مشهور
01/11/2007, 04:09 AM
قصائد
في الرابع والعشرين من الشهر الماضي، رحل الشاعر العراقي سركون بولص في المانيا بعد معاناة طويلة مع المرض، ونقل جثمانه يوم الأحد الماضي إلى سان فرانسيسكو وكان الشاعر قد غادر العراق في أواخر ستينات القرن الماضي. وبعد رحلة مضنية عبر الصحراء العراقية ـ السورية وصل إلى دمشق. ومن هناك استطاع أن يتسلل إلى بيروت. وعندما ضاقت به السبل قرر أن يهاجر إلى أمريكا بمساعدة الشاعر اللبناني يوسف الخال، الذي أعجب مبكراً بشعر سركون. ثم استقر في سان فرانسيسكو، المدينة التي أحبها، وكتب عنها قبل أن يراها. وهناك تعرف على أشهر الأدباء الأمريكيين الذين يمثلون جيل «بيت Beat»، الذي تأثر بهم بولص كثيراً، أمثال ألن غينسبرغ، كرواك، غريغوري كورسو، بوب كوفمن، لورنس فيرلينغيتي، غاري سنايدر وغيرهم.
أصدر سركون بولص عدداً من الدواوين الشعرية ومنها «حامل الفانوس في ليل الذئاب»، «إذا كنت نائماً في مركب نوح»، و«الأول والتالي»، و«الوصول إلى مدينة أين»، و«الحياة قرب الأكروبول» كما صدرت له مختارات شعرية مترجمة بعنوان «رقائم لروح الكون»، ومجموعة قصصية تحت عنوان «غرفة مهجورة».
وهو يعتبر، على نطاق واسع، من أهم الشعراء العراقيين والعرب، بعد جيل السياب والبياتي، وكان له أثر كبير على الجيل الشعري العربي اللاحق، رغم إنه لم ينشر سوى دواوين قليلة.وهو من الشعراء العرب القليلين الذين لم يمارسوا أية مهنة أخرى في حياتهم سوى مهنة الشعر، إذا كان الشعر مهنة.
نهايتكَ أنتَ
من يختارها؟ قالَ صديقي الرسّام
انظر الى هذه المدينة.
يشترونَ الموتَ بخسا ً، في كلّ دقيقة، ويبيعونَـهُ في البورصة
بأعلى الأسعار
كان واقفا ً على حافة المتاهة التي تنعكفُ نازلة ً
على سلاسل مصعد ٍواسع للحمولة
سُـفُـلاً بإثنـَي عشر طابقا إلى مـرآب العمارة
إنها معنا، الكلبة
سمّها الأبديّـة، أو سمّها نداءَ الحتف
لكلّ شىء حدّ، إذا تجاوزتـَهُ، انطلقت عاصفة ُ الأخطاء
إنها حاشية ٌعلى صفحة الحاضر
خطوتها مهيّـأة ٌ لتبقى
حَفرا ً واضحا ً في الحجر
أرى إصبُعَ رودان في كلّ هذا.
أراهُ واقفا ً في بوّابة الجحيم،
يشيرُ إلى هوّة ستنطلق ُمنها وحوشُ المستقبل، هناكَ.
الملاك الحجري
حتى ذلك اليوم الذي لن أعودَ فيه
إلى قصدير الأيام المحترقة، والفأس المرفوعة
في يد الريح، أجمعُ نفسي، بكلّ خِرَق الأيام ونكباتها، تحتَ
سقفِ هذا الملاك الحجري.
هذا الحاضرُ المجَنَّح كبيتٍ يشبهُ قلبَ أبي
عندما سحَبتهُ المنيّة من رسغه المقيَّد إلى جناح الملاك
في تـُراب الملكوت.
حتى ذلك اليوم، عندما يصعدُ العالمُ في صوتي
بصهيل ألف حصان، وأرى بوّابة الأرض مفتوحةً أمامي
حتى ذلك اليوم الذي لن أعودَ فيه
مثلَ حصان مُتعَب إلى نفسي، هذا الملاكُ الحجريّ
سمائي، وسقفي.
إلى سيزار فاييخو
«من بين أسناني أخرجُ داخناً،
صائحاً، دافشاً، نازعاً سراويلي»
سيزار فاييخو، «عجلة الإنسان الجائع»
يا سيزار فاييخو، أنا من يصيح هذه المرّة.
إسمح لي أن أفتح فمي، وأحتجّ على الدم الصاعد في المحرار
دافعاً رايةَ الزئبق إلى الخلف.
لتصطكَّ النوافذ، لتنجَرَّ ميتافيزياء الكون
إلى قاع الأحذية الفارغة لجنديّ ماتَ بحَربته المعوجّة.
«عجلةُ الإنسان الجائع» ما زالت تدور...
من يوقفُ العجلة؟
قرأتـُك في أوحَش الليالي، لتنفكّ بينَ يديّ ضماداتُ العائلة.
قرأتُ عواصفكَ المُتململة حيثُ تتناوَمُ الوحوشُ في السراديب
حيثُ المريضُ يتعَكّزُ، على دَرب الآلام، بعَصا الأعمى الذي رأى...
وفي هذا المساء، يا فاييخو، تعلو الأبجديّاتُ وتسقط.
المبنى ينهار، والقصيدة
تطفئ نجومها فوق رأس الميّت المكَلـَّـل بالشوك.
ثمّة ما سيأتي
ليسحبَ أجسادَنا على مَجراهُ الحجريّ كاندفاعة نَهر.
ثمّة حجر سيجلسُ عليه شاعرُ الأبيض والأسود في هذا الخميس.
واليوم، أنا من يصيح.
في الرابع والعشرين من الشهر الماضي، رحل الشاعر العراقي سركون بولص في المانيا بعد معاناة طويلة مع المرض، ونقل جثمانه يوم الأحد الماضي إلى سان فرانسيسكو وكان الشاعر قد غادر العراق في أواخر ستينات القرن الماضي. وبعد رحلة مضنية عبر الصحراء العراقية ـ السورية وصل إلى دمشق. ومن هناك استطاع أن يتسلل إلى بيروت. وعندما ضاقت به السبل قرر أن يهاجر إلى أمريكا بمساعدة الشاعر اللبناني يوسف الخال، الذي أعجب مبكراً بشعر سركون. ثم استقر في سان فرانسيسكو، المدينة التي أحبها، وكتب عنها قبل أن يراها. وهناك تعرف على أشهر الأدباء الأمريكيين الذين يمثلون جيل «بيت Beat»، الذي تأثر بهم بولص كثيراً، أمثال ألن غينسبرغ، كرواك، غريغوري كورسو، بوب كوفمن، لورنس فيرلينغيتي، غاري سنايدر وغيرهم.
أصدر سركون بولص عدداً من الدواوين الشعرية ومنها «حامل الفانوس في ليل الذئاب»، «إذا كنت نائماً في مركب نوح»، و«الأول والتالي»، و«الوصول إلى مدينة أين»، و«الحياة قرب الأكروبول» كما صدرت له مختارات شعرية مترجمة بعنوان «رقائم لروح الكون»، ومجموعة قصصية تحت عنوان «غرفة مهجورة».
وهو يعتبر، على نطاق واسع، من أهم الشعراء العراقيين والعرب، بعد جيل السياب والبياتي، وكان له أثر كبير على الجيل الشعري العربي اللاحق، رغم إنه لم ينشر سوى دواوين قليلة.وهو من الشعراء العرب القليلين الذين لم يمارسوا أية مهنة أخرى في حياتهم سوى مهنة الشعر، إذا كان الشعر مهنة.
نهايتكَ أنتَ
من يختارها؟ قالَ صديقي الرسّام
انظر الى هذه المدينة.
يشترونَ الموتَ بخسا ً، في كلّ دقيقة، ويبيعونَـهُ في البورصة
بأعلى الأسعار
كان واقفا ً على حافة المتاهة التي تنعكفُ نازلة ً
على سلاسل مصعد ٍواسع للحمولة
سُـفُـلاً بإثنـَي عشر طابقا إلى مـرآب العمارة
إنها معنا، الكلبة
سمّها الأبديّـة، أو سمّها نداءَ الحتف
لكلّ شىء حدّ، إذا تجاوزتـَهُ، انطلقت عاصفة ُ الأخطاء
إنها حاشية ٌعلى صفحة الحاضر
خطوتها مهيّـأة ٌ لتبقى
حَفرا ً واضحا ً في الحجر
أرى إصبُعَ رودان في كلّ هذا.
أراهُ واقفا ً في بوّابة الجحيم،
يشيرُ إلى هوّة ستنطلق ُمنها وحوشُ المستقبل، هناكَ.
الملاك الحجري
حتى ذلك اليوم الذي لن أعودَ فيه
إلى قصدير الأيام المحترقة، والفأس المرفوعة
في يد الريح، أجمعُ نفسي، بكلّ خِرَق الأيام ونكباتها، تحتَ
سقفِ هذا الملاك الحجري.
هذا الحاضرُ المجَنَّح كبيتٍ يشبهُ قلبَ أبي
عندما سحَبتهُ المنيّة من رسغه المقيَّد إلى جناح الملاك
في تـُراب الملكوت.
حتى ذلك اليوم، عندما يصعدُ العالمُ في صوتي
بصهيل ألف حصان، وأرى بوّابة الأرض مفتوحةً أمامي
حتى ذلك اليوم الذي لن أعودَ فيه
مثلَ حصان مُتعَب إلى نفسي، هذا الملاكُ الحجريّ
سمائي، وسقفي.
إلى سيزار فاييخو
«من بين أسناني أخرجُ داخناً،
صائحاً، دافشاً، نازعاً سراويلي»
سيزار فاييخو، «عجلة الإنسان الجائع»
يا سيزار فاييخو، أنا من يصيح هذه المرّة.
إسمح لي أن أفتح فمي، وأحتجّ على الدم الصاعد في المحرار
دافعاً رايةَ الزئبق إلى الخلف.
لتصطكَّ النوافذ، لتنجَرَّ ميتافيزياء الكون
إلى قاع الأحذية الفارغة لجنديّ ماتَ بحَربته المعوجّة.
«عجلةُ الإنسان الجائع» ما زالت تدور...
من يوقفُ العجلة؟
قرأتـُك في أوحَش الليالي، لتنفكّ بينَ يديّ ضماداتُ العائلة.
قرأتُ عواصفكَ المُتململة حيثُ تتناوَمُ الوحوشُ في السراديب
حيثُ المريضُ يتعَكّزُ، على دَرب الآلام، بعَصا الأعمى الذي رأى...
وفي هذا المساء، يا فاييخو، تعلو الأبجديّاتُ وتسقط.
المبنى ينهار، والقصيدة
تطفئ نجومها فوق رأس الميّت المكَلـَّـل بالشوك.
ثمّة ما سيأتي
ليسحبَ أجسادَنا على مَجراهُ الحجريّ كاندفاعة نَهر.
ثمّة حجر سيجلسُ عليه شاعرُ الأبيض والأسود في هذا الخميس.
واليوم، أنا من يصيح.