تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : منصور الخريجي في حوار «جلد الذات»


صقر الجنوب
13/03/2009, 07:06 PM
لم أفرد ريشي في المراسم الملكية.. منصور الخريجي في حوار «جلد الذات» لـ «عكاظ»:
نضجت متأخرا وأخطأت في حق نفسي وأضعت فرصاً لم تتهيأ لأحد


http://www.okaz.com.sa/okaz/myfiles/2009/03/13/b40-big.jpg (javascript: newWindow=openWin('PopUpImgContent20090313263829.h tm','OkazImage','width=600,height=440,toolbar=0,lo cation=0,directories=0,status=0,menuBar=0,scrollBa rs=0,resizable=0' ); newWindow.focus())
حــــوار : بــــدر الغانمـــي
لم تكن محاور هذا اللقاء معدة بشكل نموذجي سلفا، فقد ذهبت لمنزل الشيخ منصور الخريجي نائب رئيس المراسم الملكية سابقا، وأنا متخوف من ممارسة
التكرار مع رجل حاورته أكثر من مرة. نقلت له هذه المخاوف كأنني أستجديه ليفك الأقفال الموصدة لأربعة عقود من العمل جنبا إلى جنب مع ملوك ورؤساء العالم، اتفقنا على التحدث ببساطة ودون تكلف، ولعلني وفقت في استخدام مفتاح السؤال الأول ليبدأ حوارنا بشكل غير عادي ومفاجئ لي، فانسابت هذه الإجابات الاستثنائية عندما سألته مازحا:

• ألم تطمح معالي الشيخ للعمل في مجال آخر بدل البقاء في منصب الرجل الثاني في المراسم لأكثر من أربعين عاما؟
ومن لا يطمح في ذلك يابدر؟
• ولماذا لم نرك وزيرا أو سفيرا مثلا؟
سأقول لك شيئا لم أقله من قبل، وهو أنني اتخذت قرارات كثيرة خاطئة وعشوائية ولم أكن أفكر فيها بعقلانية.
• قرارات متهورة؟
تقدر تقول غبية.
• هذا جلد للذات؟
أبدا لن أجامل نفسي كما كنت أفعل في السابق، فقد أخطأت في حق نفسي كثيرا.
• مثل ماذا؟
أشياء في حياتي الوظيفية في المراسم اتخذت فيها قرارات خاطئة بالنسبة لمستقبلي، واكتشفت أن هناك رجالا ينضجون في وقت متأخر وأنا واحد منهم.
• لهذه الدرجة؟
نعم فأنا لغاية الأربعينيات أو الخمسينيات لم أكن ناضجا وقد جاءتني فرص لم تكن تتهيأ لكثير من الناس ومع ذلك لم أحسن استغلالها.
• رفضتها أملا في شيء أفضل؟
اخترت خيارات أخرى في نفس المجال.
• بمعنى أنك نادم عليها الآن؟
دعنا نقول أن كل انسان يلقى ماكتب الله له وأنا أقولها بحق ولا ألوي الكلام ولا أدعيه.
• لماذا تكون الكلمات حبيسة عندما نتكلم عن المراسم الملكية؟
لا، ليست حبيسة ولكن الفرص لا تأتي إلا مرة واحدة وأنا كنت أعمل إلى أن استحققتها لكنني لم أحسن اغتنامها فقط.
• جاءتك الفرصة لتكون سفيرا؟
السفارة من الأشياء التي اعتذرت عنها.
• تقصد الوزارة إذن؟
نعم، جاءتني الفرصة أن أكون بمرتبة وزير.
• تعتقد أنك كنت سببا في عدم وصولك لرئاسة المراسم الملكية؟
أقولها بكل صراحة كان بالإمكان أن أكون رئيسا للمراسم ولكن بسببي أنا لم يحدث هذا الأمر.
• لكن المراسم غيرت مسارك المهني كليا؟
غيرت حياتي بشكل كامل.
• للأفضل أم للأسوأ؟
من حيث الظهور وخدمة القيادة فقد كانت شرفا كبيرا لا يحصل لأي شخص، ومن هو الذي تأتيه هذه الفرصة ليخدم مع أربعة ملوك ويتردد؟ لكنني أتحدث عن حنيني الدائم للجامعة والتدريس والحياة الأكاديمية.
• تستطيع أن تعوض هذا الجانب الآن بعد التقاعد؟
الآن لا أستطيع، وأحتاج العودة إلى قراءة عشرات الكتب لأستعيد ذاكرتي الأكاديمية.
• تقصد أن تقول إنك «مشتري دماغك» هذه الأيام؟
لا.. ولكن المهمة عمليا أصبحت شبه مستحيلة، كما أنني على أية حال لم أكن مستعدا للقيام بأي عمل منتظم بعد التقاعد.
الترجمة
• عندما دخلت الديوان لأول مرة، من كان يقوم بالترجمة؟
الأستاذ عبد العزيز الماجد واستمر فترة بعد قدومي نائبا لرئيس المراسم الملكية آنذاك السيد أحمد عبد الوهاب، ولكنني أخذت منه موضوع الترجمة مباشرة.
• الترجمة لمن كانت تتبع؟
الترجمة تتبع المراسم الملكية وليس الديوان، ولكنها لم تكن قاعدة متبعة في كل الدول، فأحيانا المترجم يكون تابعا لرئيس الديوان، وفي أحيان أخرى يكون رئيس المراسم تابعا لشخص أعلى منه كرئيس الديوان مثلا، وأحيانا يكون مستقلا، ولكن منذ أن أنشئت المراسم الملكية في عهد الملك فيصل استقل السيد أحمد عبد الوهاب بها وطبع بصمته عليها بأسلوب إدارته لها وظلت كذلك حتى الآن.
• وهل للمترجم دور في المقابلات الرسمية عدا الترجمة ؟
المترجم ليس جزءا من المقابلة، أنت فقط تترجم وليس لك من الأمر شيء.
• هل بلغت بهذا الشيء؟
هذا أمر بدهي لا يحتاج إلى تبليغ، فأنا لم أكن مستشارا في الديوان لكي أشترك في المحادثات مثلا، كنت أشبه بجهاز التسجيل يدخل الكلام بالإنجليزي ويخرج بالعربي وبالعكس.
• كونك جديدا على طبيعة العمل في الديوان الملكي بما له من خصوصية لا بد أن تستمع إلى تعليمات معينة؟
هناك دائما أناس يساعدونك، وأنا مازلت أحمل العرفان لرجلين: أولهما السيد عمر السقاف يرحمه الله الذي كان يعزني ويقف معي ويحبني محبة كبيرة.
• بينكم معرفة من قبل؟
أبدا.. لكن لأنني من المدينة المنورة ومعرفته السابقة بعائلة الخريجي.
• والشخص الثاني؟
الشيخ محمد النويصر الله يعطيه الصحة كان أيضا داعما لي باستمرار خصوصا في الفترات الأولى من تجربتي في الديوان.
• لا شك أنك كنت متخوفا في الأيام الأولى؟
شعرت بالتخوف، ولكن يا ويلك عندما يظن أحد من الكبار أنك بدأت «تربي ريش» فوقتها تختلف الأمور.
• ولذلك بقيت مستكينا؟
من قال لك ذلك؟.. أنا من طبعي لم أكن مستكينا ولكنني في نفس الوقت لا أحب أن أفرد ريشي على أحد، ويعلم الله أنني في كل حياتي لم أهدد أحدا، خصوصا أنني كنت الرجل الثاني في المراسم وأنت تعلم أن المركزية لدينا في كل شيء، فرئيس المصلحة في الوزارة مثلا هو صاحب القرار، فإما أن يعطي الصلاحية أو التفويض أو لا يعطي، وكنت أتمنى وما أزال أن أعيش في سلام وود مع الآخرين.
• بمعنى أنك افتقدت أصدقاء المنصب حاليا؟
أول مادخلت الديوان شعرت أن هناك أناسا يحبونني بدون سبب، ولكن هذه المشاعر تغيرت في الأيام الأخيرة قبل تركي المراسم، ولا أدري هل صدر مني شيء يفسره البعض خطأ.
الشعور بالخوف
• ما الذي تتطلبه وظيفة مترجم في المراسم الملكية؟
الترجمة ببساطة موهبة، وفي مثل هذا المجال الذي عملت فيه تحتاج فقط إلى أن تتمالك نفسك وتتمتع برباطة جأش مع الملوك والرؤساء، ولا بد أن تكون الترجمة نصية، وهي مسؤولية ضخمة وليست سهلة، وليس كل من يعرف لغة يستطيع أن يترجم، وأتذكر أنهم أحضروا للملك فيصل عدة مترجمين ولكنهم لم يوفقوا.
• قالوا إنهم كانوا خائفين من رهبة الموقف؟
لم يكن الخوف فقط، فأنا أعرف واحدا منهم لم يكن خائفا ولكنه لم يستطع أن يترجم.
• ألم تشعر معاليكم بنفس الموقف؟
ومن لا يشعر بذلك، فقد كان للملك فيصل حضور طاغ.
• كان يرحمه الله يتحدث الإنجليزية؟
كان يفهم ما أترجمه وفي أكثر من مناسبة كنت أقول كلمة بالإنجليزية غير التي يعنيها فكان يعيدني حتى أقع على ما يريد.
• وكذلك الملك فهد يرحمه الله؟
كان يفهم الإنجليزية جيدا.
• كم كنت تتقاضى مقابل هذه الترجمة في البداية؟
ولا قرش.. وظللت أعمل لمدة عام بعد عودتي من أمريكا عام النكبة العربية 1967م، ولم يخطر على بالي أن أطلب منهم أي شيء فقد كنت موظفا في جامعة الملك سعود ولي راتب شهري، وكنت أذهب إذا احتاجوني للترجمة ثم أعود إلى الجامعة، ثم انضممت بعد ذلك إلى الديوان كمترجم.
• انتقلت إلى الديوان وترقيت من مترجم إلى ماذا بعد ذلك؟
الترقي في المراسم لم يكن من درجة إلى درجة ولكن بحسب سنوات الخدمة وكان مسماي الوظيفي (مترجما) ثم أصبحت نائبا لرئيس المراسم الملكية في عهد الملك خالد بعد تقاعد الأستاذ عبد العزيز الماجد.
• هل كنت مترجما لما دار بين الشهيد الملك فيصل يرحمه الله ووزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر بعد قطع المملكة إمدادات النفط عن أمريكا في حرب 73م؟
ترجمت له بعض اللقاءات ولكن هذا الحوار بالذات لم أكن مترجما فيه لأن كيسنجر كان يأتي في معظم زياراته برفقة مترجميه وأبرزهم عيسى خليل صباغ وكان حريصا على هذه المسألة.
• علاقتك بالضيوف الذين ترجمت لهم؟
لا علاقة لي مع أحد لا بشكل ودي ولا خلافه، فالمترجم يجلس في الخلف ولا يعلم به أحد، ولكن هناك حادثة لطيفة حدثت في أول أيام ترجمتي مع الملك فيصل، فقد جاء وزير أمريكي، ومن عادة الأمريكان أنهم يقدمون معلومات تعريفية عن الأشخاص المتوقع وجودهم في لقاء الوزير ويبدو أنهم أعطوه فكرة عن المترجم، وأنا كنت في أول أيام شبابي فترجمت اللقاء وخرجت إلى الصالة، ففاجأني الوزير الأمريكي بأن سلم علي بحرارة وقال لي: ترجمتك ممتازة وأنا لا أستغرب ذلك من رجل خدم مع ثلاثة ملوك، فعرفت أنه كان يقصد الشيخ عبد العزيز الماجد الذي خدم مع الملك عبد العزيز والملك سعود والملك فيصل يرحمهم الله جميعا، ففرحت بهذا الإطراء في تلك اللحظة وشكرته ولم أصحح له المعلومة لكيلا يذهب ذلك الاحتفاء بي سدى.
• ومتى غضب عليك أحد في المراسم؟
لا أذكر شيئا محددا، إلا ما كان يحدث من أخطاء إنسانية بسيطة أثناء وجود الضيوف، كأن تعمل ترتيبا معينا فتفاجأ بشيء آخر، وهذه أشياء تحدث لا تؤثر في العمل الرئيسي.
• وموقف أضحكك من أحد الملوك؟
جاءنا الرئيس الصومالي الراحل محمد زياد بري في إحدى المرات ومعروف عنه حبه للاجتماعات الطويلة، وأتذكر أنه كان مجتمعا مع الملك فهد في إحدى الزيارات إلى ما بعد منتصف الليل، وكنا نجلس في القاعة الخارجية في انتظار انتهاء الاجتماع، ففوجئنا بالملك فهد يخرج من القاعة فسأله أحدنا: خلاص انتهينا طال عمرك، فرد ضاحكا: مازلنا في الألف الأولى.
• لحظة لا تنساها طيلة سنوات عملك في المراسم؟
اللحظة الرهيبة التي هزت البلد هي اغتيال الملك فيصل يرحمه الله، فقد كنت موجودا في الديوان ورأيت كل شيء، وهي لحظة أشبه بقيام القيامة، ولم يمر علي في حياتي حتى الآن لحظة رهيبة مثلها، وأشعر دائما كأنها كابوس أو حلم مزعج كلما تذكرتها.
• ومن جاء بعدك مترجما؟
خالد العناني وأحمد القرشي وقد عايشا الوضع واعتادا على الإجراءات.
• هذه اللحظات التي عاشها شخص مقرب مثلك مع أربعة ملوك وقادة صنعوا التاريخ، ألا تستحق أن تكتب؟
إن كنت تقصد الأشياء التي قيلت أثناء الترجمة فهذه لو فرضنا أنني سأخون الأمانة وأتحدث عنها فلم يبق منها في رأسي شيء.
• تعتبرها خيانة؟
طبعا وأنا مؤتمن عليها كأسرار عمل.
• ألا يمكن أن ينشر منها أي شيء؟
ما نتحدث فيه الآن جزء من هذا الإفشاء المسموح به.
• نحن بالكاد نلامس الحدود؟
إن أعجبتكم انشروها للقراء.
• على العموم الفرنسيون يعتبرون الترجمة خيانة وليست إبداعا أدبيا؟
هي خيانة لو وافقت على ما تريده من أسرار.
القرار 242
• موقفك من (ال) في نص القرار الدولي 242 والانسحاب من أراض احتلتها إسرائيل؟
الرجل الذي وضع هذه الترجمة بريطاني وقد التقيته شخصيا في الرياض بعد انتهاء أحد الاجتماعات وسألته فقال إنه لم يضع (ال) وإنما حذفها لأنها تغير المعنى والفارق أن (ال) تعين الشيء فتكون (الأراضي التي احتلت)، بينما حذفها يجعل المعنى (أراض احتلت) وقد حاول تمييع إجابته وراوغني في تفسيرها.
• وهل حصلت معك أشياء شبيهة بهذه الـ(ال) في ترجمتك للملوك؟
كثيرا، وكان بعض الموجودين أثناء اللقاءات ممن يفهمون الإنجليزية ينبهونني إلى ذلك، وهذه من الأمور التي تحصل مع أي مترجم مهما كان جيدا في اللغتين، ولعل من الغريب أنني عدت بعد خمس سنوات من إكمال دراستي في الولايات المتحدة الأمريكية وكانت الإنجليزية أسهل عندي من العربية.
• مع أن زوجتك كانت برفقتك هناك؟
الكل تأثر بالأجواء هناك، فكل الكتب والروايات والصحف بالإنجليزية، والحقيقة أنني إلى الآن وبشكل لا إرادي تجدني أقول كلمة بالإنجليزية مع أنه كان بالإمكان أن أنطقها بالعربي.
• ليس بالأمر المعيب؟
أنا ضد هذا الأمر، وأعيب جدا على الشعوب العربية والأشخاص الذين يتبعون هذه الطريقة خصوصا في مصر، حيث يعشقون تقليد اللغة الإنجليزية حتى في لافتات المحلات التجارية وقد سعدت بعدة تحقيقات نشرتها مجلة «صباح الخير» وحاولت أن أتصل على كاتبة الموضوع لأشكرها، بل إنني وجدت هذه المشكلة في أحد فنادق المدينة المنورة المجاورة للحرم فهم لا يردون إلا بالإنجليزية فاستفسرت عن ذلك فقالوا لي: إنها سياسة الفندق العالمية.. تصور أننا ننحي لغة القرآن عن التخاطب ونحن نجاور الحرم النبوي الشريف، أي تقليد محزن تعيشه لغتنا المجيدة!
بيت الخريجي
• الغريب أنك من أهل المدينة ولكم بيت مشهور فيها وتسكن في فندق؟
سؤالك هذا لو قرأته (أم نزار) لقلبت الدنيا على رأسي، فهي لا تنفك تكرر على مسامعي دائما ضرورة أن يكون لنا بيت في المدينة المنورة، وزوجتي لأنها ولدت هناك وعاشت طفولتهاوصباها في بيت الخريجي الشهير وهي أول حفيدة للشيخ عبد العزيز الخريجي صاحب بيت الخريجي الذي هدم على يد أهله بسبب قرار سيئ، فقد كان يمكن أن يبقى هذا البيت لمئات السنين ويتحول إلى متحف لأنه يمثل بيوت المدينة المنورة القديمة ببنائه المصنوع من الحجر وتميز موقعه في شارع العنبرية بجوار مسجد الغمامة ولكنه تحول إلى أرض جرداء.
• بخلاف انتقالك من منزلك السابق في حي الخالدية إلى حي المرجان حاليا، ما المشاريع الجديدة التي تعمل عليها الآن؟
أنا لا أفكر في مشاريع حاليا، وأعترف أنه يأتي وقت يركن فيه الإنسان إلى حياة هادئة، حتى السفر لم أعد أحبه كما كنت في السابق، وأحيانا يصل بي الحال بحثا عن الهدوء لدرجة أن أنقلب على أبنائي وبناتي إذا علا ضجيج الأحفاد من حولي (وهم أحب الناس إلى نفسي) أن يغادروا وأقول لهم: خلاص شيلوا أولادكم وروحوا عني.
• هذا جزاء أنهم يدلعونك في البيت؟
والله كلامك صحيح هم يدلعونني فعلا وأنا أشكر الله سبحانه وتعالى أن عوضني بأبنائي وبناتي وزوجات أولادي الذين يعطونني من الحب الشيء الكثير، لدرجة أنني في أحيان كثيرة أطلب شيئا ما فأجد أكثر من شخص بادر بالقيام بذلك، وهذه نعمة تثلج الصدر، خصوصا عندما ترزق أبناء رضيين في والديهم مثل أبنائي.
• يبدو أنك ما زلت متأثرا بفترة الحرمان في صغرك من هذا الدلال؟
بالتأكيد، ولذلك أتدلع عليهم بطريقتي خصوصا عندما يأتون لي بالشاي الكيني الذي أحبه، وقد اعتادوا على طقوسي الخاصة بطريقة صبه وتحليته وتقديمه وأصبح جميع الأحفاد يعرفونها في البيت.
• هل تجدها فرصة هذه الأيام لدخول المطبخ؟
لا، أنا آكل أي شيء، فيما زوجتي مشكلتها وهاجسها أن تجد إجابة للسؤال اليومي، ماذا تريد أن تأكل؟
• وأوقات النوم؟
اعتدت على القراءة والسهر، فالنوم لا يأتي إلا بعد صلاة الفجر.
• آخر ما قرأت؟
أقرأ بدون قيود أو التزامات محددة، فأحيانا كثيرة أقرأ أربعة كتب في وقت واحد، أشعر أنني مستمتع أكثر بالتنقل من حديقة إلى أخرى، فمثلا الآن أقرأ مذكرات المرحوم عبد الله بلخير ومعها كتاب عبقريات العقاد وهكذا.
بيئة غير مشجعة
• رغم حبك للقراءة، لكنك لا تحضر معارض الكتاب وآخرها المقام حاليا في مدينة الرياض؟
أحضر حسب الوقت المتاح، فقد سبق لي حضور معرض الكتاب في القاهرة مرتين، ومرة واحدة أيضا في بيروت.
• أو ربما ترددت في الذهاب لمعرض الرياض لقيود رقابية لا تشجع؟
عالم الأدب واسع وفسيح ومتعدد وغني وأنت تستطيع أن تجد العدد الكافي من الكتب المسموح بها، كما أن الرقابة أصبحت مخففة جدا الآن وهناك مساحة طيبة، وفي معرض العام الماضي كانت هناك كتب لم نكن نحلم بدخولها فأصبحنا نقتنيها.
• لكن المفارقة أن روايتك (دروس إضافية) ما زالت مرفوضة من الرقيب؟
مع أنه ليس فيها شيء، وأيا كانت قيمتها الأدبية فلم يسمحوا لي حتى الآن لا بطباعتها ولا بتوزيعها.
• هذه مشكلة قانون أم بيئة ثقافية غير ناضجة؟
الوسط الثقافي لدينا لا يشجع على الكتابة والإبداع ولا تتوافر الحرية الكاملة للكاتب الحقيقي لكي يكتب.
• تتحدث عن قيود رسمية؟
لدينا اعتبارات كثيرة وليست من جهة القيود الرسمية فقط، فالمناخ السائد في العالم، خصوصا العالم العربي، لا يساعد على ذلك من ظروف اجتماعية ومعيشية وحالة تزمت، وكلها أجواء غير صحية للإبداع، وقد تكتب شيئا فيأتيك رد فعل غير مؤهل من الرقابة الموجودة، وكلها أمور محبطة.
• وزادها إحباطا ما شاهدناه قبل شهرين أيضا من ملاسنات ثقافية بين الغذامي والعلي اللذين يمثلان رمزين لمجتمع مثقف يبحث عن نفسه؟
لو كانا رمزين فعلا لما سمحا لنفسيهما بالانحدار إلى هذا المستوى، والحقيقة ليست العبقرية النقدية والمهارة أن تستخدم ألفاظا وتعابير غامضة موغلة في الغموض ومغلقة على الفهم ومقتبسة من كتاب آخرين ديدنهم أن يأتوا بشيء يستحيل فهمه.
* تقصد الحداثيين؟
تحديدا، واقرأ لمن قلدوهم فلن تجد أدبا، وقد حاولت أن أقرأ لهم فلم أفهم شيئا، وأنا أعتقد أن الوضوح والبساطة أمر ليس من السهولة إتقانه والبروز فيه وهو التحدي الذي يوصل لعقل القارئ، أما عملية تركيب الكلمات فليس هناك ما هو أسهل منها.
* أيضا لم نشاهدك تشارك في فعاليات ثقافية بعد التقاعد؟
أتمنى أن أشارك ولكن لم يدعني أحد.
* ربما ما زال سياج الوظيفة السابقة يقطع الطريق على دعوتك من قبل البعض؟
تأتيني دعوات من أصحاب الصالونات الثقافية وألبيها.
* أقصد الأندية الأدبية؟
حضرت مرة في النادي الأدبي في جدة، وألقيت محاضرة في الرياض مرة واحدة، ولكنني أعترف بأنني مقل في هذا الجانب.
* هل تتواصل مع الأشخاص الذين خرجوا من الديوان أو المراسم؟
للأسف ليس كثيرا، فقد زرت الشيخ محمد النويصر مرة واحدة، وكذلك الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل الشيخ رئيس المراسم الملكية السابق والتواصل قائم مع عدد من الأصدقاء والزملاء في المراسم الملكية.
*وماذا عن أصدقائك الجدد؟
من الصعب أن يبدأ الإنسان ببناء علاقات جديدة ولذلك أنا مكتف بمجموعة أصدقائي الذين ألتقيهم في مدينة الرياض التي أحبها كثيرا خصوصا في فصل الشتاء.
• وجدة؟
أشبه بمحطة «ترانزيت» وكبيئة الرياض أفضل صحيا بالنسبة لي، ولكن بقائي في جدة يطول أحيانا لأن فيها عدد كبير من أفراد العائلة.
• ألم تعد تحن للحظات الطفولة وبداية الصبا في بلدة القريتين في سورية؟
بيني وبين أهلها تواصل دائم وحنين لا ينقطع وقد حاولت قدر استطاعتي أن أدعم جهود الخير فيها لأرد شيئا من دينها علي.
• لم تعش فترة مراهقة حقيقية بمثل الصخب الذي يعيشه الشباب الآن؟
ومن لم يعش فترة المراهقة، لكن من فضل الله علي أن عشتها في المدينة المنورة وكان همي الوحيد فيها من أين آتي بكتب للقراءة؟ ولم تكن هناك إلا كتب عبد الحميد جودة السحار وتوفيق الحكيم وعبدالقادر المازني وغيرهم، وكنت أقرأ كل ما يقع تحت يدي، وكان هناك صاحب مكتبة في مثل سننا عند باب السلام هو أخوننا أحمد نمنكاني، فكنا نذهب لمكتبته أنا والدكتور عزت خطاب وبعض الأصدقاء ونجلس عنده لكي نقرأ ما تطاله أيدينا مجانا لعدم استطاعتنا شراء الكتب والمجلات.
• كم كان مصروفكم اليومي في ذلك الوقت؟
قرشين فقط.. قرش نشتري به طعمية والآخر قطعة خبز أو شاي.
الدفعة الأخيرة
• وبعد المدينة التحقت بمدرسة تحضير البعثات في مكة؟
من حسن حظنا أننا كنا ضمن آخر دفعة وبعدها تم إنشاء المرحلة التوجيهية وكنا مجموعة متقاربة المستوى أنا والدكتور عزت خطاب والدكتور رضا عبيد وشقيقه الدكتور طالب عبيد والأخ حسن شرارة والدكتور محمد عبد الله يماني يرحمه الله وحسن عطارومحمود قمقمجي.
• كان الابتعاث فخرا بالنسبة لكل الطلاب؟
لا، كان ضرورة في ذلك الوقت لعدم وجود جامعات.
• خرجت من المدينة المنورة ولم يكن بها شوارع مسفلتة ولا كهرباء إلى القاهرة التي كانت تعتبر باريس العرب؟
من كان يحلم بالذهاب إلى القاهرة أو السير في شارع فؤاد أو سليمان باشا، صحيح كنا كأننا في باريس فالشوارع مسفلتة والكهرباء في كل مكان والشجر والدكاكين الضخمة تلفت الانتباه والبلد يعيش عنفوانه الأدبي والسياسي والعلمي.
• يقال إنك اصطدمت بوكيل عائلة الخريجي وتركت السكن وعدت للبعثة؟
في تلك الأيام كان ممنوعا على الطلاب السعوديين دراسة القانون ولا أدري لماذا، فعندما تخرجنا في تحضير البعثات كتب كل طلاب الأدبي خياراتهم (قانون) وكتب طلاب العلمي (طب) وهذا ما اضطرني للدراسة على حساب بيت الخريجي لكنني صدمت بشخصية وكيل الأسرة ولم ترتح نفسي لتعامله فقررت المغادرة وذهبت للأستاذ الفاضل عبد الله عبد الجبار الذي رحب بي وألحقني بالبعثة وكان يوما سعيدا في حياتي لا أنساه.
• أدركت أثناء دراستك في القاهرة رموز الثقافة في مصر فلماذا لم تتواصل معهم؟
لحقتهم كلهم طه حسين وتوفيق الحكيم ونجيب محفوظ، ولا أدري ما الذي كان يمنعني من لقاء طه حسين وكان بجانب كليتي في جامعة القاهرة فقد كان بأمكاننا أن نخرج من قاعة محاضرة وندخل الى أخرى هكذا بمنتهى البساطة، ولكني لم أفعل، ولم أحضر جلسات توفيق الحكيم ولم أجلس على القهوة التي كان يرتادها يوميا نجيب محفوظ، وأعتقد أنني فوت على نفسي فرصا كانت ستضيف لي أدبيا ومعنويا الكثير.
• لكنك لم تفوت حفلة لأم كلثوم؟
كنا نقول هذا الكلام وتواعدنا عليه أنا والدكتور عزت خطاب بعد ذهابنا لإحدى حفلاتها ولكننا لم نذهب بعد ذلك.
• لقلة المصروف؟
لا، كانوا يصرفون لنا خمسة جنيهات في الشهر وكانت كافية، لأن أكلنا وشربنا مجانا في سكن البعثة، لكن الدراسة شغلتنا.
• من الملاحظ أيضا أنك لم تتأثر سياسيا بموجة القومية العربية والناصرية؟
لم تكن السياسة همي وهاجسي في يوم ما، وقد زادتني فترة عملي في المراسم قناعة بهذا الرأي .
• هل مازلت تعاني من الأرق الدائم؟
ذهب والحمد لله بعد خروجي من الوظيفة وهذه كافية لتفسر لك أسبابه، لكن الحقيقة أنه بدأ معي من السنة الأولى في مدرسة تحضير البعثات في مكة، حيث كان كل ستة طلاب يتشاركون غرفة واحدة.
• وحاستا الشم والذوق؟
تحسنتا كثيرا بعد إصابتي بأنفلونزا حادة في الطائف قبل عشر سنوات.

المزيونه
14/03/2009, 12:35 PM
موفق بإذن الله ... لك مني أجمل تحية .

ابوسامي الخريصي
14/03/2009, 03:34 PM
شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

صقر الجنوب
14/03/2009, 04:28 PM
شكرا لكم على مروركم الطيب

احساس انثى
16/03/2009, 05:49 PM
مشكوووووووووووووووووووووووووووووووور