تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : دار السوق”.. تراث الباحة المعماري الذي ضيّعه الركض وراء الحياة المعاصرة


صقر الجنوب
15/02/2009, 04:25 PM
دار السوق”.. تراث الباحة المعماري الذي ضيّعه الركض وراء الحياة المعاصرةيتفاوت المعمار في الدور والمساكن من عصر إلى آخر.. فكل نمط من أنماط هذا المعمار يكشف بجلاء عن الأساليب التي اتبعها الإنسان في تشييد مسكن له يوفّر له الغاية من متطلبات المنزل من حيث توفير الراحة والأمان والرفاهية ما أمكن ذلك؛ غير غافل في ذلك النسق الجمالي الدال على قدرته الإبداعية، فإذا كان الإنسان المعاصر قد ذهب بعيدًا بالحفريات إلى اكتشاف هذه الآثار القديمة المتمثلة في الدور والمساكن وغيرها، فإنه من الأولى والأجدر به أن يحافظ على القائم منها والشاخص على وجه الأرض، ولعل هذا ما حدث فعلاً مع المنازل القديمة في منطقة الباحة؛ فإطلالتها تفرض على أبناء الجيل الحالي الوقوف عند تصاميمها وسحر بنائها اكتشافًا لسر تعب الأجداد في تأمين المأوى لهم ولمن يعولون. حيث انتظمت هذه الدور بعض العناية قدر مستطاع من قاموا بذلك، وإن بقى مجهود كبير لتعود لهذه الدور القديمة سيرتها الأولى لكي تحفظ بوصفها من التراث الحري بالمحافظة والاهتمام.
فالمتأمل لتلك المنازل يقف وقفة إعجاب ودهشة في ذات الوقت؛ فهو يعجب بكفاح الأجداد وتعبهم وقوة بأسهم، ويستغرب كذلك من شدة أولئك الأجداد الذين طوعوا تلك الصخور الكبيرة لتكون مأوى لهم، ولم تكن معاناة القدماء بالهينة ولم تكن أيضًا حياتهم بالبسيطة؛ لهذا تجد أغلب الكبار الذين عاشوا معاناة الكفاح والعمل لا زالوا بكامل صحتهم وبوافر قواهم البدنية والعقلية لا لشيء سوى لأنهم مارسوا الرياضة الجبرية دون أن يعلموا عنها، حيث كانت متطلبات الحياة آنذاك تفرض عليهم أن يعتادوا الأعمال الشاقة والحرف المتعبة.
100 سنة في سجل التاريخ
وقد استطاع أهالي “دار السوق” إحدى القرى الواقعة بمحافظة بلجرشي من ترميم تلك المباني القديمة والاهتمام بها بعد أن هجرها أهلها وانتقلوا إلى المخططات السكنية الجديدة أو إلى مدن المملكة بغرض العمل ومزاولة التجارة.
وهذا ما يؤكده أبو أحمد البحيري أحد أبناء “دار السوق” في إشارته إلى أن هذه الآثار “ترجع لأجداد أجدادنا، وهذه البيوت قد هجرها أصحابها منذ سنين، وبقيت خاوية على عروشها، وأبوابها الخشبية مغلقة لم تفتح منذ ذلك الحين”.
وشاطره الرؤية عبدالخالق الغامدي كاشفًا عن طريقة بناء المنزل من الخارج بقوله: بناء هذه المنازل يعود لأكثر من 100 سنة حسب ما أخبرنا به من أجدادنا، فكما ترون بأنها مبنية من الحصى الكبير، وهي مرصوصة فوق بعضها البعض بشكل لا يستطيع الإنسان العادي أن يبني مثلها؛ بل لا بد لها من خبرة في نوعية الحصى المستخدم في البناء، كما أن أسقف هذه البيوت مؤلّفة من جذوع الأشجار الكبيرة مصبوب فوقها كمية كبيرة من الطين واللبِن حتى لا تسمح بمرور مياه الأمطار من خلالها، بجانب أن أبوابها مصنوعة من أخشاب الأشجار السميكة ومطلية في الغالب بالقطران للمحافظة على صلابتها وقوتها، أما وجدرانها من الداخل فمغطاة بطبقة سميكة من الطين واللبن.
والغريب في الأمر أن هذه الجدران وما تحتويه من طين تكون بمثابة المكيفات لأننا ولأول وهلة من دخولنا لهذه البيوت المهجورة شعرنا بالبرد رغم أننا في وقت الظهيرة.
جحود الأهالي
من جانبه أوضح نائب رئيس المجلس البلدي بمحافظة بلجرشي علي بردان أن “دار السوق”، أو “دار الضلع” تقع قلب المنطقة الإدارية المركزية لمحافظه بلجرشي، فهي حاضرة بلجرشي منذ القدم، وتحتضن سوق السبت الشهير الذي كان القلب النابض التجاري للجزء الجنوبي من سهل السراة الغامدي الذي كان يفد للتسوق فيه أهل السراة وتهامة والبادية؛ ومنهم أهل بيشة.
ويتابع بردان مضيفًا: تتكون المنطقة من أربع قرى هي: قرية العوذة وقرية السلمية وقرية الغازي وقرية الركبة؛ وقد تفرعت من “دار السوق” قرى كثيرة مثل البركة والحصن والصقاع، وهي بسوقها العملاق ضاربة في القدم تاريخيًّا، حيث يرجع تاريخها إلى الهجرة العربية بعد انهيار سد مأرب، وقد برع أهلها في التجارة، فقد كانوا يجلبون البضائع بأنواعها وأشكالها المختلفة من الهند عن طريق ميناء عدن على بحر العرب، ومن إفريقيا عن طريق ميناء القنفذة على البحر الأحمر، وكذلك من مدن الحجاز عن طريق القوافل البرية، كما كانت تحتضن كثيرًا من العلماء الذين تلقوا العلم عن يد علماء اليمن، وقد تميز أهلها بحصافة الرأي والمشورة الصائبة؛ فقد كان مجلس القبيلة يعقد في “دار الضلع” هذه، حيث يتوافد إليها أهل العقد والحل من القبيلة وغيرهم لعقد مجالس المشورة، وتصريف أمور السوق وأمور القبيلة، كما كانت هناك مجالس رسمية في هذه الدار لعقادة السوق (مراقبي السوق والمكاييل والموازين وعقود السوق)، وأهل الحسبة وغيرهم، وقد كان لسوق السبت سور له ثلاثة بوابات لحفظه وحفظ ممتلكات الناس وتأمينها وعدم التعدي عليه، وقد هدم قديمًا، وكانت منازل “دار السوق” شامخة بأهلها الذين كانوا يختارون لبنائها أمهر الصنائعيين وأغلى المواد وأنفسها من الأحجار والأخشاب وغيرها، والسبب لهذه العناية هو الثراء الذي تميز به أهل هذه الدار، والسبب الأهم أنها كانت واجهة السوق والوافدين من المتسوقين، ومقرًّا لأهل الرأي والحجى، وهذا ما أهّلها في العقد القريب من استضافة معظم الإدارات الحكومية عندما نقل مركز الإمارة من الظفير إلى بلجرشي بأمر جلالة الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه-، وبعد الأمر بنقل مركز الإمارة إلى الباحة نزح معظم تجار وأثرياء بلجرشي إلى المدن الرئيسية لتوسيع تجارتهم وتطويرها مما نتج عنه خلو “دار السوق” وسوقها من أهلها الأصليين؛ تاركين خلفهم البيوت والسيح والرباع، وكنتيجة لتركها وعدم العناية بها دب فيها النخر والخراب فتصدعت جدرانها، وتداعت سقوفها، وزعزعت نوافذها وأبوابها، وطالتها أيدي العابثين، حيث أخليت من مقتنياتها التراثية، وعبث بمقدراتها العابثون، ووجدت العمالة السائبة فيها خير ملاذ للسكن والتخفي فتهدّمت معظم منازلها وآثارها في غياب تام من ملاكها، وعدم العناية بها وبنظافتها من البلدية، وعدم حمايتها من الجهات الأمنية، وكان للصوص نصيب الأسد من مقتنياتها التراثية والأثرية، كما أن للتحضر والمنازل الحديثة باعا طويلا في عدم التفكير في العودة إلى تلك المنازل ناهيك عن الهجرة الجماعية التي تعاني منها منطقة الباحة بعمومها من أجل العلم والعمل والتجارة والصحة والماء، كما كان لسوء تخطيط البلدية بعدم إمضاء بعض الشوارع من داخل الدار ولعدم التطوير والتخطيط الأثر المدمر لهذه الدار، ومما زاد الطين بلّة عدم مطالبة الأهالي بالتطوير والإلحاح على المسؤولين بذلك؛ فلا تجديد ولا تطوير ولا محافظة على المنازل القديمة، ولا عناية بما بقي منها، فأهلها يتنعمون في الثراء في مناطق أخرى ولا همّ لهم ولا تفكير فيها، علمًا بأن لها عليهم وعلى من كان قبلهم أفضالاً لا تحصى ولا تعد فهي مسقط رؤوسهم ومعاشهم وترعرعهم وتعلمهم وصباهم، ولها عليهم حق البر وصرف معشار أموالهم عليها، فقد خرج منها العلماء وكبار موظفي الدولة في شتى القطاعات، وأساتذة الجامعات، والتجار، ورجال الأعمال الكبار.. فالأمل معقود في البلدية في القيام بتطوير هذه الدار والاستفاده منها.

المزيونه
15/02/2009, 04:27 PM
ومما زاد الطين بلّة عدم مطالبة الأهالي بالتطوير والإلحاح على المسؤولين بذلك؛ فلا تجديد ولا تطوير ولا محافظة على المنازل القديمة، ولا عناية بما بقي منها، فأهلها يتنعمون في الثراء في مناطق أخرى ولا همّ لهم ولا تفكير فيها،

هذا اللي يقهر