تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : أحمد رفيق المهدوي الشاعر والاديب


ghalebmoh
08/11/2008, 10:39 PM
قبل حلول القرن الماضي بعامين ولد أحمد رفيق محمد أمين أحمد محمد المهدوي في قرية فسّاطو بالجبل الغربي، ففي هذه القرية الجبلية الشاهقة كان مولد رفيق سنة 1898 م ـ 1315 هـ. فمن الجبل كان إطلاله على الحياة وفيه تنسم نسماتها الأولي، وعلى ذراه تفتحت مشاعره وتنبهت مداركه.

ثم انتقل أبوه إلي مدينة أخرى تقع قريباً من أقصي الغرب الليبي (نالوت) والتي تبعد على فسّاطو بـ 104 كم فانتقل إليها بانتقاله، ليواصل فيها خطى تعليمه التي بدأها بفسّاطو، فمكث فيها سبع سنين ونيف، تعلم فيها القران الكريم، حتي انتقل أبوه من إقليم الجبل إلي إقليم طرابلس، لتنتهي بذلك تلك المرحلة الجبلية، وتبدأ مرحلة الحياة الساحلية تحديداً بمدينة (مصراته) التي انتقل إليها صبياً مع أبيه ، منذ أن ترك الجبل ليبدأ فيها أسلوبا جديداً في التعلم بعد أن حفظ القران بنالوت وهو أسلوب المدارس النظامية آنذاك، ولكنّ أباه مع ذلك أخذه بتعلم اللغة الفرنسية، ثم انتقل إلي مدينة الزاوية الغربية وفيها حصل على الشهادة الابتدائية بالتركية والعربية لما كان والده موظفاً بمدينة الزاوية.

وهكذا نرى أنه بدأ تعليمه الابتدائي النظامي في مصراته، وأتمّه في الزاوية، ولكنه لم يكد يتهيأ للمرحلة التعليمية التالية، ويلتحق بالمرحلة الإعدادية، حتي وقع الاحتلال الإيطالي قبل مباشرته الدروس في الثالث من أكتوبر 1911م، ليبدأ بذلك فترة جديدة امتدت سنتين تلقت فيها مداركه ومشاعره أشياء لم تكن مقررة في مقاعد الدراسة، وكان لها ولا ريب أثرها على شخصية رفـيق.

وعلى أثر الصدمة التي اصابت المشاعر الليبية بعد النكسة التي تعرضت لها المقاومة الباسلة للغزو الإيطالي، بدأت حركة الهجرة إلي مصر والشام، ومن ذلك اتجهت أسرة رفيق إلي مصر، وهكذا وجد فيق نفسه في الإسكندرية يستقبل فيها حياة جديدة غير التي عرفها من قبل في فسّاطو ونالوت ومصراته والزاوية. وبدأ بذلك مرحلة جديدة من حياته امتدت نحو ثمان سنين من 1913 حتي 1921 م أي ما بين الخامسة عشر من عمره والثالثة والعشرين.

عاش رفيق حتي وافته منيته عشية الثلاثاء في السادس من يوليو سنة 1961 م شاعر الوطنية الكبير الذي لم يخيب ظن مواطنيه فيه يوم من الأيام رغم سنوات الاستعمار، وظل طيلة حياته مترنماً بحبه مصوراً لآلامه وأماله، ومشيداً بجهاده وكفاحه، وموجهاً لشبابه، فاستحق بذلك تكريمه وإعزازه وتسميته بحق (شاعر الوطن).

ورغم سقوط شعراء ليبيون كثيرون في هوة التقرب إلي المستعمر الإيطالي، ولكن شاعرنا ظل صامداً لا يخشى مستعمراً أو ظالماً.


وحل مساء السبت في الـ 20 يونيو 1925 م أبحرت بها الباخرة إلي تركيا وتحديداً (جيحان). وعلى رغم طول أمد الفراق الذي لازمه أكثر من عشرين عامٍ إلا أن شاعرنا ظل وفياً لوطنه ولم يغب عن فؤاده وناظره طرفة عين، ولم يزده الفراق والأيام إلا تعلقاً بالوطن، وحنيناً إليه، وحباً فيه. فقال هذه القصيدة الشعبية الوطنية غداة اضطراره الهجرة عن وطنه:

تبقى بخير يا وطنابالسلامــة ورنا ندامـة ويا عون من فيك كمل أيامــه
ويا عون من فيك كمل أوقاتـه ** ومضى حياته ** في عز لا قهر لا صغا لا شماته
حتي مع الفقر والقل والشحاته ** تطيب المقامة ** ولولا العدو فـيك ناصب علامـة
ولولا العدو الي فيك حاكـــم ** وداير محاكـم ** بالشنق والنفــي فينا يحاكــم
سوا حال مظلوم منا وظالــم ** قليل السلامـة ** بلا بينة من يجي في الدهامــة

وفي ذكرى مرور عام على هجرته الأولي لتركيا قال رفيق:

تركت موطن إبائي عل مضضٍ
مما تجـرعـت من هـم وويـلات

والله مـا باختياري أن أفارقه
لو لم ينغصه حكم الظالم العــاتي

إني لأذكر يوم البين إذ هـمت
مـدامعي فـوق خــدي مستهلات

وقد تحيّرت في أمرين ما فتئا
ينكدان حـياتي فـي مـناجـاتـي

وهكذا اضطر رفيق أن يترك بلاده ليبيا إلي تركيا في يوم السبت الموافق 20 يونيو 1925م حيث بقى هناك حتى 1934م رجع خلال هذه السنة إلي بلاده على أمل أن تكون الظروف فيها قد تحسنت، ولكن سرعان ما تبيّن العكس تماماً فتقرر نفيه ثانية خارج البلاد عام 1936م، وبذلك لم يبقى رفيق في ليبيا بعد عودته الأخيرة إليها أكثر من سنتين اضطر بعدها إلي ترك بلده ثانية إلي جيحان حيث تُقيم عائلته وبقى هناك حتى عاد إلي الوطن في عام 1946م، وكانت عودة رفيق إلي أرض الوطن تمثل نقطة تحول ومرحلة جديدة في حياته وفي شعره.

فقد عاد هذه المرة وكله أمل في تحقيق ما كان ينشده لوطنه، من عزة وكرامة ووحدة صف واستقلال، وقد وطّد عزمه منذ اليوم الذي رجع فيه أن يُسخَر قلمه وشعره في خدمة قضية بلاده. وقد ظل رفيق طيلة الفترة التي أعقبت رجوعه إلي وطنه سنة 1946م واستمرت إلي وفاته رحمه الله في يوم السادس من يوليو 1961م مُجاهداً ومُكافحاً في سبيل استقلال ووحدة بلاده. وهاهو يعاهد بلاده بالبقاء على حبها وإن طال عهد الفراق:

حنيناً وشوقاً يا بلادي فإنني وإن طال عنك العهد لست بخوان

وفي قصيدة أخرى يتوجّه رفيق بهذا النداء المؤثر، وكان ذلك عام 1936 ف:

رحـيلي عـنك عـزّ عليّ جـدّا وداعاً أيها الوطن المُفدى
وداع مفارقٍ بالرغم شاءت له الأقدار نيـــل العيش كدّا

وبنفسية العبقري الذي يرى أنه عديم التقدير في وطنه يتحدث رفيق قائلاً:

علو النفس إن عظمت شقاء يلذ بمن إلي المجد استعدّا
إذا رُزِِق الفتى نفساً عزوفاً تهاون بالخطوب وزاد حدّا
طلبت العز في وطني مقيماً فأوسعني زمان السوء ردّا

وبالرغم من كل هذا فإن شاعرنا يرى في خروجه من وطنه خطاءً جسيماً وهفوة ما كان يجب أن تُرتكب:

لم أكـن يوم خروجي
مـن بـلادي بمصيب


عـجباً لـيّ لتركـي
وطـناً فيه حبـيبـي

* * *
وطنـاً فـيـه أناسي
وبه مـسقط رأسـي

لست ما عشت بناسي
لـذة العيش الخصيب

بين أهـل وقــريب
وصديق وحـبـيـب


ومن لم يجرب الغربة، لن يستطيع التعبير عن مرارتها، ولكن شاعرنا جربها بنفسية الفنان الحساس رقيق المشاعر، ولذلك فأن مرارتها أقسى ومذاقها أشد إحراقاً، بل وتصبح الغربة لديه غربتين، غربة إنسان عادي، وغربة فنان صادق... فيقول:


إن مـن عـاش غـريباً
عـاش لا شـك كـئيباً

وإذا كــان أديـبــا
عـاش مجهولاً مُضاع
اً
يـنفق العـمر التـياعاً
بين حــزن ونحيـب

ففي شعره كما أسلفنا لانعدم مطلقاً حبه المتزايد لليبيا وأسراره على إعلان هذا الحب يقول:

يا أيها الوطن المقـدس عندنــــا
شوقا إليك، فكيف حالك بعدنــــا

كنا بأرضك لا نــريد تحــــولا
عنها ولا نرضى سواها موطنـــا

فــي عيــشة لو لـم تكـــن
بالذل كانـــت مـا ألذ وأحسنــا

عفنا رفاه العيش فيك، مع العـــدا
وأبى لنا شمم النفوس وعزنــــا

وسما بنا شـوق إلى حريـــــة
دسنا إلى استنشاقها سبب الغنـــى

من كان يوقن أن أسـباب الغنــى
بيدي كريــــم عاش حرا مؤمنـا

والحرص من ضعف اليقين ومن يطع
طبع النفوس يعش خسيسا هينـــا

يـا أيها الوطن العــزيز وإن نكن
بنّا ففيـــك حبيبنا ومحبــــنا
بنّا فما عـنك استــــطاع تصبرا
قلب ولا فيك اطــمأنت نفسنـــا

أما هــواك فلا لزوم لذكــــره
(فالحب ما منع الحديث الألسنـــا)

لكن ما شاهــدت فيك مـن الأذى
والحيف دوما قد أغص وأحزنــا

لا يستطيع الحـر فيك معـــيشة
لا إذا رضي الإهـانة مذعنــــا

جعــلوك مسخــرة بأيدي صبية
لا يبعدون مـن الحمير تمدنـــا

حكمـوا كما شــاءوا فكانوا محنة
(والحـر ممتحن بأولاد الزنـــا)

قــالوا لقد جئنا نمــدن أرضكم
أين التمدن والذي قــالوا لنــا

هدموا من الأخــلاق في أوطاننا
أضعاف ما شادوه فيها من بنــا

إن العهـود وما وعــدتم كــله
كذب على مــر الزمــان تبيّنا

أمن العدالــــة والتمــــدن
غصبا ببخس ليس يذكـر ملكنــا

جرتم على أربــابه فتشــردوا
في كل قفـر لم يصيبوا مسكنــا

تحت السماء على الصحـــاري
مثل الوحوش فلا هناك ولا هنــا

خرجوا بلا مـال فصاروا عرضة
للفقر والبأساء يعقـــبها الفنـا

يا من تطوح في البــلاد مهاجرا
مثلي وخــلاها لمن قـد (طلينا)

لا ترجعوا يا أهل برقة واصبروا
فالصبر يجمل بالذي يبغي المنى

كونوا علـى حذر ولا يغـرركمو
وعد فيوم الفــوز يوم قـد دنا

وخذوا النصيحة من محب مشفق
صدق الحديث ولا تقولوا من أنا



وتقديراً منا للجهود المخلصة التي بذلها هذا الشاعر الفذ في سبيل وطنه وأمته، وتراث قومه. واعترافا منا بنتيجة الكلمات الملتزمة التي سطرها والمعاني الخالدة التي أبرزها في قصائده وأشعاره، فكانت النور الذي يضيء الطريق ويهدي السبيل ويعزي النفوس عما أصابها.

وأداءً للواجب الوطني الذي نحس به نحو تكريم المخلصين من أبناء الوطن، وتخليد ذكراهم خاصة بعد مماتهم وانقضاء صفحة أعمالهم ودخولهم في سجل التاريخ.

بعد أن وفته المنية عشية الثلاثاء في السادس من يوليو سنة 1961 م بأثينا في اليونان.

ذلكم هو أحمد رفيق المهدوي الذي نوّه بمكانته العقاد فقال: (لقد رأيت من الواجب على أن أنبّه في صحافتنا الأدبية إلي مكان هذا الشاعر).

المزيونه
09/11/2008, 12:07 PM
اشكرك اخي عل النقل الهـادف بارك الله فيك

صقر الجنوب
09/11/2008, 03:12 PM
بارك الله فيك اخي الحبيب ورحمة الله على هذا الشاعر رحمة