المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : رعاية المعوقين: في الاسلام


نهرالعسل
02/11/2004, 03:50 AM
رعاية المعوقين:
الإسلام والمعاقون.
الرعاية الاجتماعية للمعوقين.
توصيات خاصة برعاية المعوقين.
اهتمام الإسلام بذي الاحتياجات الخاصة.
بحث حول اجهاض الحامل بالمعوق.

رعاية المعوقين

الإسلام والمعوقون

(بقلم عبد الله السيد شرف، عن مجلة الحياة)
نادى الإسلام منذ أربعة عشر قرناً بالمحافظة على المعوقين
وأعطاهم حقوقهم كاملة في إنسانية أخاذة، ورفق جميل، مما أبعد عن
المعوقين شبح الخجل، وظلال المسكنة، بل إن الإسلام لم يقصر نداءه
الإنساني على المعوقين فقط، بل امتد النطاق فشمل المرضى عامة،
واستطاع المريض - أياً كان مرضه - أن يستظل براية الإسلام التي
تحمل في طياتها الرأفة والرحمة والخير، وأن يتنسم عبير الحياة،
في عزة وكرامة، كما أن الإسل

ام لم يقصر هذا النداء على مناسبة خاصة بالمعوقين لأن القواعد التي
أرساها الإسلام سارية المفعول منذ أن جاء بها المصطفى صلوات الله
وسلامه عليه، وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
المعوق والمجتمع:
إن نفسية المعوق تختلف اختلافاً كلياً عن صنوه المعافى، ويرجع هذا
الشعور الداخلي للمعاق نفسه. فهو يشعر بعجزه عن الاندماج في المجتمع
نظراً لظروفه المرضية، مما يجعله يؤثر الحياة داخل قوقعة داكنة اللون،
مغلفاً حياته بالحزن والأسى، وكلما تذكر المعوق إصابته، اتسعت الهوة
بينه وبين مجتمعه، مما يجعله يزداد نفوراً وتقوقعاً.
هذه هي نظرة المعوق إلى المجتمع، ونلاحظ أنها نظرة يغلفها الخجل
والحياء، من الانخراط في دائرة المجتمع المتسعة، كما أن المجتمع نفسه
لا ينظر إلى المعوق نظرته إلى الشخص السليم المعافى بل على أساس أنه
عالة عليه، وهذا يضاعف من عزلة المعوق وانكماشه، ففي المجتمعات
البدائية ينظر الناس إلى العجزة نظرتهم إلى شر مستطير يجب تجنبه، ويشيح
البعض بوجوههم إذا مرّوا بهم اتقاءاً للأذى.
كما ذكرت الموسوعة الطبية، ومؤكداً أن المعوق يتأثر من هذه النظرات
التي يوجهها له المجتمع أنّى وجد.
فيزداد إحساساً بالعجز والقصور، بل نجد بعض المعوقين يتمنون الموت
لاعتقادهم أنه الخلاص الوحيد من واقعه الأليم، وبسبب الخجل الداخلي من
مواجهة المجتمع، ونظرة المجتمع القاسية، إلى المعوقين، تتشكل نفسية
المعوق مما يجعله ينظر إلى المجتمع والحياة نظرة الخوف والسخط والغضب.
ما قبل الإسلام:
كانت نظرة الناس في العصر الجاهلي إلى المرضى والمعوقين نظرة احتقار
وازدراء، فهم كمّ مهمل وليس لوجودهم فائدة تذكر، يضاف إلى هذا الخوف
المنتشر من مخالطة المرضى خوف العدوى.
وذكر القرطبي في تفسيره أن العرب كانت قبل البعثة المحمدية تتجنب الأكل
من أهل الأعذار، فبعضهم كان يفعل ذلك تقذراً من الأعمى والأعرج،
ولرائحة المريض وعلاته.
تلك إذن كانت نظرة المعوق إلى المجتمع ونظرة المجتمع إلى المعوق، ولكن
هل كان العرب وحدهم أصحاب هذه النظرة القاسية، والقلوب المتحجرة نحو
المرضى؟ من الواجب أن نعترف بأن العرب لم يكونوا وحدهم أصحاب هذه
العادات، بل لعلهم أخف وطأة من غيرهم فقد كانت إسبرطة تقضي بإعدام
الأولاد الضعاف والمشوهين عقب ولادتهم، أو تركهم في القفار طعاماً
للوحوش والطيور.
العصر الإسلامي:
جاء الإسلام ليصحح المسار الخاطئ للبشرية كلها، وليوضح لها الطريق الذي
ينبغي أن تتبعه، واستطاع الرسول صلى الله عليه وسلم أن يزرع القيم
الطيبة في النفوس، وأن يقتلع كل ما هو فاسد وقبيح، وتمكن المرضى في ظل
التعاليم الإسلامية السمحة أن ينعموا بهدوء البال وراحة النفس، خاصة
بعد أن فتح الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم الباب على مصراعيه أمام
المرضى ليطلوا من خلاله على الحياة وتطل الحياة عليهم من خلاله، فعندما
قرّر الرسول صلى الله عليه وسلم أن لا عدوى ولا صفر ولا هامة، هدم
الركن الأول الذي كانت حياة المعوق تتشكل عليه، ليس المعوق وحده بل
المرضى عموماً لأن هذا الحديث النبوي الشريف كان إيذاناً للمجتمع
بمخالطة المرضى دون خوف من العدوى وتشرئب أعناق المرضى وتسعد نفوسهم
لولا هذا الخجل الداخلي النابع من إحساسهم بالعجز، ويأتي رسول الله صلى
الله عليه وسلم فيعطيهم جرعات متتالية فيها الشفاء من كل وساوسهم،
ويجعلهم يخلعون مختارين الشرنقة الكالحة التي ألبسوها لأنفسهم إلباساً،
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخفف من وقع المرض على المصاب: [ما
من مُسلم يصيبه أذى، شوكة فما فوقه، إلا كفّر الله بها سيئاته وحطت عنه
ذنوبه كما تحط الشجرة ورقها] . أخرجه البخاري ومسلم من حديث ابن مسعود.

وتتعدد الأحاديث الطيبة التي يقولها الرسول صلى الله عليه وسلم والتي
تعطي للمريض عامة الثقة في نفسه، وتمحو عنه دوامات الحزن والأسى كي
يستطيع أن ينخرط في المجتمع وينغمس فيه، فالضعيف أمير الركب، وما دام
الأمر كذلك فما حاجة المريض والمعوق إذن إلى التقوقع وهو إن خرج سيكون
أميراً للركب، وسيتصدر القافلة، وفي هذه الأحاديث هدم للركن الثاني،
وأعني به خوف المعوق من المجتمع.

اهتمام الإسلام بذوي الاحتياجات الخاصة
(مقال بقلم: محمد سيد فهمي)
تميز المجتمع الإسلامي بنظرته الإيجابية إلى المعوقين، فخصص لهم من
يساعدهم على الحركة والتنقل وإنشاء المستشفيات العلاجية.
ولقد عني الخلفاء وحكام المسلمين بالمرضى والمعوقين، ويبدو ذلك واضحاً
في اهتمام عمر بن الخطاب، وعبد الملك بن مروان، وعمر بن عبد العزيز
وغيرهم من الخلفاء والحكام بتوفير الرعاية الاجتماعية للمعاقين، وقد
بلغ من اهتمام عمر ابن عبد العزيز -رضي الله عنه- بهذا المجال أنه حثّ
على عمل إحصاء للمعاقين وخصّص مرافقاً لكل كفيف، وخادماً لكل مُقعد لا
يقوى على القيام وقوفاً وبخاصة عند أداء الصلاة.
ومن الحقوق التي يهبها الإسلام للمكفوف مثلاً أن يأكل عند الحاجة من
بيوت أهله أو أقربائه، وأن يشاركهم في طعامهم من غير أن يجد هو في نفسه
غضاضة من ذلك، ومن غير أن يجدوا هم في أنفسهم غضاضة من ذلك.
وفي هذا المقام جاء قول الله تعالى في سورة النور: (ليس على الأعمى حرج
ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج ولا على أنفسكم أن تأكلوا من
بيوتكم أو بيوت أُمهاتكم… الآية) . النور:61.
لقد اهتم الإسلام بالمعوقين بما يحمله من تعاليم التسامح والحب والإخاء
بين البشر وذلك من أجل أن يسترد، المعوقون مكانتهم في المجتمع.

الرعاية الاجتماعية هي الفعل الإيجابي
وحب المعوقين بإعطائهم لا بالعطف عليهم

أ.د محمد بن حمود الطريقي
كما أن الإنسانية واحدة، والأرض للجميع، فالمسؤوليات الاجتماعية واحدة
أيضاً، ويتعين على أصحاب الثروة أن يشاركوا بتحملها، وإلا أصبحوا من
فئة الطامعين فيما ليس من حقهم والمقصرين بحقوق سواهم.
ويُخطئ من يظن أن الغني هو المتفضل على الفقير في العطاء، والحق هو
العكس، لأن الفقير هو شريك دائم مع الغني بالثروة التي هو مؤتمن على
أجزائها، وكلما احتجز الغني ما استحوذ عليه من الثروة، وامتنع عن تشغيل
هذه الثروة وإشراك الفقراء فيها عبر التداول والزكاة، كلما فعل الغني
ذلك، كلما كان مغتصباً وكلما أصبح في خانة المقصرين المطالبين بالوفاء
لأصحاب الحقوق ومنهم الفقراء والمحتاجون.
والرعاية الاجتماعية، وإن بدت فضلاً من الدولة ومن القادرين، إلا أنها
في الحقيقة واجب على الدولة وعلى القادرين، والعاجز المحتاج أمام
الطرفين هو صاحب الحق، وهو صاحب الفضل عندما يقبل منهما حقه، لأنه بحسب
التعبير الشرعي، يزيل عنهما ناراً وظلماً ودماراً اجتماعياً (والذين
يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله، فبشرهم بعذاب إليم،
يوم يحمى عليها في نار جهنم، فتكوى بها جباهم وجنوبهم وظهورهم، هذا ما
كنزتم لأنفسكم، فذوقوا ما كنتم تكنزون ). التوبة: 24.
والمحتاج هنا المعوق والضعيف والفقير.. هؤلاء هم المخلِّصون للأغنياء،
من إثم احتكار أموالهم وحجزها عن أصحابها، وحريّ بنا في هذه الدقة أن
نجعل الأغنياء هم الضعفاء وهم المحتاجون لتفضل الفقراء عليهم بأخذ ما
لهم من أموال وتخليصهم من عذاب الله وغضبه وفي الآخرة ومن ضنك الدنيا
أيضاً.. حريّ بالأغنياء (مظهرياً) أن يبحثوا عن أصحاب الحقوق في
أموالهم، وأن يعطوهم حقوقهم دون مَنًّ أو أذى، ودون تأخير أو تعطيل،
ودون لف أو دوران، ودون إنقاص من كرامة أو إهراق لماء وجه.. ويا لعجائب
الأيام كيف انقلبت المفاهيم، فأصبح المغتصب لأموال الضعفاء فقيراً
والفقراء هم الأغنياء.. وذلك أن أصحاب الحقوق هم الأغنياء وإن مُنعوا
منها..
هذا هو الإسلام في أبهى مفاهيمه في الرعاية الاجتماعية، وهذا هو
الإسلام الذي نُفاخر به الأمم، فمتى يصبح المسلمون اليوم من هذا
الإسلام؟
إن شراكة الفقراء في ثروات الأغنياء، ليست في الزكاة المالية المحددة
بنسبة مئوية معينة فحسب، ولكنها شراكة العمل والانتاج وتداول الأموال
والثروات، وهي بذلك شراكة دائمة، وهي بذلك علاقة دائمة بين أصحاب
حقوق.. عندها لا يصبح المحتاج متطفلاً على الغني، ولا يغدو المعوق
متطفلاً على الأبواب.. راجياً طالباً متسولاً آملاً، بل صاحب حق يطالب
بحقه، وقد قرر الله تعالى في كتابه الكريم هذا الحق، فأصبح حقه الناجز،
وأصبح من يمنعه منه محارباً لله ولشرعه مضاداً للتكافل الاجتماعي
والتكامل الإنساني.