المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : من مذكرات سائح في القرن العشرين


موسى محمد هجاد الزهراني
13/03/2005, 12:29 AM
من مذكرات سائح في القرن العشرين! (1)

موسى محمد هجاد الزهراني

ومن قال إن السياحة ليست سباحة في عالمٍ من التفسخ والانحلال !
في القرن العشرين ؟! . وإلا فكيف نفسر وجود بلدان عربية تدعي على
استحياء أنها مسلمة ثم تجد فيها كل كلمة في قاموس الانحلال
الخلقي علناً في شوارعها وفي مطاراتها وفنادقها ويا حسرتاه على
فنادقها.
ساقتني الأقدار ، وجرتني قدماي ؛ إلى رحلة خارج البلاد ؛ تستغرق
أربعة أيام ؛ مع رفيق لي قريب ؛ لأمور عدة ؛ ولغرضٍ لا يوجد
بكثرة في بلادنا إلا بإسعارٍ كنار جهنم أو صيفِ تهامة في رابعة
النهار في أحسن الأحول . وكان خط سير الرحلة يقتضي المرور على
البحرين ثم إلى مطار دبي ثم الشارقة في دولة الإمارات العربية
المتحدة .
وصلنا إلى (مملكة) البحرين ! قرابة الخامسة مغرب الشمس ؛ وعندما
لامست أقدام سيارتنا أرض البحرين ، صُعِقْتُ عند ما رأيت نساءً
كاسيات عاريات ؛ ناثرات الشعر على أكتافهم وهن يزاحمن الرجال حول
إشارات المرور بسياراتهن الفارهة ،وفتحتُ فمي مدهوشاً مشدوهاً
لمِا رأيت ..
كنا ثلاثة ..أنا المغلوب على أمره ؛ وصاحبي رفيقُ الرحلة ودليلها
؛ وصاحبٌ آخر سيوصلنا إلى مطار البحرين ثم يعود..
أما صاحباي فقد عجبا من تعجبي واستنكرا استنكاري ؛ ولم يريا في
الأمر كبير ضير لأنهما يسافران كثيراً فأصبحت تلك المناظر
معتادةً لديهما ! ومن حسن الحظ أيضاً أننا لأبد وأن نَمُرَّ على

مكتب سفريات لأخذ تذاكر السفر ! ففجأة مرة أخرى وإذا بي أقف أمام
امرأة كاشفة الوجه تجلس على المكتب كادت تبتسم لولا أن صرفت وجهي
عنها فتطوع صاحبي بالتفاهم معها وكأنه يقول لها :
معذرة فإن صاحبي هذا متخلف !!..
فما كدت أستفيق من هول الصدمة حتى رأيت في المطار (مطار البحرين
) ما نسيت معه آلامي الأُوَل.. لقد رأيت-وكان لابد أن أرى كلما
رفعت رأسي _نساءً يبدو أنهن يخجلن من أن يُرى لباسهن أسفل من
ركبهن حتى يكون في منتصف الفخذ _والعياذ بالله _ يخشين أن يوصمن
بالرجعية والتخلف في زمن التقدم إنْ هُنَّ سترن أجسادهن كما تفعل
النساء المسلمات العفيفات!.
جفّ ريقي في حلقي وتلفّتُ حولي كي أرى معيناً لي على الإنكار
بقلبه على الأقل؛ فلم أر أحداً ! فالرجال يمرون بالنساء وكأنهم
يمروّن بتماثيل ؛ وليس بنساءٍ عاريات الأبدان يحركن شهوة الموتى
! .
ولازال حُسنُ الحظ يُلقي بظلاله على هذه الرحلة المباركة ! ؛ فقد
أغلقت شركات الطيران أبوابها في وجوهنا ؛ فترانا نتملق الموظفين
وبعض الموظفات ! ياحسرة ؛ حتى استطعنا بعد جهود مضنية أشبه ما
تكون بجهود الدول العربية لمنع الحرب على العراق من قبل أمريكا
وبريطانيا ؛ استطعنا أن نجد مقعدين متباعدين على متن طائرة تابعة
لشركة طيران الخليج ؛ حمدنا الله على ذلك .. وكان هذا يوم
الثلاثاء 13/صفر/1424هـ .
دلفنا من دهليز يأخذنا قسَراً إلى باب الطائرة فإذا امرأةٌ نصف
جسدها مستور! تدعى مضيفة تقف على باب الطائرة لاستقبالنا وتحني
رأسها سروراً برؤيتنا؛ أما أنا فكنت فظاً غليظ القلب ذا وجه
صفيقٍ مقطب الجبين فانفضت من حولي.. وأما صاحبي فترقيعاً منه
موقفي المشين ؛حيّاها وكأنه يقول لها ما قال لصاحبتها من قبل!
وكأنه يقول:_
هذه مصيبة تورطتُ فيها إذ قبلت أن أسافر مع هذا (البلية) ! .
استقلت الطائرة في كبد السماء .. وكنت أتوقع أن أسمع دعاء السفر
كما تعودت سماعه في طائرات بلادي عذباً ندياً فلم أسمعه . وظللنا
نتبادل النظرات وحركات الحواجب أنا وصاحبي عن بُعدٍ ؛
والابتسامات هي الرسول بيننا فقد فرقوا بيننا في المضاجع! .
لحظاتٌ ساكنة مرت بي ..وفجأة أحسست برأسي يدور ؛ والصداع يكاد
يفجر رأسي عندما شممت رائحة أشبه ما تكون برائحة الصرف الصحي في
إحدى شوارع (الثقبة) إذا طفح الكيل ! ، عرفت فيما بعد أنها رائحة
خمرٍ ؛ رغب أحد المسافرين (الأفاضل) تعديل مزاجه به كونه يُقدّم
مجاناً على متن الطائرة ! قاتله الله ؛ إذ كيف يسعى في جنونٍ مَن
عَقَل! ..
والله لو ركب الإنسانُ حماراً وكان له عقلٌ (أعني الإنسانَ وليس
الحمار) ! لما تجرأ على على أن يعصي الله تعالى ؛ فكيف وهو معلقٌ
بين السماء والأرض ويعلم أنه بخطأٍ ضئيلٍ أو خللٍ فنيٍ يحدثُ في
الطائرة سينتقل مباشرة إلى الدار الآخرة !.
وصلنا إلى مطار(دبي) بعد أن بلغت الروحُ الحلقومَ وكان هذا حوالي
الساعة 8:15 مساءً ..ومدة الرحلة لم تتجاوز (50 دقيقة ) كأنها
بالنسبة لي أيامٌ طوال ! ولولا أنني حملت معي أحب الأشياء إلى
نفسي لأنصدع قلبي من الهمِّ ..فقد كان معي (مصحفي) الذي بحجم
الجيب .. أنهلُ من آياته ؛ وأتلذذُّ بخطابِ ربي جل وتعالى فكان
نعم الأنيس ولولاه لمتُ كمداً ..
وُدعنا بمثل ما استُقبلنا به من حفاوةٍ وتكريم من قبل طاقم
الطائرة! وقمنا بتعديل ساعاتنا بجعلها تتخطى حاجز الزمن بساعة ..
فأصبحنا في طرفة عين في الساعة 9:20 دقيقة مساءً … لقد بلغ
إعجابي منتهاه بفخامة مـطار ( دبي ) .. جمال البناء ؛ ونظافة
الردهات والممرات ؛ والتنظيم البالغ الدقة وأحسن ما في ذلك أنك
لا تشم هناك رائحة التدخين أبداً .. والناس لا يزاحم بعضهم بعضاً
! ولا يرتكبون المجازر التي اعتدنا على رؤيتها في المطارات ( … )
كي يصعدوا الطائرة قبل الآخرين أو يستلموا ( عفشهم ) قبلهم ! بل
لا تكاد تسمع صوتاً ؛ أعجبني هذا .. وكدت أفرح له غير أنني عدت
لكآبتي مرة أخرى بل أشد وأنكى ..لقد رأيت هذه المرة منظراً يعجز
لساني عن وصفه فتركت القلم يعبر عنه قبل أن يجف حبره كما جف ريقي
في حلقي من قبل ! منظراً .. لم أتمالك نفسي إذ رأيته أن أجهشت
بالبكاء حسرة وغماً ! .. انه منظر زجاجات الخمور التي تعج بها
معارض المطار وكأنهم يتحدون الله تعالى ! ؛ أجزم بأنهم لا يؤمنون
بقوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ
وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ
الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) نظر إليَّ
صاحبي وهز رأسه..ولسان حاله يقول : كان الله في عونك وجبر
مصيبتك!! . استقبلنا أحد الزملاء الأفاضل ؛وهو صديق لرفيق رحلتي؛
فأنستنا ابتسامته وحسن استقباله وبشاشته وأدبه الكريم شيئاً مما
ألمّ بنا وآلمنا .
أوصلنا إلى الشارقة ،ولاحظتُ عند إحدى إشارات المرور رجلاً
جالساً على كرسي يحمل بيديه صحيفة يقرؤها في منتصف الليل فقلت في
نفسي هذا مجنون ؛ والغريب في الأمر أنني الوحيد الذي أخرج رأسه
من زجاج السيارة لينظر إلى هذا الرجل ؛ أما بقية الناس فيمرون به
دون أن يعيروه أدنى انتباه وكأنه أمرٌ عادي ؛ فتعجبت واستحييت أن
أسأل عنه صاحبيَّ ؛ وعند إشارة أخرى رأيت نفس الرجل واقفاً وبيده
الصحيفة فلما دققت النظر فإذا به تمثال فأخبرت أصحابي فانفجروا
بالضحك من ضيق أفقي ؛ فنزلنا في فندق تزينه أربع نجمات يتكون من
18طابقاً واسمه (........) يقف على بابه صاحبنا التمثال وبيده
صحيفته …
وصعدنا إلى الدور السادس عشر ليكون مقر نزلنا؛ وكانت الغرفة التي
نسكنها تطل على الشارقة من الجهة الشمالية الشرقية ، فترى منظراً
جميلاً جد جميل..
ترى على امتداد البصر عماراتها الشاهقة وحسن تصميمها ؛ والأنوار
تزينها بالليل وكأنها عقد لؤلؤ يتلألأ على نحر حسناء.. ثم تنظر
بعيداً لترى شاطئ البحر بخضرته الداكنة وكأنه يحرس المدينة
..نمنا ليلتنا تلك بسلام .. ثم في صباح اليوم التالي..هزنا الطرب
إلى تناول قهوة تركية وملحقاتها في بهو الفندق ويدعونه "اللوبي"
فذكرت بهذا الاسم اسماً ؛ كلُّ الكوارث في الدنيا والحروب
المدمرة تنبعُ من تحت قدميه وهو اللوبي الصهيوني في أمريكا
الظالمة!! . فهون صاحبي عليَّ الأمر وقال لي ما معناه: لا تكن
رجعياً هذا بهو الفندق والسلام!!
عدنا إلى ما هربنا منه ..رؤية النساء الكاشفات السوق والأعناق !
؛ وكأن الرجال لا يعرفون صنع القهوة التركية وتقديم كسرة من
البسكويت معها فجاؤا بامرأة كاسية عارية... لتفتن عباد الله ؛
والله المستعان!!
قضينا يومنا فيما جئنا من أجله ؛ وعدنا إلى الفندق كالّين
كسلانين ثم نمنا مرهقين !؛ واستيقظت قبيل الفجر بساعةٍ على سماع
أصواتٍ أفزعتني ؛إنها أصواتٌ فاجرة ؛تنبعث من وراء الباب الذي
يفصل غرفتنا عن الغرفة المجاورة ؛والله لقد شعرت بقلبي سيقفز من
صدري من الخوف أن تنزل بنا مصيبة ؛هل عرفتم ما الأمر ؟!
نعم إنه كذلك ولن أفصّل فأكون داعية شرٍ! ؛ غرستُ رأسي في المخدة
وبكيت من الحزن على عرضٍ ينتهك في أعظم ساعة من ساعات الليل
..قمت وأيقظت صاحبي . وصليت الفجر ودعوت الله كثيراً أن يحفظ
بلادنا من كل عبثٍ ومن مكر العلمانيين الشهوانيين الذين يريدونها
مأوى لمثل هذه الفواجع! .
خرجنا من الفندق لغرضنا المنشود ؛ثم رغب مضيفنا (2) (جزاه الله
خيراً فما أراد إلا خيراً) أن يعشينا في (دبي) كبسة عربية أصيلة!
فذهبنا في زحام السيارات الشديد .. فما أن وصلنا إلى دبي حتى
اتفقت الأرض والسماء على الهيجان فثارت العواصف المدمرة ورأينا
–أقسم بالله –سحابةً سوداء مظلمة قريبة جداً من رؤوس العمائر
تسير بسرعة عظيمة فقلت في نفسي هذا عذابُ قوم عاد ! رأوا مثله
فقالوا" ( هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا) "فقال الله تعالى"( بَلْ
هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ ؛
تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لا يُرَى
إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ
الْمُجْرِمِينَ) " فأخذت أدعو الله تعالى وألحُّ في الدعاء
والمطر ينزل كالقنابل والريح تدمر كلَّ شيءٍ في طريقها حتى إن
الأشجار أصبحت منقعرة في الشوارع كأعجاز نخل خاوية !! ورأيت
السيارات كعلب الكرتون تتلاعب بها الريح ؛ والناس يكاد المرأ
منهم أو المرأة أن يستقل من الأرض ؛ ولا سيما أصحاب الأجسام
العظيمة النحول مثلي ! صرخت في وجوه أصحابي :_ أرجعونا إلى
الشارقة على الأقل نموت بها خيراً من أن نقضي نحبَنا هنا بين
النساء العاريات !!. ؛ ضحكوا مني وحملوني قسراً إلى المطعم ؛
فوصلناه بعد أن فقدنا الأمل في وصوله !.
في اليوم الثالث (يوم الخميس) نزلنا كعادتنا نطوف ونسعى ابتغاء
حاجاتنا وكان الجو ماطراً جميلاً جداً .. ثم عدنا إلى الفندق
ليلاً لنستريح من هم الـ.. بل من كل الهموم ! . فما أن دخلنا حتى
رأيت أمراً عظيماً (أضيفوه إلى قائمة المآسي التي قرأتم) رأيت
رجلاً يعتلي منصة في (لوبي) الفندق ويحمل بيده آلة العود وبين
يديه رجال كثير ونساء ؛ اكتظ بهم البهو ؛ والأخ يطربهم بصوتٍ
كأنكر ما أنت سامع وقد ذكره الله في القرآن في سورة لقمان ! (3).
التفتُّ لصاحبي مستنكراً وقبل أن أفتح فمي دفعني بقوةٍ إلى
المصعد (يعني مللنا من انتقاداتك) ..كان هذا ليلة الجمعة ؛
الليلة التي ينبغي أن يُكثر من الصلاة والسلام فيها على سيد
الأنام..
في ذات مرة ..ونحن نسير برفقة مضيفنا صاحب الأخلاق العالية فعلاً
في إحدى شوارع الشارقة ،وجميعنا نركب سيارته من نوع
(بي.أم.دبليو) قال رفيقي له: أسرع يا أخي ! كأنك تمشي على بيض !
قال: لا..عيب.. ماذا سيقول عني الناس!! قلت: وماذا سيقولون عنك؟!
قال: سيقولون انظروا إلي صاحب رقم هذه اللوحة المميز ..لا يحترم
نفسه ويسرع هذه السرعة!..
قلت: من أجل رقم في مؤخرة سيارتك تقول هذا ؟. قال : نعم ! أتعلم
كم يساوي ؟! إنه يساوي الآن يساوي ما يقارب السبعين ألف درهم..
قلت: عجيب!
قال: نعم.. فهو كنز ؛ مثل الأراضي عندكم .. حصلنا عليه قبل (15)
سنة.
عدت إلى نفسي: فقلت: أمِن أجل رقمٍ يكون لديه هذا الأدب الجم
..مع أنه في قمة الأدب كما أعلم !! بل أنني علمت عنه الشيء
الكثير من أخلاق عالية فقدها أكثر شبابنا اليوم.. وفقه الله لكل
خير..
أين الشباب الذين تمتلئ بهم مراقص وفنادق دبي مع المومسات ألا
يراقبون نظر الله تعالى إليهم واطلاعه عليهم؟. وهو يعلم السر
وأخفى ويرى ويسمع دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في
الليلة الظلماء ..
ويرى مجاري القوت في أعضـائها *** ويرى كذلك تقلب الأجفان ..
ويرى.. مد البعوض جناحــها *** في ظلمة الليل البهيم الأليل
ويرى مناط عروقها في نــحرها *** والمخ في تلك العظام النحُل
صاحبي ازداد أدباً من أجل رقم له قيمه عند الناس ؛ فأين الخوف من
رب الناس ؟ عند الكثير من الناس .
قُضي أمرنا هناك وصلينا صلاة الجمعة في إحدى مساجد الشارقة
ولاحظت الكثرة الكاثرة من المسلمين الذين لا يتحدثون العربية من
إخواننا الهنود والباكستانية أما غيرهم من الدول الأخرى كمصر
والشام فقليل ... ثم لا تسأل عن أصحاب (العُقُل)! .
عدنا إلى الفندق .. وتطوع صاحبي بفتح التلفاز فرأيت فيه مأساة
أخرى ... بعد صلاة يوم الجمعة 16/2/1424هـ ونقلتها القنوات
الفضائية ؛ أولَ خطبة جمعة تنقل من بغداد بعد سقوطها من جامع أبي
حنيفة النعمان بالأعظمية وتولى خطابة الجمعة د/أحمد الكبيسي .
نظرات سريعة على الخطبة يتبين لك من خلالها هشاشة الطرح ومخالفة
السنة الصريحة !!
يحّيي الشيعة على صمودهم ويقول: بيض الله وجوهكم أيها الشيعة …
الخ هرائه ثم لم أسمع كلمة واحدة تشيد بأهل السنة .. يريد بزعمه
التقارب بيننا وبينهم ففضح نفسه وبين جهله بحقيقة الرافضة ؛
وبكتب ابن تيمية التي عّرت الرافضة وهتكت أستارهم .. نعوذ بالله
من الخذلان والمخذولين .
أنسي ابنَ العلقمي ؟ وسقوط الخلافة بسبب الرافضة عام 656هـ أنسي
أن سقوط بغداد في 8/2/1424هـ كان للشيعة الرافضة أدوار خفية فيه
سواء أكان انتقاماً من صدام أم من أهل السنة ..ولست أقولها
دفاعاً عن صدام البعثي المجرم بل عن أهل السنة .
فهم ( أعني الرافضة ) معروفون بولائهم لأهل الصليب والأديرة من
قديم الزمان ! تألمت لّما سمعت خطبته أشد الألم وقلت : لك الله
يا عراق !
فمن محنة حجاجية إلى بعثية إلى صليبية إلى.....
علمت علم اليقين أن هذا أول بوادر الفشل في جمع المسلمين..وهذا
..كمن أراد نفعاً فأضر !!
والله الذي لا إله غيره ليصيبنّ العراق ما أصاب أفغانستان التي
ما حكمّت القرآن والسنة والعقيدة الصحيحة أيام قوتها وبعد سقوط
الاحتلال السوفيتي ؛بل تناحرت أقطابها على السلطة وتبخرّ جهادها
الطويل ضد الشيوعية ..
ولما أعز الله طالبان في سنوات قليلة بفضله تعالى ثم بفضل
تحكيمهم للعقيدة السلفية الصحيحة استتب الأمن حتى باتت أعظم قوة
إيمانية تهدد الغرب الكافر والشرق على حدٍ سواء ..فمكروا مكراً
كباراً حتى أسقطوها تحت أنظار المسلمين جميعاً .. وانظروا الآن
ماذا حلَّ بهم ؛هل عمرت ديارهم أمريكا؛أم كرزاي العميل؟!
حنانيك يا بغداد صـبراً فربـما *** يتاح لهذا الكــفر سبْلٌ مطهر

ففي دار هارون الرشيـد زلازل *** وآثار مــجدٍ أحرقوه ودمروا
لماذا دموع الحزن لست وحيدة *** وأنـت على الأيام عز ومفخر
فكل بلاد المسلـمين مقـابر *** وهم صور الأحجار تنهى وتأخر
تماثيل لكن ناطـقات وإنـما *** بـلاء البــلاد الناطق المتحجر
* * *
هزنا الشوق العظيم إلى بلادنا ؛وشاقتنا مرابعها وعفة نسائها
وحشمتهن رغم المخالفات إلا أننا لن نر ما رأيناه في (دبي) قطعا
ً! شددنا الرحال !! براً على سيارة جديدة لأحدنا قدم بها من هناك
فاستقبلنا رجال الجمارك السعودية استقبالاً يشبه استقبال
الفاتحين في العصور الأولى للإسلام كخالد بن الوليد ، وقتيبة بن
مسلم، ومحمد الفاتح ، وعقبة بن نافع ، وموسى بن نصير!!
لا إله إلا الله ..كم يتمتعون به من الأخلاق والكرم !حتى إنهم ما
قدموا لنا والله كأس شاي أو شربة ماء أو ابتسامة من طرف
الشفتين..
ست ساعات كاملات ونحن نترجاهم ونتودد إليهم كي يرحموا من في
الأرض يرحمهم من في السماء! ؛ فإذا ما ضاقت صدورهم منا في الثلث
الأخير من الليل قام أحدهم وغاب عن مكتبه إلى حيث لا نعلم به!!
ثم يعود بعد أن تخفق رؤوسنا على صدورنا من النوم الذي تحترق منه
الأجفان ؛ نحسُه كالملح بين أجفاننا ! يعود إلينا بعد ساعات
ليرانا كالذر في صور الرجال يغشانا الذل من كل مكان ! ينظر إلينا
شزراً.. فإذا ما قلنا له : اتق الله ؛أخذته العزة بالأثم! قال :
هذا النظام ! فليس في قاموسهم اتق الله ! . فإذا ما قلنا لهم :
أين الإعفاء من الرسوم والمكوس الجمركية ؛ لقد سمعنا أنه صدر
أمره منذ زمن ..لم لا تطبقوه؛!
قال قائل منهم :_حبر على ورق !إدفع وأنت ساكت يا مطوع !.
مبلغ إن دفعناه كله وصلنا إلى ديارنا التي تبعد (600) كيلو متراً
على ظهور الحمير إن وجدنا في الربع الخالي حميراً !!
فلم نزل نتملقهم ونستدر عطفهم حتى عطفونا على جهاز الصراف الآلي
؛ فأخطا صاحبي في إدخال الرقم السري لصراف شركة الراجحي ثلات
مرات فغضب الجهاز فأقسم ألا يخرج لنا ريالاً واحداً !كان هذا مع
أذان الفجر ! ؛ وأتحدى رجلاً يخبرني أنه حدث له هذا الموقف
فأنقذته شركة الراجحي المصرفية قبل مرور (24) ساعة على هذا
الحدث؛ خلافاً للبنك الأهلي الذي يتواجد طاقمه على الرقم المجاني
(24) ساعة يبدأ أحدهم بتحيته لك ( باللهجة الجداوية المحبوبة! )
فيقول:_كيف أقدر أخدمك يا عزيزي ؟!
ولست أقول هذا لأنني شريكاً لابن محفوظ ! أو مدحاً في البنك الذي
يتعامل في كثير من معاملاته بما لا يرضي الله تعالى ! ؛ بل
أقولها إحقاقاً للحق ولذكر محاسن تنقذ المسلم في أحلك الظروف..
حاولنا بكل وسيلة أن نتصل بشركة الراجحي المصرفية فباءت كل
محاولاتنا بالفشل الذريع وعدنا نجرُّ أذيال الخيبة ..نسحب أرجلنا
على الأرض سحباً كأننا خرجنا للتو من مستشفى الأمراض العقلية ؛
فعدنا إلى ( أحبابنا ) !! رجال الجمارك ..عدنا إليهم وأخبرناهم
بما حدث ؛ ولأنهم يتمتعون بحسن ظنٍ يفوق الوصف فقد كذبونا !!
وقالوا: امكثوا هنا يوماً أو يومين ..والله لن تتعدوا حتى تدفعوا
! تعطل الجهاز أو لم يتعطل ! .
رغم أننا رأينا سياراتٍ تُنهى أوراقها بابتسامة عريضة فنكتشف
أنها لأناسٍ تجري في عروقهم الدماء المقدسة ! ؛ فاقترحنا عليهم
اقتراحاً طيباً ؛ وهو أن نرسل لهم ما يريدون عبر حوالة بنكية ؛
ونعطيهم العهود والمواثيق على ذلك ؛ فنحن مسلمون ولا نأكل حراماً
؛ وأخبرناهم بوظائفنا الدينية والدنيوية فأبوا أشد الإباء و (
لَوَّوْا رُؤُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ
مُسْتَكْبِرُونَ) !! فذهبنا أنا وصاحبي نعُدُّ نقودنا في جيوبنا
مختلطةً ؛بعضها ريالات سعودية وأخرى دراهم إماراتية ..حتى وفت
بما طلبوه منا بعد أن كادت ألاَّ تفي ؛ولم يبقى معنا إلا مائة
وخمسون ريالاً لنقطع بها مسافة(600) كلم ! فودعناهم شر وداع
وودعونا بمثله ثم انطلقنا وأعينهم ترقبنا يخرج منها الشرر حنقاً
وغيظاً!! .
نظرت إلى صاحبي نظر المغشي عليه من الموت ورماني هو بنظرة أخرى
فيها كل معاني الذل وازدراء النفس من هذا الموقف الذي غابت فيه
معاني لا إله إلا الله محمدٍ رسول الله وكل معاني الأخوة
الإسلامية بل وأعراف الناس والرجال الكرماء ..بل وأعراف أناس من
أولاد أبينا آدم! يسُمّون بَشَراً!! قال لي بلهجة حزينة بعد أن
زفر زفرة كادت تخرج اللهب من جوفه :_هون عليك !!
قلت:_نعم ..لعل هذا ذنب ارتكبه أحدنا لا يعرفه فكان هذا
الاستقبال ثمناً لعدم استغفاره منه ! .
تبخَّر ذلك الشوق الذي كان يحدونا وتلك الأمنيات التي كانت
تراودنا !ولم نعد نرغب إلا في أن ندس رؤوسنا بين صفحات القرآن
الكريم ننهل من آياته العذِاب ! لننسى مأساة هذا العذاب ؛ وبعدها
نسلم أرواحنا إلى منامها!؛ ولم نسلم أيضاً من سوء أخلاق رجال
المرور في نقاط التفتيش ؛ وعدم مراعاتهم لكل ما شرحناه من مآسٍ ؛
وأزعجونا من أجل تعليق لوحة سوداء في مقدمة السيارة ؛ فأقسمنا
لهم أننا في صحراء قاحلة لا يوجد فيها ورشة ؛ فكذبونا كأصحابهم
الطيبين من قبل (تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ) .
هذا يا سادة ملخص سياحتي ..فإن كنتم استفدتم منها شيئاً فالحمد
لله واشكروني عليها ..وإن كانت الأخرى فسأضيفها إلى قائمة مأساتي
في هذه الرحلة !.والسلام عليكم ..

----------------
[1] - قلت العشرين تهكماً بمن يمجد التاريخ النصراني ويدعي أن
هذا القرن هو قرن الحضارة ؛ وأكرمت هجرة النبي صلى الله عليه
وسلم أن أنسب قرنها الخامس عشر إلى السوء .
[2] - هو الأخ الفاضل / غانم بن محمد السعدي ؛ ذو الخلق الجم ؛
والأدب الفاضل ؛ جزاه الله عنا كل خير . ورفع درجاته في الجنة
فقد وجدناه نعم الأخ .
[3] - (وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ
لَصَوْتُ الْحَمِيرِ) (لقمان:19)