صقر الجنوب
14/04/2009, 04:28 PM
من أسرار اللغة
د. أحمد علي المصباحي
لن نفهم النصوص فهما صحيحا إلا بمعرفة أسرار اللغة، وسنن العرب في كلامهم، ومذاهبهم في الإفصاح عن معانيهم.
ومن هذه الأسرار: استعمال ألفاظ لا يراد ظاهرها؛ وإنما تكون للمدح، أو الدعاء للمخاطب؛ أو الزجر، أو الذم. فمن لم يكن على علم بهذا وتصدى لشرح نص أو ترجمته فإنه ـ حتما ـ سيقع في الخطأ.
ولإيضاح هذا الأمر نسوق طائفة من هذه الألفاظ:
قال صلى الله عليه وسلم: «ثكلتك أمك يا معاذ وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم». أما ظاهر اللفظ فهو: الدعاء بالموت؛ لأن (ثكلتك): فقدتك. ولو كان كذلك لهلك معاذ بدعاء رسول الله عليه. ولو فسر حرفيا لكان إخبارا عن موته، ولا يصح هذا المعنى والنبي يخاطبه.
وقول الحق سبحانه: (قتل الإنسان ما أكفره) كيف نفسر الفعل (قتل) في الآية إن لم نكن على علم بسنن العرب في كلامهم؛ وهو: استخدام ألفاظ لا يراد ظاهرها!.
وقوله عليه السلام: «فاظفر بذات الدين تربت يداك» لو فسر اللفظ على ظاهره لقلنا: أصاب التراب يديك. ولكن النبي هنا يدعو للمخاطب بالخير.
إن هذا الاستخدام شائع في كلام العرب، وكثيرة هي النصوص التي سنخطئ فهمها لو لم نكن على دراية بهذا الأسلوب.
ولنتخيل مترجما جاء إلى هذا الحديث الذي يقول فيه عليه السلام عن إحدى زوجاته: «عقرى حلقى» وترجمه على ظاهر اللفظ، وهو الإخبار بأنها عاقر وحليقة الرأس، أو ترجمه على أنه دعاء عليها بذلك، كم سيكون حجم الخلط والخطأ؟. ومثل ذلك كثير من الألفاظ ترد في كلام العرب ظاهرها: الذم؛ وإنما يريدون المدح؛ مثل: لا أبا لك ولا أم لك، ومثل: قاتله الله ما أشعره.
إن من سنن العرب استخدام مثل هذه الأساليب لشد انتباه المخاطب؛ وهذا ما يجعلنا نقول: إن لغتنا هي وسيلتنا لفهم ديننا وتراثنا وإفهام غيرنا. وهنا تحظرني مقولة للإمام الشافعي: «درست اللغة والأدب عشرين عاما؛ لأتفقه في كتاب الله، فوجدت أنه لا يحيط بها إلا نبي». إشارة منه إلى عمق أسرار هذه اللغة.
د. أحمد علي المصباحي
لن نفهم النصوص فهما صحيحا إلا بمعرفة أسرار اللغة، وسنن العرب في كلامهم، ومذاهبهم في الإفصاح عن معانيهم.
ومن هذه الأسرار: استعمال ألفاظ لا يراد ظاهرها؛ وإنما تكون للمدح، أو الدعاء للمخاطب؛ أو الزجر، أو الذم. فمن لم يكن على علم بهذا وتصدى لشرح نص أو ترجمته فإنه ـ حتما ـ سيقع في الخطأ.
ولإيضاح هذا الأمر نسوق طائفة من هذه الألفاظ:
قال صلى الله عليه وسلم: «ثكلتك أمك يا معاذ وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم». أما ظاهر اللفظ فهو: الدعاء بالموت؛ لأن (ثكلتك): فقدتك. ولو كان كذلك لهلك معاذ بدعاء رسول الله عليه. ولو فسر حرفيا لكان إخبارا عن موته، ولا يصح هذا المعنى والنبي يخاطبه.
وقول الحق سبحانه: (قتل الإنسان ما أكفره) كيف نفسر الفعل (قتل) في الآية إن لم نكن على علم بسنن العرب في كلامهم؛ وهو: استخدام ألفاظ لا يراد ظاهرها!.
وقوله عليه السلام: «فاظفر بذات الدين تربت يداك» لو فسر اللفظ على ظاهره لقلنا: أصاب التراب يديك. ولكن النبي هنا يدعو للمخاطب بالخير.
إن هذا الاستخدام شائع في كلام العرب، وكثيرة هي النصوص التي سنخطئ فهمها لو لم نكن على دراية بهذا الأسلوب.
ولنتخيل مترجما جاء إلى هذا الحديث الذي يقول فيه عليه السلام عن إحدى زوجاته: «عقرى حلقى» وترجمه على ظاهر اللفظ، وهو الإخبار بأنها عاقر وحليقة الرأس، أو ترجمه على أنه دعاء عليها بذلك، كم سيكون حجم الخلط والخطأ؟. ومثل ذلك كثير من الألفاظ ترد في كلام العرب ظاهرها: الذم؛ وإنما يريدون المدح؛ مثل: لا أبا لك ولا أم لك، ومثل: قاتله الله ما أشعره.
إن من سنن العرب استخدام مثل هذه الأساليب لشد انتباه المخاطب؛ وهذا ما يجعلنا نقول: إن لغتنا هي وسيلتنا لفهم ديننا وتراثنا وإفهام غيرنا. وهنا تحظرني مقولة للإمام الشافعي: «درست اللغة والأدب عشرين عاما؛ لأتفقه في كتاب الله، فوجدت أنه لا يحيط بها إلا نبي». إشارة منه إلى عمق أسرار هذه اللغة.