المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : من روائع الشيخ عايض القرني


ابواسامه2000
11/08/2008, 09:59 PM
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبّيِنا محمد وآله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
ساعة الاحتضار في حياة السلف هي ساعتنا التي سوف نمرّ بها. فما منّا إلا ميِّت، وما منّا إلا محتضَر، ولا منّا إلا قادم على تلك الساعة، والله لنذوقنَّها ووالله لنشربنّها... فقد ذاقها الملوك والمملوكون، والرؤساء والمرؤوسون، والأغنياء والفقراء، وذاقتها الأمم جميعاً، وأحسُّوا بالموت ((هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا)).
وموضوعي هذا يدور على ثلاثة عناصر:
أولها: القرآن يتحدث عن الموت.
وثانيها: ذكر الموت في السنة المطهرة.
وثالثها: الموت عند السلف الصالح وعند المعرضين الغافلين عن الموت.
حضرت الوفاة عمرو بن العاص الذي يسمى أُرطبون العرب، لأنه كان داهية من الدهاة، ولكن لا حيلة في الموت... أبطل الموت حيلة الدهاة، وأعدم الموت قوة الأقوياء، ونسف الموت بنيان الأغنياء، فلما أصبح في سكرات الموت قال له ابنه عبد الله الزاهد العابد: [يا أبتي صف لي الموت، فإنك أصدق واصف للموت! هو يذوق الموت، هو يشرب الموت، هو يزاول سكرات الموت].
قال: [يا بني والله كأن جبال الدنيا على صدري، وكأني أتنفس من ثقب الإِبرة!].
انظر إلى الوصف! كأن جبال الدنيا على صدري، وكأني أتنفس من ثقب الإِبرة!
وأورد ابن رجب أن كعب الأحبار قال له عمر رضي الله عنه وأرضاه: [صف لي الموت].
قال: [يا أمير المؤمنين، ما مثل الموت إلاَّ كرجل ضرب بغصن من شوك من سدر أو طلح فوقعت كل شوكة في عرق، فسحب الغصن فانسحب معها كل عرقٍ في الجسم].
يقول سبحانه وتعالى: ((فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ * وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ * وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ * فَلَوْلا إِنْ كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ * تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ)).
إنه مصرع عظيم، والله عزَّ وجلَّ كتب الموت على الأحياء فقال جلَّ مِـن قائل: ((كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ))، ولذلك كان الحسن البصري يعظ أبناءه وتلاميذه فيقول: فضح الموت الدنيا فلم يدع لذي لبِّ فرحاً.
قال بعضهم: أعيا الأطباء علاج الموت.
وقال بعضهم: أتى العُوَّاد يعودون المرضى فمات العوَّاد ومات المعودون.
وفي ترجمة الربيع بن خيثم الزاهد العابد، أنه مرض، قالوا: ألا ندعو لك طبيباً؟
قال: فكَّرت وأردت أن أدعو طبيباً، فإذا بالطبيب والمطبوب يموتان.
هيهات... تعالج قوم عاد وقوم ثمود ثم مات الطبيب والمطبوب. ومات العائد والمُعاد.
وفي سيرة أبي بكر رضي الله عنه وقد صحَّت عنه، أن الناس قد حضروا وقالوا: [يا خليفة رسول الله -وهو في مرض الموت- ألا ندعو لك طبيباً؟
قال: الطبيب قد رآني.
قالوا: فماذا قال؟
قال: إنه يقول إني فعَّال لما أريد].


كيف أشكو لطبيبي ما بي والذي قد أصابني من طبيبي


يقول سبحانه وتعالى: ((كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ))، وقال سبحانه وتعالى: ((إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ))، فعلم عليه الصلاة والسلام أنه سيموت ولكنه متهّيئ منذ أن بعثه الله لهذه الساعة، وذلك المقعد، وتلك الضَّجعة.
وفي كتاب وصايا العلماء عند الموت عن أبي الدرداء رضي الله عنه لما حضرته الوفاة قال: [هل من عامل لمثل هذه الصرعة؟
هل من عامل لمثل مصرع الموت؟
هل من عامل لمثل هذه الضَّجعة؟
] أو كما قال.
ولذلك ذكّرنا الله بالموت كثيراً في القرآن، قال سبحانه وتعالى: ((وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى الله ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ)).
وقال عز مِن قائل: ((حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ * ثُمَّ رُدُّوا إِلَى الله مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ)).
وقال سبحانه وتعالى: ((وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ * إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ * وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ * وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ * لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا)).. والله لقد غفل كثير من الناس وأصابهم سُكار وما أفاقوا إلاَّ في ساعة الموت: ((لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ)).
وعند الترمذي بسند حسن أنه صلى الله عليه وسلم قال: (أكثروا من ذكر هاذم اللذات) (1) ، وفي رواية: (فما ذكر في قليل إلا كثره، ولا في كثير إلا قلله) (1) . هاذم اللذَّات هو الموت، ومفرق الجماعات،آخذ البنين والبنات، الذي أتى بالبلايا والبليّات فصرعهم في الحفر المظلمات.

أتيت القبور فناديتها أين المعظم والمحتقَر



تفانوا جميعاً فما مخبرٌ وماتوا جميعاً ومات الخبر



فياسائلي عن أناس مضوا أمالك فيما مضى معتبَر



تروح وتغدو بنات الثرى فتمحو محاسن تلك الصور


قال ابن كثير في البداية : مر عمر بن عبد العزيز على المقابر فقال: [يا موت ماذا فعلت بالأحبة؟
.. أين الأحباب؟
أين الأصدقاء أين الإخوان أين الجلاس؟
أين السمار؟
... يا موت ماذا فعلت بالأحبة؟
فلم يجبه أحد.
فقال وهو يبكي: أتدرون ماذا يقول الموت؟
قالوا: لا.
قال: يقول: أكلت الحدقتين، وزرقت بالعينين، وفصلت الكفين عن الساعدين، والساعدين عن العمودين، والعمودين عن الكتفين].
ولو نجا من الموت أحد لنجا منه محمد صلى الله عليه وسلم ((وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِينْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ الله شَيْئًا وَسَيَجْزِي الله الشَّاكِرِينَ)).
مات عليه الصلاة والسلام كما يموت الإنسان، وذاق كما يذوق الإنسان، وصارع سكرات الموت كما يصارعها الإنسان.

نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه فيه العفاف وفيه الجود والكرم


حضرته الوفاة، وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يتناول قميصه فيضعه على وجهه وهو في سكرات الموت وعرقه يتصبب، بأبي وأمي هو، فيقول: (اللهم أعني على سكرات الموت ) (1) (اللهم هون عليّ سكرات الموت. لا إله إلا الله... إن للموت لسكرات) (1) . ثم يقول: (لعن الله اليهود و النصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) (1) .
ترقيه عائشة رضي الله عنها وأرضاها بالمعوذتين فيقول: (بل الرفيق الأعلى) (1) .
يقول: أريد الرفيق الأعلى، أريد حياة أبدية، أريد نعيماً خالداً... مل من الدنيا وسئم من الدنيا، فذاق الموت عليه الصلاة والسلام، لعموم قوله سبحانه وتعالى: ((كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ)).
أبو بكر الصديق صح عنه في السير أن الوفاة لما حضرته أتته ابنته عائشة الصديقة بنت الصديق المبرأة من فوق سبع سماوات... الطاهرة العفيفة، فجلست عند رأسه تبكي وتقول: [يا أبتاه! صدق الأول يوم يقول:

لعمرك ما يغني الثراء عن الفتى إذا حشرجت يوماً وضاق بها الصدر

].
معنى البيت وهو لـحاتم الطائي كريم العرب الذي ما نفعه كرمه لأنه ما استعد لساعة الاحتضار في حياته، ولذلك صح عن عدي بن حاتم أنه قال: (يا رسول الله إن أبي كان يقري الضيف، ويحمل الكل، ويعين على نوائب الحق، فهل ينفعه ذلك عند الله؟
قال: لا، إن أباك طلب شيئاً فأصابه) (1) ((وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا)).
فمعنى البيت يقول: والله ما يغني الغنى ولا المنصب ولا الجاه إذا حشرجت الصدور بالنفوس أو حضرت النفس إلى الحنجرة... أو حضرت سكرات الموت.
فالتفت أبو بكر إلى عائشة وقال: [يا بنية لا تقولي ذلك، ولكن قولي: ((وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ))].
ولما مات بحثوا عن ميراثه -وهو خليفة العالم الإسلامي، ذهب الدنيا تحت يديه- فوجدوه قد خلف بغلة وثوبين، وقال: كفنوني في واحد، وأرسلوا البغلة والثوب الآخر إلى عمر بن الخطاب الخليفة وقولوا: [يا عمر ! اتق الله لا يصرعنك الله كمصرعي.
ووصلت البغلة والثوب إلى عمر فجلس يبكي وقال: أتعبت الخلفاء بعدك يا أبا بكر].
أي والله لقد أتعب الخلفاء بعده، والله لقد أتعب كل مسؤول أن يقتدي به أو أن يذهب مثل سيرته.
ولذلك ذكر ابن القيم وغيره من أهل العلم: أن أبا بكر كان يخرج كل صباح مع طلوع الشمس، إلى خيمة في ضواحي المدينة فيدخل على عجوز عمياء حسيرة كسيرة من الرعية، فيكنس بيتها ويصنع طعامها ويحلب شياهها... أبو بكر الأول بعد الرسول عليه الصلاة والسلام... أبو بكر المجاهد الكبير خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، رجل الساعة، فإذا انتهى رجع إلى المدينة .
فأخذ عمر يتفقد أبا بكر كل صباح أين يذهب، وذات مرة دخل عمر بعد أن خرج أبو بكر ، فقال للمرأة: [من أنت؟
قالت: أنا امرأة عمياء حسيرة كسيرة، مات زوجي منذ زمن، وما لنا من عائل بعد الله إلا هذا الرجل الذي يدخل علينا.
قال: أتعرفينه؟
قالت: والله ما عرفته.
قال: ماذا يفعل؟
قالت: يكنس البيت ويحلب شياهنا ويصنع طعامنا.
فجلس يبكي].
سلام على أبي بكر في الخالدين، ورضي الله عنه في الصادقين، وجمعنا به في دار كرامة رب العالمين.

هو الموت ما منه ملاذ ومهرب متى حط ذا عن نعشه ذاك يركب



نؤمل آمالاً ونرجو نتاجها لعل الرجا مما نرجيه أقرب



ونبني القصور المشمخرات في الهوى وفي علمنا أنا نموت وتخرب



إلى الله نشكو قسوة في قلوبنا وفي كل يوم واعظ الموت يندب


جاء في التاريخ أن هارون الرشيد الخليفة العباسي الذي تحدى الغمام والسحب أن تمطر في أرضه، بنى قصراً مشيداً في بغداد وقال للشعراء: ادخلوا عليّ (ليمدحوه).
فدخلوا جميعاً، ثم دخل أبو العتاهية الزاهد فقال لـهارون في قصيدة:

عش ما بدالك سالماً في ظل شاهقة القصور


قال هارون وقد ارتاح وانبسط وهش وبش: هيه، -يعني: زد-.

يجري عليك بما أردت مع الغدو مع البكور


قال. هيه.
قال:

فإذا النفوس تغرغرت بزفير حشرجة الصدور



فهناك تعلم موقناً ما كنت إلا في غرور


فهوى يبكي حتى أغمي عليه.
ولما حضرت عمر بن الخطاب الوفاة وأنتم تعلمون ما هي وفاة عمر العظيمة... فالصحابة ما بين صديق أو شهيد:

من تلق منهم تقل لاقيت سيدهم مثل النجوم التي يسري بها الساري


أما أكثر من يموت من المترفين فإنه يموت تخمة، فهو شهيد الطعام والكباسي! والأكلات وما أدراك ما الأكلات والمرطبات، وما أدراك ما المرطبات؟
حج عمر ووقف عند المحراب ورفع يديه... خليفة شاب رأسه في العدل، ونحل جسمه في الصلاح، وذاب جماله في طاعة الله! أثر الدمع في خديه... صادق في الليل، صادق في النهار.
قال: [اللهم إنها ضاعت رعيتي، ورق عظمي، ودنا أجلي، فاقبضني إليك غير مفرط ولا مفتون... اللهم إني أسألك شهادة في سبيلك وموتة في بلد رسولك].
((فَلَوْ صَدَقُوا الله لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ)) ويقول سبحانه وتعالى: ((وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ الله لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ)).
عاد وهو صادق، ووصل المدينة ، فقال: بعض الصحابة: [يا أمير المؤمنين تطلب الشهادة في المدينة ! الذي يطلب الشهادة يخرج إلى الثغور.
قال: هكذا سألت، وأسأل الله أن يلبي لي ما سألت...].
وفي إحدى الليالي رأى وكأن ديكاً رومياً نقره ثلاث نقرات، فسأل أهل العلم من أهل تعبير المنام فقالوا: يقتلك رجل من العجم، فاستودع الله نفسه وصلى بالناس صلاة الفجر، وطعن في المحراب ووقع صريعاً شهيداً في أحسن بقعة وفي أجل فريضة، وحمل على أكتاف الرجال وهو يقول: [أصليت الفجر؟
قالوا: لا].
فأغمي عليه، فلما وضعوا خده على وسادة قال: ارفعوا الوسادة من تحت رأسي، ضعوا رأسي على التراب لعل الله أن يرحمني... رحمك الله ... وأكرم الله أشلاءك ... ورفعك الله فقد كنت صادقاً كما قال ابن مسعود : [كان إسلامك نصراً، وهجرتك فتحاً، وولايتك رحمة].
يقول له علي وهو يثني عليه في سكرات الموت: [لطالما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ذهبت أنا وأبو بكر و عمر ، وخرجت أنا و أبو بكر و عمر ... فعسى الله أن يجمعك بصاحبيك.
قال له: إليك عني، يا ليتني نجوت كفافاً لا لي ولا عليّ...] فرضي الله عنه وأرضاه.
فهم قد أعدوا لساعة الموت وساعة الاحتضار، أعدوا لها من سنوات.
كان علي رضي الله عنه يقول وقد رواه البخاري في كتابه الصحيح : [ارتحلت الدنيا مدبرة، وارتحلت الآخرة مقبلة، فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فإن اليوم عمل ولا حساب، وغداً حساب ولا عمل].
علي بن أبي طالب مدرسة من الرقائق والتوجيه والتربية.
علي بن أبي طالب كلماته تنفذ إلى القلوب مباشرة، لأنه صادق مخلص.
علي بن أبي طالب صح عنه أنه أخذ لحيته بيديه بالليل وهو يبكي ويقول: [يا دنيا يا دنية، طلقتك ثلاثاً لا رجعة بعدها، زادك حقير، وعمرك قصير، وسفرك طويل. آه من وحشة الزاد وبعد السفر ولقاء الموت].
وله مقطوعة نسبت إليه يقول فيها:

لا دار للمرء بعد الموت يسكنها إلا التي كان قبل الموت بانيها



فإن بناها بخيبر طاب مسكنه وإن بناها بشر خاب بانيها



أموالنا لذوي الميراث نجمعها ودورنا لخراب الموت نبنيها



فاعمل لدار غداً رضوان خازنها الجار أحمد والرحمان بانيها



قصورها ذهب والمسك طينتها والزعفران حشيش نابت فيها


روى مسلم في الصحيح (1) قال: حضرت الوفاة عمرو بن العاص فبكى بكاء طويلاً... ومتى يبكي الإنسان إذا ما بكى في تلك الساعة؟
متى يتهيأ لذلك المصرع؟
... متى يندم إذا لم يندم تلك الفترة؟
قال: [فلما بكى أتى ابنه عبد الله فأخذ يحسن ظنه بالله ويرجيه ويقول: يا أباه أما أسلمت؟
أما هاجرت؟
أما ولاك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولاية كذا على الجيش؟
أما فتحت مصر ؟
قال: فحول وجهه إلى الحائط ثم بكى طويلاً، ثم أعاد وجهه إلى الناس فقال: إني عشت حياتي على طباق ثلاثة:
كنت في الجاهلية لا أعرف الإسلام، وكان أبغض الناس إليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فلو توفيت في هذه الحالة لكنت في جهنم.
ثم أسلمت فقدمت على الرسول عليه الصلاة والسلام في المدينة ، فلما بسط يده ليبايعني قبضت يدي، قال: ما لك يا عمرو ؟
قلت: أشترط.
قال: تشترط ماذا؟
قلت: أشترط أن يغفر لي ربي ذنبي.
فتبسم وقال: أما تدري يا عمرو أن التوبة تجب ما قبلها، وأن الإسلام يهدم ما قبله؟
قال: فأسلمت، فوالله ما كان أحد أحب إليّ من رسول الله صلى الله عليه وسلم... والله لو سألتموني الآن أن أصفه ما استطعت أن أصفه لأني ما كنت أملأ عيني منه إجلالاً وهيبة منه، فلو مت على تلك الحالة لرجوت أن أكون من أهل الجنة.
ثم تخففت، فلعبت بي الدنيا ظهراً لبطن، فوالله ما أدري هل يؤمر بي إلى الجنة أو يؤمر بي إلى النار؟
فلم يبق عندي إلا كلمة أحاج بها عند الله وهي لا إله إلا الله محمد رسول الله، ثم قبض يده]
فأتوا يفتحون أصابعه فتعود كما كانت، فغسلوه وهو هكذا، وأدخلوه أكفانه ولفوه في أكفانه هكذا، وأدخلوه قبره وهو على هيئته. وهذا مصرع ذاقه كل رجل صالح وطالح، وسوف نسمع سير بعض الغافلين وهم في سكرات الموت.
وحضرت الوفاة معاذاً مع السحر، فقال لابنه: [اخرج يا بني انظر هل طلع الفجر؟
قال: لا.
فسكت قليلاً ثم قال: اخرج انظر هل طلع الفجر؟
قال: نعم طلع.
قال اللهم إني أعوذ بك من صباح إلى النار... اللهم إنك كنت تعلم أني ما أحببت الحياة لغرس الأشجار، ولا لجري الأنهار، ولا لعمارة الديار، ولا لرفع القصور...] لكن لماذا؟
لماذا تحب الحياة يا أبا عبد الرحمن يا معاذ بن جبل ؟
لماذا تحب الحياة؟
[قال: كنت أحب الحياة لثلاث:
لصيام الهواجر، ولقيام الليل، ولمزاحمة العلماء بالركب في حلق الذكر].
انظر إلى الحياة الخالدة! فليست الحياة حياة الأكل واللهو والشهوات والمغريات والسيئات.. حياة الأغاني الماجنة والمجلات الخليعة والجلسات الآثمة... حياة الفراغ القاتل... حياة الأمنيات التي لا تنفع صاحبها بل تكون عليه حسرة.
هذا الجانب مما شاهده الصالحون في سكرات الموت.

المزيونه
12/08/2008, 12:42 PM
اللهـم هون علينا سكرات الموت


ولا توفنا الا ونحن مسلمين على شهادة ان لا اله الا انت وان محمد صلى الله عليه وسلم عبدك ورسولك

الجابري
26/08/2008, 04:34 PM
اللهـم هون علينا سكرات الموت



مشكور اخوي على حسن الاختيار

%هوى الجنوب
27/08/2008, 11:14 AM
ابواسامه 2000

جزاك الله خيرا
وندعو الله تعالى ان يتوفانا وهو راض عنا ويجعل خير اعمالنا خواتمها

الهوى الغائب
03/09/2008, 12:57 AM
اللهـم هون علينا سكرات الموت


ولا توفنا الا ونحن مسلمين على شهادة ان لا اله الا انت وان محمد صلى الله عليه وسلم عبدك ورسولك