تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : حكايتان مع ضغوط العمل


صقر الجنوب
19/03/2010, 03:17 PM
http://www.okaz.com.sa/new/myfiles/authors/mysarah.jpg (http://www.okaz.com.sa/new/index.cfm?method=home.authors&authorsID=194)


من الحياة
حكايتان مع ضغوط العمل
ميسرة طاهر (http://www.okaz.com.sa/new/index.cfm?method=home.authors&authorsID=194)



الحكاية الأولى كانت لرجل في بداية الأربعين من عمره، جلس وقد بدت على وجهه ملامح التعب والإعياء، سألته مم يشتكي؟ فقال: لا أدري من أين أبدأ ولكني أشتكي من عدم قدرتي على التحدث أمام الناس، أنا الذي كنت صاحب لسان ذرب لا أجد غضاضة في التحدث أمام أي أحد أو أي عدد من الناس، صرت أجد مشقة كبرى في مخاطبة الناس، وكلما كثر عددهم زادت صعوبة التحدث أمامهم، لذا صرت أتهرب من المناسبات الاجتماعية خشية لقاء الناس، فزاد همي وحزني على نفسي فماذا أصنع؟ قلت: ما طبيعة عملك؟ فقال وما علاقة عملي بمشكلتي؟ قلت سيظهر لي إن كانت هناك علاقة أم لا إذا عرفت طبيعة عملك؟ قال: أنا أعمل في مجال مقاولات البناء، قلت: وكيف يمضي يومك؟ قال: أستيقظ باكرا فأوصل أبنائي إلى مدارسهم ثم أذهب لعملي لأبقى به حتى الثانية، ثم أعود لمنزلي لتناول الغداء ثم أرتاح قليلا، وأعود بعدها لعملي، قلت:ومتى ينتهي نهارك وتعود لدارك؟ قال: ما بين العاشرة و الحادية عشرة، قلت: أنت تعمل ما بين عشر واثنتي عشرة ساعة كل يوم؟ قال: نعم، قلت: وكم يوم عمل في الأسبوع؟ قال: ستة أيام، قلت: وماذا تفعل خلال ساعات العمل الطويلة هذه؟ قال: أتابع كل صغيرة وكبيرة، هذا موجز الحكاية الأولى، أما الحكاية الثانية فكانت لشاب في أوائل الثلاثينيات، ترك وظيفته الحكومية كما يقول، بعد أن درس مشروع مؤسسة ليموزين لثلاث سنوات، بحثها من جميع جوانبها، ثم أنشأها منذ أربع سنوات ليصبح لديه أسطول من السيارات يزيد عن 350 سيارة، وأكثر من 200 سائق، وعشرات الموظفين، وقد جمع كل هؤلاء في مجمع واحد يضم كل السيارات وسكن السائقين والورشة والمكاتب، وهو من يتابع كل صغيرة وكبيرة، من مشاكل السائقين، إلى مشكلات السيارات وقطع غيارها وإصلاحها، وهو من يراجع معظم الدوائر ذات الصلة بمؤسسته، لدرجة أنه يوقع على كل ورقة تخص كل أمر من الأمور، وحين سألته عن شكواه: قال: أكبر همي حين يطلب مني إمامة الناس في صلاتي المغرب والعشاء، عندها يختفي صوتي، وأشعر بجفاف في حلقي وخفقان في قلبي، لدرجة أني صرت أتهرب من التواجد بين الناس في المناسبات الاجتماعية، فأنا أعتقد أن جميع الناس ينظرون إلي إن أنا مررت أمامهم في صالة أو قاعة، والواضح أن الحكايتين بينهما قاسم مشترك واحد هو إدمان العمل، الذي يولد ضغوطا متنوعة، وما يعاني منه هذان الرجلان يمثل جرس إنذار لكل منهما ويعني أمرا واحدا أن كلا منهما قد اخترقت الضغوط دفاعاته، وأنهما بحاجة لإعادة النظر في أسلوب عملهما، وفي مثل هذه الحالات ما لم ينتبه الفرد منا ويأخذ بعين الاعتبار أجراس الإنذار هذه، فإن مزيدا من الاختراقات للضغوط سوف تحدث سواء على مستوى الجسد أو العقل أو الانفعالات، ناهيكم عن أن هؤلاء يدفعون بأبنائهم وزوجاتهم بعيدا عنهم ويحولون أنفسهم إلى آلات للصرافة مهمة الواحد منهم تأمين المال لأسرته، في الوقت الذي يغرق أحدهم في عمله، وحين يجد أنه قد أضاع وقتا طويلا في العمل، وأن الضغوط زادت إلى الحد الذي لم يعد قادرا على احتمالها يهرول تجاه زوجته ليجدها قد صنعت عالما لها ليس له فيه مساحة كبيرة، وإن عاتبها لابتعادها عنه فقد ترد عليه: ألم أطالبك بالتواجد في ساحة حياتي وكنت ترد بالاعتذار تارة وبالصياح في وجهي تارة أخرى، يؤسفني فقد جئت في الوقت بدل الضائع ولست مستعدة لتغيير نظام حياتي من أجلك، ولنا أن نتخيل حاله عندها، هذا إن كان العالم الذي صنعته زوجته يضم صديقاتها أو بعضا من قريباتها، والمؤسف أنه قد يضم في بعض الحالات رجالا آخرين سواه، تحاول عبثا أن تملأ فراغها العاطفي الذي صنعه زوجها ببعده عنها، عندها ستكون مصيبته مضاعفة.

صقر الجنوب
19/03/2010, 04:19 PM
http://www.okaz.com.sa/new/myfiles/authors/mysarah.jpg (http://www.okaz.com.sa/new/index.cfm?method=home.authors&authorsID=194)


من الحياة
كأس العصير
ميسرة طاهر (http://www.okaz.com.sa/new/index.cfm?method=home.authors&authorsID=194)



لم يكن مرتاحا إطلاقا، فقد كانت تفوح رائحة الحزن والغضب من كل جزء في كيانه، مما تفعله به زوجته، وتكرر كثيرا قوله: والله يا دكتور لم أقصر معها إطلاقا، فكثيرة هي الهدايا التي قدمتها لها، وكثيرة هي مرات الخروج معها لغداء أو عشاء، وكريم دائما أنا مع أهلها، ولكنها نجحت في دفعي لكراهية الزواج وكراهية معشر النساء عموما من كثرة أذاها لي، فأنا لم أعد أطيق الحياة معها، فهي في معظم الأوقات غير راضية، عنيدة، تهجرني ولا تكلمي بالأيام الطوال، فهل يتوجب علي الاحتفاظ بها مع كل هذه المرارة التي أتجرعها من جراء العيش معها؟ ثم سكت فانتهزت الفرصة للتدخل بسؤال فغر فاه حين سمعه، قلت: دعنا من هذا قليلا، ما نوع العصير الذي ترغب فيه عصير البرتقال أم عصير الفراولة؟ قال: لا أريد أن أشرب شيئا، فما تجرعته من مرارة العيش مع هذه المرأة يكفيني، قلت أنا جاد في سؤالي: أي النوعين تفضل؟ قال: إن كنت مصرا فعصير البرتقال، قلت: هل تفضل أن تشربه بكأس من الزجاج أم من البلاستيك أم بإناء من المعدن؟ قال: بل في كأس من الزجاج، قلت: هل تريدها كأسا نظيفة أم لا بأس لو كانت آثار بصمات الأصابع عليها؟ قال: بل كأسا نظيفة ولا آثار للأصابع عليها، قلت: هل تفضلها على صينية من البلاستيك أم من المعدن؟ قال: بل على صينية من المعدن؟ قلت: هل تمانع لو كان بها بعض الصدأ؟ قال: لا ، بل أريدها صينية معدنية سليمة من الصدأ، قلت: هل تفضلها فضية أم ذهبية أم خليطا من الاثنين؟ قال: بل فضية اللون، قلت: هل تفضل أن تشرب كأس العصير في غرفة مكيفة أم في غرفة حارة؟ قال: بل في غرفة مكيفة طبعا، قلت: هل يسرك أن تكون للغرفة نافذة ذات إطلالة جميلة أم غرفة بلا نوافذ، قال: بل غرفة بنوافذ مطلة على منظر جميل، قلت: هل تفضل أن تتناول عصيرك وأنت جالس على كرسي مريح أم واقف؟ قال: بل على كرسي مريح، قلت: هذا ما تريده أنت كي تشرب كأس العصير، قال: نعم، قلت: لو أني قدمت لك بدل البرتقال الفراولة باعتبار أن البرتقال متاح في كل وقت أما الفراولة الطازجة فلها مواسم وهذا موسمها، وفي كأس من الزجاج عليها آثار بصمات الأصابع باعتبار أن البصمات من الخارج ولا دخل لها بما في الكأس من عصير، وعلى صينية من البلاستيك باعتبار أن الصينية هي الأخرى لا علاقة لها بالعصير، وفي غرفة حارة لأن التكييف مؤذ للصحة، ولم أضع لك كرسيا في تلك الغرفة حتى لا يضيع وقتك، باعتبار أن الوقت من ذهب إن لم تقطعه قطعك، وفي غرفة بلا نوافذ، لأن كثرة النوافذ تشتت انتباهك، لو أني قدمت لك كل هذا بطريقتي وبما يرضيني أنا وليس بالطريقة التي ترضيك أنت، هل كنت ستكون سعيدا بذلك؟ قال: طبعا لا، قلت أخشى أنك تقدم الكثير لزوجتك ولكن بطريقة ترضيك، وليس بالطريقة التي ترضيها، وأخشى أيضا، أنك تريدها أن تكون كما تريد أنت، ولا شك أن المصيبة ستكون كبيرة لو أنها كانت تسلك معك المسلك نفسه، عندها ستسير أنت وهي باتجاهين متعاكسين، وهيهات أن تلتقيا، عندها أسند ظهره إلى الكرسي وحمل رأسه بين يديه كأن ما سمعه قد أثقله وأطرق طويلا ثم رفع رأسه ليقول: ربما فعلا هذا ما يحدث بيني وبينها.

صقر الجنوب
19/03/2010, 04:20 PM
http://www.okaz.com.sa/new/myfiles/authors/mysarah.jpg (http://www.okaz.com.sa/new/index.cfm?method=home.authors&authorsID=194)


من الحياة
التليفون وصلاة الفجر
ميسرة طاهر (http://www.okaz.com.sa/new/index.cfm?method=home.authors&authorsID=194)


في صباح جميل اختلطت نسماته الباردة بعبق الحرم المكي الشريف، وازدان بصوت شجي يحرك مكامن القلب والعقل ويدفع للخشوع والتفكر في كل آية تقرأ، وسرعان ما انقطع خشوع الكثيرين بسبب رنين موسيقي انبعث من جوال وضعه صاحبه أمامه على الأرض، ولم يتوقف إلا حين سجد الجميع للركعة الأولى، وبعد انقضاء الصلاة التف الكثيرون حول صاحب الجوال يلومونه ويعاتبونه، باعتباره السبب في ضياع خشوعهم، وبرر الرجل سلوكه بأن إغلاق الجوال سيضطره للحركة الكثيرة وكثرة الحركة تبطل الصلاة، ولا أدري لم سكتوا وتركوه هل لأنهم اقتنعوا أم لأنهم لا يملكون الحجة عليه، أم لعجب ما يقول؟ لا أدري، اقتربت منه وسلمت عليه، وبدأت حوارا معه كان محوره مقاصد الشريعة ورويت له قصة عن حكم ضالة الإبل، فقد كان عليه الصلاة والسلام أمر بتركها، وبقي الحكم سائدا في عهده وعهد أبي بكر وعمر، حتى جاء عثمان فأمر بإحضار الإبل الضالة إلى بيت مال المسلمين، ومن اشتغل من علماء المسلمين بمقاصد الشريعة يقول: إن الناقة أو البعير لم تكن عرضة للموت جوعا أو عطشا نظرا لتوفر الشحم في سنامها والماء في جهازها الهضمي مما يعني قدرتها على تحمل الجوع والعطش، كما أنه لا يخشى عليها من السباع حيث لم يكن في جزيرة العرب آنذاك أكثر شراسة من الضباع، والإبل لا تخشى الضباع، فماذا حدث في عهد عثمان حتى أمر بعدم تركها؟ يقول العلماء إن الأمانة قلت قليلا وظهر بين الناس من يمكن أن تسول له نفسه سرقتها، وبالتالي فالمقصد من تركها وهو سلامتها لم يعد محققا، تماما كما فعل عمر في عام الرمادة، مع حد السرقة، طال النقاش بيننا حتى طلعت الشمس، فودعته وعدت للفندق، وبقيت فترة طويلة أبحث عن إجابة لسؤال: لماذا يتكرر حدوث مثل هذا السلوك كثيرا في حياتنا اليومية؟ وفي ظني أن مسلم اليوم تسيطر عليه مجموعة من الأفكار يرى أنها هي الصواب بغض النظر عن مصدرها، وعن درجة صحة النصوص التي تقف وراءها، إضافة إلى غياب فكرة المقصد عن عقل شريحة كبيرة من المسلمين، فكثير هي الحالات التي تمر بي والتي تؤدي الأفكار غير المقاصدية إلى حالات طلاق أو خلافات لا حدود لها، لأن صانعي هذه المشكلات يتوقفون عند حدود أمر يحرمه النص، كحرمة الحركة في الصلاة، أو كراهيتها كما رآها المصلي صاحب الجوال، ولم يدرك أن تشويش شريحة كبيرة من المصلين في الصلاة أكثر كراهية بكثير من كراهية الحركة، وإذا كان يرى أنه آثم إن هو تحرك في الصلاة لإيقاف صوت الجوال، فهل إثمه سيكون أقل إن هو ترك جواله يرن بموسيقى كانت سببا في عدم خشوع مئات من الناس المحيطين به؟ ولو تفكر قليلا في كراهية الحركة في الصلاة لوجد أن المقصد من النهي عنها يكمن في تأمين الجو المناسب للخشوع، وأن الخشوع هو سر قبول الصلاة، إذ الثابت أن لكل امرئ من صلاته ما عقل منها أي ما خشع واستوعب من المعاني فيما يقرأ أو يسمع، وبالتالي فإن الخشوع وهو الهدف قد زال ولم يعد له وجود سواء بالنسبة للرجل صاحب الجوال أو بالنسبة لمن وقع في دائرة تأثيره، والأمر نفسه ينطبق على من يكثر الحركة في الصلاة فلا هو خشع ولا ساعد من بجواره على الخشوع، ويبدو أننا بحاجة للقياس على ذلك في أمور الحياة الكثيرة لأننا نضيع الكثير بسبب فقدان التفكير المقاصدي.

صقر الجنوب
19/03/2010, 04:21 PM
http://www.okaz.com.sa/new/myfiles/authors/mysarah.jpg (http://www.okaz.com.sa/new/index.cfm?method=home.authors&authorsID=194)


من الحياة
من وصايا لقمان
ميسرة طاهر (http://www.okaz.com.sa/new/index.cfm?method=home.authors&authorsID=194)


يحتاج العقل كما يحتاج الجسم إلى لحظات راحة وصفاء واستجمام، ولا يجد المرء واحة لتحقيق كل هذا أجمل وأروع من بيت الله الحرام، وما إن عرضت على بعض أهلي رغبتي في الذهاب إلى مكة حتى قفزوا لصحبتي، ولم تدم الأحاديث بيننا طويلا فقد كان يوما مرهقا لنا جميعا وسرعان ما صمت الجميع بخاصة أن ثلث الليل الأول قد انقضى، ومع الهزيع الثاني من الليل كان لصوت المقرئ المنبعث من مذياع السيارة دور كبير في رحلة للعقل تتنقل في ثنايا وصايا لقمان لابنه وهو يعظه، بدءا من نهيه له عن الشرك مرورا بحثه على ممارسة دوره الاجتماعي في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مع تأكيده على أهمية الصبر على أذى الناس لكل من يعمل في مجال الحسبة، ثم انتقاله للتأكيد على أهمية سلوك الفرد أثناء تعامله مع الناس، وقد استوقفني حرصه على ثلاثة أمور: الأول يتعلق بدرجة ارتفاع الصوت، والثاني يتعلق بالمشية، والثالث بتصعير الخد للناس، وقد نهى ولده في الأولى عن رفع صوته حين قال له: «واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير» وتساءلت وأنا أعيش حالة من التأمل في كل كلمة من كلمات وصيته لولده عن دور الصوت في حياة الناس وتعاملاتهم، وعهدي بالصوت المرتفع قريب فقد لاحظت بكاء طفل صغير صبيحة ذلك اليوم حين تحدث إليه أخوه الأكبر بصوت مرتفع مع أن الكلام جميل، ويبدو أن فطرة الناس التي فطرهم الله عليها تأبى قبول الصوت المرتفع، بل وتستنكره، وتجعله غير مؤثر، والجميل في المسألة أن الدراسات العلمية جاءت لتؤكد أن ارتفاع الصوت أثناء الحوار دليل على عجز المتحدث، وكلما زاد عجزه عن إيصال ما يريد للآخرين ازداد صوته ارتفاعا، والمؤسف أن ارتفاع صوته يزيد من رفض الآخرين لما يقول، وإنكارهم لا للصوت فقط بل ولمحتواه، تماما كما يحدث حين ينهق الحمار فينجح في إيصال صوته لمسافات بعيدة ولكن الناس مع ذلك ينكرونه ويبغضونه، فهل أراد لقمان أن يقول لولده: اخفض صوتك وأنت تتحدث مع الناس، لأن ارتفاع الصوت دليل العجز؟ وهو عجز مرتبط بالاستنكار تماما كما يحدث مع من يسمع صوت الحمار فيستنكره؟ مع قوة الصوت وارتفاعه؟ إن ما يحدثه صوت الحمار لدى الناس لا يعدو أن يكون بمثابة قوله لهم: ها أنذا موجود هنا، ولسان حالهم يقول: نعم عرفنا مكانك وأين أنت ولكنك ومهما ارتفع صوتك ستبقى في نظرنا المخلوق الذي يضرب به المثل في قلة الفهم، ودورك لا يعدو أن يكون وسيلة لحمل الأثقال ليس إلا، ويبدو أن لقمان كان يريد من ولده وهو يعظه، أن يستدل من ارتفاع الصوت على عجز العقل، وعلى أن العنصر المهم في حوار البشر، هو أمر آخر يكمن في محتوى هذا الحوار، وليس في ارتفاع الصوت، ويتوجب على من يرتفع صوته أن يقف ليراجع حججه وأساليب إقناعه كي لا يقع في المحظور ويصبح صوته لدى سامعيه منكرا، لأن الأذن البشرية ـــ كما قلنا ـــ ترفض بفطرتها الصوت المرتفع، ولأن الصوت المرتفع يقلل من قيمة الحجة ويلونها بلون الرفض والإعراض، ويدفع المستمع لا للتفكير بما قاله المتحدث بل للوقوف عند استهجان ارتفاع الصوت فتذهب حجة صاحب الصوت المرتفع، ويفقد كلامه التأثير، فيبعد المستمع عن التفكير بما قاله، ويحول الانتباه عن الموضوع الرئيس إلى شكليات بغيضة، ناهيكم عن تقليل قيمة المتحدث في نظر المستمع.

صقر الجنوب
19/03/2010, 04:21 PM
http://www.okaz.com.sa/new/myfiles/authors/mysarah.jpg (http://www.okaz.com.sa/new/index.cfm?method=home.authors&authorsID=194)

من الحياة
الحصان والسلحفاة
ميسرة طاهر (http://www.okaz.com.sa/new/index.cfm?method=home.authors&authorsID=194)


خرج من الدار ونظر إلى السماء فوجدها مسودة مكفهرة، غيومها السوداء المتلبدة تزحف نحو سماء البلدة، والبرق ينير الأرض مع بعده، أسرع الخطى لظنه المؤكد أن عاصفة رعدية قادمة بعد وقت وجيز، مع ما يرافقها عادة من مطر غزير، ركض مسرعا نحو حصانه الذي يحبه، والذي جمعته به ذكريات كثيرة سارة في مجملها، مسك بالرسن وجره باتجاه الحظيرة في محاولة لحمايته من العاصفة، إلا أن الحصان لم يتحرك من مكانه، حاول ثانية وبقوة أكبر، ومع ذلك أبى وتمنع، وبقي في مكانه كأنه جمد، رفع رأسه باتجاه نافذة البيت فوجد ولده الشاب ينظر إليه ويبتسم، فأومأ له بأن احضر حالا، وصار هو يسحب وولده قوي البنية مفتول العضلات يدفع الحصان، إلا أن كل محاولاتهما باءت بالفشل والحصان ثابت في مكانه، كانت الخادمة هي الأخرى ترقب ما يفعلانه من النافذة، ولم تستطع الانتظار طويلا فهرعت إليهما وقالت لصاحب الدار وابنه دعوه لي، وأدخلت إبهامها المبلل بالماء في علبة للسكر حيث تعلق السكر بإصبعها ووضعت إصبعها في فم الحصان فصار يمص السكر ويمشي وراءها حتى دخل الحظيرة، تبسم الأب متعجبا ونظر لابنه القوي وقال له: يا بني يبدو أن القوة ليست دائما من يجعل الناس يفعلون ما تريد، خرجت الخادمة من الحظيرة لتجد الأب وابنه بانتظارها، وسألها الأب من أين تعلمت هذه الطريقة لجعل الحصان يفعل ما تريدين، فقالت: يا سيدي تعلمتها من أمي، فحين كنت صغيرة كانت لي سلحفاة صغيرة أطعمها وألاعبها، وفي أحد الأيام الباردة كيومنا هذا دخلت على سلحفاتي وهي تدخل رأسها في قوقعتها، فرجوتها أن تخرج رأسها، ولكنها رفضت، ضربت قوقعتها بعصا كانت بيدي فأبت أن تخرج رأسها، صرخت بها ولم تجبني، التفت نحو الباب، لأجد أمي تبتسم وتطلب مني أن أدعها وأرافقها فأجلستني بالقرب من المدفأة ثم أشعلتها وجلست معي تحدثني وأحدثها، وحين انتشر الدفء في الغرفة كلها أخرجت السلحفاة رأسها فهرولت إليها وقلت لأمي: لماذا أخرجت السلحفاة رأسها دون أن نطلب منها ذلك؟ فقالت لي: يا ابنتي أدخلت السلحفاة رأسها حين شعرت بالبرد، وأخرجته حين شعرت بالدفء، وتذكري أن الناس كالسلحفاة إن أردت أن ينزلوا عند رأيك فأدفئيهم بحبك وعطفك ولا تجبريهم وتكرهيهم على ما تريدين بعصاك أو بكلامك القاسي، ألم ترين أمس كيف تبعني الحصان وهو يمص قطع السكر العالقة بيدي في حين أنه لم يجب أباك الذي شده وجره وضربه، إن الناس يندفعون لتلبية ما تريدين منهم حين يتذوقون حلاوة معاملتك تماما كما فعل الحصان معي أعطيته السكر فتبعني، وأدفأنا السلحفاة فخرجت ولبت لك رغبتك، وتأكدي يا ابنتي أن البشر لن يعطونا مكانا نسكن به في قلوبهم إلا بدفء مشاعرنا وصفاء قلوبنا ونقاء أرواحنا، يومها ذكرتني بحديث رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام حين قال: «إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم ولكن يسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخلق»، وبدل إضاعة الوقت في سحب الحصان ودفعه وإضاعة طاقتنا في ذلك، منحناه بعض السكر فتبعنا وأحبنا وذهب معنا إلى حيث نريد. وحين أشعنا جو الدفء حول السلحفاة أخرجت رأسها وزحفت نحونا وأراحتنا من الصراخ والضرب والغضب عليها، يومها يا سيدي تعلمت من أمي هذا الدرس ولو لم أتعلم إلا هو لكفاني للترحم عليها مدى الحياة.

امير العشاق
19/03/2010, 05:23 PM
موفق بإذن الله ... لك مني أجمل تحية .

غرور
21/03/2010, 12:26 AM
موفق بإذن الله ... لك مني أجمل تحية .

شموخ الجنوب
21/03/2010, 12:51 AM
سلمت
شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .