عبد المجيد
08/09/2007, 07:38 PM
الحرب والسلام فى الشرق الأوسط
أول ما قد يتبادر إلى ذهن القارئ الكريم هو هذا السؤال المنطقى: لماذا «آفى شليم» بالذات؟ ولماذا يقدم الكتاب الذهبى لمؤسسة روزاليوسف ثانى كتاب لهذا المفكر الإسرائيلى فى غضون أسابيع قليلة؟ لقد طرحنا منذ أسابيع كتاب «الحائط الحديدى» لذات المؤلف، والآن نقدم كتاب «الحرب والسلام فى الشرق الأوسط» والإجابة عن هذا السؤال لا تتعلق من قريب أو بعيد بالعمل التجارى أو الربح المادى. صحيح أن الكتاب الأول حقق نجاحا مذهلا، ولكن لم يكن هذا هو السبب فى سرعة ترجمة وتحرير وطرح الكتاب الثانى، والصحيح هو أن القارئ الكريم هو الذى حسم المسألة عندما أقبل بشكل غير مسبوق على الكتاب الأول بمجرد طرحه فى الأسواق، بل عندما عرضته فى مقالى الأسبوعى بمجلة روزاليوسف، وكنت بذلك أول من أشار إلى هذا الكاتب الشجاع والأمين الذى لا يخشى قول الحق حتى لو كان ضد سياسة بارعة اتبعتها دولة إسرائيل - والتى ينتمى إليها - على مر أكثر من نصف قرن من الزمان، وحتى لو كان يقف وحيدا أمام جبروت الآلة السياسية والآلة الإعلامية فى إسرائيل.. وإلى حد ما فى الولايات المتحدة الأمريكية! على مدى أكثر من خمسين عاما والعالم كله يبتلع أكاذيب جيدة الصنع تروجها إسرائيل عن مشكلة الصراع العربى الإسرائيلى.. الجميع يبتلعون هذه الأكاذيب ويصدقونها، أما نحن: الطرف الآخر فى الصراع، فإننا لم نبتلع شيئا من هذا بالطبع، ولكننا فى الوقت ذاته وقفنا عاجزين لا نجهد أنفسنا فى الدراسة والبحث وتقديم الحجج والوثائق والبراهين، واكتفينا باللغو والمقالات النارية الخالية من المعلومات فى عصر لا يعترف بغير المعلومات وبالمنطق حتى يمكن أن يشرع فى تغيير وجهة نظره وتمهيد الرأى العام لقبول وجهة النظر الجديدة. ولعل من أهم ما يتناوله هذا الكتاب، ما سوف تقرأه فى الفصلين السابع والثامن عن دور الولايات المتحدة فى تحريك أو تعثر عملية السلام من خلال تأثيرها القوى على إسرائيل.. فى هذا يقول «آفى شليم» إن الولايات المتحدة تلعب دور الوسيط فى حل الصراع فى الشرق الأوسط لكنها فى نفس الوقت تعطى لإسرائيل مساعدات عسكرية واقتصادية ودبلوماسية بلا حدود. وقد ثبت كما يقول «آفى شليم» - وليس نحن - أن إسرائيل لا تستجيب لأية تنازلات إلا من خلال ضغوط مكثفة، وهذا ما يجب أن يفعله الرئيس الأمريكى الجديد جورج دبليو بوش. إن الدليل على ذلك مؤكد تاريخيا، فقد أدت ضغوط الرئيس بوش الأب اقتصاديا من خلال تجميد قرض قدره 10 مليارات دولار طلبه وقتها رئيس الوزراء الأسبق إسحق شامير إلى قبول إسرائيل التفاوض مع الفلسطينيين، وفى المقابل أدت المساعدات التى قدمها بيل كلينتون بلا حدود لإسرائيل إلى تعنت تل أبيب فى عدم تنفيذ اتفاقياتها.. فضلا عن أنه تسامح معها أيضا فى موضوع نفى نشطاء حماس وفى قصف جنوب لبنان. من هنا تأتى أهمية آفى شليم.. لأنه كاتب يهودى، وبالقطع ليس ضد السامية وأن أحدا منا لا يعرفه حتى يقال أننا قمنا بإغرائه ليقول ما قال فى كتاباته، ثم إنه يعتمد على المعلومات وحدها فى بناء كتبه ووجهة نظره، ثم إنه فوق كل هذا يقول الحق الذى هو فى صفنا والذى هو ضد إسرائيل منذ نشأتها وإلى يومنا هذا! رجل واحد يقف ضد الباطل الذى تخترعه بلاده وهو فى ذلك ليس خائنا ولا عميلا يعمل ضد وطنه، لأنه فى الواقع يعمل لصالح وطنه عندما يعمل على هدم وتبديد الزيف والأكاذيب التى قام مثل هذا الوطن على أعمدتها الواهية التى لابد أن تهوى يوما أمام قوة الحق وصفة الخلود التى تتميز بها الحقيقة! وإذا كان ما يقوله يخدم وطنه على المدى البعيد - ولو أنهم هناك لا يفهمون ذلك ويعتبرونه - شليم وزملاءه - أقرب إلى معسكر أعداء إسرائيل. إذا كان ذلك فإن ما يقوله هذا الرجل وحركة المؤرخين الجدد الإسرائيليين، يعتبر وثيقة دامغة تؤكد وجهات نظرنا التى لم نستطع أن نقدمها للرأى العام العالمى بشكل عقلانى ومنطقى، وفى إطار معلوماتى يبتعد عن النارية والتهويل اللذين يبدو أننا لا نستطيع أبدا أن ننحو بعيدا عنهما. وجدير بالذكر هنا أننى خلال حرب أكتوبر 1973 كنت أعمل محررا عسكريا لجريدة الأهرام، وأقوم بتغطية عمليات القتال لهذه الحرب الخالدة، وفى لحظة ما أحسست أن هناك «فجوة مصداقية» شاسعة بين القارئ وبين ما ننقله من خلال وسائل الإعلام بمختلف أنواعها واتجاهاتها، وكان السبب الأساسى وراء هذه الفجوة هو فجوة أخرى أعظم وأضخم اتساعا بين الأداء والنتائج فى حرب يونيو 1967، وبين الأداء والنتائج بعد ذلك بست سنوات فى أكتوبر 1973، ومن هنا فقد لجأت إلى أسلوب جديد كنت أول من لجأ إليه على مستوى الإعلام العربى، وذلك عندما حصرت جهودى فى ترجمة ما يقوله الكتاب الإسرائيليون عن حرب أكتوبر وأنشره كما هو فى صحيفة الأهرام التى كنت أعمل بها فى ذلك الوقت. ولقد كان هذا الأسلوب مؤثرا للغاية واستطاع أن يضيق فجوة المصداقية التى ذكرناها من قبل، وكان هناك إقبال كبير من جانب القراء على كتب إسرائيلية.. مثل: التقصير.. وحرب التكفير، وحرب كيبور + 1000 يوم.. الخ، ومن خلال كلمات الكتاب الإسرائيليين أيقن القارئ العربى حجم الهزيمة والمرارة التى لحقت بهم هناك من جراء الأداء العسكرى المصرى المتميز.. كان هذا التكنيك الإعلامى مؤثرا للغاية، وكان أن اتبعه بعد ذلك كثير من الزملاء! إن ميزانية جهاز إعلامى واحد فى أصغر دولة عربية تكفى وتزيد لقيام مشروع قومى عربى للترجمة، يتناول أعمال هؤلاء الكتاب الذين يقفون معنا فى نفس الخندق.. ترجمة ليس القصد منها معرفة أباطيل وجهات النظر الإسرائيلية لأننا جميعا نعرف ذلك، ولكن الهدف هو معرفة المعلومات والبيانات والوقائع التى تؤكد هذه الأباطيل! فى ذات الوقت فإن ميزانية جهاز إعلامى واحد فى أصغر دولة عربية تكفى وتزيد لشراء حق طبع هذه المؤلفات باللغة الإنجليزية أو الفرنسية وتوزيعها مجانا على جميع الجهات المسئولة والمعنية فى جميع أنحاء العالم، لعل وعسى أن يقتنع صانعو القرار عندما «يشهد شاهد من أهله»! وحتى يتحقق ذلك فإن «روزاليوسف» لن تكف عن أداء ما يمكن أداؤه وفى حدود الإمكانيات المتاحة حتى لا نتهم يوما بالتقاعس، وحتى نكون قد أدينا واجبنا الإعلامى كما ينبغى.. وأهم من هذا وذاك حتى لا تنال منا مشاعر الإخفاق التى تتبع حالات الركود والعجز عن أداء دور إزاء مشكلة قومية مزمنة! محمد عبدالمنعم
أول ما قد يتبادر إلى ذهن القارئ الكريم هو هذا السؤال المنطقى: لماذا «آفى شليم» بالذات؟ ولماذا يقدم الكتاب الذهبى لمؤسسة روزاليوسف ثانى كتاب لهذا المفكر الإسرائيلى فى غضون أسابيع قليلة؟ لقد طرحنا منذ أسابيع كتاب «الحائط الحديدى» لذات المؤلف، والآن نقدم كتاب «الحرب والسلام فى الشرق الأوسط» والإجابة عن هذا السؤال لا تتعلق من قريب أو بعيد بالعمل التجارى أو الربح المادى. صحيح أن الكتاب الأول حقق نجاحا مذهلا، ولكن لم يكن هذا هو السبب فى سرعة ترجمة وتحرير وطرح الكتاب الثانى، والصحيح هو أن القارئ الكريم هو الذى حسم المسألة عندما أقبل بشكل غير مسبوق على الكتاب الأول بمجرد طرحه فى الأسواق، بل عندما عرضته فى مقالى الأسبوعى بمجلة روزاليوسف، وكنت بذلك أول من أشار إلى هذا الكاتب الشجاع والأمين الذى لا يخشى قول الحق حتى لو كان ضد سياسة بارعة اتبعتها دولة إسرائيل - والتى ينتمى إليها - على مر أكثر من نصف قرن من الزمان، وحتى لو كان يقف وحيدا أمام جبروت الآلة السياسية والآلة الإعلامية فى إسرائيل.. وإلى حد ما فى الولايات المتحدة الأمريكية! على مدى أكثر من خمسين عاما والعالم كله يبتلع أكاذيب جيدة الصنع تروجها إسرائيل عن مشكلة الصراع العربى الإسرائيلى.. الجميع يبتلعون هذه الأكاذيب ويصدقونها، أما نحن: الطرف الآخر فى الصراع، فإننا لم نبتلع شيئا من هذا بالطبع، ولكننا فى الوقت ذاته وقفنا عاجزين لا نجهد أنفسنا فى الدراسة والبحث وتقديم الحجج والوثائق والبراهين، واكتفينا باللغو والمقالات النارية الخالية من المعلومات فى عصر لا يعترف بغير المعلومات وبالمنطق حتى يمكن أن يشرع فى تغيير وجهة نظره وتمهيد الرأى العام لقبول وجهة النظر الجديدة. ولعل من أهم ما يتناوله هذا الكتاب، ما سوف تقرأه فى الفصلين السابع والثامن عن دور الولايات المتحدة فى تحريك أو تعثر عملية السلام من خلال تأثيرها القوى على إسرائيل.. فى هذا يقول «آفى شليم» إن الولايات المتحدة تلعب دور الوسيط فى حل الصراع فى الشرق الأوسط لكنها فى نفس الوقت تعطى لإسرائيل مساعدات عسكرية واقتصادية ودبلوماسية بلا حدود. وقد ثبت كما يقول «آفى شليم» - وليس نحن - أن إسرائيل لا تستجيب لأية تنازلات إلا من خلال ضغوط مكثفة، وهذا ما يجب أن يفعله الرئيس الأمريكى الجديد جورج دبليو بوش. إن الدليل على ذلك مؤكد تاريخيا، فقد أدت ضغوط الرئيس بوش الأب اقتصاديا من خلال تجميد قرض قدره 10 مليارات دولار طلبه وقتها رئيس الوزراء الأسبق إسحق شامير إلى قبول إسرائيل التفاوض مع الفلسطينيين، وفى المقابل أدت المساعدات التى قدمها بيل كلينتون بلا حدود لإسرائيل إلى تعنت تل أبيب فى عدم تنفيذ اتفاقياتها.. فضلا عن أنه تسامح معها أيضا فى موضوع نفى نشطاء حماس وفى قصف جنوب لبنان. من هنا تأتى أهمية آفى شليم.. لأنه كاتب يهودى، وبالقطع ليس ضد السامية وأن أحدا منا لا يعرفه حتى يقال أننا قمنا بإغرائه ليقول ما قال فى كتاباته، ثم إنه يعتمد على المعلومات وحدها فى بناء كتبه ووجهة نظره، ثم إنه فوق كل هذا يقول الحق الذى هو فى صفنا والذى هو ضد إسرائيل منذ نشأتها وإلى يومنا هذا! رجل واحد يقف ضد الباطل الذى تخترعه بلاده وهو فى ذلك ليس خائنا ولا عميلا يعمل ضد وطنه، لأنه فى الواقع يعمل لصالح وطنه عندما يعمل على هدم وتبديد الزيف والأكاذيب التى قام مثل هذا الوطن على أعمدتها الواهية التى لابد أن تهوى يوما أمام قوة الحق وصفة الخلود التى تتميز بها الحقيقة! وإذا كان ما يقوله يخدم وطنه على المدى البعيد - ولو أنهم هناك لا يفهمون ذلك ويعتبرونه - شليم وزملاءه - أقرب إلى معسكر أعداء إسرائيل. إذا كان ذلك فإن ما يقوله هذا الرجل وحركة المؤرخين الجدد الإسرائيليين، يعتبر وثيقة دامغة تؤكد وجهات نظرنا التى لم نستطع أن نقدمها للرأى العام العالمى بشكل عقلانى ومنطقى، وفى إطار معلوماتى يبتعد عن النارية والتهويل اللذين يبدو أننا لا نستطيع أبدا أن ننحو بعيدا عنهما. وجدير بالذكر هنا أننى خلال حرب أكتوبر 1973 كنت أعمل محررا عسكريا لجريدة الأهرام، وأقوم بتغطية عمليات القتال لهذه الحرب الخالدة، وفى لحظة ما أحسست أن هناك «فجوة مصداقية» شاسعة بين القارئ وبين ما ننقله من خلال وسائل الإعلام بمختلف أنواعها واتجاهاتها، وكان السبب الأساسى وراء هذه الفجوة هو فجوة أخرى أعظم وأضخم اتساعا بين الأداء والنتائج فى حرب يونيو 1967، وبين الأداء والنتائج بعد ذلك بست سنوات فى أكتوبر 1973، ومن هنا فقد لجأت إلى أسلوب جديد كنت أول من لجأ إليه على مستوى الإعلام العربى، وذلك عندما حصرت جهودى فى ترجمة ما يقوله الكتاب الإسرائيليون عن حرب أكتوبر وأنشره كما هو فى صحيفة الأهرام التى كنت أعمل بها فى ذلك الوقت. ولقد كان هذا الأسلوب مؤثرا للغاية واستطاع أن يضيق فجوة المصداقية التى ذكرناها من قبل، وكان هناك إقبال كبير من جانب القراء على كتب إسرائيلية.. مثل: التقصير.. وحرب التكفير، وحرب كيبور + 1000 يوم.. الخ، ومن خلال كلمات الكتاب الإسرائيليين أيقن القارئ العربى حجم الهزيمة والمرارة التى لحقت بهم هناك من جراء الأداء العسكرى المصرى المتميز.. كان هذا التكنيك الإعلامى مؤثرا للغاية، وكان أن اتبعه بعد ذلك كثير من الزملاء! إن ميزانية جهاز إعلامى واحد فى أصغر دولة عربية تكفى وتزيد لقيام مشروع قومى عربى للترجمة، يتناول أعمال هؤلاء الكتاب الذين يقفون معنا فى نفس الخندق.. ترجمة ليس القصد منها معرفة أباطيل وجهات النظر الإسرائيلية لأننا جميعا نعرف ذلك، ولكن الهدف هو معرفة المعلومات والبيانات والوقائع التى تؤكد هذه الأباطيل! فى ذات الوقت فإن ميزانية جهاز إعلامى واحد فى أصغر دولة عربية تكفى وتزيد لشراء حق طبع هذه المؤلفات باللغة الإنجليزية أو الفرنسية وتوزيعها مجانا على جميع الجهات المسئولة والمعنية فى جميع أنحاء العالم، لعل وعسى أن يقتنع صانعو القرار عندما «يشهد شاهد من أهله»! وحتى يتحقق ذلك فإن «روزاليوسف» لن تكف عن أداء ما يمكن أداؤه وفى حدود الإمكانيات المتاحة حتى لا نتهم يوما بالتقاعس، وحتى نكون قد أدينا واجبنا الإعلامى كما ينبغى.. وأهم من هذا وذاك حتى لا تنال منا مشاعر الإخفاق التى تتبع حالات الركود والعجز عن أداء دور إزاء مشكلة قومية مزمنة! محمد عبدالمنعم