صقر الجنوب
15/05/2009, 02:56 PM
إبراهيـــم الخلــيـــــف: السعـودة مشروع فاشل
لا أجد ما يمنع أم خالد من قيادة السيارة .. رائد التعليم المختلط وبلديات الشمال إبراهيم خليف لـ «عكاظ»:
لم أسرق ولست خائفا من القتل ولا تنكأوا جراحنا فلسنا حالة خاصة
http://www.okaz.com.sa/okaz/myfiles/2009/05/15/b40-big.jpg (javascript: newWindow=openWin('PopUpImgContent20090515277559.h tm','OkazImage','width=600,height=440,toolbar=0,lo cation=0,directories=0,status=0,menuBar=0,scrollBa rs=0,resizable=0' ); newWindow.focus())
حوار : بدر الغانمي
في الوقت الذي كانت فيه شمس التعليم تطل على استحياء من وراء الكتاتيب، عندما كانت الخيمة والشراع هي الظل الظليل من الحر، إلى أن جاء بيت الطين ليكون ترفا كان إبراهيم بن خليف بن مسلم السطام يحتسب خطواته ودقائقه ليكون شاهداً على كل تفاصيل المرحلة.. دخل معلماً من باب المغامرة الضيق والمحرج والمخيف على ظهر حمار وبلا شهادة وانتهى به الحال مديراً للتعليم ورائداً له وصاحب يد بيضاء على أجيال متعددة من أبناء المنطقة.. وليته توقف عند هذا الحد فقد استمر في مغامرته ليدير قطاع البلديات في كل مدن الشمال، وهو القطاع الذي وصفه بالمؤذي والمثير للشبهة والمغري إلى درجة العبث.. الرجل الذي يوظف اليوم رصيد سنواته الثمانين عضواً في مجلس منطقة الجوف، مازال جريئاً ومغامراً وآراؤه لاتقبل القسمة على اثنين، وفي حديثه أطروحات منطقية وملامسة واقعية وأوراق ململمة من شجرة تاريخ بلادنا تستحق أن تقرأ بعناية.. أما رصيد الطفولة والتجارب الأولى فهي لب الحوار ومنها نبدأ..
ولدت وحيداً بلا إخوة، فكنت بالنسبة لوالدي رحمه الله ابناً وأخاً وصديقاً منذ الصغر، وبدأ يعلمني القاعدة البغدادية لأحرف الهجاء مبكراً، ثم أدخلني كتاب الشيخ فيصل المبارك رحمه الله، وكنت في الثانية عشرة من عمري، ولكوني ابنه الوحيد فقد حفظنا القرآن سوية، لأنه كان رحمه الله كفيفاً فكنت أحفظ ثم أقوم بتحفيظه، ثم درست المرحلتين الابتدائية والمتوسطة في الجوف بنظام المنازل وعينت بعد ذلك مدرساً في الجوف بشهادة القرآن الكريم وبترشيح من الشيخ فيصل، وكنت في الخامسة عشرة من عمري، ثم طلب الشيخ فيصل من المسؤولين في الأحوال المدنية أن يزيدوا عمري سنتين في حفيظة النفوس، كي أصبح معلماً والجماعة ما قصروا، ثم اتجهت بعد ذلك للدراسة في القاهرة لمرحلتي الثانوية العامة والجامعة بنظام المنازل أيضاً رغبة مني في اختصار الوقت، حيث كانت الدراسة في مصر تمكن الطالب من اختصار السنوات الثلاث في سنة واحدة، فقدمت في مدرسة المنيرة وأخذت الثانوية العامة، أما الجامعة فكنت أذهب لمصر لأختبر كل سنة.
• ما الذي كان يمثله الشيخ فيصل الذي يملك حق تعيينك كمعلم والتوجيه بزيادة عمرك في الأحوال المدنية؟
كان الشيخ فيصل رجلا تقياً وورعاً وزاهداً في الدنيا وكان يتولى تزكية وترشيح المعلمين لدى فضيلة الشيخ محمد بن مانع رحمه الله مدير عام المعارف آنذاك، كما أن كلمته نافذة على الجميع، لدرجة أنه عندما رغبنا في شراء الراديو عام 1367 هـ، والذي كان وقفاً على الخاصة وكبار الموظفين في ذلك الوقت، وكنت مع والدي ما زلنا ندرس في حلقات الشيخ، فتقدمنا بخطاب لفضيلته نستأذنه فيه بشراء راديو لسماع القرآن الكريم والأخبار والبرامج النافعة، فكتب فضيلته على خطابنا (لا بأس إذا لم يفتح على الأغاني، ولم يله عن الصلاة) فاشتريناه، وبعد مضي شهر سألني الشيخ فيصل عن الورقة التي كتب عليها، فأحضرتها له في اليوم التالي، فكتب تحت موافقته السابقة على شراء الراديو (ومثلكم ما ينبغي له ذلك)، فما كان من والدي إلا أن أمرنا ببيع الراديو امتثالا لأوامر الشيخ، وهذه تكشف لك مدى الاحترام الذي كان يحظى به، وقد خرج من الدنيا وهو لا يملك ديناراً ولا درهماً، فقد أهدى منزله في حريملاء ليكون مكتبة عامة، أما منزله في الجوف فقد أقيم عليه مقر جمعية تحفيظ القرآن الكريم، ويوم وفاته توقف كل شيء في الجوف وكانت جنازته مهيبة وحاشدة.
معلم بلا شهادة
• رشحت للتدريس في سن الخامسة عشرة وبدون شهادة أيضاً .. كيف واجهت هذا الموقف المحرج؟
لا وكان خطي سيئاً ولا أخفيك كان الخبر مفاجئاً لي، ولكن لم يكن أمامي مجال للرفض لأن الراتب كان مغرياً جداً 180 ريالا، في تلك الفترة رغم أن تعييني جاء في قرية الطوير التي تبعد عن سكاكا ستة كيلومترات، ومن ثم فليس أمامي إلا السير يومياً اثني عشر كيلو متراً، إذ لم يكن هناك طرق ولا سيارات، وكان علي أن أحمل أثاث المدرسة معي، والمكون من سبورة وطباشير ودفاتر وكتب فقط فاستعرت حماراً لحمل الأثاث، وعندما وصلت إلى القرية وجدت المبنى مكوناً من غرفتين من الطين واللبن والغرف ضيقة ومظلمة وبدون أبواب ونوافذ ولا ماء ولا مقاعد، ولم تكن كل هذه الاحتياجات تقف عائقاً أمام بدء الدراسة بثلاثين طالباً أصغرهم عمره عشر سنوات، واستمررت لمدة ستة أشهر، ثم تمكنت من شراء دراجة هوائية، وكانت تسمى في الجوف (حصين إبليس) وقد عانيت من الارتطامات والصدام بالجدران، لجهلي بأسلوب قيادتها، وكنت أدعى للغداء دائماً عند رجال القرية بعد انتهاء كل يوم دراسي.
• الغريب أنك رشحت بعد عام واحد للتدريس في مدرسة الجوف الأميرية، وهي آنذاك أم المدارس، بل كان البعض يطلق عليها الإدارة التعليمية في المنطقة، وأنت مازلت بلا شهادة ؟
شعرت بالخوف والحرج فعلا، فمدرسة الجوف الأميرية كانت تقوم أيضاً على استقبال المدرسين وتوزيعهم على مدارس المنطقة، واستلام الكتب الدراسية وتوزيعها وصرف رواتب المدرسين وافتتاح المدارس وعن طريقها افتتحت معظم المدارس داخل مدينة سكاكا وخارجها، كما أن طلابي يقدمون للشهادة الابتدائية، وأنا ليس معي شهادة وقد فوجئت بأنني سأدرس مادة الجغرافيا لطلاب الصف الرابع، ولم يكن لدي علم بها ولكنني اعتمدت على جرأتي ومغامرتي، فقررت حفظ الدروس ثم قراءتها غيباً على الطلاب، وكنت أمر ببعض التعريفات التي أجهلها مثل (الجزيرة، الرأس، الخليج، والأرخبيل) لا أعرف رأسها من رجلها، وكدت أن أذهب ضحية لذلك عندما زارنا حسن صالح فقيها، أول مفتش يصل للمنطقة لاختبار المعلمين فعرفت أنني سأفصل، وفي اليوم التالي حضر المفتش حصة الجغرافيا، التي حفظت درسها غيباً، وكانت لحظة حاسمة، فقد أعجب بأسلوبي في عرض الدرس وأثنى على مستوى الطلاب الذين كنت ألزمهم بحفظ الدروس غيباً أيضاً، وانتهى الموضوع بسلام والحمد لله.
• على الأقل كنت مخلصاً في حدود إمكانياتك على عكس بعض المعلمين اليوم الذين يقدمون مصالحهم على مصالح الطلاب ؟
كان الإخلاص والخوف من الله يحكم كل شيء، فعندما كنت مديراً لمدرسة الملك عبدالعزيز أخبرني حارس المدرسة أن أحد المعلمين يأخذ منه المفتاح كل يوم مع موعد انصراف الطلاب ويسلمه له صباح اليوم التالي، ولا يدري لماذا، فقمت بزيارة مفاجئة للمدرسة صباح اليوم التالي قبل طابور الصباح لأجد المعلم يأتي قبل موعد الدراسة بساعة ليعطي حصة إضافية لرفع مستوى بعض الطلاب، وهو لا ينتظر أجراً من وراء ذلك، كما أن بعض المعلمين كان يأتي على مدار العام بعد العصر للمشاركة في الأنشطة الطلابية بلا مقابل، وللأسف أن هذه النماذج التي تعطي وتضحي تراجعت من الكثرة إلى القلة.
• كان العطاء أكبر من العقاب في تلك الفترة؟
إن تحدثت عن نفسي، فأنا أميل إلى التشجيع أكثر من العقاب، وكمثال فإن بعض المعلمين يميل إلى التأخر عن بعض الحصص لمدة ربع ساعة أو أكثر بعد الفسحة المدرسية، فكنت أذهب إلى فصله وأبدأ في الدرس مع الطلاب وبمجرد حضوره للصف يبدأ في الاعتذار ويتعهد بعدم تكرار هذا الموقف دون أن أطلب منه أن يفعل، فيكون درساً لغيره وقد أفلحت هذه الطريقة كثيراً في معالجة سلوك المعلمين، لكن من الطرافة ذكر نموذج لعقوبات تلك الفترة، ففي أحد أيام عام 1383هـ التقى فريق كرة الطائرة في مدرسة اللقائط القريبة من سكاكا بفريق مدرسة القدس الابتدائية في دومة الجندل على كأس النهائي، وكان فريق اللقائط مرشحاً قوياً للفوز، وقد وعدوا من قبل مدير المدرسة صالح البليهد برحلة إلى مدينة دومة الجندل للاطلاع على معالمها، ولكن حدث تغيير لمكان المباراة فأقيمت على ملعب المدرسة الغربية في سكاكا بدلا من دومة الجندل، فأغضب ذلك طلاب مدرسة اللقائط، فقرروا الانتقام من مديرهم بالتكاسل في المباراة وفعلا فاز فريق مدرسة القدس بالكأس، فلم يكن من البليهد إلا أن يرد الدين للطلاب فأخذهم في حوض سيارته (القلاب) ليعيدهم إلى منازلهم ودفعه غيظه إلى الخروج عن الطريق لمسافة أربعة كيلومترات باتجاه الجنوب الشرقي من مدينة سكاكا، ثم هدأ السرعة ورفع حوض القلاب فتساقط الطلاب على الأرض وتركهم ليعودوا إلى بيوتهم سيراً على الأقدام.
• يقال إنكم ابتدعتم التعليم المختلط في الجوف بدون إذن رسمي؟
فعلا، التعليم كان مختلطا في الجوف في المرحلة الابتدائية ولم يكن لدى إدارة المعارف خبر، لأن الطالبات غير مسجلات رسمياً، ولم يكن أحد يسمح أو يمنع في الوقت نفسه أو يتابع هذا الموضوع، ولكن آباء الطالبات كانوا موافقين ولديهم رغبة في تعليمهن، لأنه لم تفتح مدارس للبنات بعد في ذلك الوقت، بدأنا بسبع بنات، وتستطيع أن تقول إن مدارس الشمال عموماً في القريات وطريف وعرعر وسكاكا والجوف، كانت الطالبات فيها يدرسن مع الطلاب إلى الصف السادس الابتدائي، ولم يكن هذا الأمر غريباً.
• لكن المعروف أن تعليم البنات بدأ في القريات قبل تأسيس الرئاسة؟
وهذا يسجل للأمير عبدالله بن عبدالعزيز السديري، عندما جاء بمعلمات من سوريا وفتح مدرسة وعلم بنات المدينة، قبل أن تؤسس رئاسة تعليم البنات، وسواء كانت نظامية أم خلاف ذلك، فقد كانت هذه أول مدرسة في المنطقة، وهناك محاولات جادة بذلت من بعض الآباء مثال عيد الظميري، عندما علم ابنته سارة زوجة حماد الشلال، وكانت من أوائل من تبنى تعليم البنات في بيتها.
• تعتقد أن قربكم من الحدود مع بلاد الشام أثر في ثقافة المنطقة وساكنيها؟
طبعاً هناك تواصل وتأثر بتجربة بلاد الشام، وهذا أمر لا ينكر، وهناك معلمون في زمن الوالد درسوا في حوران مثل سليمان النومان وجبر الدهام وهذه الاجتهادات تمت قبل التعليم النظامي في العهد السعودي.
مشاركة خجولة
• لكن الواضح أن المرأة في مجتمع الجوف مازالت بعيدة عن المشاركة الحقيقية؟
لم تستفد المرأة من التعليم في الجوف، فأغلب بنات المنطقة ينظرن للوظيفة كأقصى طموح، والنتيجة العامة جيدة والتعليم منتشر والجامعيات يملأن البيوت، ومدارس وخريجات التعليم من البنات أكثر من البنين، لكن الدور الذي ينبغي أن تنهض به المرأة في الشمال مازال خجولا خصوصاً في المجال الثقافي.
• بطبيعة الحال سيكون خجولا إذا كنتم تحرقون الأندية الأدبية لمجرد الإعلان عن ظهور امرأة ؟
أعترف بصراحة أننا لم نقدم لهم ما يساعدهم على هذا الدور لأن الصورة مظلمة.
• من قبل من؟
هذا كلام يعلم ولا يقال.
• انتقلت فجأة من مدير تعليم إلى مدير لشؤون البلديات وكأنك العالم بكل شيء؟
انتقلت استجابة لإلحاح الأمير عبدالرحمن السديري أمير الجوف سابقاً رحمه الله، لرغبته في أن يتولى منصب رئيس بلدية الجوف أحد أبناء المنطقة، نظراً لتعاقب أكثر من رئيس ليسوا من أبناء المنطقة، وكنت متردداً كثيراً وظللت أفكر لمدة عام ثم وافقت، وانتظرت ستة أشهر حتى قبلت إعارتي من التعليم إلى البلديات عام 1393هـ.
• على طريقة مدرس بلا شهادة أصبحت رئيساً للبلدية بدون خبرة أو شهادة هندسة؟
كنت راغباً في المغامرة المجازفة والتجريب وتعلم خبرات جديدة، وهكذا جبلت من صغري، وقلت لنفسي كفاية مناهج وكتب ومعلمين، مع أنني كنت مرتاحاً مادياً ومعنوياً في التعليم، ولا أخفيك أن أسوأ يوم عمل لي في البلديات كان يومي الأول فقد دخلت مكتب رئيس البلدية وأنا قادم من مكتبي المرتب والمريح والمنظم في التعليم، لأجد غرفة مساحتها 4×5 ومدهونة بالأزرق من الداخل، والطاولة حديدية وصدئة وعليها ختم و«استامب» ودفتر البنزين الذي يصرف لسيارات البلدية، فاشمأزت نفسي كثيراً وشعرت أن أمامي عملاً كبيراً، وبدأنا بعمل مكتب جديد على حساب الدولة ولازالت البلدية فيه حتى الآن وانطلقنا.
• انطلقت بسرعة فأصبحت مسؤولا عن كل بلديات الشمال؟
مع تعيين الأمير ماجد بن عبدالعزيز رحمه الله وزيراً للبلديات، أصدر أمراً بتشكيل مكاتب تخطيط المدن لرعاية شؤون البلديات وتقديم الخدمات الفنية والهندسية لها، ثم أتبع ذلك بتشكيل مديريات بالمناطق، وكلفت بعمل تخطيط المدن إلى جانب عملي وأنا لست مهندساً وفي تلك الفترة كلفت بإدارة مشروع كهرباء الجوف لمدة سنة ونصف، ولست مهندس كهرباء.
• علاقاتك جيدة مع الحاكم الإداري؟
المسألة ليست علاقات إطلاقاً، وفي حياتي لم أطلب منصباً، والحاكم الإداري لا يعطيني هبة، وليست بيني وبينه صلة أو رحم.
• إذن هي مشكلة نقص كفاءات في المجتمع آنذاك؟
لا تؤول الأمور بأي شكل، فقد كانت قناعة المسؤول وكنت أنا في الواجهة، ففي تخطيط المدن وبعد سنتين من تولي المسؤولية جاء الدكتور صالح المالك رحمه الله فعينني مديراً عاماً للشؤون البلدية والقروية بالشمال، وأشرفت على عرعر والجوف وتبوك وكل منطقة خط الأنابيب وكان لدي أكثر من ثلاثين مهندساً.
• رأستهم وأنت إداري بحت؟
لم أجد حرجاً في ذلك، فقد كنت أتعلم منهم وأكتسب خبرة غير طبيعية، وأنا إداري مجتهد في عملي وواثق من نفسي وأعمل مع الآخرين بروح الفريق وطبقت نظرية تعلمتها في إحدى الدورات في شركة أرامكو، وهي أن يأتوا بالرؤساء المتماثلين، فيبدأون بإظهار عيوب كل فرد منهم وعلى الشخص المنتقد أن يكتب هذه العيوب بنفسه على السبورة ثم يبدأ بتحليلها والرد عليها كلها، فكنت أضع أي مخطط على السبورة وأحضر المهندسين كلهم لتحليل المخطط، وفي البداية واجهت عدم ترحيب من بعضهم لعدم قدرتهم على تحمل الانتقاد من زملائهم، ثم سارت الأمور بعد ذلك، وأصبحت أسلوب عمل، وبطبيعتي لا أؤمن بالأوامر والنواهي وفي تلك الفترة، كان هناك مهندسون مصريون من برنامج الأمم المتحدة في وكالة تخطيط المدن، وكانوا يناقشون كل مخطط يرفع إلى الوزارة، والمفترض أن هذا المخطط مدروس ولا يقبل الرفض، والحمد لله أنه منذ تسلمي لمسؤولية مديرية البلديات إلى أن تقاعدت لم يرجع لنا أي مخطط فيه عيب أو خطأ، واعتمدنا عشرات المخططات في كل المدن والقرى التابعة للمديرية.
مغرية ومؤذية
• تعتقد أنك لو كنت مهندساً ستقدم عملا أفضل للمنطقة؟
ليس بالضرورة، والآن لو كان رئيس البلدية مهندساً وعنده نصيب وحظ في الإدارة فسينجح، لكن إن كان فاشلا إدارياً وله مآرب أخرى فسيفشل.
• الكثير لهم مأرب في البلديات؟
العمل في البلديات يثير الشبهة للأسف، والجو العام يغري من يريد أن يعبث، وهناك من رؤساء البلديات من يعمل لثلاث أو أربع سنوات في مكان ثم يكتشف أمره فينقل لموقع آخر، فيكرر نفس الفعل وهكذا، والحقيقة أن عمل البلديات مغر ومؤذ في الوقت نفسه.
• ألم تكن لك مآرب أخرى في قطاع يسيل له اللعاب؟
أتحدى من يجد أنني أخذت شبراً واحداً من أرض طيلة عشر سنوات قضيتها في هذا العمل، أو أنني أخذت من أحد دون وجه حق أو أعطيت أحداً أيضاً دون وجه حق.
• تعرضت لإغراءات معينة ؟
إلى حد ما، ولكن أنا ابن ناس ومتربي وأعرف الحلال من الحرام.
• ما مشكلة البلديات أساساً؟
أنها تعمل في ظل ثلاثة أشياء، أولها تعليمات الدولة، وثانيها الحاكم الإداري، الذي يكون له رأي ودور ووجهة نظر أحياناً، وثالثهما المواطنون وأطماعهم.
• هل اصطدمت مع الحاكم الإداري في هذا الشأن خلال العشر سنوات التي قضيتها في البلديات؟
لا داعي لأن تنكأ الجروح فقد ذهب كل إلى ربه.
• ولكنك ارتكبت أخطاء في عملك سواء في التعليم أو البلديات بهذه الصفة الاجتهادية ؟
من أخطائي التي ارتكبتها أن الثقة بالعموم سواء كانوا من زملاء العمل أو من أقرب الناس إلي تظل خطأ ويجب الحذر منها.
• وواجهت ضغوطاً أيضاً؟
هناك ضغوط غير مباشرة ،تأتيك على شكل تلميحات أو وجهات نظر والإنسان العاقل عليه أن لا يصطدم مع الناس، وأنا لست صدامياً ولا ضعيفاً وحاولت دائما أن أقنع المسؤول بطريقة منطقية.
• هل اصطدمت مع التعليم عندما ذهبت للبلديات؟
بل على العكس كنت عوناً لهم.
الاصطدام مع المجتمع
• بصفتك رئيساً للجنة الثقافية في مجلس المنطقة، ما مشكلة أدبي تبوك ؟
لا توجد قناة مفتوحة للتواصل معهم ومع قناعاتهم وهناك خلل في تركيبة المجلس، ونحن في وقت لا يجب فيه على إدارة النادي الأدبي أن تصطدم مع مشاعر المجتمع، وأنا وان كنت لا أعارض أن تأتي امرأة وسط حضور رجالي وتلقي الشعر، ولكن المجتمع أقوى من الاجتهادات الفردية وتوظيف المرأة واتخاذها كواجهة تقدمية لكل شيء، والحادثة التي شهدها النادي دفعت الدولة للتعامل معها على أنه قضية أمنية وتعالجها بطريقتها الخاصة.
• هذا موقف سلبي منكم؟
ليس باختيارنا كمواطنين ومجلس منطقة وشيبان، لنا قيمتنا في المجتمع إلا أن نسير في تيار (احفظ نفسك وحافظ على حدودك).
• ربما جعلت الحوادث السابقة من المنطقة حالة خاصة؟
لا، الجوف ليست حالة خاصة فما ينطبق على منطقتنا تجده في كافة المناطق، وفي اعتقادي أن الدولة تستطيع أن تحل كثيراً من مشاكل الشباب بالتجنيد الإلزامي، وفي خلال سنتين، سيتعلم قيمة الوقت والانضباط والالتزام، وأصبحت الخطب والمحاضرات والكتب والإعلام لا قيمة لها في حل مشاكلهم.
• الغريب أنك لا تمانع في قيادة أم خالد للسيارة، وهذا أمر يصطدم مع مسلمات المجتمع؟
أتمنى أنها تتعلم قيادة السيارة، وأنا أعطيها سيارتي بكرة، وأنا مع قيادة المرأة المنظمة للمرأة المتزوجة والعاقلة والواعية التي تحتاج لإيصال أبنائها وبناتها لمدارسهم وأعمالهم ولا أجد محظوراً في هذا وهو أفضل لها من سائق، لكنني لست مع إعطاء سيارة لفتاة في سن مراهقة، لأن هذا يفتح عليها باب المشاكل لكون نظرة المجتمع غير ناضجة لهذا الأمر.
خلل في التنشئة
• ألا يفتح عليك مثل هذا الرأي المشاكل في منطقة تصاعدت فيها ثقافة القتل كوسيلة تفاهم مع الرأي الآخر؟
لست خائفاً من أحد، والأصل في كل الأمور الإباحة والحل، إلا ما ثبتت حرمته، وليس العكس، وهذا أمر ملموس على مستوى المملكة، فبعض الجهات ترى أن الأصل في الأمور الحرمة، إلا ما ثبت حله وإباحته، وهذا هو سبب الإشكالية في مجتمعنا، وحتى موضوع السفور فيه خلاف، فمشايخنا يرون أنه من باب سد الذرائع، وكذلك الاختلاط في الإسلام الأصل فيه الإباحة، لكن المحذور هو الخلوة وليس الاختلاط، ولكن توجه الفكر لمنع الاختلاط، لأنه يؤدي إلى الخلوة، فلذلك منع وأصبح أمراً غير مقبول.
• تبدو ثقافة التهديد متصاعدة وكأنها جزء من تأزم الحوار في منطقة الجوف؟
الحوار شبه مفقود في الجوف وهناك خلل في التنشئة الدينية وليس هناك خطوط وسط، فالشباب إما متشددون أو مفرطون .
• هل تعتقد أنها مرحلة صراع بين ثقافة منكفئة في الداخل ومنفتحة من الحدود؟
إذا قارنت الجوف بثقافة وسط المملكة والقصيم، فستجد المجتمع فيه صور وشخصيات منفتحة ومعتدلة، وعلى مر التاريخ تظهر مثل هذه الحركات إلى عهد الملك عبدالعزيز، وأتذكر أن بعض الإخوان طلبوا أن يجاهدوا في فلسطين ودار حديث بين الملك عبدالعزيز وأحد مستشاريه، فقال له «هذه بندق ثائرة، فهي إما في عدوك أوفيك فخلهم يجاهدون»، ولا تستغرب ما حدث بعد ذلك من جهيمان وغيره من فئات ضالة ومتحمسة ومندفعة، ونحن في حاجة إلى برامج إصلاحية مكثفة لشبابنا.
• والحوار الوطني ما دوره؟
لا أعلم، ولكن ماذا أنتج لنا هذا الحوار من قرارات نتيجة التوصيات التي تعتبر أساساً لعمله.
ميزانية المناطق
• طالبت بضرورة تطبيق الميزانيات المستقلة التي وردت في نظام المناطق؟
لم آت بشيء من عندي، فهذا الأمر منصوص عليه، ومرتبط بإنشاء نظام المناطق، ولكنه لم يطبق لأسباب لا نعرفها، وقد تكلمنا وكتبنا مراراً بأن إصلاح المناطق يبدأ من خلال الميزانيات المستقلة، وما يحدث الآن أن التخطيط والتنظيم والتنفيذ والمتابعة كلها بيد الوزارات المركزية، ولا يبت مديرو الإدارات في شيء إلا بعد الرجوع للوزارات، وهذه مركزية شديدة ومن ثم فإن تفرغ الوزارات للتخطيط والمتابعة وترك صلاحيات الميزانيات للمناطق سيحل كثيراً من المشاريع المعطلة، ومن واقع تجربتي حالياً كرئيس للجنة تنفيذ المشاريع في مجلس منطقة الجوف، لدينا أكثر من أربعة مليار ريال لمشاريع لم ينفذ منها شيء منذ عامين لأن المشاريع لا تطرح في مناقصة، إلا بعد سنة من إعلانها وهذا عطل وأضاع كثيراً من المشاريع بينما من الأولى أن تعطى هذه الصلاحية للمناطق وتحاسب على ضوء تنفيذها للمشاريع أولا بأول، ومن الأمور المحزنة أن مبنى إمارة الجوف بعد أربع سنوات من طرحه في مناقصة لم ينفذ بعد، بسبب المعوقات التي يواجهها المقاول، وطرح الآن من جديد في مناقصة أخرى، ويا ليل ما أطولك.
• الجوف دفعت ثمن هذه المركزية؟
كل مناطق المملكة تدفع الثمن، وأؤكد لك هذه الحقيقة من خلال عضويتي في اللجنة التجارية الوطنية، ومطلع على ما يحدث وجاءت وزارة العمل فزادت الطين بلة بنظرية السعودة وبرنامجها الفاشل مائة في المائة .
• برنامج فاشل؟
نعم وأقولها بملء صوتي، أنه برنامج ليس مبنياً على أساس علمي ويرفع كشعار ويهدم البلد، ولا يبنيها ومغلف بنظرة استعلائية وفوقية وبورجوازية، وأقولها واثقاً إن الشاب السعودي الراغب في العمل لا يقف في طريقه شيء، ولكن وزارة العمل تصر على أن تعلمنا الكذب، لكي نتماشى مع تعليماتها والواقع يقول عكس ذلك.
• دافعت عن مشروع تمديد الغاز للمنازل في أكثر من مناسبة ولم يستمع لك أحد، لماذا؟
ومازلت مدافعاً عن المشروع ومستغرباً عدم تنفيذه، إذ لا يمكن أن نصدق أن دولا مثل مصر وباكستان وبنغلاديش نجحت في إيصال الغاز للبيوت عبر التمديدات مثل الكهرباء والماء، ونحن نعجز في المملكة عن تنفيذ هذا المشروع الهام، وقد طرح الموضوع للنقاش في العام الماضي في الرياض بحضور الأمير سلطان بن سلمان، وقال البعض إنه مشروع غير مجد وأنا أتساءل: إلى متى نظل نحمل أنابيب الغاز على ظهورنا؟ وليت الذين يرفضون المشروع يقدمون حلا بديلا أفضل مما اقترح ورفض.
• هل صحيح أن علاقتك بالرياضة (علاقة حظ)؟
هذا صحيح، ولكنني كنت رياضياً قبل أن أكون محظوظاً ولعبت الكرة الطائرة وتوقفت عن ممارستها عندما أصبحت مفتشاً في الوزارة، أما الحظ الذي تسألني عنه فقد حدث معي عام 1990م، عندما اشتريت سيارة وفزت بالقرعة برحلة لحضور مباريات كأس العالم في أمريكا، في أول مشاركة للمنتخب السعودي في هذا المونديال، وقد استمتعت كثيراً بحضور هذه التظاهرة العالمية مع أنني لا أعرف من لاعبينا سوى العويران، بعد أن سمعت اسمه من أحد الأمريكان المعجبين وهو يردد بجواري (أويران أويران).
لا أجد ما يمنع أم خالد من قيادة السيارة .. رائد التعليم المختلط وبلديات الشمال إبراهيم خليف لـ «عكاظ»:
لم أسرق ولست خائفا من القتل ولا تنكأوا جراحنا فلسنا حالة خاصة
http://www.okaz.com.sa/okaz/myfiles/2009/05/15/b40-big.jpg (javascript: newWindow=openWin('PopUpImgContent20090515277559.h tm','OkazImage','width=600,height=440,toolbar=0,lo cation=0,directories=0,status=0,menuBar=0,scrollBa rs=0,resizable=0' ); newWindow.focus())
حوار : بدر الغانمي
في الوقت الذي كانت فيه شمس التعليم تطل على استحياء من وراء الكتاتيب، عندما كانت الخيمة والشراع هي الظل الظليل من الحر، إلى أن جاء بيت الطين ليكون ترفا كان إبراهيم بن خليف بن مسلم السطام يحتسب خطواته ودقائقه ليكون شاهداً على كل تفاصيل المرحلة.. دخل معلماً من باب المغامرة الضيق والمحرج والمخيف على ظهر حمار وبلا شهادة وانتهى به الحال مديراً للتعليم ورائداً له وصاحب يد بيضاء على أجيال متعددة من أبناء المنطقة.. وليته توقف عند هذا الحد فقد استمر في مغامرته ليدير قطاع البلديات في كل مدن الشمال، وهو القطاع الذي وصفه بالمؤذي والمثير للشبهة والمغري إلى درجة العبث.. الرجل الذي يوظف اليوم رصيد سنواته الثمانين عضواً في مجلس منطقة الجوف، مازال جريئاً ومغامراً وآراؤه لاتقبل القسمة على اثنين، وفي حديثه أطروحات منطقية وملامسة واقعية وأوراق ململمة من شجرة تاريخ بلادنا تستحق أن تقرأ بعناية.. أما رصيد الطفولة والتجارب الأولى فهي لب الحوار ومنها نبدأ..
ولدت وحيداً بلا إخوة، فكنت بالنسبة لوالدي رحمه الله ابناً وأخاً وصديقاً منذ الصغر، وبدأ يعلمني القاعدة البغدادية لأحرف الهجاء مبكراً، ثم أدخلني كتاب الشيخ فيصل المبارك رحمه الله، وكنت في الثانية عشرة من عمري، ولكوني ابنه الوحيد فقد حفظنا القرآن سوية، لأنه كان رحمه الله كفيفاً فكنت أحفظ ثم أقوم بتحفيظه، ثم درست المرحلتين الابتدائية والمتوسطة في الجوف بنظام المنازل وعينت بعد ذلك مدرساً في الجوف بشهادة القرآن الكريم وبترشيح من الشيخ فيصل، وكنت في الخامسة عشرة من عمري، ثم طلب الشيخ فيصل من المسؤولين في الأحوال المدنية أن يزيدوا عمري سنتين في حفيظة النفوس، كي أصبح معلماً والجماعة ما قصروا، ثم اتجهت بعد ذلك للدراسة في القاهرة لمرحلتي الثانوية العامة والجامعة بنظام المنازل أيضاً رغبة مني في اختصار الوقت، حيث كانت الدراسة في مصر تمكن الطالب من اختصار السنوات الثلاث في سنة واحدة، فقدمت في مدرسة المنيرة وأخذت الثانوية العامة، أما الجامعة فكنت أذهب لمصر لأختبر كل سنة.
• ما الذي كان يمثله الشيخ فيصل الذي يملك حق تعيينك كمعلم والتوجيه بزيادة عمرك في الأحوال المدنية؟
كان الشيخ فيصل رجلا تقياً وورعاً وزاهداً في الدنيا وكان يتولى تزكية وترشيح المعلمين لدى فضيلة الشيخ محمد بن مانع رحمه الله مدير عام المعارف آنذاك، كما أن كلمته نافذة على الجميع، لدرجة أنه عندما رغبنا في شراء الراديو عام 1367 هـ، والذي كان وقفاً على الخاصة وكبار الموظفين في ذلك الوقت، وكنت مع والدي ما زلنا ندرس في حلقات الشيخ، فتقدمنا بخطاب لفضيلته نستأذنه فيه بشراء راديو لسماع القرآن الكريم والأخبار والبرامج النافعة، فكتب فضيلته على خطابنا (لا بأس إذا لم يفتح على الأغاني، ولم يله عن الصلاة) فاشتريناه، وبعد مضي شهر سألني الشيخ فيصل عن الورقة التي كتب عليها، فأحضرتها له في اليوم التالي، فكتب تحت موافقته السابقة على شراء الراديو (ومثلكم ما ينبغي له ذلك)، فما كان من والدي إلا أن أمرنا ببيع الراديو امتثالا لأوامر الشيخ، وهذه تكشف لك مدى الاحترام الذي كان يحظى به، وقد خرج من الدنيا وهو لا يملك ديناراً ولا درهماً، فقد أهدى منزله في حريملاء ليكون مكتبة عامة، أما منزله في الجوف فقد أقيم عليه مقر جمعية تحفيظ القرآن الكريم، ويوم وفاته توقف كل شيء في الجوف وكانت جنازته مهيبة وحاشدة.
معلم بلا شهادة
• رشحت للتدريس في سن الخامسة عشرة وبدون شهادة أيضاً .. كيف واجهت هذا الموقف المحرج؟
لا وكان خطي سيئاً ولا أخفيك كان الخبر مفاجئاً لي، ولكن لم يكن أمامي مجال للرفض لأن الراتب كان مغرياً جداً 180 ريالا، في تلك الفترة رغم أن تعييني جاء في قرية الطوير التي تبعد عن سكاكا ستة كيلومترات، ومن ثم فليس أمامي إلا السير يومياً اثني عشر كيلو متراً، إذ لم يكن هناك طرق ولا سيارات، وكان علي أن أحمل أثاث المدرسة معي، والمكون من سبورة وطباشير ودفاتر وكتب فقط فاستعرت حماراً لحمل الأثاث، وعندما وصلت إلى القرية وجدت المبنى مكوناً من غرفتين من الطين واللبن والغرف ضيقة ومظلمة وبدون أبواب ونوافذ ولا ماء ولا مقاعد، ولم تكن كل هذه الاحتياجات تقف عائقاً أمام بدء الدراسة بثلاثين طالباً أصغرهم عمره عشر سنوات، واستمررت لمدة ستة أشهر، ثم تمكنت من شراء دراجة هوائية، وكانت تسمى في الجوف (حصين إبليس) وقد عانيت من الارتطامات والصدام بالجدران، لجهلي بأسلوب قيادتها، وكنت أدعى للغداء دائماً عند رجال القرية بعد انتهاء كل يوم دراسي.
• الغريب أنك رشحت بعد عام واحد للتدريس في مدرسة الجوف الأميرية، وهي آنذاك أم المدارس، بل كان البعض يطلق عليها الإدارة التعليمية في المنطقة، وأنت مازلت بلا شهادة ؟
شعرت بالخوف والحرج فعلا، فمدرسة الجوف الأميرية كانت تقوم أيضاً على استقبال المدرسين وتوزيعهم على مدارس المنطقة، واستلام الكتب الدراسية وتوزيعها وصرف رواتب المدرسين وافتتاح المدارس وعن طريقها افتتحت معظم المدارس داخل مدينة سكاكا وخارجها، كما أن طلابي يقدمون للشهادة الابتدائية، وأنا ليس معي شهادة وقد فوجئت بأنني سأدرس مادة الجغرافيا لطلاب الصف الرابع، ولم يكن لدي علم بها ولكنني اعتمدت على جرأتي ومغامرتي، فقررت حفظ الدروس ثم قراءتها غيباً على الطلاب، وكنت أمر ببعض التعريفات التي أجهلها مثل (الجزيرة، الرأس، الخليج، والأرخبيل) لا أعرف رأسها من رجلها، وكدت أن أذهب ضحية لذلك عندما زارنا حسن صالح فقيها، أول مفتش يصل للمنطقة لاختبار المعلمين فعرفت أنني سأفصل، وفي اليوم التالي حضر المفتش حصة الجغرافيا، التي حفظت درسها غيباً، وكانت لحظة حاسمة، فقد أعجب بأسلوبي في عرض الدرس وأثنى على مستوى الطلاب الذين كنت ألزمهم بحفظ الدروس غيباً أيضاً، وانتهى الموضوع بسلام والحمد لله.
• على الأقل كنت مخلصاً في حدود إمكانياتك على عكس بعض المعلمين اليوم الذين يقدمون مصالحهم على مصالح الطلاب ؟
كان الإخلاص والخوف من الله يحكم كل شيء، فعندما كنت مديراً لمدرسة الملك عبدالعزيز أخبرني حارس المدرسة أن أحد المعلمين يأخذ منه المفتاح كل يوم مع موعد انصراف الطلاب ويسلمه له صباح اليوم التالي، ولا يدري لماذا، فقمت بزيارة مفاجئة للمدرسة صباح اليوم التالي قبل طابور الصباح لأجد المعلم يأتي قبل موعد الدراسة بساعة ليعطي حصة إضافية لرفع مستوى بعض الطلاب، وهو لا ينتظر أجراً من وراء ذلك، كما أن بعض المعلمين كان يأتي على مدار العام بعد العصر للمشاركة في الأنشطة الطلابية بلا مقابل، وللأسف أن هذه النماذج التي تعطي وتضحي تراجعت من الكثرة إلى القلة.
• كان العطاء أكبر من العقاب في تلك الفترة؟
إن تحدثت عن نفسي، فأنا أميل إلى التشجيع أكثر من العقاب، وكمثال فإن بعض المعلمين يميل إلى التأخر عن بعض الحصص لمدة ربع ساعة أو أكثر بعد الفسحة المدرسية، فكنت أذهب إلى فصله وأبدأ في الدرس مع الطلاب وبمجرد حضوره للصف يبدأ في الاعتذار ويتعهد بعدم تكرار هذا الموقف دون أن أطلب منه أن يفعل، فيكون درساً لغيره وقد أفلحت هذه الطريقة كثيراً في معالجة سلوك المعلمين، لكن من الطرافة ذكر نموذج لعقوبات تلك الفترة، ففي أحد أيام عام 1383هـ التقى فريق كرة الطائرة في مدرسة اللقائط القريبة من سكاكا بفريق مدرسة القدس الابتدائية في دومة الجندل على كأس النهائي، وكان فريق اللقائط مرشحاً قوياً للفوز، وقد وعدوا من قبل مدير المدرسة صالح البليهد برحلة إلى مدينة دومة الجندل للاطلاع على معالمها، ولكن حدث تغيير لمكان المباراة فأقيمت على ملعب المدرسة الغربية في سكاكا بدلا من دومة الجندل، فأغضب ذلك طلاب مدرسة اللقائط، فقرروا الانتقام من مديرهم بالتكاسل في المباراة وفعلا فاز فريق مدرسة القدس بالكأس، فلم يكن من البليهد إلا أن يرد الدين للطلاب فأخذهم في حوض سيارته (القلاب) ليعيدهم إلى منازلهم ودفعه غيظه إلى الخروج عن الطريق لمسافة أربعة كيلومترات باتجاه الجنوب الشرقي من مدينة سكاكا، ثم هدأ السرعة ورفع حوض القلاب فتساقط الطلاب على الأرض وتركهم ليعودوا إلى بيوتهم سيراً على الأقدام.
• يقال إنكم ابتدعتم التعليم المختلط في الجوف بدون إذن رسمي؟
فعلا، التعليم كان مختلطا في الجوف في المرحلة الابتدائية ولم يكن لدى إدارة المعارف خبر، لأن الطالبات غير مسجلات رسمياً، ولم يكن أحد يسمح أو يمنع في الوقت نفسه أو يتابع هذا الموضوع، ولكن آباء الطالبات كانوا موافقين ولديهم رغبة في تعليمهن، لأنه لم تفتح مدارس للبنات بعد في ذلك الوقت، بدأنا بسبع بنات، وتستطيع أن تقول إن مدارس الشمال عموماً في القريات وطريف وعرعر وسكاكا والجوف، كانت الطالبات فيها يدرسن مع الطلاب إلى الصف السادس الابتدائي، ولم يكن هذا الأمر غريباً.
• لكن المعروف أن تعليم البنات بدأ في القريات قبل تأسيس الرئاسة؟
وهذا يسجل للأمير عبدالله بن عبدالعزيز السديري، عندما جاء بمعلمات من سوريا وفتح مدرسة وعلم بنات المدينة، قبل أن تؤسس رئاسة تعليم البنات، وسواء كانت نظامية أم خلاف ذلك، فقد كانت هذه أول مدرسة في المنطقة، وهناك محاولات جادة بذلت من بعض الآباء مثال عيد الظميري، عندما علم ابنته سارة زوجة حماد الشلال، وكانت من أوائل من تبنى تعليم البنات في بيتها.
• تعتقد أن قربكم من الحدود مع بلاد الشام أثر في ثقافة المنطقة وساكنيها؟
طبعاً هناك تواصل وتأثر بتجربة بلاد الشام، وهذا أمر لا ينكر، وهناك معلمون في زمن الوالد درسوا في حوران مثل سليمان النومان وجبر الدهام وهذه الاجتهادات تمت قبل التعليم النظامي في العهد السعودي.
مشاركة خجولة
• لكن الواضح أن المرأة في مجتمع الجوف مازالت بعيدة عن المشاركة الحقيقية؟
لم تستفد المرأة من التعليم في الجوف، فأغلب بنات المنطقة ينظرن للوظيفة كأقصى طموح، والنتيجة العامة جيدة والتعليم منتشر والجامعيات يملأن البيوت، ومدارس وخريجات التعليم من البنات أكثر من البنين، لكن الدور الذي ينبغي أن تنهض به المرأة في الشمال مازال خجولا خصوصاً في المجال الثقافي.
• بطبيعة الحال سيكون خجولا إذا كنتم تحرقون الأندية الأدبية لمجرد الإعلان عن ظهور امرأة ؟
أعترف بصراحة أننا لم نقدم لهم ما يساعدهم على هذا الدور لأن الصورة مظلمة.
• من قبل من؟
هذا كلام يعلم ولا يقال.
• انتقلت فجأة من مدير تعليم إلى مدير لشؤون البلديات وكأنك العالم بكل شيء؟
انتقلت استجابة لإلحاح الأمير عبدالرحمن السديري أمير الجوف سابقاً رحمه الله، لرغبته في أن يتولى منصب رئيس بلدية الجوف أحد أبناء المنطقة، نظراً لتعاقب أكثر من رئيس ليسوا من أبناء المنطقة، وكنت متردداً كثيراً وظللت أفكر لمدة عام ثم وافقت، وانتظرت ستة أشهر حتى قبلت إعارتي من التعليم إلى البلديات عام 1393هـ.
• على طريقة مدرس بلا شهادة أصبحت رئيساً للبلدية بدون خبرة أو شهادة هندسة؟
كنت راغباً في المغامرة المجازفة والتجريب وتعلم خبرات جديدة، وهكذا جبلت من صغري، وقلت لنفسي كفاية مناهج وكتب ومعلمين، مع أنني كنت مرتاحاً مادياً ومعنوياً في التعليم، ولا أخفيك أن أسوأ يوم عمل لي في البلديات كان يومي الأول فقد دخلت مكتب رئيس البلدية وأنا قادم من مكتبي المرتب والمريح والمنظم في التعليم، لأجد غرفة مساحتها 4×5 ومدهونة بالأزرق من الداخل، والطاولة حديدية وصدئة وعليها ختم و«استامب» ودفتر البنزين الذي يصرف لسيارات البلدية، فاشمأزت نفسي كثيراً وشعرت أن أمامي عملاً كبيراً، وبدأنا بعمل مكتب جديد على حساب الدولة ولازالت البلدية فيه حتى الآن وانطلقنا.
• انطلقت بسرعة فأصبحت مسؤولا عن كل بلديات الشمال؟
مع تعيين الأمير ماجد بن عبدالعزيز رحمه الله وزيراً للبلديات، أصدر أمراً بتشكيل مكاتب تخطيط المدن لرعاية شؤون البلديات وتقديم الخدمات الفنية والهندسية لها، ثم أتبع ذلك بتشكيل مديريات بالمناطق، وكلفت بعمل تخطيط المدن إلى جانب عملي وأنا لست مهندساً وفي تلك الفترة كلفت بإدارة مشروع كهرباء الجوف لمدة سنة ونصف، ولست مهندس كهرباء.
• علاقاتك جيدة مع الحاكم الإداري؟
المسألة ليست علاقات إطلاقاً، وفي حياتي لم أطلب منصباً، والحاكم الإداري لا يعطيني هبة، وليست بيني وبينه صلة أو رحم.
• إذن هي مشكلة نقص كفاءات في المجتمع آنذاك؟
لا تؤول الأمور بأي شكل، فقد كانت قناعة المسؤول وكنت أنا في الواجهة، ففي تخطيط المدن وبعد سنتين من تولي المسؤولية جاء الدكتور صالح المالك رحمه الله فعينني مديراً عاماً للشؤون البلدية والقروية بالشمال، وأشرفت على عرعر والجوف وتبوك وكل منطقة خط الأنابيب وكان لدي أكثر من ثلاثين مهندساً.
• رأستهم وأنت إداري بحت؟
لم أجد حرجاً في ذلك، فقد كنت أتعلم منهم وأكتسب خبرة غير طبيعية، وأنا إداري مجتهد في عملي وواثق من نفسي وأعمل مع الآخرين بروح الفريق وطبقت نظرية تعلمتها في إحدى الدورات في شركة أرامكو، وهي أن يأتوا بالرؤساء المتماثلين، فيبدأون بإظهار عيوب كل فرد منهم وعلى الشخص المنتقد أن يكتب هذه العيوب بنفسه على السبورة ثم يبدأ بتحليلها والرد عليها كلها، فكنت أضع أي مخطط على السبورة وأحضر المهندسين كلهم لتحليل المخطط، وفي البداية واجهت عدم ترحيب من بعضهم لعدم قدرتهم على تحمل الانتقاد من زملائهم، ثم سارت الأمور بعد ذلك، وأصبحت أسلوب عمل، وبطبيعتي لا أؤمن بالأوامر والنواهي وفي تلك الفترة، كان هناك مهندسون مصريون من برنامج الأمم المتحدة في وكالة تخطيط المدن، وكانوا يناقشون كل مخطط يرفع إلى الوزارة، والمفترض أن هذا المخطط مدروس ولا يقبل الرفض، والحمد لله أنه منذ تسلمي لمسؤولية مديرية البلديات إلى أن تقاعدت لم يرجع لنا أي مخطط فيه عيب أو خطأ، واعتمدنا عشرات المخططات في كل المدن والقرى التابعة للمديرية.
مغرية ومؤذية
• تعتقد أنك لو كنت مهندساً ستقدم عملا أفضل للمنطقة؟
ليس بالضرورة، والآن لو كان رئيس البلدية مهندساً وعنده نصيب وحظ في الإدارة فسينجح، لكن إن كان فاشلا إدارياً وله مآرب أخرى فسيفشل.
• الكثير لهم مأرب في البلديات؟
العمل في البلديات يثير الشبهة للأسف، والجو العام يغري من يريد أن يعبث، وهناك من رؤساء البلديات من يعمل لثلاث أو أربع سنوات في مكان ثم يكتشف أمره فينقل لموقع آخر، فيكرر نفس الفعل وهكذا، والحقيقة أن عمل البلديات مغر ومؤذ في الوقت نفسه.
• ألم تكن لك مآرب أخرى في قطاع يسيل له اللعاب؟
أتحدى من يجد أنني أخذت شبراً واحداً من أرض طيلة عشر سنوات قضيتها في هذا العمل، أو أنني أخذت من أحد دون وجه حق أو أعطيت أحداً أيضاً دون وجه حق.
• تعرضت لإغراءات معينة ؟
إلى حد ما، ولكن أنا ابن ناس ومتربي وأعرف الحلال من الحرام.
• ما مشكلة البلديات أساساً؟
أنها تعمل في ظل ثلاثة أشياء، أولها تعليمات الدولة، وثانيها الحاكم الإداري، الذي يكون له رأي ودور ووجهة نظر أحياناً، وثالثهما المواطنون وأطماعهم.
• هل اصطدمت مع الحاكم الإداري في هذا الشأن خلال العشر سنوات التي قضيتها في البلديات؟
لا داعي لأن تنكأ الجروح فقد ذهب كل إلى ربه.
• ولكنك ارتكبت أخطاء في عملك سواء في التعليم أو البلديات بهذه الصفة الاجتهادية ؟
من أخطائي التي ارتكبتها أن الثقة بالعموم سواء كانوا من زملاء العمل أو من أقرب الناس إلي تظل خطأ ويجب الحذر منها.
• وواجهت ضغوطاً أيضاً؟
هناك ضغوط غير مباشرة ،تأتيك على شكل تلميحات أو وجهات نظر والإنسان العاقل عليه أن لا يصطدم مع الناس، وأنا لست صدامياً ولا ضعيفاً وحاولت دائما أن أقنع المسؤول بطريقة منطقية.
• هل اصطدمت مع التعليم عندما ذهبت للبلديات؟
بل على العكس كنت عوناً لهم.
الاصطدام مع المجتمع
• بصفتك رئيساً للجنة الثقافية في مجلس المنطقة، ما مشكلة أدبي تبوك ؟
لا توجد قناة مفتوحة للتواصل معهم ومع قناعاتهم وهناك خلل في تركيبة المجلس، ونحن في وقت لا يجب فيه على إدارة النادي الأدبي أن تصطدم مع مشاعر المجتمع، وأنا وان كنت لا أعارض أن تأتي امرأة وسط حضور رجالي وتلقي الشعر، ولكن المجتمع أقوى من الاجتهادات الفردية وتوظيف المرأة واتخاذها كواجهة تقدمية لكل شيء، والحادثة التي شهدها النادي دفعت الدولة للتعامل معها على أنه قضية أمنية وتعالجها بطريقتها الخاصة.
• هذا موقف سلبي منكم؟
ليس باختيارنا كمواطنين ومجلس منطقة وشيبان، لنا قيمتنا في المجتمع إلا أن نسير في تيار (احفظ نفسك وحافظ على حدودك).
• ربما جعلت الحوادث السابقة من المنطقة حالة خاصة؟
لا، الجوف ليست حالة خاصة فما ينطبق على منطقتنا تجده في كافة المناطق، وفي اعتقادي أن الدولة تستطيع أن تحل كثيراً من مشاكل الشباب بالتجنيد الإلزامي، وفي خلال سنتين، سيتعلم قيمة الوقت والانضباط والالتزام، وأصبحت الخطب والمحاضرات والكتب والإعلام لا قيمة لها في حل مشاكلهم.
• الغريب أنك لا تمانع في قيادة أم خالد للسيارة، وهذا أمر يصطدم مع مسلمات المجتمع؟
أتمنى أنها تتعلم قيادة السيارة، وأنا أعطيها سيارتي بكرة، وأنا مع قيادة المرأة المنظمة للمرأة المتزوجة والعاقلة والواعية التي تحتاج لإيصال أبنائها وبناتها لمدارسهم وأعمالهم ولا أجد محظوراً في هذا وهو أفضل لها من سائق، لكنني لست مع إعطاء سيارة لفتاة في سن مراهقة، لأن هذا يفتح عليها باب المشاكل لكون نظرة المجتمع غير ناضجة لهذا الأمر.
خلل في التنشئة
• ألا يفتح عليك مثل هذا الرأي المشاكل في منطقة تصاعدت فيها ثقافة القتل كوسيلة تفاهم مع الرأي الآخر؟
لست خائفاً من أحد، والأصل في كل الأمور الإباحة والحل، إلا ما ثبتت حرمته، وليس العكس، وهذا أمر ملموس على مستوى المملكة، فبعض الجهات ترى أن الأصل في الأمور الحرمة، إلا ما ثبت حله وإباحته، وهذا هو سبب الإشكالية في مجتمعنا، وحتى موضوع السفور فيه خلاف، فمشايخنا يرون أنه من باب سد الذرائع، وكذلك الاختلاط في الإسلام الأصل فيه الإباحة، لكن المحذور هو الخلوة وليس الاختلاط، ولكن توجه الفكر لمنع الاختلاط، لأنه يؤدي إلى الخلوة، فلذلك منع وأصبح أمراً غير مقبول.
• تبدو ثقافة التهديد متصاعدة وكأنها جزء من تأزم الحوار في منطقة الجوف؟
الحوار شبه مفقود في الجوف وهناك خلل في التنشئة الدينية وليس هناك خطوط وسط، فالشباب إما متشددون أو مفرطون .
• هل تعتقد أنها مرحلة صراع بين ثقافة منكفئة في الداخل ومنفتحة من الحدود؟
إذا قارنت الجوف بثقافة وسط المملكة والقصيم، فستجد المجتمع فيه صور وشخصيات منفتحة ومعتدلة، وعلى مر التاريخ تظهر مثل هذه الحركات إلى عهد الملك عبدالعزيز، وأتذكر أن بعض الإخوان طلبوا أن يجاهدوا في فلسطين ودار حديث بين الملك عبدالعزيز وأحد مستشاريه، فقال له «هذه بندق ثائرة، فهي إما في عدوك أوفيك فخلهم يجاهدون»، ولا تستغرب ما حدث بعد ذلك من جهيمان وغيره من فئات ضالة ومتحمسة ومندفعة، ونحن في حاجة إلى برامج إصلاحية مكثفة لشبابنا.
• والحوار الوطني ما دوره؟
لا أعلم، ولكن ماذا أنتج لنا هذا الحوار من قرارات نتيجة التوصيات التي تعتبر أساساً لعمله.
ميزانية المناطق
• طالبت بضرورة تطبيق الميزانيات المستقلة التي وردت في نظام المناطق؟
لم آت بشيء من عندي، فهذا الأمر منصوص عليه، ومرتبط بإنشاء نظام المناطق، ولكنه لم يطبق لأسباب لا نعرفها، وقد تكلمنا وكتبنا مراراً بأن إصلاح المناطق يبدأ من خلال الميزانيات المستقلة، وما يحدث الآن أن التخطيط والتنظيم والتنفيذ والمتابعة كلها بيد الوزارات المركزية، ولا يبت مديرو الإدارات في شيء إلا بعد الرجوع للوزارات، وهذه مركزية شديدة ومن ثم فإن تفرغ الوزارات للتخطيط والمتابعة وترك صلاحيات الميزانيات للمناطق سيحل كثيراً من المشاريع المعطلة، ومن واقع تجربتي حالياً كرئيس للجنة تنفيذ المشاريع في مجلس منطقة الجوف، لدينا أكثر من أربعة مليار ريال لمشاريع لم ينفذ منها شيء منذ عامين لأن المشاريع لا تطرح في مناقصة، إلا بعد سنة من إعلانها وهذا عطل وأضاع كثيراً من المشاريع بينما من الأولى أن تعطى هذه الصلاحية للمناطق وتحاسب على ضوء تنفيذها للمشاريع أولا بأول، ومن الأمور المحزنة أن مبنى إمارة الجوف بعد أربع سنوات من طرحه في مناقصة لم ينفذ بعد، بسبب المعوقات التي يواجهها المقاول، وطرح الآن من جديد في مناقصة أخرى، ويا ليل ما أطولك.
• الجوف دفعت ثمن هذه المركزية؟
كل مناطق المملكة تدفع الثمن، وأؤكد لك هذه الحقيقة من خلال عضويتي في اللجنة التجارية الوطنية، ومطلع على ما يحدث وجاءت وزارة العمل فزادت الطين بلة بنظرية السعودة وبرنامجها الفاشل مائة في المائة .
• برنامج فاشل؟
نعم وأقولها بملء صوتي، أنه برنامج ليس مبنياً على أساس علمي ويرفع كشعار ويهدم البلد، ولا يبنيها ومغلف بنظرة استعلائية وفوقية وبورجوازية، وأقولها واثقاً إن الشاب السعودي الراغب في العمل لا يقف في طريقه شيء، ولكن وزارة العمل تصر على أن تعلمنا الكذب، لكي نتماشى مع تعليماتها والواقع يقول عكس ذلك.
• دافعت عن مشروع تمديد الغاز للمنازل في أكثر من مناسبة ولم يستمع لك أحد، لماذا؟
ومازلت مدافعاً عن المشروع ومستغرباً عدم تنفيذه، إذ لا يمكن أن نصدق أن دولا مثل مصر وباكستان وبنغلاديش نجحت في إيصال الغاز للبيوت عبر التمديدات مثل الكهرباء والماء، ونحن نعجز في المملكة عن تنفيذ هذا المشروع الهام، وقد طرح الموضوع للنقاش في العام الماضي في الرياض بحضور الأمير سلطان بن سلمان، وقال البعض إنه مشروع غير مجد وأنا أتساءل: إلى متى نظل نحمل أنابيب الغاز على ظهورنا؟ وليت الذين يرفضون المشروع يقدمون حلا بديلا أفضل مما اقترح ورفض.
• هل صحيح أن علاقتك بالرياضة (علاقة حظ)؟
هذا صحيح، ولكنني كنت رياضياً قبل أن أكون محظوظاً ولعبت الكرة الطائرة وتوقفت عن ممارستها عندما أصبحت مفتشاً في الوزارة، أما الحظ الذي تسألني عنه فقد حدث معي عام 1990م، عندما اشتريت سيارة وفزت بالقرعة برحلة لحضور مباريات كأس العالم في أمريكا، في أول مشاركة للمنتخب السعودي في هذا المونديال، وقد استمتعت كثيراً بحضور هذه التظاهرة العالمية مع أنني لا أعرف من لاعبينا سوى العويران، بعد أن سمعت اسمه من أحد الأمريكان المعجبين وهو يردد بجواري (أويران أويران).