المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قصة .. شروق !!


عافك الخاطر
08/12/2004, 11:58 AM
بدّد صوت مؤذن صلاة الفجر سكون الليل البهيم ،فنهضت الأم من فراشها تهلل وتكبر .. متجهة لغرفة ابنتها الوحيدة شروق لإيقاظها.. نادت عليها " شروق ... شروق " هيا يا غاليتي قومي وتوضئي ، وصلي الفجر واستعدي لمدرستك ،أتت شروق وئيدة الخطى مكفهرة الوجه مضطربة على غير عادتها نظرت الأم إليها باستغراب شديد ،فبادرت بسؤالها ما بك اليوم يا حبيبتي ؟ لماذا يطغى على أديم وجهك الهم والكآبة ؟ ألم تنم بما فيه الكفاية البارحة ؟ كان الصمت المطبق هو سيد الموقف .. أثار الأمر حيرة الأم وقلقها ،فكررت السؤال عليها لعلها تستطيع أن تتوغل في أعماقها وتكتشف حقيقة هذا الهم الثقيل الذي ينوء به عاتق ابنتها الوحيدة ، فكانت الشكوى المسكونة بالشعور باليأس .. أطرقت الأم لهذا الصوت المبحوح الذي فجر شلالات الرحمة والعطف في وجدانها، فكان السؤال الصدمة والباعث للشجن ، أمي هل سأعيش حتى أحقق أحلامي وأعوضك عن لحظات الحرمان التي عانيتيها من أجلي ؟ إنني خائفة ، وجلة .. أحس أنني سوف أفتقد دفء حنانك .. أشعر إنني غريبة وعلى وشك السفر القسري ؟ انسابت دمعة حرّي من عيني الأم فضمتها على صدرها وأطلقت زفرة لها دوي .. وشاحت بوجهها عن نظرات ابنتها ، ومسحت حبيبات الشؤون المالحة التي ترسبت على صفحة خدها ، المنهك من جور السنين ، وظلم بعض الأباء ، ربتت على رأس ابنتها المثقل من الهموم وقبلتها بحرارة.. وقالت لها بالعكس ، يا حبيبتي إن هذا اليوم يا ابنتي ، لصباحه جميل ، وشمسه وضاءة ، وأنسامه عذبة أخاذة .. ردت شروق على عجل إنني أشعر أن هذا اليوم لأشعة شمسه تنبئ بوقوع خطب جلل ،إحساس غريب ينتابني يا أمي .. حاولت الأم أن تنتشلها من هذا الكبت النفسي المشحون والجاثم على كاهلها .. وتزيل عن سماء تطلعاتها سحب التشاؤم الحالكة.. ولكن هيهات فلقد بلغ الأسى مبلغاً .. وضعت شروق " مريول " اللوعة على جسدها وتغطت بخمار الكآبة وحملت حقيبة الأمل المفقود ، والحلم الموؤد ، وخرجت من الدار العتيقة ، تنظر بنظرات مودع قد يأس من إمكانية الرجوع لأهله .. وقفت الأم متسمرة على طرف الباب ترمقها بطرفها الحزين وهي تراودها الأفكار الموجعة والتخيلات المفزعة.. وهناك صدق حدس شروق فمع تهيؤها واعتدالها على مقعد الدراسة وفيما هي تنظر لمعلمتها " ندى " شب حريق هائل ومروع في مبنى مدرستها المتهالك، سرى هذا الحريق في أرجاء المدرسة كلمح البصر واستشرى حتى كانت الفجيعة الكبرى والمصيبة العظمى عندما التهمت النيران جسد شروق الغض وحولته إلى أشلاء مفحمة .. خفق قلب الأم مع تزايد أصوات سيارات الإسعاف وتعاظم صفارات المطافئ .. استجمعت قواها .. هرعت إلى قارعة الطريق تنظر في الوجوه الشاحبة تحاول أن ترمق سويداء قلبها هنا وهناك .. ترنو في فضاءات المدى المغطاة بسحب الدخان الحالكة السواد لعلها ترى قرة عينيها .. شاهدوها تسير هائمة نادوا عليها ،هيه ، هيه !! أنتي ، تعالي إلى هنا ، شعرت الأم بوخزة في قلبها ، أحست بغصة في الحلق ، انطلقت إليهم ، وقلبها يسابق وقع خطاها ، والدم يكاد يتوقف في عروقها ، بادرتهم إنني أبحث عن ابنتي شروق أخبروني عنها أين هي .. لم أجدها ؟ هل أفل نجمها أم غاب ذكرها ؟ هل احترقت .. هل ماتت ؟ نكسوا رؤوسهم .. حاولوا تهدئة روعها وتخفيف فزعها ، لفها رداء من الحزن ،اجتاحها طوفان من الكمد ، وعصفت بها رياح الرحيل العاتية ،عندما أيقنت أن المسجى أمامها ما هو إلا رفات ابنتها بعد أن تعرفت على عقد فضي قد تشبث في جيدها الطاهر، كانت قد نقشت عليه شروق " أمي إنني أحبك " .. وفجأة كانت الفاجعة القاصمة للظهر التي لم يحسب لها أي حساب ، فقد صرخت الأم صرخة مجلجلة ،وقعت على إثرها صريعة وأسلمت الروح إلى بارئها ، فإلى الله المشتكى من قبل ومن بعد

dracula
23/03/2005, 08:19 PM
يعطيك العافيه