تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : ويغادرنا وهيب الحبيب


صقر الجنوب
18/03/2009, 03:40 AM
http://www.okaz.com.sa/okaz/myfiles/authors/abdulahbkhary.jpg
عبدالله يحيى بخاري (http://www.okaz.com.sa/okaz/index.cfm?method=home.authors&authorsID=41)


ويغادرنا وهيب الحبيب
كنت أجلس بجواره في حفل عشاء لدى أحد الأصدقاء المقربين قبل عدة أعوام، وكان يمسك بشيشة الجراك التي كان يهوى تدخينها حينذاك، فسألته: متى تنوي التوقف عن تدخين الشيشة يا أبو عبيد؟ أجابني مازحاً بطريقته المعروفة: شوف.. أنا الآن في الثانية والستين من العمر، ولكني عندما أبلغ المائة أعدك أن أفكر في التوقف عن تدخين الشيشة! وضحكت من القلب قائلاً: الله يعطيك طول العمر يا أبو عبيد.
هكذا كان وهيب يرحمه الله، الرجل الفذ، الصديق الصدوق، الذي يعطيك إجابات تحمل أكثر من معنى، ويجبرك أن تكون يقظاً معه على الدوام. كان يبحث دائماً عن المعرفة والحكمة، ويستفسر أكثر مما يجب، صاحب ذهن متوقد، ويعمل أكثر من الآخرين. تعب أخيراً، وترك أصدقاءه في حزن عميق وألم عظيم لفراقه.
قالوا عنه شيخ الاقتصاديين، وقالوا عنه شيخ التجار، وقالوا رجل الأعمال اللوذعي، وكان هو لا يحب الألقاب.
كنت أعلم أنه لا يرغب في أن يناديه أحد بلقب الشيخ وهيب. وكنت كثيراً ما أتصل به في منزله وأسأله متخابثاً عندما يرد: ممكن أتحدث مع الشيخ وهيب. فيرد علي متصنعاً أنه لم يتعرف على المتحدث: ما في عندنا شيخ وهيب. فأسأله: أمال إنت مين؟ فيرد بصوته الناعس: أنا وهيب، وتقدر تسميني أبو عبيد إن أحببت يا سعادة السناتور.
كان صديقاً صدوقاً متواضعاً، لا يبخل بالنصيحة، ولا يستطيع التخلف عن تلبية دعوة أي من أصدقائه، كما لا يخلو بيته من الأصدقاء والمحبين. لم أسمعه يوماً يبالغ في حديثه أو يقول غير الحقيقة.
كان غالباً ما يحتفل بأصدقائه في منزله بوليمة ممتعة على شاطئ البحر في جدة، تسبقها عادة حلقة أو ندوة اقتصادية أو تجارية، يتبعها حوار مفيد بين الحاضرين، فتتحول الدعوة إلى غذاء للعقول وغذاء للبطون.
كان وهيب يرحمه الله يعترض عندما يقال عنه إنه رجل أعمال، ويصحح فيقول أنا تاجر، ولا يعرف ما المقصود برجل أعمال. كان حاد الذكاء وطيب المعشر، عندما تتحدث معه تكتشف فوراً أن شخصيته وفكره ودماءه قد اختلطت وعجنت بتراب جدة ورحيق حواريها، وهو الذي كان من الممكن أن تتشكل شخصيته بشخصية اللوردات وأفراد الطبقة النبيلة في إنجلترا بحكم بيئة دراسته وفترة صباه. الأمثلة والحكم الشعبية والتراثية التي كان أبو عبيد يستشهد بها سواء في مقالاته أو أحاديثه تدل على تأثره العميق بتراث جدة وتقاليد مجتمعها. ولكن ربما تكون فترة دراسته في إنجلترا هي التي أكسبته تلك الطريقة التي كان يتميز بها في دعاباته التهكمية اللاذعة.
كان وهيب يرحمه الله رجل اقتصاد من الطراز الأول، يتحدث أقل من غيره، ولكنه ربما كان أفضل اقتصادي سوف تشهده المملكة على الإطلاق. وكنت أتمنى لو أتيحت الفرصة لأبي عبيد لتدريس علوم الاقتصاد والإدارة بجامعات المملكة، خاصة وقد كان أحد المؤسسين الأوائل لجامعة الملك عبدالعزيز بجدة.
وكانت لأبي عبيد مقولة شهيرة حينما يتحدث عن الاقتصاد العالمي. فكثيراً ما كان يقول إن أغلبية الناس يعتقدون أن هناك نوعين من الاقتصاد، اشتراكي ورأس مالي، وينسون أن هناك نوعا ثالثا، وهو الاقتصاد السعودي.
أصدقاء أبا عبيد لا يترحمون عليه فقط، وإنما أيضاً على أنفسهم لفقدانه، ويشعرون بحرمانهم من صديق وفي وحسرتهم لغيابه، فقد كان صادقاً في حديثه، صريحاً في تعامله ومشاعره، ولاذعاً في تعليقاته، الذي يقوله هو الذي في قلبه والعكس صحيح.
كان الصديق العزيز الدكتور عبدالعزيز العريعر، وكيل وزارة المالية السابق وعضو مجلس الشورى للثلاث دورات الماضية، يحملني دائماً سلامه إلى صديقه الوفي « وهيب الرهيب» كما كان يحب أن يسميه.
وأقول لأبي مشعل، كنت دائماً أنقل سلامك إلى الصديق وهيب «الحبيب»، وقد غادرنا الآن، وترك مملكته التي كان يحب ترابها ويعمل على رقيها ورفعتها، وذهب إلى مملكة الخلود والبقاء. أعزيك وأعزي أنفسنا جميعاً لفقدان هذه الشخصية الرائعة، و«إنا لله وإنا إليه راجعون».

د.ليل الوعد
18/03/2009, 04:41 AM
يرحمه الله ويسكنه فسيح جناته ويلهم اهله وذويه الصبر انا لله وانا اليه راجعون

صقر الجنوب
18/03/2009, 11:37 AM
شكرا أخي الغالي ليل الوعد ووهيب بن زقر
كنت اقابله باستمرار فهو رجل عظيم بكل المعاني ومتواضع الى ابعد الحدود
رحمك الله يا ابا عبيد فقد خسرك البلد قبل ان يخسرك احباءك