صقر الجنوب
20/01/2009, 11:39 AM
http://www.okaz.com.sa/okaz/myfiles/authors/abdulahbkhary.jpg
عبدالله يحيى بخاري (http://www.okaz.com.sa/okaz/index.cfm?method=home.authors&authorsID=41)
أوباما الحكيم، وسلفه المكابر
اليوم يبدأ عهد جديد في أمريكا والعالم. اليوم يتم تنصيب باراك حسين أوباما، الرئيس الرابع والأربعين للولايات المتحدة الأمريكية، في أكبر احتفال عرفته أمريكا في تاريخها.
الذي قرأ كتاب أوباما بعنوان جراءة الأمل (THE AUDACITY OF HOPE) والذي كتبه عام 2006م، أي بعد أن أصبح عضو مجلس الشيوخ الأمريكي مباشرة، وأهداه إلى جدته وأمه قائلاً “ إلى جدتي توتو، التي كانت صخرة من الاستقرار طوال حياتي، وإلى أمي التي لاتزال روحها المحبة تدعمني”، يعرف أننا أمام رجل غير عادي.
باراك أوباما ذكي جداً، ولماح جداً، ومثقف جداً، وقارئ نهم وكاتب بليغ، مهذب في حديثه وكتاباته، ومتسامح مع الآخرين، وله دراية جيدة بمختلف الثقافات والأديان، ومتشعب الرؤية، وخفيف الظل والروح، ويحب ممارسة الرياضة ويجيد لعبة كرة السلة، ورب عائلة من الطراز الأول، وكان متفوقاً على أقرانه طوال حياته الدراسية والعملية، وهو ما تحتاجه أمريكا (والعالم) اليوم.
باختصار، باراك حسين أوباما هو عكس سلفه (بوش) ونقيضه في كل شيء، لحسن حظ أمريكا والعالم.
حقيقة نحن أمام رجل غير عادي. فمن قراءاتي لتاريخ أوباما ولما كتبه هو نفسه، أميل إلى الاعتقاد أنه قرر أن يصبح رئيس أمريكا في عام 1984م عندما قام لأول مرة، بعد تخرجه من الجامعة ومع بداية عمله كمنسق اجتماعي في نيويورك، بزيارة البيت الأبيض في عهد الرئيس الأسبق رونالد ريجان، ومعه مجموعة من الطلبة الذين كان معظمهم إما من السود أو من بورتوريكو أو من أصول أوروبية شرقية. وقام بتلك الزيارة لكي يطلب من الرئيس أن يعيد النظر في فكرته لتخفيض المعونات المالية المخصصة للطلبة.
في ذلك الوقت، وعمره لا يزيد عن خمسة وعشرين عاماً، وقف أوباما يتأمل البيت الأبيض من الخارج بعد انتهاء لقاءاته بداخله، وأخذ يفكر كيف أن هذا المبنى الذي يضم الرئاسة الأمريكية بين جدرانه يقع هكذا مباشرة في قلب المدينة وسط جيرانه، وكيف أن هذا المبنى منفتح إلى الخارج ويمكن للجمهور مشاهدة نوافذه ورؤية حدائقه ومداخله دون أي عائق. وأسند أوباما هذه العلاقة العضوية المباشرة بين المواطنين وبين الصرح الذي يمثل قيادة البلاد إلى الثقة القوية في النظام الديموقراطي، وهي إشارة إلى أن قادة البلاد لا يختلفون عن مواطنيهم في شيء، تحكمهم القوانين ويخضعون للرأي الوطني العام.
وعندما عاد أوباما بعد عشرين عاماً إلى واشنطن كعضو مجلس الشيوخ الأمريكي، وجد أن كل شيء قد تغير في عهد بوش الأصغر. فالاقتراب من البيت الأبيض لم يعد بتلك السهولة، وهناك انتشرت حول المبنى نقاط تفتيش، وحرس مدجج بالسلاح، وسيارات مصفحة، ومرايا عاكسة، وكلاب تفتيش، وحواجز أمنية، ولم يعد يسمح بالسير في طريق بنسلفانيا الشهير إلا للسيارات المرخص لها بذلك. وشعر أوباما في تلك اللحظات أن المشهد قد أصبح يلفه الحزن والخوف، وأن شيئاً مهما قد فقد في ذلك المكان.
لا أستبعد أنه في تلك اللحظات الحاسمة في حياته، قرر أوباما أن يسعى للوصول إلى كرسي الرئاسة الأمريكية. وبالرغم من شهرة أوباما بطموحاته الهائلة، إلا أن قراره ذلك لم يكن منبعه الطموح فقط، وإنما اعتقاده بأنه يستطيع أن يعيد لذلك المكان احترامه وهيبته، وتاريخه الذي كان مضيئاً بأحداث عالمية هامة وشخصيات متميزة أثرت في مجريات التاريخ الأمريكي وأحداث العالم في أوقات سابقة، مثل جون وروبرت كندي أثناء أزمة صواريخ كوبا، أو فرانكلين روزفلت وهو يضع آخر لمساته على خطابه للأمة، أو أبراهام لنكولن وهو يحمل على كتفيه عبء الشعب الأمريكي بجميع فئاته.
ومع ذلك، فإن غالبية المحللين والمراقبين يشعرون بالعطف على أوباما، إذ إنه سيرث رئاسة أمريكية ممزقة مشرذمة، لاشيء فيها يعمل. سيواجه أوباما مشاكل لا حصر لها تركها له سلفه بوش، سواء على المستوى القومي الأمريكي أو على المستوى الدولي.
سوف يرث أوباما حربين في العراق وأفغانستان لا نهاية واضحة لهما. وسيرث أيضاً من سلفه الأهوج اقتصاداً منهاراً في بلده وفي العالم كله، وانقساماً داخل المجتمع الأمريكي وعدداً هائلاً من العاطلين عن العمل، وسجون تعذيب أمريكية في جوانتانامو وأخرى سرية في دول كثيرة حول العالم. سيرث أوباما من سلفه الجاهل اتفاقيات دولية عن المناخ وعن العلاقات الدولية والأمن العالمي رفض بوش وعصابته اعتمادها وتوقيعها لأسباب سخيفة. وسيرث أوباما عبء تغيير الصورة القبيحة للرئاسة والسياسات الأمريكية ولأمريكا نفسها التي صبغها بها سلفه الأحمق وإدارته الفاسدة.
المضحك أننا نسمع اليوم أن بوش يهدي نصائحه لباراك أوباما! بالفعل نكتة سخيفة.
فالرئيس السابق المكابر، الذي لا ولم يعترف بأي من أخطائه الكبرى والكثيرة التي أساء بها لأمريكا وللعالم، لا يرغب في أن يريح العالم منه. الأفضل أن يدرس أوباما كل قرارات وأفعال بوش، ثم يعمل بنقيضها وعلى عكسها تماماً، وسوف يحقق بذلك المعجزات.
على أي حال لا خوف على باراك حسين أوباما، فهو رجل حصيف وحكيم، ومن حسن حظ أمريكا أنه أصبح رئيسها الرابع والأربعين.
عبدالله يحيى بخاري (http://www.okaz.com.sa/okaz/index.cfm?method=home.authors&authorsID=41)
أوباما الحكيم، وسلفه المكابر
اليوم يبدأ عهد جديد في أمريكا والعالم. اليوم يتم تنصيب باراك حسين أوباما، الرئيس الرابع والأربعين للولايات المتحدة الأمريكية، في أكبر احتفال عرفته أمريكا في تاريخها.
الذي قرأ كتاب أوباما بعنوان جراءة الأمل (THE AUDACITY OF HOPE) والذي كتبه عام 2006م، أي بعد أن أصبح عضو مجلس الشيوخ الأمريكي مباشرة، وأهداه إلى جدته وأمه قائلاً “ إلى جدتي توتو، التي كانت صخرة من الاستقرار طوال حياتي، وإلى أمي التي لاتزال روحها المحبة تدعمني”، يعرف أننا أمام رجل غير عادي.
باراك أوباما ذكي جداً، ولماح جداً، ومثقف جداً، وقارئ نهم وكاتب بليغ، مهذب في حديثه وكتاباته، ومتسامح مع الآخرين، وله دراية جيدة بمختلف الثقافات والأديان، ومتشعب الرؤية، وخفيف الظل والروح، ويحب ممارسة الرياضة ويجيد لعبة كرة السلة، ورب عائلة من الطراز الأول، وكان متفوقاً على أقرانه طوال حياته الدراسية والعملية، وهو ما تحتاجه أمريكا (والعالم) اليوم.
باختصار، باراك حسين أوباما هو عكس سلفه (بوش) ونقيضه في كل شيء، لحسن حظ أمريكا والعالم.
حقيقة نحن أمام رجل غير عادي. فمن قراءاتي لتاريخ أوباما ولما كتبه هو نفسه، أميل إلى الاعتقاد أنه قرر أن يصبح رئيس أمريكا في عام 1984م عندما قام لأول مرة، بعد تخرجه من الجامعة ومع بداية عمله كمنسق اجتماعي في نيويورك، بزيارة البيت الأبيض في عهد الرئيس الأسبق رونالد ريجان، ومعه مجموعة من الطلبة الذين كان معظمهم إما من السود أو من بورتوريكو أو من أصول أوروبية شرقية. وقام بتلك الزيارة لكي يطلب من الرئيس أن يعيد النظر في فكرته لتخفيض المعونات المالية المخصصة للطلبة.
في ذلك الوقت، وعمره لا يزيد عن خمسة وعشرين عاماً، وقف أوباما يتأمل البيت الأبيض من الخارج بعد انتهاء لقاءاته بداخله، وأخذ يفكر كيف أن هذا المبنى الذي يضم الرئاسة الأمريكية بين جدرانه يقع هكذا مباشرة في قلب المدينة وسط جيرانه، وكيف أن هذا المبنى منفتح إلى الخارج ويمكن للجمهور مشاهدة نوافذه ورؤية حدائقه ومداخله دون أي عائق. وأسند أوباما هذه العلاقة العضوية المباشرة بين المواطنين وبين الصرح الذي يمثل قيادة البلاد إلى الثقة القوية في النظام الديموقراطي، وهي إشارة إلى أن قادة البلاد لا يختلفون عن مواطنيهم في شيء، تحكمهم القوانين ويخضعون للرأي الوطني العام.
وعندما عاد أوباما بعد عشرين عاماً إلى واشنطن كعضو مجلس الشيوخ الأمريكي، وجد أن كل شيء قد تغير في عهد بوش الأصغر. فالاقتراب من البيت الأبيض لم يعد بتلك السهولة، وهناك انتشرت حول المبنى نقاط تفتيش، وحرس مدجج بالسلاح، وسيارات مصفحة، ومرايا عاكسة، وكلاب تفتيش، وحواجز أمنية، ولم يعد يسمح بالسير في طريق بنسلفانيا الشهير إلا للسيارات المرخص لها بذلك. وشعر أوباما في تلك اللحظات أن المشهد قد أصبح يلفه الحزن والخوف، وأن شيئاً مهما قد فقد في ذلك المكان.
لا أستبعد أنه في تلك اللحظات الحاسمة في حياته، قرر أوباما أن يسعى للوصول إلى كرسي الرئاسة الأمريكية. وبالرغم من شهرة أوباما بطموحاته الهائلة، إلا أن قراره ذلك لم يكن منبعه الطموح فقط، وإنما اعتقاده بأنه يستطيع أن يعيد لذلك المكان احترامه وهيبته، وتاريخه الذي كان مضيئاً بأحداث عالمية هامة وشخصيات متميزة أثرت في مجريات التاريخ الأمريكي وأحداث العالم في أوقات سابقة، مثل جون وروبرت كندي أثناء أزمة صواريخ كوبا، أو فرانكلين روزفلت وهو يضع آخر لمساته على خطابه للأمة، أو أبراهام لنكولن وهو يحمل على كتفيه عبء الشعب الأمريكي بجميع فئاته.
ومع ذلك، فإن غالبية المحللين والمراقبين يشعرون بالعطف على أوباما، إذ إنه سيرث رئاسة أمريكية ممزقة مشرذمة، لاشيء فيها يعمل. سيواجه أوباما مشاكل لا حصر لها تركها له سلفه بوش، سواء على المستوى القومي الأمريكي أو على المستوى الدولي.
سوف يرث أوباما حربين في العراق وأفغانستان لا نهاية واضحة لهما. وسيرث أيضاً من سلفه الأهوج اقتصاداً منهاراً في بلده وفي العالم كله، وانقساماً داخل المجتمع الأمريكي وعدداً هائلاً من العاطلين عن العمل، وسجون تعذيب أمريكية في جوانتانامو وأخرى سرية في دول كثيرة حول العالم. سيرث أوباما من سلفه الجاهل اتفاقيات دولية عن المناخ وعن العلاقات الدولية والأمن العالمي رفض بوش وعصابته اعتمادها وتوقيعها لأسباب سخيفة. وسيرث أوباما عبء تغيير الصورة القبيحة للرئاسة والسياسات الأمريكية ولأمريكا نفسها التي صبغها بها سلفه الأحمق وإدارته الفاسدة.
المضحك أننا نسمع اليوم أن بوش يهدي نصائحه لباراك أوباما! بالفعل نكتة سخيفة.
فالرئيس السابق المكابر، الذي لا ولم يعترف بأي من أخطائه الكبرى والكثيرة التي أساء بها لأمريكا وللعالم، لا يرغب في أن يريح العالم منه. الأفضل أن يدرس أوباما كل قرارات وأفعال بوش، ثم يعمل بنقيضها وعلى عكسها تماماً، وسوف يحقق بذلك المعجزات.
على أي حال لا خوف على باراك حسين أوباما، فهو رجل حصيف وحكيم، ومن حسن حظ أمريكا أنه أصبح رئيسها الرابع والأربعين.