صقر الجنوب
17/04/2009, 05:36 PM
فلنعلِّم أبناءنا احترام أساتذتهم
http://al-madina.com/files/imagecache/node_photo/files/rbimages/1239902680084935600.jpg (http://al-madina.com/node/128181)
الجمعة, 17 أبريل 2009
أ.د. محمد خضر عريف
لست في هذه المقالة بصدد الحديث عن أبناء النسب، ولكني بصدد الحديث عن أبناء آخرين قد يكونون لنا -معشر المعلمين- بمثابة أبناء النسب أو أقرب منهم. أولئكم هم طلابنا الذين نتفانى في تربيتهم قبل تعليمهم ونقدم لهم ثمار تجاربنا لقمة سائغة تسد رمقهم وترضي نهمهم. ثم لا ننتظر منهم بعد ذلك إلا الدعاء والوفاء. ويكون معظم هؤلاء الأبناء عند حسن ظننا فيهم فلا يتنكرون لنا بعد تخرجهم، بل يسعى الواحد منهم حين يقابل أستاذًا له بعد تخرجه أن يقدم له كل مساعدة ممكنة وهو في موقع مسؤولية ما. أو على الأقل أن يقابله كما يقابل الابن البار والده بعد طول غياب.
***
أقول إن تلك هي السمة الغالبة على الطلاب من أبناء الأسر الكريمة الذين تربَّوا في بيوتهم قبل أن يتربَّوا في المدارس والجامعات. وتمثل هذه الفئة تسعين في المائة أو أكثر من الطلاب. تجدهم في كل حدب وصوب، في الدوائر الحكومية وفي المؤسسات الخاصة وفي سواها. ويحصل كثيرًا أ ينسى المعلم تلميذه لطول العهود وكثرة التلاميذ، ولكن التلميذ الوفي لا ينسى أساتذته، وقد يبادر أستاذه بالقول: أنا ابنك فلان درست معك مادة كذا في عام كذا. وكم تكون فرحة الأستاذ غامرة حين يلمس مشاعر الوفاء من أبناء هذه البلاد الخيِّرة المتسمين بالأصالة والنخوة. ولا ينصرف ذلك إلى فئة معينة من الأساتذة. فالوفاء من الأبناء يطال الأساتذة الذين ربما قسوا عليهم في يوم من الأيام ولكن قسوتهم كانت قسوة الآباء المحبين الحريصين على مصلحة أبنائهم. وخلاف أفراد هذه الفئة الغالبة تظهر فئة أخرى تتخذ من النكران والجحود شعارًا لها وتفخر في رفعه في أي موقع تكون فيه. فيتنكر أفرادها لأساتذتهم وأصحاب الفضل عليهم، وما أن تتاح الفرصة لهم للإساءة لمعلميهم والنيل منهم حتى يستغلوها أيما استغلال ولا يراعوا في ذلك ما أمرهم به ديننا الحنيف من إجلال العلماء، خاصة من كان لهم على شخص معين فضل التربية والتعليم، وأحسنوا إليه أيما إحسان. والغريب أن هذه الفئة غالبًا ما ينتمي إليها الفاشلون والمتعثرون من الطلاب الذين قد يبذل الأستاذ معهم جهودًا مضاعفة حتى يقفوا على أقدامهم ويلحقوا بركب زملائهم من الناجحين والمبرزين. والواقع أن عقوق هؤلاء كعقوق أبناء النسب ويُذكر بالآية الكريمة (إنه ليس من أهلك، إنه عمل غير صالح). ولكن حنوَّ الأب يبقى بقدر خيبة أمله في عقوق أبنائه، فتجده لا يذكر العاقين منهم إلا بخير في أي محفل أو في أي لقاء يذكرون فيه. لله درُّ جيلٍ سبقنا، رأينا فيه أمثلة صادقة للوفاء والعرفان. وجدنا آباءنا وأبناء جيلهم إذا ذُكر أستاذ لهم في أي مجلس ترحموا عليه أو أجزلوا له الثناء والذكر الحسن. كما أنهم يتأدبون مع أساتذتهم وينعتونهم بمشايخهم وإذا قابل الواحد منهم شيخه كان لا يرتدد في عناقه وتقبيل رأسه وإسماعه ما يجب من عبارات الثناء والشكر.
أين أبناؤنا من هؤلاء؟ لعل جيلنا أخذ من جيل الآباء هذه السنَّة الحسنة في تعظيم واحترام الأساتذة والمشايخ، وحاول جيلنا زرع هذه السنَّة في الجيل الجديد، فأثمرت وأورقت في التربة العامرة وماتت واندثرت في التربة الغامرة.
والتربة العامرة هي أبناء الأسر الكريمة الذين تعلموا الوفاء في بيوتهم وبين أهليهم، أما التربة الغامرة فهم الذين جحدوا فضل آبائهم فكان من باب أولى أن يجحدوا فضل أساتذتهم ومشايخهم.
وبحمد الله تعالى، تطغى نسبة الأرض العامرة في مجتمعنا على نسبة الأرض الغامرة، فلا تجد من الجحود إلا القليل، بينما تجد الكثير من مظاهر الوفاء والعرفان بين أبناء هذه البلاد الطاهرة.
وقد بلغ ببعض الأوفياء من أبناء هذه البلاد أنهم لا يقطعون أساتذتهم حتى لو كانوا من أبناء البلاد الأخرى. فبعد انتهاء مهمة هؤلاء الأساتذة وعودتهم إلى ديارهم، تجد كثيرًا من تلاميذهم من أبناء المملكة العربية السعودية يصلونهم إما بالمراسلة المستمرة أو بالاتصال الهاتفي. وفي كثير من الأحيان يترددون في زيارتهم في حال سفرهم إلى تلك الديار. وقد سمعت الكثير من القصص عن تلاميذ أوفياء حصلوا على درجات علمية رفيعة يقصدون أساتذتهم في دول مجاورة ويتجشمون الصعاب للوصول إلى مناطقهم أو قراهم التي قد تكون نائية أو تكون طرقها شاقة وعرة، لا لشيء إلا للسلام عليهم والاطمئنان على أحوالهم وتقديم لمسة وفاء وعرفان لهم.
فإن كان هذا ما يفعله بعض الأوفياء مع أساتذة غادروا البلاد من الوفاء والعرفان، فلا شك في أن الأقربين أولى بالمعروف. والأساتذة الذين ينتمون إلى هذه الديار أجدر بالوفاء والاحترام والتقدير، فهم يجمعون بين الأستاذية والانتماء إلى هذا التراب الطاهر الذي أنبت على مدى الدهور أجيالاً من العلماء الفضلاء والأساتيذ العظام.
http://al-madina.com/files/imagecache/node_photo/files/rbimages/1239902680084935600.jpg (http://al-madina.com/node/128181)
الجمعة, 17 أبريل 2009
أ.د. محمد خضر عريف
لست في هذه المقالة بصدد الحديث عن أبناء النسب، ولكني بصدد الحديث عن أبناء آخرين قد يكونون لنا -معشر المعلمين- بمثابة أبناء النسب أو أقرب منهم. أولئكم هم طلابنا الذين نتفانى في تربيتهم قبل تعليمهم ونقدم لهم ثمار تجاربنا لقمة سائغة تسد رمقهم وترضي نهمهم. ثم لا ننتظر منهم بعد ذلك إلا الدعاء والوفاء. ويكون معظم هؤلاء الأبناء عند حسن ظننا فيهم فلا يتنكرون لنا بعد تخرجهم، بل يسعى الواحد منهم حين يقابل أستاذًا له بعد تخرجه أن يقدم له كل مساعدة ممكنة وهو في موقع مسؤولية ما. أو على الأقل أن يقابله كما يقابل الابن البار والده بعد طول غياب.
***
أقول إن تلك هي السمة الغالبة على الطلاب من أبناء الأسر الكريمة الذين تربَّوا في بيوتهم قبل أن يتربَّوا في المدارس والجامعات. وتمثل هذه الفئة تسعين في المائة أو أكثر من الطلاب. تجدهم في كل حدب وصوب، في الدوائر الحكومية وفي المؤسسات الخاصة وفي سواها. ويحصل كثيرًا أ ينسى المعلم تلميذه لطول العهود وكثرة التلاميذ، ولكن التلميذ الوفي لا ينسى أساتذته، وقد يبادر أستاذه بالقول: أنا ابنك فلان درست معك مادة كذا في عام كذا. وكم تكون فرحة الأستاذ غامرة حين يلمس مشاعر الوفاء من أبناء هذه البلاد الخيِّرة المتسمين بالأصالة والنخوة. ولا ينصرف ذلك إلى فئة معينة من الأساتذة. فالوفاء من الأبناء يطال الأساتذة الذين ربما قسوا عليهم في يوم من الأيام ولكن قسوتهم كانت قسوة الآباء المحبين الحريصين على مصلحة أبنائهم. وخلاف أفراد هذه الفئة الغالبة تظهر فئة أخرى تتخذ من النكران والجحود شعارًا لها وتفخر في رفعه في أي موقع تكون فيه. فيتنكر أفرادها لأساتذتهم وأصحاب الفضل عليهم، وما أن تتاح الفرصة لهم للإساءة لمعلميهم والنيل منهم حتى يستغلوها أيما استغلال ولا يراعوا في ذلك ما أمرهم به ديننا الحنيف من إجلال العلماء، خاصة من كان لهم على شخص معين فضل التربية والتعليم، وأحسنوا إليه أيما إحسان. والغريب أن هذه الفئة غالبًا ما ينتمي إليها الفاشلون والمتعثرون من الطلاب الذين قد يبذل الأستاذ معهم جهودًا مضاعفة حتى يقفوا على أقدامهم ويلحقوا بركب زملائهم من الناجحين والمبرزين. والواقع أن عقوق هؤلاء كعقوق أبناء النسب ويُذكر بالآية الكريمة (إنه ليس من أهلك، إنه عمل غير صالح). ولكن حنوَّ الأب يبقى بقدر خيبة أمله في عقوق أبنائه، فتجده لا يذكر العاقين منهم إلا بخير في أي محفل أو في أي لقاء يذكرون فيه. لله درُّ جيلٍ سبقنا، رأينا فيه أمثلة صادقة للوفاء والعرفان. وجدنا آباءنا وأبناء جيلهم إذا ذُكر أستاذ لهم في أي مجلس ترحموا عليه أو أجزلوا له الثناء والذكر الحسن. كما أنهم يتأدبون مع أساتذتهم وينعتونهم بمشايخهم وإذا قابل الواحد منهم شيخه كان لا يرتدد في عناقه وتقبيل رأسه وإسماعه ما يجب من عبارات الثناء والشكر.
أين أبناؤنا من هؤلاء؟ لعل جيلنا أخذ من جيل الآباء هذه السنَّة الحسنة في تعظيم واحترام الأساتذة والمشايخ، وحاول جيلنا زرع هذه السنَّة في الجيل الجديد، فأثمرت وأورقت في التربة العامرة وماتت واندثرت في التربة الغامرة.
والتربة العامرة هي أبناء الأسر الكريمة الذين تعلموا الوفاء في بيوتهم وبين أهليهم، أما التربة الغامرة فهم الذين جحدوا فضل آبائهم فكان من باب أولى أن يجحدوا فضل أساتذتهم ومشايخهم.
وبحمد الله تعالى، تطغى نسبة الأرض العامرة في مجتمعنا على نسبة الأرض الغامرة، فلا تجد من الجحود إلا القليل، بينما تجد الكثير من مظاهر الوفاء والعرفان بين أبناء هذه البلاد الطاهرة.
وقد بلغ ببعض الأوفياء من أبناء هذه البلاد أنهم لا يقطعون أساتذتهم حتى لو كانوا من أبناء البلاد الأخرى. فبعد انتهاء مهمة هؤلاء الأساتذة وعودتهم إلى ديارهم، تجد كثيرًا من تلاميذهم من أبناء المملكة العربية السعودية يصلونهم إما بالمراسلة المستمرة أو بالاتصال الهاتفي. وفي كثير من الأحيان يترددون في زيارتهم في حال سفرهم إلى تلك الديار. وقد سمعت الكثير من القصص عن تلاميذ أوفياء حصلوا على درجات علمية رفيعة يقصدون أساتذتهم في دول مجاورة ويتجشمون الصعاب للوصول إلى مناطقهم أو قراهم التي قد تكون نائية أو تكون طرقها شاقة وعرة، لا لشيء إلا للسلام عليهم والاطمئنان على أحوالهم وتقديم لمسة وفاء وعرفان لهم.
فإن كان هذا ما يفعله بعض الأوفياء مع أساتذة غادروا البلاد من الوفاء والعرفان، فلا شك في أن الأقربين أولى بالمعروف. والأساتذة الذين ينتمون إلى هذه الديار أجدر بالوفاء والاحترام والتقدير، فهم يجمعون بين الأستاذية والانتماء إلى هذا التراب الطاهر الذي أنبت على مدى الدهور أجيالاً من العلماء الفضلاء والأساتيذ العظام.