مشهور
15/08/2007, 01:05 AM
افتكرني.. افتكرني
استوقفني اليوم ما قاله البرت شوايتزر عن ذاكرة الإنسان، قال "ما السعادة إلا التمتع بصحة جيدة وذاكرة ضعيفة".
أثارني رأيه لأنني وإن وافقت على أن قوة البدن سعادة، لا أوافق على أن ضعف الذاكرة جزء منها. الذاكرة هي مستودع كل نفيس وغال، فإن هي ذهبت ذهب كل جميل. ومع ذهاب كل جميل، تذهب أيضا ذكرى ما هو مؤلم وحزين. ومع ذلك كلنا يفضل أن تبقى خزائن الذاكرة كاملة وكامنة، وأن تبقى مفاتيحها تحت الطلب.
قدرة الدماغ على تلقي المعلومات وتخزينها واستحضارها عند اللزوم، هائلة ومركبة أكثر مما يمكن أن نتصور. كل منا يمتلك أكثر من مائة مليون خلية من خلايا الدماغ.. ربما أكثر من عدد النجوم في السماء، ومع ذلك وبمضي الوقت، يجد الشخص العادي نفسه أحيانا غير قادر على تذكر الأسماء والتواريخ والوجوه عند الضرورة بالسرعة المطلوبة، فيشعر بالأسى والجزع.
ذاكرة الإنسان لغز حير علماء النفس وأطباء المخ والأعصاب. ولا شك أن فقدان الذاكرة ظاهرة محيرة تستهوي العقل والخيال بحيث إنها أصبحت موضوع الكثير من الكتب والأفلام وتبنى عليها افتراضات هي بالفعل محاولات لفك ألغازها وأدوات تشغيلها وأسباب عطلها. ولأسباب مشابهة، تلقى كتب السيرة الذاتية رواجا خاصا لأنها محاولات لتحديد مسارات الهوية والمرآة التي ينظر فيها الكاتب إلى نفسه ويصف ما يرى. وقد لا تكون تفاصيل الصورة كما يعبر عنها مطابقة لمعالمها التاريخية، لكنها إعادة تشكيل للرؤية، وهي في نفس الوقت الدليل الكافي على تكيف الذاكرة مع مستجدات التجربة.
ومهما كانت درجة الأمانة التي يتوخاها الكاتب، فالاحتمال الأكبر هو انه ينتقي من مخازن الذاكرة ما ينتقي بلا تعمد، إنما تفرض عليه تجاربه الحياتية تذكر أحداث بعينها وكل ما تجر معها من أصوات وروائح وألوان. ومعنى ذلك أننا لا نتذكر كل شيء، وأن آلاف التجارب والوجوه والأماكن تدخل الذاكرة ثم تخرج بلا عودة. والعجيب أن الذكريات المبكرة جدا هي التي تبقى حية الى نهاية العمر. حدثتني أحب صديقاتي فقالت إنها تتذكر يوم ولد شقيقها الذي يصغرها بعامين. كان عمرها عامين لا أكثر، وما زالت تتذكر أنها كانت محمولة على ذراع شخص كبير تنظر إلى الدنيا من ذلك الموقع. تتذكر مزهرية بها زهور زاهية بلون الطوب الأحمر، وتتذكر الكبار يخرجون من غرفة لخزين اللوز والبندق والحلوى الملونة ابتهاجا بقدوم المولود.
لا شك أن ذكرياتنا الحية هي ملامح للشخصية الفردية التي يتمتع بها كل منا. فها هي تلك الصديقة تتذكر لون الزهور في مزهرية منذ خمسين عاما، وهي لم تكمل عامها الثاني. وها هي اليوم، رغم اشتغالها بالصحافة زمنا وتفوقها في العمل، تعشق الرسم وتوظف فيه إحساسا فوق العادة بالألوان ودرجاتها وتناسقها. كما أن ذاكرتها ربطت بين إحساسها بالبهجة والألوان وطعم الحلوى يوم ولد شقيقها، فارتبطت بذلك الشقيق ارتباطا وثيقا لازمها ولازمه منذ الطفولة وعبر مراحل العمر المختلفة إلى يومنا هذا.
ذكرياتك الأولى المبكرة هي دليلك إلى تفسير ما تحب وما تجيد. إذا كانت الذكرى الأولى نغمة أو أغنية، فأنت حتما من محبي الموسيقى إنصاتا أو عزفا. وان كانت ذاكرتك الأولى عن مكان، فمن الجائز انك محب للسفر والأمكنة. وإن كنت مثلي، تتذكر أول كلمة تفوهت بها فأدهشت من سمعها نظرا لأنها كانت الكلمة الاولى وإن كنت صغيرا على الكلام، ابشر فأنت من عشاق اللغة وممن يجيدون توظيفها.
استوقفني اليوم ما قاله البرت شوايتزر عن ذاكرة الإنسان، قال "ما السعادة إلا التمتع بصحة جيدة وذاكرة ضعيفة".
أثارني رأيه لأنني وإن وافقت على أن قوة البدن سعادة، لا أوافق على أن ضعف الذاكرة جزء منها. الذاكرة هي مستودع كل نفيس وغال، فإن هي ذهبت ذهب كل جميل. ومع ذهاب كل جميل، تذهب أيضا ذكرى ما هو مؤلم وحزين. ومع ذلك كلنا يفضل أن تبقى خزائن الذاكرة كاملة وكامنة، وأن تبقى مفاتيحها تحت الطلب.
قدرة الدماغ على تلقي المعلومات وتخزينها واستحضارها عند اللزوم، هائلة ومركبة أكثر مما يمكن أن نتصور. كل منا يمتلك أكثر من مائة مليون خلية من خلايا الدماغ.. ربما أكثر من عدد النجوم في السماء، ومع ذلك وبمضي الوقت، يجد الشخص العادي نفسه أحيانا غير قادر على تذكر الأسماء والتواريخ والوجوه عند الضرورة بالسرعة المطلوبة، فيشعر بالأسى والجزع.
ذاكرة الإنسان لغز حير علماء النفس وأطباء المخ والأعصاب. ولا شك أن فقدان الذاكرة ظاهرة محيرة تستهوي العقل والخيال بحيث إنها أصبحت موضوع الكثير من الكتب والأفلام وتبنى عليها افتراضات هي بالفعل محاولات لفك ألغازها وأدوات تشغيلها وأسباب عطلها. ولأسباب مشابهة، تلقى كتب السيرة الذاتية رواجا خاصا لأنها محاولات لتحديد مسارات الهوية والمرآة التي ينظر فيها الكاتب إلى نفسه ويصف ما يرى. وقد لا تكون تفاصيل الصورة كما يعبر عنها مطابقة لمعالمها التاريخية، لكنها إعادة تشكيل للرؤية، وهي في نفس الوقت الدليل الكافي على تكيف الذاكرة مع مستجدات التجربة.
ومهما كانت درجة الأمانة التي يتوخاها الكاتب، فالاحتمال الأكبر هو انه ينتقي من مخازن الذاكرة ما ينتقي بلا تعمد، إنما تفرض عليه تجاربه الحياتية تذكر أحداث بعينها وكل ما تجر معها من أصوات وروائح وألوان. ومعنى ذلك أننا لا نتذكر كل شيء، وأن آلاف التجارب والوجوه والأماكن تدخل الذاكرة ثم تخرج بلا عودة. والعجيب أن الذكريات المبكرة جدا هي التي تبقى حية الى نهاية العمر. حدثتني أحب صديقاتي فقالت إنها تتذكر يوم ولد شقيقها الذي يصغرها بعامين. كان عمرها عامين لا أكثر، وما زالت تتذكر أنها كانت محمولة على ذراع شخص كبير تنظر إلى الدنيا من ذلك الموقع. تتذكر مزهرية بها زهور زاهية بلون الطوب الأحمر، وتتذكر الكبار يخرجون من غرفة لخزين اللوز والبندق والحلوى الملونة ابتهاجا بقدوم المولود.
لا شك أن ذكرياتنا الحية هي ملامح للشخصية الفردية التي يتمتع بها كل منا. فها هي تلك الصديقة تتذكر لون الزهور في مزهرية منذ خمسين عاما، وهي لم تكمل عامها الثاني. وها هي اليوم، رغم اشتغالها بالصحافة زمنا وتفوقها في العمل، تعشق الرسم وتوظف فيه إحساسا فوق العادة بالألوان ودرجاتها وتناسقها. كما أن ذاكرتها ربطت بين إحساسها بالبهجة والألوان وطعم الحلوى يوم ولد شقيقها، فارتبطت بذلك الشقيق ارتباطا وثيقا لازمها ولازمه منذ الطفولة وعبر مراحل العمر المختلفة إلى يومنا هذا.
ذكرياتك الأولى المبكرة هي دليلك إلى تفسير ما تحب وما تجيد. إذا كانت الذكرى الأولى نغمة أو أغنية، فأنت حتما من محبي الموسيقى إنصاتا أو عزفا. وان كانت ذاكرتك الأولى عن مكان، فمن الجائز انك محب للسفر والأمكنة. وإن كنت مثلي، تتذكر أول كلمة تفوهت بها فأدهشت من سمعها نظرا لأنها كانت الكلمة الاولى وإن كنت صغيرا على الكلام، ابشر فأنت من عشاق اللغة وممن يجيدون توظيفها.