تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : اااه واااه على الذكريات ؟؟؟


رياض الجنوب
18/04/2008, 11:12 PM
مع أذان الفجر ونداء جدي رحمه الله بالصلاة خير من النوم الله اكبر الله أكبر لا إله إلا الله .
أيقظني هذا النداء الربّاني من سبات عميق راودتني فيه أحلام الحياة البسيطة والتي يتخلّلها تارةً الجدَّ وتارةً الهزل .. أحلُمُ بيومٍ يكون مع جدي في شعاف الجبال وبطون الأودية وهو يسوق أغنامه أمامه لتنال قسطا كبيرا من الرعي والحيا الذى أخرجه الله وأنبته لها وسقاه صيّبا نافعا بإذنه عزّ وجلّ .
أُصلّي مع جدي صلاة الفجر في هدوء وسكينة وطمأنينة والنجوم تتلألأ في السماء .. في أحد الوديان البعيدة عن القرية كان عزب جدي ومن حوله عُزبٌ كُثر من قريتنا ومن قرى أخرى حولنا .
وللتوضيح للقرّاء ( يُقالُ عزب فلان أي أنه مُعزب في مكان كذا بمعنى بنى له خيمةً واستقرّ فيها وجمع كلمة عزب عزوب وهي كلمةٌ دارجةٌ عند البدو وإذا سألت أحدهم عن شخص ما ، جاوبك بقوله : والله فلان معزب في مكان كذا ) .
ويُعمل بجانب الخيمة أو العزب مكان للحلال أي الأغنام ويُسوّر بأخشاب كبيرة وصغيرة كي تُحجز فيه الأغنام أثناء الليل ويُسمّى بالمراح وسُمّي كذلك لأنه المكان الذى ترتاح به الأغنام ، ويحميها من الحيوانات المفترسة كالذئاب والضباع ( بلهجتنا الجُعير ) .
في هذا الوادي عُزبا متناثرة هنا وهناك ومتباعدة بعض الشيء عن بعضها ولكن يجمعها الصفاء والطيب والحب الحقيقي والبذل والعطاء .. عزب جدي اااه واااه على الذكريات ؟
بعد أداء الصلاة صلاة الفجر جلست في مكاني أتأمّل هذا الكون الرحب الفسيح وكان عمري في التاسعة .. أتأمّل تلك النجوم المتناثرة في أرجاء هذا الكون العظيم صافية لامعة وأُسبّح الخالق فسُبحان من أبدع وصوّر .
كانت خلوةً مع النفس لطفلٍ صغيرٍ لم يبلغ الحُلم بعد ولا تستغرب عزيزي القارىء فقد كان جدي رحمه الله قارئا وفيما بعد إماما لقريتي وتعلّمت منه الكثير .. في هذا الوادي بسكونه وروعته حيث لا كهرباء ولا هدير محركات ولا أبواق سيارات ولا شاشات تلفزة وقنوات فضائية .. إنها الطبيعة البكر التي لم تمسّها التكنولوجيا والاختراعات ولم تمتدّ اليد إليها لتشوّه وجهها وتسلبُها بكارتها .
وإنه لخرير الماء يشدّني إليه ويقطع عليّ خلوتي وزقزقة العصافير ونُباح الكلاب وأصوات الرّعاة وغُثاء الأغنام وصوت جدي رحمه الله وهو يقول : أصبحنا وأصبح المُلك لله لاإله إلا الله مُحمّدُ رسول الله يارب يا كريم افتح لنا بابك واكتب لنا كل خير ... كلمات تسبيح ما زالت تطنّ في أذناي حتى اليوم ولم أنساها .
وأشعة الشمس تُبدّد خيوط الظلام المُتبقية لتكسو أشعتها نهارٌ جديدٌ بالدفء والحيوية والنشاط ، واقف من مكاني لأُشارك جدي وجبة الإفطار ( الفال ) المحتوية على اللبن الطبيعي وليس البودري والخبز البرّ المحلّي وليس المستورد وهو عبارة عن ما يُسمّى بـ " المشرَّق " وسُمي كذلك لتشريقة للنار .. والماء الصافي العذب وليس الماء الملوث المُحلّى بالكلور .
سمّ الله يا ولدي وكل حتى تشبع ورانا وانا جدك يوم طويل وشمس تقلي وبنسرح بالغنم لمكان بعيد وإذا شبعت احمد الله وتحزّم حزامك ولا تنسى جنبيتك واملأ السًّعُن ماء ( السّعُن هو جلد الماعز الصغير يُؤخذ ويُنظف ويوضع به ملح حتى تذهب الرائحة منه لُيملى بالماء ويشرب منه العطشان ) وانا جدك بأخذ البندقة ، ولا تنسى تحوز الطُّفال عن أمّهاته وتاهبه في كرسه .
طبعا كلمات غير مفهومه للبعض وهي بمعنى :
تحوز : أي تفصل ،،، الطُّفال : البهم الصغير الرُّضع ،،، تاهبه : أي توضعه ،،، كرسه : أي بيته وهو عبارة عن مراح منفصل صغير خاصّ للبهم الرُّضع أو يثبنى له بالحصى في أيام البرد حتى لا يتعرض للبرد فيموت .
بعد عمل المطلوب مني نادى جدي يا الله أتكلنا عليك يارب يا رحمن سُق الغنم وانا جدك وفّكّ سودان ونزهان وهي اسماء لكلبين أعزّ الله القارىء خلهم يسرحون مع الغنم .. واسير مع جدي ورا الغنم ويترنّم جدي ببعض القصائد ويقول لي هذه القصيدة لأبن ثامرة وهذه لأبن جريبيع وهذه لأبن خرصان وهذه لطيران شاعر من بني حسن وغيرهم وللأسف الشديد قد حفظت كثيرا منها واليوم لم يبقى منها شئء والله المستعان .
أخي القارىء : قد تتساءل لماذا كتبتُ هذا ؟ وما الفائدة التي استفيدها أنا كقارىء ؟
فأقول لك الحق معك ولكن أحببت حياة الأولين حتى عشقتُها وهُمتُ بها حتى أنني في هذا اليوم ازور تلك المرابع وانثر الدموع عندها وأُقبّلها لماذا ؟
بكل بساطة وأريحية هي الحياة الحقيقية هي السعادة ولا انكر ما كان يلحق بهم من تعب وفقر وجوع .. لكن كانت كل هذه أشياء ثانوية ... الأهم السعادة والتواصل والألفة والنخوة والشهامة والرجولة .
اليوم أقنعةٌ زائفة وتباغض وتباعد ونفاق ورياء ... وما كتبت حقدا أو كرها لما نحن فيه اليوم بل خوفا من المستقبل ماذا يكون فالحالة تسوء والخطر يتفاقم ويستفحل .
ولا أحد ينكر وضعنا اليوم وما نحن فيه من القطيعة والشتات إلا مكابرأ أو جاهلا .
اللهم رحمتك وسعت كل شيء ونحن أشياء فاشملنا بها واهدنا إلى الصراط المستقيم .
يشرّفني بل ويسعدني جدا وبدون مجاملة أو نفاق نقد ما كتبت والتعليق عليه من أي قارىء وللجميع الود والحب .
اردت كتابة هذه القصة كاملة ولكن حتى لا يمل القارىء وقفت هنا ... ولإدارة ومراقبي المنتدى الرأي في مواصلة ذكرياتي أو الاكتفاء بهذا القدر ورأيهم مهما كان في موضع تقدير ووفاء .

العالم المثالي
27/04/2008, 12:04 AM
يعطيك العافيه إن شاء الله
شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

عطر الحروف
27/04/2008, 12:27 AM
أخوي رياض الجنوب 00ذكريات رائعة 000يعطيك العافية 000وقصة جدا جميلة 00أرى أخوي أن تكمل القصة 00حتى نتابعها سويا وسنتمتع بما نقرأ 00وبعد إكمالها نشارك بالنقد والتعليق 00
بارك الله بالمجهودات المبذولة00