تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : قصص القرآن الكريم قصَّة لُقمان ((عليه السلام))


فتى الجنوب
19/12/2008, 05:59 PM
قصص القرآن الكريم قصَّة لُقمان ((عليه السلام))

علي محمّد علي دخيّل
بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
{ولقد آتينا لقمان الحكمة ان اشكر لله ومن يشكر فانّما يشكر لنفسه ومن كفر فإنّ الله غني حميد}.(1)

لقمان الحكيم
إنّ رجلا يخلده سبحانه وتعالى في سورة من القرآن الكريم يتلوها المسلمون صباحاً ومساءاً، يذكره فيها باحسن الذكر والاكبار، جدير بنا التعرف عليه ودراسته، والاستفادة من تعاليمه وحكمه.

ومن حديث للامام الصادق (عليه السلام) يتضح منه جوانب من حياة هذا العظيم قال: اما والله لقد اوتي لقمان الحكمة لا بحسب ولا بمال ولا اهل ولا بسط في جسم ولا جمال، ولكنه كان رجلا قويا في امر الله، متورعا في الله، عميق النظر، طويل الفكر، لم ينم نهارا قط، ولم يره أحد من الناس على بول ولا غائط ولا اغتسال لشدة تستره، ولم يضحك من شيء قط، ولم ينازع انسانا قط، ولم يفرح بشيء اتاه من امر الدنيا، ولا حزن منها على شيء قط؛ وقد نكح من النساء، وولد له الاولاد الكثيرة، وقد مات أكثرهم افراطا(2) فما بكى لاحد منهم؛ ولم يمر برجلين يختصمان او يقتتلان إلاّ اصلح بينهما، ولم يسمع قولا من احد استحسنه إلاّ سأل عن تفسيره وعمن أخذه، وكان يكثر مجالسة الفقهاء والحكماء، وكان يغشى القضاة والملوك والسلاطين، فيرثي للقضاة مما ابتلوا به، ويرحم الملوك والسلاطين لعزتهم بالله وطمأنينتهم بذلك، ويتعلم ما يغلب به نفسه، ويجاهد به هواه؛ وكان يداوي قلبه بالتفكر، ويداوي نفسه بالعبر، وكان لا يتكلم إلا فيما يعنيه فبذلك اوتي الحكمة، وان الله تعالى امر طوائف من الملائكة حين انتصف النهار وهدأت العيون بالقايلة فنادوا لقمان حيث يسمع ولا يراهم فقالوا: يا لقمان هل لك ان يجعلك الله خليفة في الارض وتحكم بين الناس؟

فقال لقمان: اذا امرني ربي فالسمع والطاعة لانه إن فعل بي ذلك اعانني وعلمني وعصمني، وان هو خيّرني قبلت العافية.

فقالت الملائكة: يا لقمان لِمَ؟!

قال: لان الحكم بين الناس بأشد المنازل من الدين، وأكثر فتناً وبلاءاً.

فعجبت الملائكة من حكمته، واستحسن الرحمن منطقه؛ فلما امسى وأخذ مضجعه من الليل انزل الله عليه الحكمة فغشاه بها من قرنه الى قدمه وهو نائم، وغطّاه بالحكمة غطاءا، فاستيقظ وهو أحكم الناس في زمانه، وخرج على الناس ينطق بالحكمة.(3)

وقال له بعض الناس: الست كنت ترعى الغنم معنا فمن اين اوتيت الحكمة؟

قال: اداء الامانة، وصدق الحديث، والصمت عما لا يعنيني.(4)

وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لم يكن لقمان نبياً ولكنه كان عبداً كثير التفكر، حسن اليقين، أحبّ الله فاحبه، ومنّ عليه بالحكمة.(5)

الحكيم

الحكيم: هو الذي تكون أعماله وأقواله طبقاً للحق والواقع لا تزول عنه، يصيب برأيه الحق كما يصيبها بعمله أجمع وأصبح اسم لقمان (عليه السلام) مقروناً بالحكمة، وصارت علماً له بعد أن وصفه بها القرآن الكريم.

وسُئل ما الذي أجمعت عليه من حكمتك؟

فقال: لا اتكلّف ما قد كفيته، ولا أضيّع ما وليته.(6)

ومعناه: إنّي لا اتبرع بعمل لم يطلب مني القيام به خشية ان لا اقدر على اتمامه، كما اذا كلفت بعمل وواجب لا أقصّر في انجازه. وبلغ من حكمته انه دخل على داود وهو يسرد الدرع وقد ليّن الله له الحديد كالطين، فاراد أن يسأله فادركته الحكمة فسكت، فلما أتمّها لبسها وقال: نعم لبوس الحرب أنت.

فقال: الصمت حكم وقيل فاعله.

فقال له داود: بحق ما سميت حكيما.(7)

مختارات من حكمه

كتب التأريخ والسير والحديث مستفيضة بحكم لقمان (عليه السلام)، ويمكن جمع كتاب منها.

نسجل منها مختارات على سبيل المثال مستهدفين من القارئ الكريم أن يأخذها للعمل والتطبيق.

1 - قال: عدو حليم خير من صديق سفيه.(8)

2 - وقال: ثلاثة لا يعرفون إلاّ في ثلاثة مواضع: لا يعرف الحليم إلاّ عند الغضب، ولا يعرف الشجاع إلاّ في الحرب، ولا تعرف اخاك إلاّ عند حاجتك اليه.(9)

3 - قيل للقمان: أيّ الناس شرّ؟

قال: الذي لا يبالي ان يراه الناس مسيئاً.(10)

نصائح الآباء

قلنا: إنّ هذه الشخصية العظيمة الخالدة من الضروري إن نتعرف عليها تماما، ونستلهم منها الدروس والحكم؛ ومن اهم الدروس التي حفظها التاريخ لهذا الحكيم هي وصاياه لولده، فكل كتاب تعرّض للقمان ذكر من هذه الوصايا الكثير، وقد مرّ عليك في هذا الكتاب بعضها؛ والدرس الذي نستفيده من هذه القصص هو ان ينهج الآباء مع ابنائهم هذا المنهج، فليست مهمة الأب ان يوفّر لابنه المأكل والملبس فحسب، بل ان أهم من هذا وذاك ان يعلمه ويؤدبه، وينهج به طريق الحق، وفي الحديث: ان حقوق الولد على والده ان يحسن اسمه وادبه وان يعلمه القرآن الكريم.

نقرأ في نهج البلاغة وصية مطولة للامام امير المؤمنين (عليه السلام) الى ابنه الحسن (عليه السلام) جمعت معالي الأخلاق، واذا كان الامام الحسن (عليه السلام)، وهو الامام المفترض على الناس طاعته يقدّم له ابوه صلوات الله وسلامه عليه هذه النصائح والحكم فنحن أحوج وأحرى بتقديم نصائحنا ووصايانا الى أولادنا.

نعم يهتم الآباء غالبا بنصائح وتوجيهات أولادهم لما يخص أعمالهم، فهو يوصيه بحانوته، ويوصيه بتجارته، ويهتم كثيراً ان يربيه لمعاونته. أهتم ايها الأب بصلاح ابنك وتقويم خلقه، ولا يكون اهتمامك بمدرسته ودروسه أعظم من اهتمامك بصلاته وأخلاقه، فان لله سبحانه وتعالى سائلك عن ذلك.

وأعلم أنك اذا أدبته على النهج الذي امرك به الله سبحانه وتعالى حصل لك أيضاً مطلوبك من الخدمة في متجرك واعمالك، فدينه حينئذ يمنعه ان يعصيك.

وأعلم أنك شريكه في ثواب الله تعالى له على اعمال البر، فالاحاديث عن الصادقين صلوات الله عليهم تشير الى أن الآباء شركاء لابنائهم في عمل الطاعات، فاغتنم هذه التجارة التي لا تبور، وورد أيضاً عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) : اذا مات الرجل انقطع عمله إلاّ من ثلاث: صدقة جارية، وعلم ينتفع به، وولد صالح يدعو له.(11)

والفت نظرك الى شيء تشاهده أنت، بل تعمله في كل يوم، فأنت - بل جميع الناس - عندما ترى من شخص طيباً وإحساناً تترحم على ابيه وأن كنت لا تعرفه، كما انك عندما ترى منه عدوانا وظلما تلعن اباه وان كنت لا تعرفه، فاحرص كل الحرص على أن تحصّل من ابنك الرحمة.

نسجّل في هذه الصفحات بعض وصاياه لولده:

1 - قال امير المؤمنين (عليه السلام): كان فيما وعظ به لقمان ابنه ان قال له: يا بني ليعتبر من قصر يقينه، وضعفت نيته في طلب الرزق، ان الله تبارك وتعالى خلقه في ثلاثة أحوال من أمره واتاه رزقه ولم يكن له في واحدة منها كسب ولا حيلة، والله تبارك وتعالى سيرزقه في الحالة الرابعة. وامّا اول ذلك فكان في رحم امه يرزقه هناك في قرار مكين حيث لا يؤذيه حرّ ولا برد، ثم اخرجه من ذلك واجرى له رزقا من لبن امه، يكفيه به ويربيه من غير حول ولا قوة، ثم فطم من ذلك فاجرى له رزقا من كسب ابويه، ورأفه له من قلوبهما لا يملكان غير ذلك، حتى انهما

يؤثرانه على انفسهما في أحوال كثيرة، حتى اذا كبر وعقل واكتسب وضاق به امره، وظن الظنون بربه، وجحد الحقوق في ماله، وقتّر على نفسه وعياله مخافة اقتار رزق، وسوء يقين بالخلف من الله له في العاجل والآجل، فبئس العبد هذا يا بني.(12)

2 - قال الامام الصادق (عليه السلام): كان فيما وعظ لقمان ابنه: يا بني ان الناس قد جمعوا قبلك لأولادهم فلم يبق ما جمعوا ولم يبق من جمعوا له، إنّما أنت عبد مستأجر قد امرت بعمل ووعدت عليه اجرا، فاوفه عملك واستوف اجرك.

ولا تكن في هذه الدنيا بمنزلة شاة وقعت في زرع اخضر فأكلت حتى سمنت، فكان حتفها عند سمنها، ولكن اجعل الدنيا بمنزلة قنطرة على نهر جزت عليها وتركتها ولم ترجع اليها آخر الدهر، أخربها ولا تعمرها، فانك لم تؤمر بعمارتها.

وأعلم أنّك ستسأل غدا اذا وقفت بين يدي الله عز وجل عن اربع: شبابك فيما ابليته، وعمرك فيما افنيته، ومالك فيما اكتسبته، وفيما أنفقته، فتأهب لذلك وأعدّ له جوابا ولا تأس على ما فاتك من الدنيا فأنّ قليل الدنيا لا يدوم بقاؤه، وكثيرها لا يؤمن بلاؤه، فخذ حذرك، وجد في أمرك، واكشف الغطاء عن وجهك، وتعرّض لمعروف ربك، وجدد التوبة في قلبك، واكمش(13) في فراغك قبل ان يقصد قصدك، ويقضى قضاؤك، ويحال بينك وبين ما تريد.(14)

3 - وقال لولده: يا بني تعلمت سبعة آلاف من الحكمة فاحفظ منها اربعا وسر معي الى الجنة: احكم سفينتك فانّ بحرك عميق، وخفف حملك فانّ العقبة كؤد، وأكثر ا لزاد فانّ السفر بعيد، وأخلص العمل فانّ الناقد بصير.(






الحلقة الثانية من قصة لقمان الحكيم علية السلام 4 - قال الامام الباقر (عليه السلام): كان فيما وعظ لقمان ابنه إن قال: يا بني ان تك في شك من الموت فادفع عن نفسك النوم ولن تستطيع ذلك، وإن كنت في شك من البعث فادفع عن نفسك الانتباه ولن تستطيع ذلك، فانّك اذا فكّرت في هذا علمت أنّ نفسك بيد غيرك، وانما النوم بمنزلة الموت، وانّما اليقظة بعد النوم بمنزلة البعث بعد الموت.(16)

5 - سئل الامام الصادق (عليه السلام): ما كان في وصية لقمان؟

فقال (عليه السلام): كان فيها الاعاجيب، وكان من اعجب ما فيها ان قال لابنه: خف الله خيفة لو جئته ببر الثقلين لعذبك، وارجْ الله رجاءا لو جئته بذنوب الثقلين لرحمك.(17)

6 - وعظ لقمان ابنه بالنار حتى تفطّر وانشق، وكان فيما وعظه ان قال: يا بني انك منذ سقطت الى الدنيا استدبرتها واستقبلت الآخرة، فدار أنت اليها تسير أقرب اليك من دار أنت عنها متباعد؛ يا بني جالس العلماء، وزاحمهم بركبتيك ولا تجادلهم فيمنعوك، وخذ من الدنيا بلاغا، ولا ترفضها تكون عيالا على الناس، وصم صوما يقطع شهوتك، ولا تصم صوما يمنعك من الصلاة لأن الصلاة أحب الى الله من الصيام.

يا بني إنّ الدنيا بحر عميق قد هلك فيها عالم كثير، فاجعل سفينتك فيها الايمان، واجعل شراعها التوكل، واجعل زادك فيها تقوى الله، فان نجوت فبرحمة الله، وان هلكت فبذنوبك.

يا بني ان تأدبت صغيرا انتفعت به كثيراً.

يا بني خف الله خوفا لو اتيت يوم القيامة ببر الثقلين خفت ان يعذبك، وارج الله رجاءا لو وافيت القيامة بذنوب الثقلين رجوت ان يغفر الله لك.

فقال له ابنه: يا ابه وكيف اطيق هذا وإنما لي قلب واحد؟

فقال: يا بني لو استخرج قلب المؤمن فشقّ لوجد فيه نوران: نور للخوف ونور للرجاء، لو وزنا ما رجح أحدهما على الآخر مثقال ذرة.

يا بني لا تركن الى الدنيا ولا تشغل قلبك بها، فما خلق الله خلقا هو اهون عليه منها، الا ترى انه لم يجعل نعيمها ثوابا للمطيعين، ولم يجعل بلاءها عقوبة للعاصين.(18)

7 - ومما اوصى به ابنه:

يا بني إنّ الدنيا بحر عميق هلك فيه بشر كثير، تزود من عملها واتخذ سفينة، حشوها تقوى الله ثم اركب لجج الفلك تنجو وإنّي لخائف ان لا تنجو.

يا بني السفينة ايمان، وشراعها التوكل، وسكانها الصبر، ومجاذيفها(19) الصوم والصلاة والزكاة.

يا بني من ركب البحر من غير سفينة غرق.

يا بني اقلّ الكلام، واذكر الله عز وجل في كل مكان فانه قد انذرك وحذّرك وبصّرك وعلّمك.

يا بني اتعظ بالناس قبل ان يتعظ الناس بك.

يا بني اتعظ بالصغير قبل ان ينزل بك الكبير.

يا بني املك نفسك عند الغضب حتى لا تكون لجهنم حطبا.

يا بني الفقر خير من ان تظلم وتطغى.

يا بني اياك ان تستدين فتخون من الدين.

يا بني اياك أن تستذل فتخزى.

يا بني اياك ان تخرج من الدنيا فقيرا وتدع امرك واموالك عند غيرك قيّما فتصيره اميرا.

يا بني ان الله تعالى رهن الناس باعمالهم فويل لهم مما كسبت ايديهم.

يا بني لا تأمن الدنيا والذنوب والشيطان فيها.

يا بني انه قد افتتن الصالحون من الاولين فكيف ينجو منه الآخرون.

يا بني اجعل الدنيا سجنك فتكون الآخرة جنتك.

يا بني انك لم تكلّف ان تشيل الجبال، ولم تكلّف ما لا تطيقه، فلا تجعل البلاء على كتفك، ولا تذبح نفسك بيدك.

يا بني انك كما تزرع تحصد، وكما تعمل تجد.

يا بني لا تجاور الملوك فيقتلوك، ولا تطيعهم فتكفر.

يا بني جاور المساكين، واخصص الفقراء والمساكين من المسلمين.

يا بني كن لليتيم كالأب الرحيم، وللأرملة كالزوج العطوف.

يا بني إنّه ليس كل من قال: اغفر لي غفر له، إنّه لا يغفر إلاّ لمن عمل بطاعة ربه.

يا بني الجار ثم الدار، يا بني الرفيق ثم الطريق.

يا بني لو كانت البيوت على العجل ما جاور الرجل جار سوء ابدا.

يا بني الوحدة خير من صاحب السوء.

يا بني الصاحب الصالح خير من الوحدة.

يا بني نقل الحجارة والحديد خير من قرين السوء.

يا بني اني نقلت الحجارة والحديد فلم اجد شيئا اثقل من قرين السوء.

يا بني إنّه من يصحب قرين السوء لا يسلم، ومن يدخل مداخل السوء يتهم.

يا بني من لا يكف لسانه يندم.

يا بني المحسن يكافي باحسانه، والمسيء يكفيك مساويه، لو جهدت ان تفعل به اكثر مما يفعله بنفسه ما قدرت عليه.

يا بني من ذا الذي عبد الله فخذله، ومن ذا الذي ابتغاه فلم يجده؟

يا بني ومن ذا الذي ذكره فلم يذكره، ومن ذا الذي توكل عليه فوكله الى غيره، ومن ذا الذي تضرّع اليه جل ذكره فلم يرحمه.

يا بني شاور الكبير ولا تستحي من مشاورة الصغير.

يا بني اياك ومصاحبة الفسّاق، وهم كالكلاب ان وجدوا عندك شيئا أكلوه، وإلاّ ذموك وفضحوك، وإنّما حبهم بينهم ساعة.

يا بني معاداة المؤمنين خير من مصادقة الفاسق.(20)

يا بني المؤمن تظلمه ولا يظلمك، وتطلب عليه فيرضى عنك، والفاسق لا يراقب الله فكيف يراقبك.

يا بني استكثر من الاصدقاء ولا تأمن من الاعداء، فانّ الغلّ في صدورهم مثل الماء تحت الرماد.

يا بني ابدأ الناس بالسلام والمصافحة قبل الكلام.

يا بني لا تكالب الناس فيمقتوك، ولا تكن مهينا فيذلوك، ولا تكن حلوا فيأكلوك، ولا تكن مرّا فيلفظوك.

يا بني لا تخاصم في علم الله فانّ علم الله لا يدرك ولا يحصى.

يا بني خف الله مخافة لا تيأس من رحمته، وارجه رجاءا لا تأمن من مكره.

يا بني انه النفس عن هواها فانك ان لم تنه النفس عن هواها لم تدخل الجنة ولم ترها.

يا بني انك منذ يوم هبطت من بطن امك استقبلت الآخرة واستدبرت الدنيا، فانك ان نلت مستقبلها اولى بك ان تستدبرها.

يا بني اياك والتجبر والتكبر والفخر فتجاور ابليس في داره.

يا بني دع التجبر والكبر ودع عنك الفخر، وأعلم أنك ساكن القبور.

يا بني اعلم أنّه من جاور ابليس وقع في دار الهوان، لا يموت فيها ولا يحيى.

يا بني ويل لمن تجبّر وتكبّر، كيف يتعظّم من خلق من طين والى الطين يعود ثم لا يدري الى ماذا يصير الى الجنة فقد فاز، أو الى النار فقد خسر خسرانا مبينا وخاب؟

يا بني كيف ينام ابن آدم والموت يطلبه، وكيف يغفل ولا يغفل عنه؟

يا بني إنّه قد مات اصفياء الله عز وجل واحباؤه وانبياؤه صلوات الله عليهم فمن ذا بعدهم يخلد فيترك؟

يا بني لا تطأ أمتك ولو اعجبتك وانه نفسك عنها وزوجها.

يا بني لا تفشين سرّك الى امرأتك ولا تجعل مجلسك على باب دارك.

يا بني إنّ المرأة خلقت من ضلع اعوج، إن اقمتها كسرتها، وإن تركتها تعوّجت؛ الزمهن البيوت فان أحسنّ فاقبل احسانهن، وإن اسأن فاصبر إنّ ذلك من عزم الأمور.

يا بني النساء اربعة: اثنتان صالحتان، واثنتان ملعونتان، فامّا احدى الصالحتين فهي الشريفة في قومها، الذليلة في نفسها، التي إن اعطيت شكرت، وإن ابتليت صبرت، القليل في يديها كثير، الصالحة في بيتها. والثانية الودود الولود، تعود بخير على زوجها، هي كالأم الرحيم، تعطف على كبيرهم، وترحم صغيرهم، وتحب ولد زوجها وإن كانوا من غيرها، جامعة الشمل، مرضية البعل، مصلحة في النفس والأهل والمال والولد، فهي كالذهب الأحمر، طوبى لمن رزقها، ان شهد زوجها أعانته، وإن غاب عنها حفظته. وأمّا احدى الملعونتين: فهي العظيمة في نفسها، الذليلة في قومها، التي إن أعطيت سخطت، وإن منعت عتبت وغضبت، فزوجها منها في بلاء، وجيرانها منها في عناء، فهي كالأسد إن جاورته أكلك، وإن هربت منه قتلك. والملعونة الثانية فهي عند زوجها وميلها في جيرانها، فهي سريعة السخطة، سريعة الدمعة، إن شهد زوجها لم تنفعه، وإن غاب عنها فضحته، فهي بمنزلة الأرض النشاشة، إن سقيت أفاضت الماء وغرقت، وإن تركتها عطشت، وإن رزقت منها ولدا لم تنتفع به.
الحلقة الثالثة والأخيرة من قصة لقمان الحكيم علية السلام
يا بني لا تتزوج بأمة فيباع ولدك بين يديك وهو فعلك بنفسك.

يا بني لو كانت النساء تذاق كما تذاق الخمر ما تزوج رجل امرأة سوء ابدا.

يا بني أحسن الى من اساء اليك، ولا تكثر من الدنيا فانك على غفلة منها، وانظر الى ما تصير منها.

يا بني لا تأكل مال اليتيم فتفضح يوم القيامة.

يا بني لا تؤثرن على نفسك سواها، ولا تورّث مالك اعداءك.

يا بني إنّه قد أحصى الحلال الصغير فكيف بالحرام الكثير؟

يا بني اتق النظر الى ما لا تملكه، وأطل التفكر في ملكوت السماوات والأرض والجبال وما خلق الله فكفى بهذا واعظا لقلبك.

يا بني اقبل وصية الوالد الشفيق.

يا بني بادر بعملك قبل أن يحضر اجلك، وقبل ان تسير الجبال سيرا، وتجمع الشمس والقمر.

يا بني إنّه حين تنفطر السماء وتطوى(21) وتنزل الملائكة صفوفا خائفين حافين مشفقين، وتكلّف ان تجاوز الصراط، وتعاين حينئذ عملك، وتوضع الموازين، وتنشر الدواوين.(22)

8 - قال الامام الصادق (عليه السلام): قال لقمان لابنه: اذا سافرت مع قوم فأكثر استشارتك اياهم في امرك وامورهم، وأكثر التبسم في وجوههم، وكن كريما على زادك، وإذا دعوك فاجبهم، وإذا استعانوا بك فأعنهم واغلبهم بثلاث: بطول الصمت، وكثرة الصلاة، وسخاء النفس بما معك من دابة أو مال أو زاد، واذا استشهدوك على الحق فاشهد لهم، واجهد رأيك لهم اذ استشاروك، ثم لا تعزم حتى تثبّت وتنظر، ولا تجب في مشورة حتى تقوم فيها وتقعد، وتنام وتأكل وتصلي وأنت مستعمل فكرك وحكمتك في مشورته، فان من لم يمحض النصيحة لمن استشاره سلبه الله تبارك وتعالى رأيه، ونزع عنه الامانة. واذا رأيت اصحابك يمشون فامش معهم، واذا رأيتهم يعملون فاعمل معهم، واذا تصدقوا واعطوا قرضا فاعط معهم، واسمع لمن هو اكبر منك سنا؛ واذا أمروك بأمر وسألوك فقل: نعم ولا تقل لا، فانّ لا عيّ ولؤم. واذا تحيرتم في طريقكم فانزلوا، واذا شككتم في القصد فقفوا وتوامروا، واذا رأيتم شخصاً واحداً فلا تسألوه عن طريقكم ولا تسترشدوه فانّ الشخص الواحد في الفلاة مريب، لعله أن يكون عينا للصوص...

يا بني اذا جاء وقت الصلاة فلا تؤخرها لشيء وصلّها واسترح منها فانها دين، وصلّ في جماعة ولو على رأس زجّ...

وإن استطعت أن لا تأكل طعاما حتى تبدأ فتتصدق منه فافعل؛ وعليك بقراءة كتاب الله عز وجل ما دمت راكبا، وعليك بالتسبيح ما دمت عاملا، وعليك بالدعاء ما دمت خاليا.(23)

9 - ومن وصية له:

يا بني لا يكن لديك اكيس منك، وأكثر محافظة على الصلوات، ألا تراه عند كل صلاة يؤذّن لها، وبالاسحار يعلن صوته وأنت نائم.

يا بني من لا يملك لسانه يندم، ومن يكثر المراء يشتم، ومن يدخل مداخل السوء يتهم ومن يصاحب صاحب السوء لا يسلم، ومن يجالس العلماء يغنم.

يا بني لا تؤخر التوبة فان الموت يأتي بغتة.

يا بني اجعل غناك في قلبك، واذا افتقرت فلا تحدث الناس بفقرك فتهون عليهم ولكن اسأل الله من فضله.

يا بني كذب من يقول: الشر يقطع بالشر، الا ترى ان النار لا تطفأ بالنار ولكن بالماء، وكذلك الشر لا يطفأ إلاّ بالخير.

يا بني لا تشمت بالمصاب، ولا تعيّر المبتلى، ولا تمنع المعروف فانه ذخيرة لك في الدنيا والآخرة.

يا بني ثلاثة تجب مداراتهم: المريض، والسلطان، والمرأة، وكن قنعا تعش غنيا، وكن متّقياً تكن عزيزا.

يا بني من حين سقطت من بطن امك استدبرت الدنيا واستقبلت الآخرة، وأنت في كل يوم الى ما استقبلت أقرب منك الى ما استدبرت، فتزود لدار أنت مستقبلها وعليك بالتقوى فانه اربح التجارات، واذا أحدثت ذنبا فاتبعه بالاستغفار والندم والعزم على ترك العود لمثله، واجعل الموت نصب عينيك، والوقوف بين يدي خالقك، وتمثّل شهادة جوارحك عليك بعملك، والملائكة الموكلين بك تستحي منهم ومن ربك الذي هو مشاهدك؛ وعليك بالموعظة فاعمل بها فانها عند العاقل احلى من العسل الشهد، وهي على السفيه أشق من صعود الدرجة، على الشيخ الكبير؛ ولا تسمع الملاهي فانها تنسيك الآخرة، ولكن أحضر الجنائز، وزر المقابر، وتذكّر الموت وما بعده من الاهوال فتأخذ حذرك.

يا بني استعذ بالله من شرار ا لنساء وكن من خيارهن على حذر.

يا بني لا تفرح على ظلم أحد بل احزن على ظلم من ظلمته.

يا بني الظلم ظلمات، ويوم القيامة حسرات، واذا دعتك القدرة على ظلم من هو دونك فاذكر قدرة الله عليك.

يا بني تعلم من العلماء ما جهلت، وعلّم الناس ما علمت تذكر بذلك في الملكوت.

يا بني أغنى الناس من قنع بما في يديه، وافقرهم من مدّ عينيه الى ما في ايدي الناس، وعليك يا بني باليأس عما في ايدي الناس، والوثوق بوعد الله، واسع فيما فرض عليك، ودع السعي فيما ضمن لك، وتوكل على الله في كل امورك يكفيك؛ واذا صليت فصل صلاة مودّع تظن ان لا تبقى بعدها ابدا؛ واياك ما تعتذر منه، فانه لا يعتذر من خير؛ وأحب للناس ما تحب لنفسك، واكره لهم ما تكره لنفسك، ولا تقل ما لم تعلم، وأجهد ان يكون اليوم خيراً لك من أمس، وغدا خيرا لك من اليوم، فانه من استوى يوماه فهو مغبون، ومن كان يومه شراً من امسه فهو ملعون، وارض بما قسم الله لك فانه سبحانه يقول: اعظم عبادي ذنبا من لم يرضى بقضائي، ولم يشكر نعمائي، ولم يصبر على بلائي.(24)

10 - واوصى ولده: انك ان غلبت على الدنيا فلا تغلبن على الآخرة، وانه ان فاتك طلب العلم فانك لن تجد تضييعا أشد من تركه.(25)

11 – و اوصى ولده: يا بني اقم الصلاة فان مثل الصلاة في دين الله كمثل عمود الفسطاط، فان العمود اذا استقام نفعت الاطناب والاوتاد والظلال، وان لم يستقم لم ينفع وتد ولا طنب ولا ظلال.(26)

12 – و اوصى ولده: كن عبداً للاخيار ولا تكن ولدا للاشرار، يا بني أدّ الامانة تسلم لك دنياك وآخرتك، وكن امينا تكن غنياً.(27)

13 – و اوصى ولده: يا بني صاحب العلماء وأقرب منهم وجالسهم وزرهم في بيوتهم فلعلك تشبههم فتكون معهم، واجلس مع صلحائهم فربما اصابهم الله برحمة فتدخل فيها فيصيبك، وان كنت صالحا فابعد من الاشرار والسفهاء فربما اصابهم الله بعذاب فيصيبك معهم.(28)

14 – و اوصى ولده: اعلم يا بني اني ذقت الصبر وانواع المر فلم أجد أمرّ من الفقر، فاذا أفتقرت يوما فاجعل فقرك بينك وبين الله، ولا تحدّث الناس بفقرك فتهون عليهم، ثم سل في الناس هل في احد وثق بالله فلم ينجه، يا بني توكل على الله ثم سل في الناس من ذا الذي أحسن الظن بالله فلم يكن عند حسن ظنه به. يا بني من يرد رضوان الله يسخط نفسه كثيراً، ومن لا يسخط نفسه لا يرضي ربه، ومن لا يكظم غيظه يشمت عدوه.

يا بني تعلم الحكمة تُشرّف بها، فان الحكمة تدل على الدين، وتشرّف العبد على الحر، وترفع المسكين على الغني، وتقدّم الصغير على الكبير، وتجلس المسكين مجالس الملوك، وتزيد الشريف شرفاً، والسيد سؤدداً، والغني مجداً، وكيف يظن ابن آدم ان يتهيأ له أمر دينه ومعيشته بغير حكمة، ولن يهيء الله عز وجل أمر الدنيا والآخرة إلاّ بالحكمة، ومثل الحكمة بغير طاعة مثل الجسد بغير نفس، ومثل الصعيد بغير ماء، ولا صلاح للجسد بغير نفس، ولا للصعيد بغير ماء، ولا للحكمة بغير طاعة.(29)

روائع من حياته

وحياة العظماء تتخللها روائع حَرية بالدرس، جديرة بالتتبع، مدعاة الى الاقتباس منها لنستفيد منها في حياتنا العملية، ونأخذ منها الدروس والعبر.

وحياة هذا الحكيم كلها خير وعطاء، وقد مرّ عليك جوانب منها ونضيف اليها مختارات من هذه الحياة الكريمة الحافلة بالحكم والآثار.

1 - ذكر ان مولى لقمان دعاه فقال: اذبح شاة فأتني باطيب مضغتين منها، فاتاه بالقلب واللسان. ثم أمره بذبح شاة فقال له: إئتني باخبث مضغتين منها، فاتاه بالقلب واللسان، فسأله عن ذلك فقال: انهما اطيب شيء اذا طابا، وأخبث شيء اذا خبثا.(30)

2 - وقيل إنّ مولاه دخل المخرج فاطال فيه الجلوس، فناداه لقمان: إنّ طول الجلوس على الحاجة يفجع منه الكبد، ويورث منه الباسور، ويصعد الحرارة الى الرأس، فاجلس هونا وقم هونا.

فكتب حكمته على باب الحش.(31)

3 - روي انه قدم من سفر فلقي غلامه في الطريق.

فقال: ما فعل ابي؟

قال: مات.

قال: ملكت امري.

قال: ما فعلت امرأتي؟

قال: ماتت.

قال: أجدد فراشي.

قال: ما فعلت أختي؟

قال: ماتت.

قال: سترت عورتي.

قال: ما فعل أخي؟

قال: مات.

قال: انقطع ظهري.(32)

4 - قال لقمان في وصيته لابنه ما حاصله: لا تعلق قلبك برضى الناس فانّ ذلك لا يحصل. ثم مثّل له ذلك بان خرج واخرجه معه ومعهما بهيم فركبه لقمان وترك ولده يمشي وراءه، فقال قوم: هذا شيخ قاسي القلب، قليل الرحمة، ثم عكس فاجتاز على جماعة اخرى فقالوا: هذا بئس الوالد، وهذا بئس الولد، أما ابوه فانه ما أدّب ولده، وامّا الولد عقّ والده، فركبا جميعا فقالت أخرى: ما في قلب هذين رحمة، يركبان معا يقطعان ظهر الدابة ويحملانها ما لا تطيق، فتركا الدابة تمشي خالية وهما يمشيان فقالت جماعة: هذا عجيب من هذين، يتركان دابة فارغة ويمشيان، فذموهما على ذلك.

فقال لولده: ترى في تحصيل رضاهم حيلة المحتال، فلا تلتفت اليهم واشتغل برضا الله جل جلاله.(33)

خذ الحكمة

وأنت سلمك الله كن حريصا على كلمة الحكمة اينما وجدتها في كتاب أو صحيفة، أو سمعتها من مذياع أو فم مؤمن أو فاسق.

قال امير المؤمنين (عليه السلام): خذ الحكمة أنّى كانت، فان الحكمة تكون في صدر المنافق فتلجلج في صدره حتى تخرج فتسكن الى صواحبها في صدر المؤمن.(34)

وقال ايضا: الحكمة ضالة المؤمن، فخذ الحكمة ولو من أهل النفاق.(35)

وليس معنى أخذ الحكمة هو حفظها وتدوينها، بل الغاية من ذلك العمل بها، وبدون العمل تكون الحكمة وبالا على صاحبها؛ ألا تسمع قوله تعالى:

{واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فاتبعه الشيطان فكان من الغاوين * ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد الى الأرض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب ان تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ذلك مثل القوم الذين كذّبوا بآياتنا فاقصص القصص لعلّهم يتفكّرون}.(36)

الحسني1
19/12/2008, 11:12 PM
الله يعطيك العافية ويبارك فيك

همسة شوق
20/12/2008, 03:59 AM
http://www.al-qatarya.org/qtr/qatarya_P7q3HgAuE4.gif

المزيونه
20/12/2008, 01:11 PM
تسلم عل المشااااااااركة الرائعـة

فتى الجنوب
20/12/2008, 03:19 PM
الله يعافيك يا الحسني 1 ويبارك فيك ويشرفني مرورك

فتى الجنوب
20/12/2008, 03:20 PM
بارك الله فيك يا همسة شوق ومرورك يشرفني

فتى الجنوب
20/12/2008, 03:21 PM
بارك الله فيك يا امير القلوب ومرورك يشرفني ويسعدني