المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قلب للبيع (بالتقسيط)**مشعل السديري


مشهور
22/10/2007, 03:16 AM
قلب للبيع (بالتقسيط)

في زمن مضى عملت في إعداد برامج للإذاعة امتدت أكثر من سنتين، وبعد أن (حوشت) مبلغاً من المال أردت أن استثمره كأي رجل نابه، خوفاً من أن يطير من يدي في أي سفرة طارئة أو مغامرة صبيانية، وقد سمعت أن مجال العقار أكثر أماناً، وفعلاً توجهت إلى أحد المحلات العقارية، ووجدت به صاحبه وكان رجلاً قصيراً (مدردحاً) يعرف جيداً من أين تؤكل الكتفُ. عندما سلمت عليه استقبلني كأنه يعرفني منذ زمن، وقدم لي فنجاناً من الشاي البارد لم أشرب منه إلاّ نصف رشفة، وسألني عن بغيتي ـ وكأنه ليس عارفاً ـ، فأخبرته، فتبسَّم بابتسامة الثعلب المحترف، وسألني عن (ميزانيتي) ـ أي مقدار المبلغ الذي معي ـ فلما أخبرته امتعض قليلاً لأنه كان متوقعاً (الصيدة) أثمنَ من ذلك، ولكنه مع ذلك واصل شرحه للخريطة ثم أشار إلى قطعتين متلاصقتين وقال: إنني أنصحك بهما، وهما على (قدك)، (ومد رجليك على قد لحافك)، فلما رآني خائفاً ومتردداً، حيث أنني لأول مرة في حياتي اشتري عقاراً، ومعتبراً الموضوع مغامرة كبرى، عاجلني وأنا في قمة ارتباكي ببيت شعر لا زال راسخاً في ذهني، وقال بصوت مرتفع، وهو (يلكزني):

إذا كنت ذا رأي فكن ذا عزيمة

فإن فساد الرأي أن تترددا

الواقع انه عندما قذفني بذلك البيت من الشعر، بدأت قواي تخور، وبدأ يداخلني شيء من الغرور، فالرجل يصفني بأنني ذو (رأي)، فكيف أتردد ولا أكون ذا (عزيمة)، رفعت له نظراتي وأنا مقطب الحاجبين، فغمزَ لي بعينه غمزة ناعمة، وكأنه يقول لي: تقدم، وفعلاً انقدت له كما تنقاد أي سمكة لسنارة الصياد، ووافقته على الشراء، وكان شراء المتر المربع في ذلك الوقت على ما أتذكر في حدود عشرة ريالات، وموقعها كان خارج النطاق العمراني، المهم دفعت له الثمن + 2.5% عمولة، ووقعت المبايعة وتسلمت الوصلَ.. وأصبح لا شغل ولا مشغلة عندي إلاّ السؤال عن أسعار الأراضي، ولا يمر أسبوع إلاّ واتصل تلفونياً بالمكتب على أمل الربح، وفي كل مرة لا أجد منه غير كلمة: اصبر، اصبر، ولكن كيف اصبر والأرض سعرها ينحدر كل شهر، ولا من زبون ولا مشترٍ. وفي أحد الأيام جاءني اتصال من صاحب المكتب يبشرني أن هناك زبونا للأرض، وفعلاً تركت كل ارتباطاتي وذهبت إليه، ووجدت الزبون جالساً عنده، وكان رجلاً (تربل ميكر) ـ ليس لديه أي أدب أو مجاملة ـ، لم يسلم عليّ ولم أبادله أنا كذلك السلام. وعرفت من صاحب العقار انه سوف يشتري الأرض مقابل سيارته المستعملة، والغريب إنني وافقت على مبدأ (ريحة أبو زيد ولا عدمه)، وتبادلنا المواقع وانتقلت ملكية السيارة لي، وبعد عدة أيام سافرت بها من جدة إلى الطائف مروراً بمكة. وفي طريقي، صدمت بها ثلاث مرات؛ قبل أن أخرج من جدة مرتين، ومرة ثالثة عندما وصلت إلى الطائف مع سيارة بوليس. صحيح أن الصدمات كانت بسيطة وتصالحت مع مَنْ تصادمت معهم بمن فيهم رجل الشرطة الذي كتب لي مجرد مخالفة دفعتها فيما بعد, إلا أنني تشاءمت من تلك السيارة وعرضتها في (الحراج) للبيع، ولم يأتني غير نصف ثمنها الذي اشتريتها به، فخسارتي كانت في الأرض ثم السيارة، وذهب جهدُ سنتين من كتابة البرامج هباء منثوراً. والآن أصبحت تلك الأرض في وسط المدينة وسعر مترها الواحد (بالآلاف)، وكل ما أمرُّ من هناك أغمض عيني من شدة القهر.

صحيح (المتعوس متعوس حتى لو علقوا على رأسه فانوس).. ولكن الحمد لله، فعلى الأقل لا يزال قلبي حتى الآن يخفق، وهو معروض للبيع (بالتقسيط المريح)، فهل هناك من زبون لأضحك عليه؟!

رحاب الرحمن
22/10/2007, 06:49 AM
شكرا لك مديرنا العام على الموضوع الرائع
بارك الله فيك
و ننتظر المزيد
من اعمالك الممتازة

صوت العقل
27/10/2007, 12:01 AM
لك مني كل الاحترام والتقدير على الموضوع وارجو منك المزيد بارك الله فيك اخي العزيز