صقر الجنوب
22/05/2009, 11:52 PM
يواجهـــون المـــوت بــرواتـــــب ضئــــيــلة
يتسلقون البنايات في سقالات محفوفة بالخطر
عالقـــون علـى حافـة المـــوت
http://www.okaz.com.sa/okaz/myfiles/2009/05/22/ww31-big.jpg (javascript: newWindow=openWin('PopUpImgContent20090522279310.h tm','OkazImage','width=600,height=440,toolbar=0,lo cation=0,directories=0,status=0,menuBar=0,scrollBa rs=0,resizable=0' ); newWindow.focus())
عبدالرحمن الختارش-جدة
يتسلقون «السقالات» ولا يهابون الخطر رغم أن أصدقاء لهم فارقوا الحياة أمام ناظريهم سقوطا من مبان شاهقة أو صعقا بالكهرباء، ومهما تعددت المواقف الكثيرة التي مروا بها من قبل؛ إلا أن كل واحد من هذه المواقف كان يغلفه الحزن والأسى على فراق زميل أوصديق، تقاسموا معه كل الظروف الصعبة لحظة بلحظة. أولئك هم البسطاء الذين يعملون في بناء وتشييد المباني والمشاريع، أعمالهم محفوفة بالمخاطر لا يهابون شمس الظهيرة، يتسلقون المباني وقلوبهم مطمئنة إلى القضاء والقدر وألسنتهم تلهج بالثناء، وحين تقترب منهم لا تخطئ عيناك ملامحهم التي يكسوها التعب، والعرق المتساقط على جباههم كالمطر وتلك الابتسامة العريضة التي ترتسم على شفاههم تعبيرا عن الرضا، لا يركنون إلى الراحة والكسل، يعملون منذ الفجر، وعند الغروب يفرحون بانتهاء يوم شاق قدموا فيه كل ما يستطيعون من جهد، فيشكرون الله أنهم لم يصابوا بأذى فيعودون إلى منازلهم ليستعدوا ليوم جديد لا يخلو من تعب.
27 عاما من المخاطر
سيد محمد(61 عاما) كان أسفل أحد المباني وهو يهم بتسلق سقالة خشبية كان يتصبب عرقا في ظهيرة محرقة، ورغم كبر سنه إلا أنه يعمل بكل حيوية لا تعرف الكلل أو الملل، يقول: منذ أكثر من 27 عاما وأنا أعمل في هذه المهنة ونقل كل ما يتطلب نقله إلى أعلى المبنى الذي نعمل فيه، من تراب وحجارة وأسمنت عبر هذا الجسر الخشبي الذي تم تثبيته والممدود من الأسفل وحتى الأعلى، لنتمكن من الصعود عليه كمجموعات تتعاون على إيصال المواد المطلوبة إلى الدور الذي نعمل فيه.
وأضاف: لا أخفيك أن هذه المهنة يحفها الخطر، ولكن لا مفر منها فلا نملك عملا آخر ولا نتقن غيرها أصلا فقد تعلمناها منذ الصغر، وما زلنا نعمل فيها حتى اللحظة، والمواقف المؤلمة والمحزنة التي مررنا بها أيضا كثيرة، فكم من صديق وافته المنية وهو يسقط أمام أعيننا من أعلى السقالة، وحينها نشعر بالخوف والحزن معا ولا نستطيع العمل إلا بعد يوم أو يومين من شدة الحزن، وما نلبث أن نعود مرة أخرى إلى العمل ونحمل في قلوبنا الألم والحزن على فراق صديق كان يعمل معنا قبل أيام، ولكن هذه سنة الحياة والموت حق لا يمكن الهرب منه.
وبنبرة يعتريها الشوق وألم الفراق يضيف كلما أتذكر أبنائي الستة وزوجتي أشعر بشوق كبير لهم وأتذكر الأيام الجميلة التي كنا نقضيها معا، فبعد أن أفرغ من عملي أذهب إلى منزلي المشترك مع عدد من الزملاء في العمل وأتفرغ للاتصال بهم، واستمتع بالنظر إلى صورهم التي أحملها معي كذكرى لهم، فلا يواسيني في غربتي سوى الذكرى التي أعيش عليها حتى أعود إليهم، وأسعد بدفء الأسرة بينهم من جديد قبل أن أفارق الحياة بعيدا عنهم.
وداع صديق
إبراهيم سليم (49 عاما) عامل بناء منذ أكثر من 19 عاما وخلال هذه الفترة فقد أعز أصدقائه يروي هذ الحكاية قائلا: بينما كنا نعمل على إحدى السقالات وقبل غروب الشمس بلحظات، ونحن نهم بمغادرة موقع العمل سمعت صرخة مدوية، هرولت إلى الجهة الأخرى، فوجدت صديقي ممدا على الأرض قد فارق الحياة حين ارتطم رأسه بصخرة كبيرة، كان الموقف مؤلما بالنسبة لنا جميعا، ولم يكن في وسعنا سوى أن ندعو له بالرحمة والمغفرة، مشيرا إلى أن عمله محفوف بالمخاطر، ولكن لابد من التحمل من أجل توفير لقمة العيش لأسرته، مهما كانت الظروف.
العمل بروح الفريق
أما سليمان محبوب حجازي (50عاما) فيقول: الجميل أننا نعمل بروح الفريق الواحد لا نكل ولا نمل فالقطعة الواحدة أو الكيس المليء بالتراب أو الأسمنت نوصله إلى أعلى المبنى الذي نعمل فيه بروح الفريق، فكل منا يسلمه للآخر من دور إلى دور أعلى عبر السقالات الخشبية التي نثبتها، وكما يقول زملائي عملنا لا يخلو من المخاطر والمتاعب خصوصا أننا نعمل تحت أشعة الشمس المحرقة، ورغم كل ذلك نتحمل العناء مجبرين، وأنا لا أحاول أن أستريح إلا شهرا واحدا في السنة ودائما أختار شهر رمضان المبارك الذي أسافر فيه إلى عائلتي، فأقضي معهم تلك الأيام، وأنسى كل همومي وتعبي وأحيانا أخرى لا أستطيع إذا كانت ظروفي المادية لا تسمح لي بالسفر للالتقاء بهم، فكما تعلم أن رواتبنا غير مجزية، ففي الشهر نحصل على راتب لا يتجاوز الألف ريال منه ندفع إيجار المنزل أنا وأصدقائي الذين أسكن معهم، وكذلك المأكل والمشرب وكل متطلبات الحياة ولا يبقى منه سوى جزء بسيط أدخره لأبنائي وأرسله لهم كل ثلاثة أشهر.
يتسلقون البنايات في سقالات محفوفة بالخطر
عالقـــون علـى حافـة المـــوت
http://www.okaz.com.sa/okaz/myfiles/2009/05/22/ww31-big.jpg (javascript: newWindow=openWin('PopUpImgContent20090522279310.h tm','OkazImage','width=600,height=440,toolbar=0,lo cation=0,directories=0,status=0,menuBar=0,scrollBa rs=0,resizable=0' ); newWindow.focus())
عبدالرحمن الختارش-جدة
يتسلقون «السقالات» ولا يهابون الخطر رغم أن أصدقاء لهم فارقوا الحياة أمام ناظريهم سقوطا من مبان شاهقة أو صعقا بالكهرباء، ومهما تعددت المواقف الكثيرة التي مروا بها من قبل؛ إلا أن كل واحد من هذه المواقف كان يغلفه الحزن والأسى على فراق زميل أوصديق، تقاسموا معه كل الظروف الصعبة لحظة بلحظة. أولئك هم البسطاء الذين يعملون في بناء وتشييد المباني والمشاريع، أعمالهم محفوفة بالمخاطر لا يهابون شمس الظهيرة، يتسلقون المباني وقلوبهم مطمئنة إلى القضاء والقدر وألسنتهم تلهج بالثناء، وحين تقترب منهم لا تخطئ عيناك ملامحهم التي يكسوها التعب، والعرق المتساقط على جباههم كالمطر وتلك الابتسامة العريضة التي ترتسم على شفاههم تعبيرا عن الرضا، لا يركنون إلى الراحة والكسل، يعملون منذ الفجر، وعند الغروب يفرحون بانتهاء يوم شاق قدموا فيه كل ما يستطيعون من جهد، فيشكرون الله أنهم لم يصابوا بأذى فيعودون إلى منازلهم ليستعدوا ليوم جديد لا يخلو من تعب.
27 عاما من المخاطر
سيد محمد(61 عاما) كان أسفل أحد المباني وهو يهم بتسلق سقالة خشبية كان يتصبب عرقا في ظهيرة محرقة، ورغم كبر سنه إلا أنه يعمل بكل حيوية لا تعرف الكلل أو الملل، يقول: منذ أكثر من 27 عاما وأنا أعمل في هذه المهنة ونقل كل ما يتطلب نقله إلى أعلى المبنى الذي نعمل فيه، من تراب وحجارة وأسمنت عبر هذا الجسر الخشبي الذي تم تثبيته والممدود من الأسفل وحتى الأعلى، لنتمكن من الصعود عليه كمجموعات تتعاون على إيصال المواد المطلوبة إلى الدور الذي نعمل فيه.
وأضاف: لا أخفيك أن هذه المهنة يحفها الخطر، ولكن لا مفر منها فلا نملك عملا آخر ولا نتقن غيرها أصلا فقد تعلمناها منذ الصغر، وما زلنا نعمل فيها حتى اللحظة، والمواقف المؤلمة والمحزنة التي مررنا بها أيضا كثيرة، فكم من صديق وافته المنية وهو يسقط أمام أعيننا من أعلى السقالة، وحينها نشعر بالخوف والحزن معا ولا نستطيع العمل إلا بعد يوم أو يومين من شدة الحزن، وما نلبث أن نعود مرة أخرى إلى العمل ونحمل في قلوبنا الألم والحزن على فراق صديق كان يعمل معنا قبل أيام، ولكن هذه سنة الحياة والموت حق لا يمكن الهرب منه.
وبنبرة يعتريها الشوق وألم الفراق يضيف كلما أتذكر أبنائي الستة وزوجتي أشعر بشوق كبير لهم وأتذكر الأيام الجميلة التي كنا نقضيها معا، فبعد أن أفرغ من عملي أذهب إلى منزلي المشترك مع عدد من الزملاء في العمل وأتفرغ للاتصال بهم، واستمتع بالنظر إلى صورهم التي أحملها معي كذكرى لهم، فلا يواسيني في غربتي سوى الذكرى التي أعيش عليها حتى أعود إليهم، وأسعد بدفء الأسرة بينهم من جديد قبل أن أفارق الحياة بعيدا عنهم.
وداع صديق
إبراهيم سليم (49 عاما) عامل بناء منذ أكثر من 19 عاما وخلال هذه الفترة فقد أعز أصدقائه يروي هذ الحكاية قائلا: بينما كنا نعمل على إحدى السقالات وقبل غروب الشمس بلحظات، ونحن نهم بمغادرة موقع العمل سمعت صرخة مدوية، هرولت إلى الجهة الأخرى، فوجدت صديقي ممدا على الأرض قد فارق الحياة حين ارتطم رأسه بصخرة كبيرة، كان الموقف مؤلما بالنسبة لنا جميعا، ولم يكن في وسعنا سوى أن ندعو له بالرحمة والمغفرة، مشيرا إلى أن عمله محفوف بالمخاطر، ولكن لابد من التحمل من أجل توفير لقمة العيش لأسرته، مهما كانت الظروف.
العمل بروح الفريق
أما سليمان محبوب حجازي (50عاما) فيقول: الجميل أننا نعمل بروح الفريق الواحد لا نكل ولا نمل فالقطعة الواحدة أو الكيس المليء بالتراب أو الأسمنت نوصله إلى أعلى المبنى الذي نعمل فيه بروح الفريق، فكل منا يسلمه للآخر من دور إلى دور أعلى عبر السقالات الخشبية التي نثبتها، وكما يقول زملائي عملنا لا يخلو من المخاطر والمتاعب خصوصا أننا نعمل تحت أشعة الشمس المحرقة، ورغم كل ذلك نتحمل العناء مجبرين، وأنا لا أحاول أن أستريح إلا شهرا واحدا في السنة ودائما أختار شهر رمضان المبارك الذي أسافر فيه إلى عائلتي، فأقضي معهم تلك الأيام، وأنسى كل همومي وتعبي وأحيانا أخرى لا أستطيع إذا كانت ظروفي المادية لا تسمح لي بالسفر للالتقاء بهم، فكما تعلم أن رواتبنا غير مجزية، ففي الشهر نحصل على راتب لا يتجاوز الألف ريال منه ندفع إيجار المنزل أنا وأصدقائي الذين أسكن معهم، وكذلك المأكل والمشرب وكل متطلبات الحياة ولا يبقى منه سوى جزء بسيط أدخره لأبنائي وأرسله لهم كل ثلاثة أشهر.