرية القائلة إنها بدأت في الهند قد تكون الأكثر قربا من الواقع: سلطان لا يثنيه عن ضحيته سوى الكلام، وراوية لا تسكت إلا بعد أن يهدهد كلامها سيد البلاد ويدفعه إلى النوم سعيدا، من دون حاجة إلى المسكنات المضرة والعادات المتمكنة التي حلت اليوم محل فن الحكاية ومشوقات الخيال.

لكن هل هو الكلام للكلام؟ للثرثرة؟ لا. تقوم الحكمة الهندية على الكلام في سبيل الحوار. وهذا الحوار المستمر هو سر بقاء المجتمع الهندي. وفي عام 1967 كتب مراسل «التايمس»: هذه آخر انتخابات تعرفها الهند، لكثرة ما كان الصوت مرتفعا، لكن الانتخابات لا تزال تجري، بعد أربعين عاما، وفي صوت مرتفع ولكن ليس في زعيق أصم يصم.

«كريشنا» الأول، هو بطل «المهاراباثا» وداعية الواجب فيها. وكان ج. روبرت اوبنهايمر رئيس الفريق الأميركي، الذي صنع القنبلة الذرية. وعندما شاهد ماذا فعل اختراعه في هيروشيما كرر قول كريشنا: «لقد أصبحت أنا الموت، مدمِّر العوالم».