المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : بين الرمضاء والنار! **محمد صادق دياب


مشهور
17/08/2007, 01:34 AM
بين الرمضاء والنار!

كل ما ارتقى الإنسان في سلم الحضارة يصبح في حاجة إلى طفولة أكبر، أو بعبارة أخرى يغدو في حاجة إلى إعداد أعمق، ففي الماضي كان ابن الحداد والنجار والبناء والمزارع وغيرهم إذا بلغ العاشرة من العمر التحق بركب المهنة تحت شعار «صنعة أبوك لا يغلبوك»، وارتقى الإنسان قليلا في سلم الحضارة فاكتشف حاجته إلى تعلم مبادئ القراءة والكتابة، ثم ارتقى أكثر فازدادت حاجته إلى المزيد من الدراسة، وكان مقبولا في أول الأمر أن يكتفي بالمدرسة الابتدائية، ليكتشف بعد فترة حاجته إلى المزيد من التعليم المتوسط والثانوي، وهكذا حتى غدا التعليم الجامعي أو ما يعادله ضرورة حياتية في عصرنا الحاضر، يمكن اعتبارها ضمن التعليم الأساسي.

كل هذه المتغيرات التي حدثت في حياة الإنسان المعاصر مرت على التعليم العالي في السعودية من دون أن يتنبه لها في الوقت المناسب ليصطدم أبناؤنا بصخرة صماء اسمها القبول الجامعي. فعلى ذمة أحد الأكاديميين السعوديين يشترط أن يتوفر لكل 50 ـ 100 ألف نسمة جامعة واحدة، وبالتالي يفترض أن يتراوح عدد الجامعات في السعودية بحسب عدد السكان من 160 إلى 300 جامعة، في الوقت الذي لا نمتلك فيه حاليا سوى عددا محدودا جدا من الجامعات والكليات، ولا تتسع جامعاتنا لأكثر من 10% فقط من خريجي الثانوية العامة، وعلى الباقين أن يختاروا بين الرمضاء والنار، فيلتحقون بكليات أهلية داخلية أو جامعات خارجية، والكليات الأهلية في الداخل تشتط في رسومها بصورة غير مقبولة ولا معقولة في ظل غياب الرقابة على الاستثمار في الحقل التعليمي، حتى أوشكت تلك المؤسسات التعليمية الخاصة أن تكون مغلقة الأبواب في وجه الشريحة الكبيرة من أبناء المجتمع، وكأن بعض المستثمرين في تلك المشاريع جاء إلى الحقل التعليمي بنفس درجة الجشع التي ينقض فيها على المشاريع الاستثمارية الأخرى في أسواق العقار والأسهم وغيرها، ومن دون إدراك لطبيعة حقل التربية والتعليم، وما يفترض أن تسوده من قيم، أو تحكمه من مثاليات. ويبقى الخيار الآخر لنسبة من الطلاب السفر إلى الخارج للدراسة على حساب أولياء أمورهم في دول تنخفض فيها التكلفة الجامعية والحياتية، وجل تلك الدول لا تتوفر فيها سفارات لبلدنا ولا ملحقيات تعليمية، وقد عانى أبناؤنا في بعض تلك الدول الويلات، وكمثال ما عاشه 200 طالب سعودي في أوكرانيا في العام الدراسي الماضي بسبب تردي الأوضاع الأمنية هناك، إذ غدوا هدفا للعصابات الإجرامية المسلحة، حتى أن طالبا منهم تعرض لعملية اختطاف تحت تهديد السلاح، وقد نجا من الموت بأعجوبة بعد أن تخلى عن جواز سفره، وهاتفه الجوال، والمبلغ المالي الذي بحوزته.

فلماذا يحدث كل هذا لأبناء بلد يحسدهم على ثرائه الكثيرون؟!