المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : النتائج السلبية في المدرسة . . أرق الآباء قبل الأبناء


نهرالعسل
08/03/2005, 11:06 AM
إذا كانت النتائج المدرسية للابن غير ما كان يتوقعه الأبوان فإن اللوم كل اللوم غالباً ما يصب على الابن لأنه ((لم يجتهد بما فيه الكفاية، وأكثر من اللعب ومشاهدة التلفزيون والاهتمام بكل ما ليس له علاقة بالدرس))، إلى غير ذلك من الاتهامات التي تحمله المسؤولية الكاملة عن فشله، وقلما يعترف الآباء بأنهم يتحملون جزءاً من المسؤولية في فشل أبنائهم، على الرغم من أنهم قد يكونون ـ في بعض الحالات ـ هم السبب الرئيسي لهذا الفشل، وكمثال على هذه الحالات يورد العالم الأمريكي (بتلهايم) حالة فتاة عرفت، وبكيفية مفاجئة، تراجعا في نتائجها المدرسية. وبعد تحليل وضعيتها الأسرية تبين أن الفتاة متعلقة بوالدها المنفصل عن أمها التي تولي ابنتها عناية كبيرة، وتتمنى هذه الفتاة أن يتراجع والدها عن قراره بالانفصال عن أمها ويعود إلى أسرته ويستأنف حياته في جو من التفاهم والحب، إلا أن نجاحها في دراستها قد لا يشجع الأب على أن يعيد النظر في قراره، في حين أن فشلها في الدراسة قد يشعر الأب بأنه مسؤول عن هذا الفشل، مما قد يدفعه إلى العودة إلى منزل الزوجية والتراجع عن قراره. ويؤكد (بتلهايم) أن الفشل في مثل هذه الحالة (متعمد) ويرمي لا شعورياً إلى تحقيق هدف أهم من النجاح المدرسي ألا وهو عودة الأب إلى زوجته وأسرته، وهو نفس الهدف الذي تتمني الأم تحقيقه. ويشير إلى أن غالبية الآباء لا يدركون أن أبناءهم يشاركونهم نفس الأهداف، غلا أن التعبير عن هذه الأهداف يتم في الجانبين بكيفية مغايرة إذ قد يكون لا شعورياً لدى الأبناء وشعورياً لدى الآباء، وقد تكون حوافز الأبناء مختلفة عن حوافز الآباء إلا أنها في النهاية ترمي إلى تحقيق هدف واحد ألا وهو نجاح الأبناء وتفوقهم.
إن اهتمام كثير من الآباء بالنتائج الدراسية لأبنائهم قد يبلغ حداً ينسيهم الاهتمام بالأبناء أنفسهم كما لو كانت هذه النتائج ـ في نظرهم ـ أهم من الأبناء، حتى إن الابن، في مثل هذه الحالة، يشعر أن حب والديه له وعطفهما عليه مرهون بنتائجه الدراسية مما يجعل علاقته بوالدين معرضة دائماً للاهتزاز وعدم الثبات.
ويشعر الابن بخوف شديد من إمكان فقدانه لحب وعطف والديه بسبب عدم حصوله على النتائج الدراسية التي يتوقعها والده، وشعور الابن بالفشل والإحباط بسبب نتائجه الدراسية المتدنية قد يدفعه حتى إلى التفكير بالانتحار لكونه يعتبر أنه لم يعد يساوي شيئاً في نظر والديه، وأنهما لن يمنحاه الحب والعطف اللذين تعودا منحهما له، وبذلك تضطرب صورته عن ذاته. وقد يميل إلى تعذيب نفسه بأشكال مختلفة كأن يتظاهر بالمرض أو يفقد شهيته للطعام أو يتكاسل في أداء واجباته المدرسية، كل ذلك ليثير اهتمام والديه به شخصياً بدل اهتمامهما بنتائجه المدرسية، وقد يلجأ الطفل إلى مثل هذه الأساليب اللا شعورية عندما يتحول اهتمام والديه به إلى الاهتمام بمولود جديد لهما، بل قد تظهر لديه بعض الأعراض المرضية بسبب تحول الاهتمام عنه (التبول اللا إرادي، تساقط الشعر).
وعادة ما يصعب على الآباء قبول تدني النتائج المدرسية لأبنائهم. وليس المطلوب منهم قبول هذا الوضع باعتباره أمراً طبيعياً، وإنما المطلوب منهم أن يتساءلوا عن سبب ذلك ويحاولوا ـ بالتعاون مع الأبناء أنفسهم وبمحاورتهم ـ إيجاد الحل المناسب الذي يكون منطقياً ويقتنع به حتى الأبناء. وبلجوء الآباء إلى هذا الأسلوب الهادئ والمتفهم يمكنهم التوصل إلى فهم موضوعي لأسباب تراجع النتائج المدرسية لأبنائهم، وإلى تحفيز الأبناء على بذل ما يكفي من الجهد للحصول على نتائج أفضل. وعملية تحفيز الأبناء، يجب أن تقوم على أساس إدراك أن حوافزهم تختلف عن حوافز الأبناء، وإن الحاضر أهم من المستقبل بالنسبة للأبناء، الأمر الذي يتطلب تعديلاً للخطاب الأبوي التقليدي يأخذ بعين الاعتبار هذه المعطيات، بحيث يغلب على الخطاب الأبوي طابع الحب والحنان والتفهم والحوار، لا طابع الزجر والتبخيس والتهديد، ومن شأن خطاب كهذا أن يعيد للابن ثقته بنفسه ويشعره بأنه لا يزال محط عناية وحب والديه، مما قد يساعده على الاهتمام أكثر بدراسته وبالتالي تحسن نتائجه المدرسية.
وقد يلجأ الآباء، عندما يفاجأون بنتائج أبنائهم الدراسية المتدنية، إلى اتخاذ موقف اللا مبالاة من الأبناء، كأن يتفادون الحديث معهم والاهتمام بهم كتعبير عن عدم رضاهم عن النتائج التي حصل عليها الأبناء في الدراسة، إن مثل هذا الموقف يماثل في سلبيته موقف الزجر والتهديد والتبخيس الذي يتخذه بعض الآباء إزاء أبنائهم، إذ إنه قد يضعف لدى الأبناء الحوافز التي تدفعهم إلى بذل أي مجهود، أو يجعل منهم أشخاصاً لا عقلانيين عديمي الثقة بأنفسهم ويميلون إلى العزلة والعنف، وبالتالي يجعلهم أكثر استعداداً للانحراف، وفي هذا يقول (إريك فروم): ((إن الفرد المعزول والعاجز تغلق أمامه أبواب تحقيق إمكاناته الحسية والعاطفية والعقلية، وهو ينقصه الأمان الداخلي والتلقائية وهما الشرطان لمثل هذا التحقيق)).
وماذا ننتظر من أبناء يواجهون بالتجريح والتهديد والزجر أو باللا مبالاة والعزلة بسبب نتائجهم المتدنية؟ إن رد الفعل المباشر للأبناء في مثل هذه الحالة هو كرههم لكل ما يتعلق بالدراسة ونفورهم منه، لأن الدراسة ارتبطت في أذهانهم بالفشل، والتحقير، والاستهزاء، والوصم بالتفاهة وغير ذلك.
يكتشف الطفل، من خلال علاقته بوالديه ونتيجة لاهتمام والديه المبالغ فيه بجهوده في المدرسة، أن النتائج المدرسية تشكل بالنسبة له سلاحاً ناجعاً يمكن له أن يستخدمه لتحقيق أغراض معينة لا يستطيع تحقيقها بكيفية عادية. كما يكتشف أن هذا السلاح يجعله على قدم المساواة مع والديه ويجعله في مستوى يؤهله لمواجهتهما والتأثير في مواقفهما نحوه، وهي مواقف غالباً ما يختل فيها التوازن لصالح الوالدين.
وهكذا قد يكون تراجع الابن في نتائجه المدرسية بمنزلة رسالة موجهة لوالديه يريد من خلالها تحقيق هدف معين، ودور الآباء في مثل هذا الموقف هو اكتشاف هذه الرسالة وإدراك مغزاها الحقيقي، والتصرف بكيفية تستجيب لرغبات أبنائهم، ليعود الوضع إلى ما كان عليه، وليسود علاقة الطرفين جو من الحب والثقة المتبادلتين.
عندما يغير الآباء موقفهم:
يخطئ بعض الآباء، نتيجة خيبة الأمل التي يشعرون بها بسبب النتائج المدرسية المتدنية لأبنائهم عندما يغيرون من أسلوب تعاملهم مع الأبناء، إذ يميل هذا الأسلوب إلى المبالغة في اللوم والنقد وعدم التسامح وضعف الحوار، إلى درجة أن بعض الآباء يصبحون أكثر عرضة للإثارة والانفعال كلما تعلق الأمر بأبنائهم. بل إن من الآباء من لا يتردد في انتقاد أبنائهم أمام الغرباء عن الأسرة وبحضور الأبناء أنفسهم، وغالباً ما يكون النقد أقرب إلى التجريح والاستهزاء منه إلى النقد الموضوعي والبناء. ويتحول النقد في مثل هذه الحالة إلى نوع من السلوك السادي الذي يشعر فيه الفرد باللذة نتيجة إيلامه للآخرين. ولا يكتفي بعض الآباء بالنقد بل ينتهزون كل الفرص لتذكير الأبناء بفشلهم وتخلفهم في الدراسة متناسين مواقف النجاح التي قد حققها الأبناء في الماضي وفي مناسبات مختلفة. وينسى الآباء وتحت تأثير شعورهم بالإحباط وخيبة الأمل، أن أقسى ما يمكن أن يتعرض له الانسان في الحياة هو أن يشعر بأنه تافه ولا قيمة له سواء في نظر نفسه أو في نظر الآخرين.
إن مثل هذا السلوك من جانب الآباء يعزز قناعة الأبناء من أن اهتمام والديهم بالنتائج المدرسية يفوق الاهتمام بهم شخصياً، وأن وجودهم ككل ليس له ما يبرره سوى أن يكون من أجل الآباء وامتداداً لهم. يحاول الآباء من خلالهم أن يحققوا ما لم يتمكنوا هم من تحقيقه في الماضي، وهكذا يصبح الابن في نظر والديه ذلك المشروع الذي لم يكتمل وينتظر التحقيق، كما ينظر إليه بمنظار الربح والخسارة كما لو كان ملكية فردية، وليس إنساناً له مشاعر وأفكار ومواقف وبالتالي شخصية متميزة ومستقلة.
إن تغير سلوك الوالدين إزاء ابنهما الذي لم يحصل على نتائج مدرسية إيجابية يجعل الابن في موقف متناقض، فهو من ناحية مطالب ـ أخلاقياً واجتماعياً ودينياً ـ بطاعة والديه وإبداء مشاعر الحب والتضحية نحوهما، ومن ناحية أخرى يشعر بالنفور منهما لكونهما يوجهان إليه النقد والتجريح والاستهزاء الأمر الذي يفرض عليه كبت موقف النفور في اللا شعور ليبقى موقف الحب (المبطن) في ساحة الشعور. والخطير في هذه العملية أن يختل التوازن بين ما يكبت في اللا شعور وما يظهر في ساحة الشعور ليجد الابن والوالدان أنفسهم في مواجهة مكشوفة لا يمكن التنبؤ بنتائجها. وما حالات تمرد الأبناء التي تنقلها إلينا من حين لآخر وسائل الإعلام إلا ظهر لهذا الاختلال في التوازن بين جانبي السلوك الشعوري واللا شعوري.

a zanbil
08/03/2005, 01:50 PM
يعطيك العافيه على الموضوع الجميل

نهرالعسل
20/03/2005, 09:37 PM
اشكرك والله يعطيك العافيه

الطيبة
25/03/2005, 09:35 PM
شكرا نهر العسل ...موضوعك جميل

dracula
18/05/2005, 12:18 PM
شكرا على الموضوع الي انا اقول عنه اكثر من رائع