صقر الجنوب
17/07/2009, 06:21 PM
أكلوني واتهموني بأنني عميل.. العميد الموسيقار طارق عبدالحكيم في حوار المكاشفة لـ «عكاظ»:
أصبحت موسوسا ومتنازلا ولست كبيرهم الذي علمهم السحر
http://www.okaz.com.sa/okaz/myfiles/2009/07/17/b40-big.jpg (javascript: newWindow=openWin('PopUpImgContent20090717292101.h tm','OkazImage','width=600,height=440,toolbar=0,lo cation=0,directories=0,status=0,menuBar=0,scrollBa rs=0,resizable=0' ); newWindow.focus())
حوار : بدر الغانمي
لم أكن أعلم أن حواري مع الموسيقار المئوي طارق عبدالحكيم يمكن أن يكون حادا وصارخا، لما عرف به أبوسلطان من هدوء وعفة لسان وروح مرحة ومتجددة، ولا أظن أن أسئلتي التي طرحتها على مسامعه كانت السبب وراء نكء جراح عميد الجيش السعودي، الذي راح يطلق نيران مدافعه في كل اتجاه دون مجاملة لأحد .. بدءا من صراحته في الاعتراف بعدم أحقية محمد عبده بلقب فنان العرب، الذي حصل عليه من الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة لوجود عبدالحليم حافظ على قيد الحياة في تلك الفترة وأحقيته بذلك، ومرورا بنقده اللاذع لحالة الجهل المتنامية بين المطربين السعوديين، وعدم تعلمهم للنوتة الموسيقية واصفا الحاصلين على شهادات الدكتوراة في الوسط الفني بأنهم زائفون ولايفهمون، وانتهى مفجرا قنبلته الموقوتة بتراجعه عن التمسك بالفن البائد واستعداده لتلحين أغان شبابية على وزن البست وتويست، وهو مايعتبر تراجعا خطيرا في ذوقية رئيس المجمع العربي للموسيقى سابقا. وزاد الطين بلة اعترافه بأنه شريك في ممارسة السرقة العلنية للألحان في الوسط الفني .. طارق عبدالحكيم عندما يتحدث أو يغني فإنه يذكرنا بكل الأنفاس الجميلة التي تختزنها الذاكرة لأغانيه العتيقة مثل: يا ناعس الجفن، روابي شهار، أهيم بروحي إلى المروتين، يا ريم وادي ثقيف، لك عرش وسط العين، أسمر عبر، تعداني وما سلم، أسمر سمير الروح، أشقر وشعره ذهب، أبكي على ما جرالي يا هلي .. الرجل الذي التقيته في متحفه مازال متألما من النكران والجحود، وأخشى أنه يستعد لمعركة قادمة إن طال به العمر .. سألته بداية عن مراحل التكوين فقال:
ولدت بين أحضان الطبيعة في الطائف، بين البساتين، وبين الحدائق، وبدأت حياتي بائعا للخضراوات في حلقة الطائف، وأغني في البساتين مع أخوالي وعيال عمي. وباعتبار أن والدي كان نقيبا في الجيش وصورته معلقة في صالون البيت، فقد ورثت منه رغبة الوالدة التي ظلت تقول لي: متى أشوفك زي أبوك، ولم أكذب لها خبرا فعندما أخذت «شهادة الابتدائي» وكانت هي أعلى صف دراسي. قررت دخول العسكرية وسط حالة من الاستهتار والتقليل من إمكاناتي من البعض بأنني لست قادرا على أن أوفر لقمة العيش لنفسي، وكنت أسمع الكلمات في أذني، وقلت لهم «إن شاء الله رح تشوفوا هذا اللي ما يقدر يعيش نفسه ولا يقدر يؤكل أهله» ودخلت الكلية الحربية الدفعة الثانية في أيام الأمير منصور بن عبد العزيز وزير الدفاع. وتخرجت بعد ثلاث سنوات وكنا 32 طالبا، وقد اخترت أن أكون في سلاح المدفعية.
• بدايتك الفنية انطلقت من خلال شجر الحماط وثقافة المجرور؟
كان عيال عمي وأخوالي كلهم معي، يلعبون المجرور والألعاب الشعبية، وكنت أطلع بالصوت العالي، فتمرنت على المجرور، وعلى الحدري، وعلى الفرعي وصرت مشهورا في الطائف خاصة، وأطلقوا علي اسم الريس.
• تحولك من قائد فوج إلى رئيس فرقة موسيقية ألم تكن مجازفة ؟
أخطر مما تتصور، لكنني وجدت دعما كبيرا من وزير الدفاع الأمير منصور بن عبد العزيز رحمه الله، الذي أصر على أن أذهب إلى مصر لدراسة الموسيقى، وكان ذلك في الأيام الأخيرة من عهد الملك فاروق، ولا أنسى يوم أن قال لي: «روح واغتنم الفرصة وادرس الموسيقى في مصر، وتعال أسس لنا موسيقى الجيش،لأنك يوم إحالتك للتقاعد لن تبيع مدافع بل موسيقى، وقد صدق.
• هل تعتبر متحف قلعة الفنون الذي أقمته في جدة منتهى طموحك في جمع التراث؟
حاولت أن أقدم للناس خلاصة تجربتي؛ ليستفيد منها الفنانون والمهتمون، ولكنني اكتشفت أن اهتماماتنا التراثية والفنية متراجعة جدا، وانشغل الناس بالحياة المادية ولو كان هذا المتحف في دولة أوروبية لرأيت زواره زرافات ووحدانا ولكننا في جدة غير.
• البعض يعتب على طريقة إدارتكم للمتحف بوضع مقهى لتقديم الشيش والمعسلات والفول على أنه جزء من تراثنا؟
«إحنا جينا ولقينا آباءنا وأجدادنا يشربوا المعسل والغليون ويأكلوا فول» والمقاهي كانت مفتوحة أيامهم ونحن ورثناها عنهم كهواية متوارثة، رغم موقفي من التدخين وضرره على الصحة.
• بماذا شعرت لحظة إقفال المتحف بالسلاسل؟
كنت ناوي أبيع الأرض التي تبلغ قيمتها أربعة ملايين ريال، وأبيع كل التحف والآثار في المزاد العلني، ولكن أطفأ حرقة قلبي موقف سمو الأمير متعب بن عبدالعزيز وزير الشؤون البلدية والقروية، بعد أن وجه أمانة جدة لنزع السلاسل وإعادة فتح المتحف، وتقديم الاعتذار لي على ماحصل فرأيته شيئا كبيرا من سموه فتراجعت عن موقفي وأخذت السلاسل والقفل ووضعتها ضمن معروضات المتحف، وبمجيء الأمير خالد الفيصل أميرا لمنطقة مكة المكرمة فأنا متفائل بالمستقبل.
• هل لازلت عند رأيك بأن الذين يفهمون في النوتة الموسيقية من الفنانين السعوديين يعدون على أصابع اليد الواحدة؟
أوضحها لك أكثر .. ثلاثة فقط ممن درسوا على حساب الحكومة هم :محمد شفيق وغازي علي وأنا نفهم في هذه المسألة، وكنت السعودي الوحيد الذي درس في معهد الموسيقى العربية في القاهرة لمدة أربع سنوات، وعندما وصلت لمصر وكنت نقيبا في الجيش. كتبت إحدى الصحف المصرية (وصل اليوزباشي السعودي الذي لايفرق بين النوتة الموسيقية ونوتة الجيب)، فأخذت هذه القصاصة ووضعتها أمامي طيلة السنوات الأربع وتفوقت على 120 دارسا من جميع الدول العربية بمافيها مصر.
• هذا يعني أن محمد عبده وعبادي وعبدالمجيد وغيرهم يغنون دون فهم؟
هؤلاء كلهم أولادي، ولديهم الموهبة لكنها لاتكفي، وتحتاج إلى دراسة لتعطي نتيجة، وهم لم يدرسوا هذا العلم ولايعرفون الأنغام لأن سلمها الموسيقي طويل كالسيكا والبنجكا والرصد والبيان؛ ولذلك تجد بعضهم يتورط مع الفرق الموسيقية إن لم يكن لها قائد .
• طبعا يستثنى من ذلك من حصلوا على دكتوراه في الموسيقى مثل الدكتور عبدالرب ادريس؟
لايوجد شيء اسمه دكتوراة في الموسيقى، وكل من أسموا أنفسهم دكاترة في الموسيقى بمافيهم عبدالرب إدريس لايفهمون في النوتة الموسيقية، ولعلمك فالمجمع العربي للموسيقى ليس فيه شيء اسمه دكتور بل (موسيقار) وله شروط تبدأ من كونه كبيرا في السن، ومشهورا في بلده ولديه رصيد فني وفرقة موسيقية، ودعني لا أتحدث عن نفسي فلماذا لم يقل السنباطي أوبليغ حمدي عن نفسيهما دكاترة كما يحدث من موضة في الوسط الفني السعودي، ولماذا لم يخرج الفنان غازي علي الحاصل على شهادة من معهد الكونسرفوتوار ويقول عن نفسه دكتور، للأسف هذا الشيء لاتجده إلا في الوسط الفني السعودي وليس موجودا على مستوى العالم.
• من هو فنان العرب بدون مجاملة؟
يوم أن قال الرئيس بورقيبة لمحمد عبده: أنت فنان العرب، كان عبدالحليم حافظ في الساحة؛ فلماذا لم يقولوا عنه ذلك، وأعترف أن محمد عبده استثمر بذكائه الموقف، وتم إبلاغ الصحافة بها من قبل مرافقيه في الزيارة فطلعت، لكن لو سألتني الآن من يستحقها، فسأقول لك: محمد عبده لأنه لايوجد له منافس في الساحة حاليا.
• يبدو من كلامك كأن لك موقفا من محمد عبده؟
أبدا فأنا أحبه وكنت أول من قدمه ودافع عنه وهو من الأوفياء لي ويسأل عني دائما.
• قدمته تلك الأيام ربما نكاية في طلال مداح رحمه الله بعد أن خوفوه منك فرفض أغنية (لنا الله) التي أعطيتها لمحمد عبده ونجح فيها؟
فعلا خوفوه مني لكن والله أنا أحبهم الاثنين، وكنت أول من قدم طلال للجمهور عندما جاء للطائف، وكانت عندي فرقة موسيقية في الجيش، ويغني معي عبدالله محمد وعبدالله المرشدي وقدم (وردك يازارع الورد) و(ياغزال ياغزال)، وابتعدت عن طلال بعد أن انتقلت للرياض بتوجيهات الملك سعود رحمه الله، وفي تلك الفترة كان محمد عبده مع إبراهيم خفاجي، وأحضره بطاقيته ولصغر سنه رفض التلفزيون السماح له بالغناء فأخذته بنفسي لوزير الإعلام الشيخ جميل الحجيلان، وقلت له: هذا الولد عنده حنجرة ذهبية، فوافق وطلع محمد عبده بأغنية (سكة التايهين) واضطررنا لإحضار طفل وطفلة ليلعبا مع بعض أمام الكاميرا لتتناسب مع المقطع الذي يقول: كنا سوا الاثنين.
• ما الذي يفهمه الناس من تلقيبك الفنان محمد أمان شافاه الله بـ(فخر الموجود) وهو مالم تقله عن محمد عبده؟
محمد أمان فيه كل المواصفات خصوصا في العالي، لكنه ليس محظوظا وخذله طموحه أيضا، وهو أفضل مطرب سعودي في رأيي، أما محمد عبده فعنده ذكاء في اختيار أغانيه، وصوته جميل حتى في الأذان، ولديه فرقة موسيقية لايضاهيها أحد في الدول العربية، ولايقدم نفسه إلا في أفضل وضع وحافظ للأنغام ويعرف كيف ومتى يغني.
• يا أبوسلطان أنت حتى خالد عبدالرحمن فضلته على محمد عبده؟
لا، هو فقط أكثر شهرة وجماهيرية من محمد عبده لأنه ركز على أغاني البادية وصوته يتناسب مع أدائها.
• الملاحظ أنك منذ أن تقاعدت لم تقدم للساحة فنانا عليه القيمة حتى الآن؟
أنا لم أحتكر أحدا منذ أن بدأت، ولم أحتكر حتى نفسي فقدمت ألحاني وجهودي للجميع في الداخل والخارج، وكل اللي تشوفهم أمامك يأخذوا اللي يريدوا ولاأطلب شيئا من أحد .
• ولو طلبت أحدا أن يساهم معك فقط في دعم المتحف، فهل سيرفضون؟
أنا لم أر أي شيء منهم حتى الآن ولم أطلب من أحد وخلي واحد منهم يقول أنه أعطاني شيئا، لكنني أتمنى أن يساهموا من أنفسهم في دعم هذا المتحف الذي أصبحت أدفع له من راتبي التقاعدي حتى قيمة البلاط.
• وأين رسوم زيارة المتحف؟
هذا واحنا في الصيف الآن ولايوجد أحد.
• أنتم مقصرون في تعريفه إعلاميا ويكفي أنه ليس لكم موقع على الإنترنت؟
العين بصيرة واليد قصيرة ،واللي يريد أن يبادر بهذا العمل فالمتحف بين يديه، وله الفضل والشكر، أنا فقط هنا طارق عبدالحكيم أما المتحف فملك للجميع.
• ولماذا لاتبيع ألحانك للمطربين مادام السوق «عرض وطلب»؟
عيب هذا الكلام، فأنا لم ولن أطلب قرشا واحدا من أحد.
• لكن المغنين يأخذون ؟
وبالملايين، وصارت عندهم كلمة (كم) هي مفتاح التفاهم إذا عرضت عليهم أي لحن؛ فتوقفت عن عرض ألحاني على أحد، وأصبحت مثل عبدالوهاب وبقية الجماعة الملحنين، إذا ماتطلب مني لحنا فلن أعطيك.
• أصبحت حساسا بدرجة كبيرة مع أنك كنت تقدم ألحانك في السابق للمطربين في الداخل والخارج؟
أنا لست كبيرهم الذي علمهم السحر علشان أطلب منهم أن يزوروني ويطلبوا ألحاني، ولكنني أطلب منهم أن يقدروا عمري وخبرتي العلمية في هذا المجال، والأعمال التي قدمتها لكارم محمود، ونجاة الصغيرة، وفائزة أحمد ،ونجاح سلام ووديع الصافي، وهيام يونس، وسميرة توفيق، كانت في إطار التعاون العربي بين الإذاعات العربية، وهذه من الأمور التي وثقت العلاقة بين الفنانين العرب، وعندما قال لي أحمد سعيد أنت موسيقي عربي ودرست في القاهرة ونريدك أن تلحن لإذاعة صوت العرب فقد كان يقدر موهبتي.
• هذا سبب فشل فكرة إنشاء بيت الموسيقيين أو نقابته؟
جمع الموسيقيين في مكان واحد صعب هذه الأيام، ولو طلبت منهم قيمة الشاهي «مايدفعوها» مع أن بعضهم صار مليونيرا، وأنا يائس من مثل هذه الأمور، ويكفيك أنه لاتوجد لدينا جمعية للمتقاعدين، ممن هم في مثل سني لكي أشاركهم أوقاتهم سواءا كانوا وزراء أوعسكريين أومدنيين «مو عاد نعمل جمعية موسيقيين». أما النقابة فمازلت أطالب بها، ولكن ينبغي أن يكون لدينا معاهد موسيقية لتكون لدينا نقابة.
• لدينا معهد موسيقى الجيش؟
المعهد مستمر فقط للآلات النحاسية، أما الوترية فلايوجد لها شيء، ولذلك لاتستغرب أن لايكون للمملكة فرقة موسيقية، والموجودون في الإذاعة حاليا هم خمسة إلى ستة أشخاص ثلاثة من تونس واثنان من مصر.
• ولذلك لايسجل أي فنان أغنياته في المملكة كما كان يحدث في السابق؟
وللأسف الشديد، فقد كنا أيام الأمير فيصل بن فهد رحمه الله والوزير الشيخ جميل الحجيلان ننفذ الألحان كفرقة موسيقية، ونستمتع بها خصوصا الأغاني الرمضانية، والعيد والحج والأغاني الوطنية، وكانوا يعطوننا مكافآت لكي نعمل أنا وغازي علي، وجميل محمود، ومحمد شفيق، وثواب عبيد وعبده مزيد، ويأتينا المطربون بالقصائد والكلمات المجازة لكي نلحنها لهم .
• وهذا يعتبر سببا رئيسيا أيضا لتعطيل تنفيذ سيمفونياتك الوطنية العشر التي لم تنفذ حتى الآن؟
السيمفونية أمر ليس هينا، وعبد الوهاب بتاريخه لم يستطع تلحينها كما أن بيتهوفن نفسه عمل سبع سيمفونيات فقط؛ فيما عملت أنا عشر سيمفونيات وطنية تحكي تاريخ بلادنا، ومناطقها واضطررت إلى وضعها في الأدراج لأن تنفيذها يحتاج إلى فرقة أوركسترا، ونحن ليس لدينا فرقة موسيقية؛ بينما عمان أصبح لديها فرقة أوركسترا، كما أن تنفيذها في الخارج يتطلب أموالا وهذا فوق طاقة وزارة الثقافة والاعلام.
• وأين دور الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون؟
حاولنا على أيام الأمير فيصل بن فهد رحمه الله أن نعمل معهدا للموسيقى، لكنه لم يتم لعدم إقبال أحد على هذا الأمر، ومنذ أن تقاعدت وتركت الجمعية ووضعها في تراجع، فلم يعد هناك جمعية. كما غابت إدارة الفنون الشعبية التي كنا أنشأناها في السابق، ولكنني سعيد بجهود أفراد مثل أبوسراج وأبوهلال وغيرهما ممن يدفعون من جيبهم الخاص للمحافظة على هذا التراث الفني الشعبي.
• انتقدت من يقولون بأنه لايوجد فن سعودي، بل تراكم ثقافات، ومزيج مصري ويمني وغيره، والكل يعرف أنك بدأت بأغنيات أم كلثوم والطرب العدني؟
الغناء الحجازي معروف بالدانات اليمانية مثل (ياعروس الروض) و(مالي أراها لاترد سلامي) وهذه غناها أجدادنا مثل عم حسن جاوة، وكردوس وغيرهم وكنا نحفظ منهم هذه الأشياء، ولا أحد يستطيع أن يقولها من المطربين الأجانب. لأن لها إيقاعات غريبة لاتستطيع حتى الفرق الأوروبية أن تقوم بها .
• رحت بعيدا ياأباسلطان بالمقارنة مع الأوروبيين؟
أنا أحاجج بالنوتة الموسيقية لأنني درستها فالرومبا والفالس والتانجو مأخوذة من عندنا، فالفالس هي العرضة النجدية، والرومبا هي المزمار الشعبي، أما التانجو فينطبق على ألعاب المنطقة الجنوبية وجازان تحديدا.
• هذا لاينفي أنها ألحان وافدة مع الحجاج، والمعتمرين والزوار الذين استقر بهم الحال في الحجاز؟
هذا صحيح، وساعد على ذلك أن الطائرات في تلك الفترة لم تظهر بعد فكان الحجاج يمكثون ستة أشهر في العام من رجب إلى ذي الحجة ويختلطون بفناني الحجاز القدامى فأخذوا منا وأخذنا منهم وأصبح لدينا مزيج.
• مع أنك عرفت ملحنا أكثر منك مغنيا .لكنك مقل جدا في انتاجك؟
عندي ثلاثة ألحان من شعر إبراهيم خفاجي، وأعطيتها لمحمد عبده وأبرزها أغنية (ياتجيني أو أجيك.. قلبي مل الانتظار من مواعيدك) لكنه طلب إرجاءها لغاية ماتأخذ أغنية الأماكن حقها من السوق، وكذلك أحلام فلديها أيضا أربعة ألحان لم تغن بعد.
• الغريب أن الكلمة مازال لها شاعرها كثريا قابل، واللحن فرسانه موجودون في الساحة ولانشاهد إلا أعمالا هزيلة؟
الشباب لايريد هذه الأغاني، وإذا كنت تقول ثريا قابل فأنا بنفسي لحنت لها كلمات جميلة، وأعطيتها أيضا لمحمد عبده ولم يغنها إلى الآن، ويقول مطلعها (جايز دا غلط مني أسيبك بعد مااتأكدت اني حبيبك وأنت عارف قد إيه قلبي يحبك ويشهد على الله ماودي أسيبك). وعملت الأغنية على ثلاثة كوبليهات وتمشي مع إيقاع الشباب كمان، وتسألني : متى سيغنيها..؟ لاأدري!!.
• في ظل وجود فرق حولك (تقدم كاتشي وكلاتشي) وتؤكد وجود علاقة منفصلة بين جيل وجيل، ألا تشعر أنك تسير لوحدك؟
مين قال لك هذا الكلام، أنا سرت أمشي مع الجمهور والخط اللي يبغاه ومستعد ألحن لهم أغنيات تناسب رغباتهم لكن فين الفنانين اللي يأخدوا مني.
• هذا كلام جديد أسمعه لأول مرة؟
لازم نمشي مع الجو لأنني إذا انفردت لوحدي أصبح نشازا.
• الناس تفكر أنك تدافع عن القديم؟
القديم لم يعد له داع إلا عند كبار السن والمحافظين عليه، وإذا وجد الجيل الراغب في الرقص فيجب أن أسير معهم وأرقصهم، ولكنني أضحك عليهم في داخلي وأنتقدهم في نفس الوقت لأن هذا واقع الحال الذي وصلنا إليه.
• ولماذا لاتعتزل هذا المجال؟
لا أستطيع.
• هذا يعني أنك يمكن أن تلحن أغاني شبابية ؟
نعم، ولحنت أغنية تقول:
ياحبيبي عشت .. غني لي تويست .. ورقصني على البست، وهي من كلمات الشاعر إبراهيم خفاجي، لا. «وأزيدك من الشعر بيت» صرت أقلب حتى الأغاني القديمة إلى شبابية مثل أشقر وشعره ذهب لتكون (أ وشين وقاف ورا) أشقر وشعره ذهب .. هكذا يريدها الشباب.
• هذا الكلام يأتي من شخص يتمسك بالأستاذية وينتقد أعمال الآخرين ولايسمع إلا لأم كلثوم؟
لابد أن نسير مع الجو، لكن موضوع النقد والموسيقى فهو بالنسبة لي وسواس دائم لاأستطيع أن أتخلى عنه لأنني أفهم في الموسيقى، ومن ثم فأنا أضع أي عمل تحت النقد، وهناك أغنيات لمطربين مشهورين ولكنهم لم يدرسوا الموسيقى نجحت ولكنها بموجب دراستي فيها أشياء غلط ، كأن يوضع كوبليه في غير محله، ولكنني أقولها لك صادقا اضطررت أمشي مع التيار وعملت أغنيات بنفس الطريقة.
• هذا يستدعيني لأسألك عن ماقيل عن وجود سرقات كبيرة في الوسط الفني، وأعتقد أنك اتهمت بأخذ أغنية لعبدالله محمد أيضا؟
المعروف أن مازاد عن أربعة موازين فهو سرقة في النظام الموسيقي؛ وكمثال عندما تقول (ياريم وادي ثقيف لطيف جسمك لطيف) فهذه أربعة موازين وقس على ذلك.
• قيل أن ليلة خميس مأخوذة من أغنية أم كلثوم (أروح لمين)؟
الله يرحم عمر كدرس فقد كان فنانا متمكنا، ولو حصل أنها كانت مسروقة فلم أكن سأصرح له بذلك، وأنا أعرف بعض الأغنيات المسروقة، لكنني اعتبرها اقتباسا من أغنيات قديمة، ولي شخصيا بعض الأغنيات في نفس الاتجاه.
• هذا يعني أن الوسط الفني ماعليه جمرك كما يقال؟
عند الدارسين والمتعهدين له جمرك باعتبار أن مازاد عن أربعة موازين فهو سرقة.
• على ذكر المتعهدين سمعت أن لك تجربة مريرة مع شركات التسجيل المحلية؟
أكلت منهم علقات، وسرقوني في وضح النهار فشركة أخذت مني 330 ألف ليرة لتسجيل ألحان لهيام يونس، ووديع الصافي، وسميرة توفيق على أن يكون اللحن بثلاثة آلاف ليرة ولم يسلموني شيئا بعد أن أقفلت الشركة، وأخرى في المنطقة الشرقية أكلتني في 80 ألف ريال أيضا، والمشكلة أنني لا أستطيع شكواهم لأنه لاتعرف لهم مظلة وكنت أتمنى أن يكونوا تحت الجمعية على أن تعطي لها وزارة الثقافة والإعلام سلطة ولكنهم لايعترفون أصلا بالجمعية.
• لماذا اتهمت بالصوفية عندما قلت إن الفن فلسفة روحية وصوفية؟
اتهموني بأكثر من هذا وقالوا عني بأنني عميل لمنظمة التحرير الفلسطينية، عندما غنيت لهم وما أنا إلا فنان وملحن والله يعلم مافي القلوب والنيات.
• أعرف أن لك ميولا اتحادية سببت لك متاعب مع الأهلاويين فكيف علاقتك معهم الآن؟
الله يسامح جمهور الاتحاد هم اللي ورطوني عندما غنيت (أبكي على ماجرالي ياهلي) بناء على رغبة الأمير طلال بن منصور، فأصبح الجمهور يردد مقطعا آخر قالوا فيه (والأهلي قدام الاتي طلي) فأحرجوني ولكنني اعتذرت من الأهلاويين وقلت لهم جيبوا الشريط واتأكدوا منه، وأنا والله ماقلتها لأنها عيب والأهلاويون قبلوا عذري وحضرت لهم حفلة بعدها.
• المشكلة أنك طلعت بعدها وقلت أنا زي إبراهيم خفاجي عندما قال: إذا لعب الهلال فخبروني فإن الفن منبعه الهلال؟
عندما كنت في الرياض أيام الملك سعود رحمه الله، كنت هلاليا لأنني كنت أذهب دائما مع إبراهيم خفاجي عند الشيخ عبد الرحمن بن سعيد سواء في الملعب أوبيته، كما كنت أذهب عند الأمير عبد الرحمن بن سعود رحمه الله في النصر، وأتذكر أن سموه عندما سمع بكلام إبراهيم خفاجي عن الهلال قال: اكتبوا على الجدار (وما النصر إلا من عند الله) .. والحقيقة أن هذه الأمور لم تكن تهمني. لأنني بصراحة لاأريد أن أخسر جمهور أي فريق في المملكة لأنهم جمهوري أيضا.
• وهل يفسر هذا التراجع في مواقفك فشل المجمع العربي للموسيقى الذي رأسته ثلاث دورات في تقديم شيء ملموس؟
كنا نعمل بشكل جيد إلى أن انتقل المجمع من القاهرة إلى العراق، حيث صودرت الكثير من مكتسباته، وعاد الآن بعد غزو العراق للكويت إلى القاهرة وترأسه الآن رتيبة الحفني ولم يعد فيه أي سعودي الآن .
• لوسألتك لمن تسمع الآن؟
أم كلثوم مازالت في القمة ثم نجاة الصغيرة وعبدالحليم وغيرهم من الأسماء الكبيرة، وليس لدي حدود في السماع، وقد تستغرب أنني أطرب للمغنية الكويتية عائشة المرطة رحمها الله لأنها تقدم نوعا خاصا من الفن وكل واحد له جمهوره.
• رسالتك للوسط الفني السعودي؟
الوسط الفني يفتقد إلى الثقافة، والمطربون لايقرأون وهمهم الفلوس فقط وبينهم مشاحنات غير طبيعية، والصلة شبه مقطوعة بين الجيل الجديد وبيننا وأحيانا أجلس مع إبراهيم خفاجي وأسأله: خلص المخزون، فيقول لي: والله مليان ولكن لم يأتني أحد، وكل واحد تقول له غني هذا اللحن يقول لك (بكم).
أصبحت موسوسا ومتنازلا ولست كبيرهم الذي علمهم السحر
http://www.okaz.com.sa/okaz/myfiles/2009/07/17/b40-big.jpg (javascript: newWindow=openWin('PopUpImgContent20090717292101.h tm','OkazImage','width=600,height=440,toolbar=0,lo cation=0,directories=0,status=0,menuBar=0,scrollBa rs=0,resizable=0' ); newWindow.focus())
حوار : بدر الغانمي
لم أكن أعلم أن حواري مع الموسيقار المئوي طارق عبدالحكيم يمكن أن يكون حادا وصارخا، لما عرف به أبوسلطان من هدوء وعفة لسان وروح مرحة ومتجددة، ولا أظن أن أسئلتي التي طرحتها على مسامعه كانت السبب وراء نكء جراح عميد الجيش السعودي، الذي راح يطلق نيران مدافعه في كل اتجاه دون مجاملة لأحد .. بدءا من صراحته في الاعتراف بعدم أحقية محمد عبده بلقب فنان العرب، الذي حصل عليه من الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة لوجود عبدالحليم حافظ على قيد الحياة في تلك الفترة وأحقيته بذلك، ومرورا بنقده اللاذع لحالة الجهل المتنامية بين المطربين السعوديين، وعدم تعلمهم للنوتة الموسيقية واصفا الحاصلين على شهادات الدكتوراة في الوسط الفني بأنهم زائفون ولايفهمون، وانتهى مفجرا قنبلته الموقوتة بتراجعه عن التمسك بالفن البائد واستعداده لتلحين أغان شبابية على وزن البست وتويست، وهو مايعتبر تراجعا خطيرا في ذوقية رئيس المجمع العربي للموسيقى سابقا. وزاد الطين بلة اعترافه بأنه شريك في ممارسة السرقة العلنية للألحان في الوسط الفني .. طارق عبدالحكيم عندما يتحدث أو يغني فإنه يذكرنا بكل الأنفاس الجميلة التي تختزنها الذاكرة لأغانيه العتيقة مثل: يا ناعس الجفن، روابي شهار، أهيم بروحي إلى المروتين، يا ريم وادي ثقيف، لك عرش وسط العين، أسمر عبر، تعداني وما سلم، أسمر سمير الروح، أشقر وشعره ذهب، أبكي على ما جرالي يا هلي .. الرجل الذي التقيته في متحفه مازال متألما من النكران والجحود، وأخشى أنه يستعد لمعركة قادمة إن طال به العمر .. سألته بداية عن مراحل التكوين فقال:
ولدت بين أحضان الطبيعة في الطائف، بين البساتين، وبين الحدائق، وبدأت حياتي بائعا للخضراوات في حلقة الطائف، وأغني في البساتين مع أخوالي وعيال عمي. وباعتبار أن والدي كان نقيبا في الجيش وصورته معلقة في صالون البيت، فقد ورثت منه رغبة الوالدة التي ظلت تقول لي: متى أشوفك زي أبوك، ولم أكذب لها خبرا فعندما أخذت «شهادة الابتدائي» وكانت هي أعلى صف دراسي. قررت دخول العسكرية وسط حالة من الاستهتار والتقليل من إمكاناتي من البعض بأنني لست قادرا على أن أوفر لقمة العيش لنفسي، وكنت أسمع الكلمات في أذني، وقلت لهم «إن شاء الله رح تشوفوا هذا اللي ما يقدر يعيش نفسه ولا يقدر يؤكل أهله» ودخلت الكلية الحربية الدفعة الثانية في أيام الأمير منصور بن عبد العزيز وزير الدفاع. وتخرجت بعد ثلاث سنوات وكنا 32 طالبا، وقد اخترت أن أكون في سلاح المدفعية.
• بدايتك الفنية انطلقت من خلال شجر الحماط وثقافة المجرور؟
كان عيال عمي وأخوالي كلهم معي، يلعبون المجرور والألعاب الشعبية، وكنت أطلع بالصوت العالي، فتمرنت على المجرور، وعلى الحدري، وعلى الفرعي وصرت مشهورا في الطائف خاصة، وأطلقوا علي اسم الريس.
• تحولك من قائد فوج إلى رئيس فرقة موسيقية ألم تكن مجازفة ؟
أخطر مما تتصور، لكنني وجدت دعما كبيرا من وزير الدفاع الأمير منصور بن عبد العزيز رحمه الله، الذي أصر على أن أذهب إلى مصر لدراسة الموسيقى، وكان ذلك في الأيام الأخيرة من عهد الملك فاروق، ولا أنسى يوم أن قال لي: «روح واغتنم الفرصة وادرس الموسيقى في مصر، وتعال أسس لنا موسيقى الجيش،لأنك يوم إحالتك للتقاعد لن تبيع مدافع بل موسيقى، وقد صدق.
• هل تعتبر متحف قلعة الفنون الذي أقمته في جدة منتهى طموحك في جمع التراث؟
حاولت أن أقدم للناس خلاصة تجربتي؛ ليستفيد منها الفنانون والمهتمون، ولكنني اكتشفت أن اهتماماتنا التراثية والفنية متراجعة جدا، وانشغل الناس بالحياة المادية ولو كان هذا المتحف في دولة أوروبية لرأيت زواره زرافات ووحدانا ولكننا في جدة غير.
• البعض يعتب على طريقة إدارتكم للمتحف بوضع مقهى لتقديم الشيش والمعسلات والفول على أنه جزء من تراثنا؟
«إحنا جينا ولقينا آباءنا وأجدادنا يشربوا المعسل والغليون ويأكلوا فول» والمقاهي كانت مفتوحة أيامهم ونحن ورثناها عنهم كهواية متوارثة، رغم موقفي من التدخين وضرره على الصحة.
• بماذا شعرت لحظة إقفال المتحف بالسلاسل؟
كنت ناوي أبيع الأرض التي تبلغ قيمتها أربعة ملايين ريال، وأبيع كل التحف والآثار في المزاد العلني، ولكن أطفأ حرقة قلبي موقف سمو الأمير متعب بن عبدالعزيز وزير الشؤون البلدية والقروية، بعد أن وجه أمانة جدة لنزع السلاسل وإعادة فتح المتحف، وتقديم الاعتذار لي على ماحصل فرأيته شيئا كبيرا من سموه فتراجعت عن موقفي وأخذت السلاسل والقفل ووضعتها ضمن معروضات المتحف، وبمجيء الأمير خالد الفيصل أميرا لمنطقة مكة المكرمة فأنا متفائل بالمستقبل.
• هل لازلت عند رأيك بأن الذين يفهمون في النوتة الموسيقية من الفنانين السعوديين يعدون على أصابع اليد الواحدة؟
أوضحها لك أكثر .. ثلاثة فقط ممن درسوا على حساب الحكومة هم :محمد شفيق وغازي علي وأنا نفهم في هذه المسألة، وكنت السعودي الوحيد الذي درس في معهد الموسيقى العربية في القاهرة لمدة أربع سنوات، وعندما وصلت لمصر وكنت نقيبا في الجيش. كتبت إحدى الصحف المصرية (وصل اليوزباشي السعودي الذي لايفرق بين النوتة الموسيقية ونوتة الجيب)، فأخذت هذه القصاصة ووضعتها أمامي طيلة السنوات الأربع وتفوقت على 120 دارسا من جميع الدول العربية بمافيها مصر.
• هذا يعني أن محمد عبده وعبادي وعبدالمجيد وغيرهم يغنون دون فهم؟
هؤلاء كلهم أولادي، ولديهم الموهبة لكنها لاتكفي، وتحتاج إلى دراسة لتعطي نتيجة، وهم لم يدرسوا هذا العلم ولايعرفون الأنغام لأن سلمها الموسيقي طويل كالسيكا والبنجكا والرصد والبيان؛ ولذلك تجد بعضهم يتورط مع الفرق الموسيقية إن لم يكن لها قائد .
• طبعا يستثنى من ذلك من حصلوا على دكتوراه في الموسيقى مثل الدكتور عبدالرب ادريس؟
لايوجد شيء اسمه دكتوراة في الموسيقى، وكل من أسموا أنفسهم دكاترة في الموسيقى بمافيهم عبدالرب إدريس لايفهمون في النوتة الموسيقية، ولعلمك فالمجمع العربي للموسيقى ليس فيه شيء اسمه دكتور بل (موسيقار) وله شروط تبدأ من كونه كبيرا في السن، ومشهورا في بلده ولديه رصيد فني وفرقة موسيقية، ودعني لا أتحدث عن نفسي فلماذا لم يقل السنباطي أوبليغ حمدي عن نفسيهما دكاترة كما يحدث من موضة في الوسط الفني السعودي، ولماذا لم يخرج الفنان غازي علي الحاصل على شهادة من معهد الكونسرفوتوار ويقول عن نفسه دكتور، للأسف هذا الشيء لاتجده إلا في الوسط الفني السعودي وليس موجودا على مستوى العالم.
• من هو فنان العرب بدون مجاملة؟
يوم أن قال الرئيس بورقيبة لمحمد عبده: أنت فنان العرب، كان عبدالحليم حافظ في الساحة؛ فلماذا لم يقولوا عنه ذلك، وأعترف أن محمد عبده استثمر بذكائه الموقف، وتم إبلاغ الصحافة بها من قبل مرافقيه في الزيارة فطلعت، لكن لو سألتني الآن من يستحقها، فسأقول لك: محمد عبده لأنه لايوجد له منافس في الساحة حاليا.
• يبدو من كلامك كأن لك موقفا من محمد عبده؟
أبدا فأنا أحبه وكنت أول من قدمه ودافع عنه وهو من الأوفياء لي ويسأل عني دائما.
• قدمته تلك الأيام ربما نكاية في طلال مداح رحمه الله بعد أن خوفوه منك فرفض أغنية (لنا الله) التي أعطيتها لمحمد عبده ونجح فيها؟
فعلا خوفوه مني لكن والله أنا أحبهم الاثنين، وكنت أول من قدم طلال للجمهور عندما جاء للطائف، وكانت عندي فرقة موسيقية في الجيش، ويغني معي عبدالله محمد وعبدالله المرشدي وقدم (وردك يازارع الورد) و(ياغزال ياغزال)، وابتعدت عن طلال بعد أن انتقلت للرياض بتوجيهات الملك سعود رحمه الله، وفي تلك الفترة كان محمد عبده مع إبراهيم خفاجي، وأحضره بطاقيته ولصغر سنه رفض التلفزيون السماح له بالغناء فأخذته بنفسي لوزير الإعلام الشيخ جميل الحجيلان، وقلت له: هذا الولد عنده حنجرة ذهبية، فوافق وطلع محمد عبده بأغنية (سكة التايهين) واضطررنا لإحضار طفل وطفلة ليلعبا مع بعض أمام الكاميرا لتتناسب مع المقطع الذي يقول: كنا سوا الاثنين.
• ما الذي يفهمه الناس من تلقيبك الفنان محمد أمان شافاه الله بـ(فخر الموجود) وهو مالم تقله عن محمد عبده؟
محمد أمان فيه كل المواصفات خصوصا في العالي، لكنه ليس محظوظا وخذله طموحه أيضا، وهو أفضل مطرب سعودي في رأيي، أما محمد عبده فعنده ذكاء في اختيار أغانيه، وصوته جميل حتى في الأذان، ولديه فرقة موسيقية لايضاهيها أحد في الدول العربية، ولايقدم نفسه إلا في أفضل وضع وحافظ للأنغام ويعرف كيف ومتى يغني.
• يا أبوسلطان أنت حتى خالد عبدالرحمن فضلته على محمد عبده؟
لا، هو فقط أكثر شهرة وجماهيرية من محمد عبده لأنه ركز على أغاني البادية وصوته يتناسب مع أدائها.
• الملاحظ أنك منذ أن تقاعدت لم تقدم للساحة فنانا عليه القيمة حتى الآن؟
أنا لم أحتكر أحدا منذ أن بدأت، ولم أحتكر حتى نفسي فقدمت ألحاني وجهودي للجميع في الداخل والخارج، وكل اللي تشوفهم أمامك يأخذوا اللي يريدوا ولاأطلب شيئا من أحد .
• ولو طلبت أحدا أن يساهم معك فقط في دعم المتحف، فهل سيرفضون؟
أنا لم أر أي شيء منهم حتى الآن ولم أطلب من أحد وخلي واحد منهم يقول أنه أعطاني شيئا، لكنني أتمنى أن يساهموا من أنفسهم في دعم هذا المتحف الذي أصبحت أدفع له من راتبي التقاعدي حتى قيمة البلاط.
• وأين رسوم زيارة المتحف؟
هذا واحنا في الصيف الآن ولايوجد أحد.
• أنتم مقصرون في تعريفه إعلاميا ويكفي أنه ليس لكم موقع على الإنترنت؟
العين بصيرة واليد قصيرة ،واللي يريد أن يبادر بهذا العمل فالمتحف بين يديه، وله الفضل والشكر، أنا فقط هنا طارق عبدالحكيم أما المتحف فملك للجميع.
• ولماذا لاتبيع ألحانك للمطربين مادام السوق «عرض وطلب»؟
عيب هذا الكلام، فأنا لم ولن أطلب قرشا واحدا من أحد.
• لكن المغنين يأخذون ؟
وبالملايين، وصارت عندهم كلمة (كم) هي مفتاح التفاهم إذا عرضت عليهم أي لحن؛ فتوقفت عن عرض ألحاني على أحد، وأصبحت مثل عبدالوهاب وبقية الجماعة الملحنين، إذا ماتطلب مني لحنا فلن أعطيك.
• أصبحت حساسا بدرجة كبيرة مع أنك كنت تقدم ألحانك في السابق للمطربين في الداخل والخارج؟
أنا لست كبيرهم الذي علمهم السحر علشان أطلب منهم أن يزوروني ويطلبوا ألحاني، ولكنني أطلب منهم أن يقدروا عمري وخبرتي العلمية في هذا المجال، والأعمال التي قدمتها لكارم محمود، ونجاة الصغيرة، وفائزة أحمد ،ونجاح سلام ووديع الصافي، وهيام يونس، وسميرة توفيق، كانت في إطار التعاون العربي بين الإذاعات العربية، وهذه من الأمور التي وثقت العلاقة بين الفنانين العرب، وعندما قال لي أحمد سعيد أنت موسيقي عربي ودرست في القاهرة ونريدك أن تلحن لإذاعة صوت العرب فقد كان يقدر موهبتي.
• هذا سبب فشل فكرة إنشاء بيت الموسيقيين أو نقابته؟
جمع الموسيقيين في مكان واحد صعب هذه الأيام، ولو طلبت منهم قيمة الشاهي «مايدفعوها» مع أن بعضهم صار مليونيرا، وأنا يائس من مثل هذه الأمور، ويكفيك أنه لاتوجد لدينا جمعية للمتقاعدين، ممن هم في مثل سني لكي أشاركهم أوقاتهم سواءا كانوا وزراء أوعسكريين أومدنيين «مو عاد نعمل جمعية موسيقيين». أما النقابة فمازلت أطالب بها، ولكن ينبغي أن يكون لدينا معاهد موسيقية لتكون لدينا نقابة.
• لدينا معهد موسيقى الجيش؟
المعهد مستمر فقط للآلات النحاسية، أما الوترية فلايوجد لها شيء، ولذلك لاتستغرب أن لايكون للمملكة فرقة موسيقية، والموجودون في الإذاعة حاليا هم خمسة إلى ستة أشخاص ثلاثة من تونس واثنان من مصر.
• ولذلك لايسجل أي فنان أغنياته في المملكة كما كان يحدث في السابق؟
وللأسف الشديد، فقد كنا أيام الأمير فيصل بن فهد رحمه الله والوزير الشيخ جميل الحجيلان ننفذ الألحان كفرقة موسيقية، ونستمتع بها خصوصا الأغاني الرمضانية، والعيد والحج والأغاني الوطنية، وكانوا يعطوننا مكافآت لكي نعمل أنا وغازي علي، وجميل محمود، ومحمد شفيق، وثواب عبيد وعبده مزيد، ويأتينا المطربون بالقصائد والكلمات المجازة لكي نلحنها لهم .
• وهذا يعتبر سببا رئيسيا أيضا لتعطيل تنفيذ سيمفونياتك الوطنية العشر التي لم تنفذ حتى الآن؟
السيمفونية أمر ليس هينا، وعبد الوهاب بتاريخه لم يستطع تلحينها كما أن بيتهوفن نفسه عمل سبع سيمفونيات فقط؛ فيما عملت أنا عشر سيمفونيات وطنية تحكي تاريخ بلادنا، ومناطقها واضطررت إلى وضعها في الأدراج لأن تنفيذها يحتاج إلى فرقة أوركسترا، ونحن ليس لدينا فرقة موسيقية؛ بينما عمان أصبح لديها فرقة أوركسترا، كما أن تنفيذها في الخارج يتطلب أموالا وهذا فوق طاقة وزارة الثقافة والاعلام.
• وأين دور الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون؟
حاولنا على أيام الأمير فيصل بن فهد رحمه الله أن نعمل معهدا للموسيقى، لكنه لم يتم لعدم إقبال أحد على هذا الأمر، ومنذ أن تقاعدت وتركت الجمعية ووضعها في تراجع، فلم يعد هناك جمعية. كما غابت إدارة الفنون الشعبية التي كنا أنشأناها في السابق، ولكنني سعيد بجهود أفراد مثل أبوسراج وأبوهلال وغيرهما ممن يدفعون من جيبهم الخاص للمحافظة على هذا التراث الفني الشعبي.
• انتقدت من يقولون بأنه لايوجد فن سعودي، بل تراكم ثقافات، ومزيج مصري ويمني وغيره، والكل يعرف أنك بدأت بأغنيات أم كلثوم والطرب العدني؟
الغناء الحجازي معروف بالدانات اليمانية مثل (ياعروس الروض) و(مالي أراها لاترد سلامي) وهذه غناها أجدادنا مثل عم حسن جاوة، وكردوس وغيرهم وكنا نحفظ منهم هذه الأشياء، ولا أحد يستطيع أن يقولها من المطربين الأجانب. لأن لها إيقاعات غريبة لاتستطيع حتى الفرق الأوروبية أن تقوم بها .
• رحت بعيدا ياأباسلطان بالمقارنة مع الأوروبيين؟
أنا أحاجج بالنوتة الموسيقية لأنني درستها فالرومبا والفالس والتانجو مأخوذة من عندنا، فالفالس هي العرضة النجدية، والرومبا هي المزمار الشعبي، أما التانجو فينطبق على ألعاب المنطقة الجنوبية وجازان تحديدا.
• هذا لاينفي أنها ألحان وافدة مع الحجاج، والمعتمرين والزوار الذين استقر بهم الحال في الحجاز؟
هذا صحيح، وساعد على ذلك أن الطائرات في تلك الفترة لم تظهر بعد فكان الحجاج يمكثون ستة أشهر في العام من رجب إلى ذي الحجة ويختلطون بفناني الحجاز القدامى فأخذوا منا وأخذنا منهم وأصبح لدينا مزيج.
• مع أنك عرفت ملحنا أكثر منك مغنيا .لكنك مقل جدا في انتاجك؟
عندي ثلاثة ألحان من شعر إبراهيم خفاجي، وأعطيتها لمحمد عبده وأبرزها أغنية (ياتجيني أو أجيك.. قلبي مل الانتظار من مواعيدك) لكنه طلب إرجاءها لغاية ماتأخذ أغنية الأماكن حقها من السوق، وكذلك أحلام فلديها أيضا أربعة ألحان لم تغن بعد.
• الغريب أن الكلمة مازال لها شاعرها كثريا قابل، واللحن فرسانه موجودون في الساحة ولانشاهد إلا أعمالا هزيلة؟
الشباب لايريد هذه الأغاني، وإذا كنت تقول ثريا قابل فأنا بنفسي لحنت لها كلمات جميلة، وأعطيتها أيضا لمحمد عبده ولم يغنها إلى الآن، ويقول مطلعها (جايز دا غلط مني أسيبك بعد مااتأكدت اني حبيبك وأنت عارف قد إيه قلبي يحبك ويشهد على الله ماودي أسيبك). وعملت الأغنية على ثلاثة كوبليهات وتمشي مع إيقاع الشباب كمان، وتسألني : متى سيغنيها..؟ لاأدري!!.
• في ظل وجود فرق حولك (تقدم كاتشي وكلاتشي) وتؤكد وجود علاقة منفصلة بين جيل وجيل، ألا تشعر أنك تسير لوحدك؟
مين قال لك هذا الكلام، أنا سرت أمشي مع الجمهور والخط اللي يبغاه ومستعد ألحن لهم أغنيات تناسب رغباتهم لكن فين الفنانين اللي يأخدوا مني.
• هذا كلام جديد أسمعه لأول مرة؟
لازم نمشي مع الجو لأنني إذا انفردت لوحدي أصبح نشازا.
• الناس تفكر أنك تدافع عن القديم؟
القديم لم يعد له داع إلا عند كبار السن والمحافظين عليه، وإذا وجد الجيل الراغب في الرقص فيجب أن أسير معهم وأرقصهم، ولكنني أضحك عليهم في داخلي وأنتقدهم في نفس الوقت لأن هذا واقع الحال الذي وصلنا إليه.
• ولماذا لاتعتزل هذا المجال؟
لا أستطيع.
• هذا يعني أنك يمكن أن تلحن أغاني شبابية ؟
نعم، ولحنت أغنية تقول:
ياحبيبي عشت .. غني لي تويست .. ورقصني على البست، وهي من كلمات الشاعر إبراهيم خفاجي، لا. «وأزيدك من الشعر بيت» صرت أقلب حتى الأغاني القديمة إلى شبابية مثل أشقر وشعره ذهب لتكون (أ وشين وقاف ورا) أشقر وشعره ذهب .. هكذا يريدها الشباب.
• هذا الكلام يأتي من شخص يتمسك بالأستاذية وينتقد أعمال الآخرين ولايسمع إلا لأم كلثوم؟
لابد أن نسير مع الجو، لكن موضوع النقد والموسيقى فهو بالنسبة لي وسواس دائم لاأستطيع أن أتخلى عنه لأنني أفهم في الموسيقى، ومن ثم فأنا أضع أي عمل تحت النقد، وهناك أغنيات لمطربين مشهورين ولكنهم لم يدرسوا الموسيقى نجحت ولكنها بموجب دراستي فيها أشياء غلط ، كأن يوضع كوبليه في غير محله، ولكنني أقولها لك صادقا اضطررت أمشي مع التيار وعملت أغنيات بنفس الطريقة.
• هذا يستدعيني لأسألك عن ماقيل عن وجود سرقات كبيرة في الوسط الفني، وأعتقد أنك اتهمت بأخذ أغنية لعبدالله محمد أيضا؟
المعروف أن مازاد عن أربعة موازين فهو سرقة في النظام الموسيقي؛ وكمثال عندما تقول (ياريم وادي ثقيف لطيف جسمك لطيف) فهذه أربعة موازين وقس على ذلك.
• قيل أن ليلة خميس مأخوذة من أغنية أم كلثوم (أروح لمين)؟
الله يرحم عمر كدرس فقد كان فنانا متمكنا، ولو حصل أنها كانت مسروقة فلم أكن سأصرح له بذلك، وأنا أعرف بعض الأغنيات المسروقة، لكنني اعتبرها اقتباسا من أغنيات قديمة، ولي شخصيا بعض الأغنيات في نفس الاتجاه.
• هذا يعني أن الوسط الفني ماعليه جمرك كما يقال؟
عند الدارسين والمتعهدين له جمرك باعتبار أن مازاد عن أربعة موازين فهو سرقة.
• على ذكر المتعهدين سمعت أن لك تجربة مريرة مع شركات التسجيل المحلية؟
أكلت منهم علقات، وسرقوني في وضح النهار فشركة أخذت مني 330 ألف ليرة لتسجيل ألحان لهيام يونس، ووديع الصافي، وسميرة توفيق على أن يكون اللحن بثلاثة آلاف ليرة ولم يسلموني شيئا بعد أن أقفلت الشركة، وأخرى في المنطقة الشرقية أكلتني في 80 ألف ريال أيضا، والمشكلة أنني لا أستطيع شكواهم لأنه لاتعرف لهم مظلة وكنت أتمنى أن يكونوا تحت الجمعية على أن تعطي لها وزارة الثقافة والإعلام سلطة ولكنهم لايعترفون أصلا بالجمعية.
• لماذا اتهمت بالصوفية عندما قلت إن الفن فلسفة روحية وصوفية؟
اتهموني بأكثر من هذا وقالوا عني بأنني عميل لمنظمة التحرير الفلسطينية، عندما غنيت لهم وما أنا إلا فنان وملحن والله يعلم مافي القلوب والنيات.
• أعرف أن لك ميولا اتحادية سببت لك متاعب مع الأهلاويين فكيف علاقتك معهم الآن؟
الله يسامح جمهور الاتحاد هم اللي ورطوني عندما غنيت (أبكي على ماجرالي ياهلي) بناء على رغبة الأمير طلال بن منصور، فأصبح الجمهور يردد مقطعا آخر قالوا فيه (والأهلي قدام الاتي طلي) فأحرجوني ولكنني اعتذرت من الأهلاويين وقلت لهم جيبوا الشريط واتأكدوا منه، وأنا والله ماقلتها لأنها عيب والأهلاويون قبلوا عذري وحضرت لهم حفلة بعدها.
• المشكلة أنك طلعت بعدها وقلت أنا زي إبراهيم خفاجي عندما قال: إذا لعب الهلال فخبروني فإن الفن منبعه الهلال؟
عندما كنت في الرياض أيام الملك سعود رحمه الله، كنت هلاليا لأنني كنت أذهب دائما مع إبراهيم خفاجي عند الشيخ عبد الرحمن بن سعيد سواء في الملعب أوبيته، كما كنت أذهب عند الأمير عبد الرحمن بن سعود رحمه الله في النصر، وأتذكر أن سموه عندما سمع بكلام إبراهيم خفاجي عن الهلال قال: اكتبوا على الجدار (وما النصر إلا من عند الله) .. والحقيقة أن هذه الأمور لم تكن تهمني. لأنني بصراحة لاأريد أن أخسر جمهور أي فريق في المملكة لأنهم جمهوري أيضا.
• وهل يفسر هذا التراجع في مواقفك فشل المجمع العربي للموسيقى الذي رأسته ثلاث دورات في تقديم شيء ملموس؟
كنا نعمل بشكل جيد إلى أن انتقل المجمع من القاهرة إلى العراق، حيث صودرت الكثير من مكتسباته، وعاد الآن بعد غزو العراق للكويت إلى القاهرة وترأسه الآن رتيبة الحفني ولم يعد فيه أي سعودي الآن .
• لوسألتك لمن تسمع الآن؟
أم كلثوم مازالت في القمة ثم نجاة الصغيرة وعبدالحليم وغيرهم من الأسماء الكبيرة، وليس لدي حدود في السماع، وقد تستغرب أنني أطرب للمغنية الكويتية عائشة المرطة رحمها الله لأنها تقدم نوعا خاصا من الفن وكل واحد له جمهوره.
• رسالتك للوسط الفني السعودي؟
الوسط الفني يفتقد إلى الثقافة، والمطربون لايقرأون وهمهم الفلوس فقط وبينهم مشاحنات غير طبيعية، والصلة شبه مقطوعة بين الجيل الجديد وبيننا وأحيانا أجلس مع إبراهيم خفاجي وأسأله: خلص المخزون، فيقول لي: والله مليان ولكن لم يأتني أحد، وكل واحد تقول له غني هذا اللحن يقول لك (بكم).