نواف بيك البريدية
18/07/2010, 02:41 PM
شرعية الحكومة السعودية على المحك
(الجزء الأول)
محمد سرتي
هل الحكومة السعودية مجرد سلطة زمنية اكتسبت شرعيتها بقوة السلاح؟ أم إنها تستمد شرعيتها –بالدرجة الأولى- من دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب على اعتبار السعوديين هم أول من رفع راية نشرها والجهاد في سبيلها والتمكين لها في الأرض؟ أم إن شرعيتهم تنبثق من توحيدهم لهذه الأقاليم والقبائل والشعوب التي ظلت متفرقة متناحرة طيلة حقبات التاريخ حتى جاءت هذه الأسرة لتلم شملهم داخل كيان سياسي واحد؟ هل كونهم يطبقون شرع الله ويقومون بواجبهم تجاه خدمة الحرمين الشريفين مسألة تكفي لإضفاء الشرعية على بقائهم في سدة الحكم؟
إن أياً من هذه الأمور لا يمنح السلطة سوى شرعية زمنية مؤقتة بل وضبابية تحمل في داخلها من الركاكة ما يفتح أمام معارضيها كافة أبواب الطعن ويعبد لهم جميع الطرق لنزعها بمنتهى السهولة، وهو ما يفعلونه بالتحديد في وقتنا الراهن سواء قدموا طعنهم في قالب ديني أو سياسي أو اجتماعي أو اقتصادي. فالشيعة والصوفية وبقايا حكومة الأشراف والمخلاف السليماني لا يرون في الاستعانة بإيران أو الحوثيين أو جماعة السستاني أو حزب الله أو القذافي أو جماعة الإخوان المسلمين أو حتى أردوغان أو أمريكا أي بأس أو مانع شرعي ما دامت القوة هي أداة شرعية للاستحواذ على السلطة، حتى لو كانت قوة خارجية إقليمية أو دولية، فالسعوديون حكموا البلاد –حسب رأيهم- بنفس الطريقة عندما تحالفوا مع البريطانيين وحصلوا منهم على الأسلحة المتطورة التي مكنتهم من توحيد الجزيرة آنذاك، وعندما يصرون على تحالفهم الاستراتيجي مع الأمريكان في الوقت الراهن كي لا تنقطع إمدادات هذه الأسلحة التي بفضلها مازالوا يتربعون على عرش البلاد.
أما القاعدة والفقيه فيعزفون على وتر الدعوة الوهابية ذاتها خصوصاً قضية الولاء والبراء التي أوردها الإمام في كتابه كإحدى نواقض الإسلام، بالإضافة لطعنهم في قضية تحكيم السعوديين للشريعة الإسلامية مستدلين بالبنوك الربوية والمكوس والاختلاط والإعلام وتعطيل سنة الجهاد وغيرها، وبذلك تم تجريد السعوديين حتى من حقوقهم الأدبية كأول من أسس لهذا المذهب باعتبارهم تخلو عنه وتراخوا في صيانته والمحافظة عليه بعد ذلك.
ويتفرد الفقيه بإضافة إيقاع اقتصادي إلى سيمفونيته عازفاً على أوتار البطالة والفقر والفساد الإداري والمالي واتهام السعوديين بسرقة أموال النفط كي يحرمهم حتى من حقوقهم الأدبية كموحدين ومؤسسين لهذا الكيان السياسي بعد أن يجردهم من أهليتهم لإدارة هذا الكيان وينزع منهم –بالإضافة إلى شرعيتهم الدينية- شرعيتهم الإدارية.
هنا نجد أنفسنا أما سؤال يطرح نفسه بشدة: هل السلطة السعودية هي فعلاً سلطة زمنية يبدأ تاريخها –فقط- من عشرينات القرن المنصرم عندما وحد الملك عبد العزيز هذه البلاد، أو ربما قبل ذلك بقليل عندما انطلقت الدعوة الوهابية على يد الإمام محمد بن سعود في منتصف القرن الثامن عشر؟ أم إنها سلطة تاريخية تضرب بجذورها في أعماق الزمن وتستمد شرعيتها من امتداداتها الثقافية الأزلية الغارقة في القدم، والتي لا تشكل الحركة الوهابية سوى حلقة زمنية صغيرة في سلسلة هذا الامتداد الأزلي الأبدي المتصل، الذي لا بداية له ولا نهاية، ولا يخضع لقانون الزمن إلا خضوعاً شكلياً هامشياً لا يؤثر في جوهره الثقافي ولا ينال من شرعيته السياسية؟
هل الدعوة الوهابية مجرد مذهب فقهي –أو عقائدي- حديث نشأ متأخراً في ظل ظروف سياسية واجتماعية استثنائية، وبالتالي يمكن إدراجه ضمن قائمة المذاهب الإسلامية المتفرعة من والمجتمعة في أصلها القديم الجامع وهو الديانة الإسلامية بمفهومها الشمولي؟ أم إن الدعوة الوهابية هي أكثر قدماً وأصالة من الإسلام ذاته بالرغم من كونها تنتسب زمنياً إلى الإمام محمد بن عبد الوهاب الذي يصفونه -زوراً وبهتاناً- بأنه مؤسسها ومنشؤها من العدم، بينما لا علاقة له بتأسيسها من قريب أو بعيد، ولا تتعدى صلته بها حدود التجديد والتبليغ، وإنها لم تحمل اسمه إلا لكونه خرج مبشراً بها ومجاهداً في سبيل نشرها وتعليمها للناس في وقت كاد الناس ينسونها وتضيع معالمها في زحمة المذاهب والأديان والبدع والشرك والتحريف الذي أصاب العقيدة الإسلامية في مقتل وكاد يقضي تماماً على أصلها التوحيدي، فجاءت هذه الدعوة لا لتخترع مذهباً من العدم، بل لتعيد إحياء ملة يقارب عمرها الأربعة آلاف عام، وعقيدة انبثقت منها جميع الأديان السماوية بما فيها الإسلام، فهي أقدم من الإسلام بخمسة وعشرين قرناً، هي الأصل والإسلام مجرد فرع منها، مجرد شكل زمني من أشكال الدعوة إليها. إنها ملة إبراهيم، ملة التوحيد الخالص خلوصاً كاملاً من جميع أنواع الشرك وأشكاله، إنها ملة أزلية أبدية خالدة لا تخضع لمتغيرات الزمن ولا تتأثر بمؤثراته، ولكنها تتخذ لنفسها ألبسة زمنية مختلفة، وأغلفة فقهية مؤقتة تحمي أصلها العقائدي وتصون عصبها التوحيدي من الفساد والتحريف والشرك، حتى إذا ما بليت تلك الألبسة والأغلفة وعجزت عن صيانة ما تحتها استبدلت بأخرى أكثر قدرة على حماية ذلك العصب الأصيل، الملة التوحيدية الخالصة، ملة إبراهيم؟
أليس هذا ما حصل لملة إبراهيم طيلة مسيرتها التاريخية؟ ألم يبعث الله موسى مجدداً لهذه الملة بين الإسرائيليين بعد أن كادت تنقطع صلتهم بها جراء إقامتهم في مصر تحت سلطة الفراعنة الوثنيين؟ وماذا حصل بعد أن اختلط الإسرائيليون بالكنعانيين الوثنيين؟ ألم تتحول ملة التوحيد الخالص إلى ديانة يهودية خليطة التصقت بها عناصر الوثنية الكنعانية لتخرجها في قالب كهنوتي شركي يجعل من الأحبار والرهبان أرباباً من دون الله؟
عندها خلع الله تعالى عن ملته التوحيدية الخالصة لباس اليهودية البالي ليبعث عبده ورسوله عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام مجدداً لهذه الملة وداعياً إلى العودة بها لأصلها التوحيدي الإبراهيمي الأول. فما لبث الزمن أن يتقادم بدعوة المسيح التوحيدية حتى بدأ التحريف ينال منها كما نال من اليهودية قبلها، وأصبح أتباع المسيح يستخدمون نصوص الإنجيل للدعوة إلى الشرك، تناولوا تلك النصوص المقدسة التي كان المسيح عليه الصلاة والسلام يدعوهم من خلالها إلى التوحيد الخالص، فحوروها وفسروها وحرفوا كلمها عن مواضعه حتى استدلوا بها على تأليه المسيح وعبادته من دون الله، فنزع الله سبحانه وتعالى عن ملته التوحيدية الخالصة ثوبها المسيحي الذي أصبح بالياً ليستبدله بدعوة محمد صلى الله عليه وسلم الذي لم يأت –هو أيضاً- إلا مجدداً ومتبعاً لملة إبراهيم، وليس مبتدعاً لدين جديد اسمه الإسلام، بل لملة قديمة أزلية خالدة أسسها الله تعالى على يد حبيبه وخليله وخير خلقه إبراهيم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم. فمحمد صلى الله عليه وسلم لم يأت بالإسلام، بل إن إبراهيم صلى الله عليه وسلم هو الذي جاء بالإسلام، هو الذي أطلق هذا الاسم على ملته من قبل ولادة محمد بخمسة وعشرين قرناً.
(ملة أبيكم إبراهيم هو سمّاكم المسلمين من قبل وفي هذا)
(ما كان إبراهيم يهودياً ولا نصرانياً ولكن كان حنيفاً مسلماً، وما كان من المشركين)
(ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين)
(قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم ديناً قيماً ملة إبراهيم حنيفاً، وما كان من المشركين)
(ومن أحسن ديناً ممن أسلم وجهه لله وهو محسن واتبع ملة إبراهيم حنيفاً، واتخذ الله إبراهيم خليلاً)
(قل صدق الله فاتبعوا ملة إبراهيم حنيفاً، وما كان من المشركين)
ولكن هل سلمت رسالة محمد صلى الله عليه وسلم مما لم تسلم منه سابقاتها؟ ألم تتعرض هي الأخرى للفساد والتحوير والتغيير والتزوير على أيدي المسلمين الذين تناولوا نصوص القرآن وأقوال النبي صلى الله عليه وسلم بنفس الطريقة التي فعلها اليهود مع توراتهم والنصارى مع إنجيلهم؟ أليست نصوص القرآن التي ما أنزلها الله إلا للدعوة إلى التوحيد الخالص هي نفسها التي يستخدمونها اليوم لترسيخ الشرك الخالص؟ ألم يقوموا بتفسيرها وتحويرها ولي أعناقها وتحريف كلمها عن مواضعه ليستدلوا بها على تأليه محمد وآله وعبادتهم من دون الله؟
ألم يتحول السواد الأعظم من المسلمين إلى شيعة ومتصوفة قبل أن يمضي على وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة قرون فقط؟
هل أصبح الإسلام بمفهومه الاصطلاحي الدارج يدل على ملة إبراهيم أو يعبر عن عقيدة التوحيد الخالص؟ أم إن لقب "المسلمين" بات يدل على المشركين أكثر من دلالته على الموحدين، وبات يندرج تحت عباءته من عبدة آل البيت أضعافاً مضاعفة لأولئك الذين ما زالوا يعبدون الله وحده لا شريك له؟
ألم يتحول النبي الذي ما بعث إلا محارباً لعبادة الأصنام إلى صنم هو نفسه يعبدونه باسم الإسلام؟
ألم يصل الإسلام إلى مرحلة بات فيها عبئاً على ملة إبراهيم، فصار لزاماً على هذه الملة أن تنزع عنها ثوب الإسلام المحرف (الإسلام الصوفي والشيعي وكافة مذاهبه وأنماطه المتفرعة) لترتدي ثوباً توحيدياً خالصاً؟ وهل كانت دعوة الإمام محمد بن سعود سوى هذا الثوب، بصرف النظر عن الاسم الزمني الذي اتخذته لنفسها، سواءً سميت بالوهابية أو السلفية أو أي اسم آخر، وبصرف النظر عن الإطار الفقهي المؤقت الذي تتبناه، سواء الفقه الحنبلي أو فتاوى بن تيمية أو غير ذلك، إلا إنها في النهاية ليست سوى دعوة للعودة إلى الأصل الأول، إلى الملة التوحيدية الخالصة، ملة إبراهيم وآله؟
ولكن ما مدى ارتباط الأسرة السعودية على وجه التحديد بهذه الدعوة التاريخية؟ ماذا لو جاء بن لادن أو الفقيه أو المسعري أو حتى "الإخوان المسلمين" وادعوا بتبنيهم للدعوة إلى ملة إبراهيم، ألا يكتسبون بذلك شرعية تاريخية لقيادة هذه الملة خصوصاً إذا زعم أتباعهم بأنهم أشد حرصاً على هذه الملة والدعوة إليها من آل سعود أنفسهم؟
هل الدعوة إلى ملة إبراهيم مرتبطة بآل سعود كأشخاص أو ككيان سياسي نشأ قبل أقل من ثلاثة قرون فقط، وبالتالي لا تتعدى علاقة الدولة السعودية بهذه الدعوة كونها مجرد مطية مؤقتة أو رداء سياسي زمني يمكن استبداله متى ما فسد وبلي وأصابه العطب والضعف ولم يعد يفي بوظيفته في صيانة العصب التوحيدي الأزلي للملة؟ أم إن التصاق آل سعود بهذه الدعوة هو التصاق أزلي أبدي لا ينفك ولا ينفصل بحال من الأحوال، فهو ينبع من كونها أسرة تاريخية تتجاوز بأصولها حدود الزمن وتضرب بجذورها في أعماق الماضي السحيق لتنصهر في بوتقتها السياسية جميع تراكمات الإرث الإبراهيمي الثقافي حيث تنتمي هذه الأسرة إلى الاتحاد القبلي الذي اتخذ لنفسه لقباً توافقياً هو "عنزة"، والذي لم يعد يوجد في هذه الدنيا من تتجسد فيهم ملة إبراهيم واقعاً عملياً حياً في سلوكياتهم وعاداتهم وتقاليدهم وجميع عناصر ثقافتهم أفضل من هذه المجموعة الصغيرة المتمثلة في اتحاد قبائل بني ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان، أحق بني إبراهيم بوراثته كونهم أصدق أبنائه نسباً إليه وأخلصهم وأشدهم تمسكاً والتصاقاً أزلياً بتفاصيل ثقافته البدوية الرعوية، ثقافة صحراء النفود، ثقافة رعاة الإبل، فهم لم يبرحوا صحراءهم منذ الأزل، لم يتمدنوا ويختلطوا وتفسد أرومتهم الفطرية الحنيفية أو ينل منها فساد ثقافي على مر الدهور والأزمان، بل ظلوا أكثر شعوب الأرض نفوراً من التمدن والاختلاط والتزاوج بغيرهم تزاوجاً يؤثر تأثيراً نوعياً على نقاء عرقهم الإبراهيمي وخلوص أرومتهم الثقافية البدوية الفطرية الحنيفية التي تركهم عليها جدهم حبيب الله وخليله إبراهيم عليه وعلى خالص ذريته أفضل الصلاة وأتم التسليم، أليست الأسرة السعودية هي الممثل السياسي الرسمي لهذا الاتحاد؟ أليس الكيان السياسي السعودي بهيكليته الحالية هو الوريث العرقي والثقافي الشرعي والوحيد لهذه الملة؟
هل يستطيع أحد الإنكار بأن ملة إبراهيم هي ملة الفطرة، صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة، فطرة الله التي فطر الناس عليها؟ أليست الفطرة هي تلك الحالة الإنسانية الأولى التي خلق الله سبحانه وتعالى عباده عليها قبل أن ينالها الفساد والتغير؟ وأين يمكن في هذه الدنيا أن نعثر على تلك الحالة إلا لدى الإنسان البدوي الخالص الغارق في البداوة، والذي لم تتغير أرومته بفعل المدنية والتحضر؟ هل يوجد غير رعاة الإبل من يمثل هذه الحالة الفطرية؟ ترى ما هو الشعب الوحيد المتبقي في هذه الدنيا الذين لا يصفهم العالم إلا برعاة الإبل؟
لماذا اختار الله سبحانه وتعالى حبيبه وخليله من أبناء هذه الصحراء؟ لماذا بعث الله الرجل الذي أسس على يديه جميع الأديان السماوية من صحراء النفود؟
وعندما خرج إبراهيم من هذه الصحراء وانطلق داعياً إلى ملته في شتى بلاد الله، لماذا أصر في النهاية على العودة إلى هذه الصحراء ليموت ويدفن فيها؟
لماذا بعث الله جميع أنبيائه من هذه الصحراء وما حولها؟ لماذا كان معظمهم من ذرية إبراهيم، ذريته البيولوجية؟!
ما هو المغزى الحقيقي من رسالة موسى: دعوة فرعون إلى الإسلام، أم إخراج بني إسرائيل من مصر والعودة بهم إلى هذه الصحراء ليصلحوا فيها ما فسد من أرومتهم الحنيفية بعد أن تشوهت وأصابها الفساد في أرض الفراعنة؟
ألا يدل ذلك على أن هذه الملة لا تستطيع أن تعيش سليمة معافاة طاهرة نقية صافية خارج موطنها الأصلي، بل وخارج نطاق السلالة الإبراهيمية الخالصة؟
ألم تتحول عقيدة التوحيد الإسرائيلية إلى وثنية يهودية كهنوتية عندما اختلط أبناء يعقوب الخلص عرقياً وثقافياً بالشعوب الكنعانية؟
وماذا حصل للرسالة المسيحية التوحيدية الخالصة عندما هاجرت إلى أوروبا؟ ألم تتحول إلى وثنية يونانية خالصة مع تغيير المسميات فقط؟
وماذا عن دعوة محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام؟! هل بقيت دعوة توحيدية عندما خرجت عن حدود هذه الصحراء؟ ألم تتحول على يد يهود الخزر والترك وحمير والأمازيغ ومجوس فارس واليمن والعراق والبحرين ولبنان إلى وثنية كهنوتية يهودية مجوسية كنعانية جعلت من آل البيت آلهة تعبد من دون الله؟ ألم تتحول على يد أقباط مصر إلى وثنية مسيحية كهنوتية خالصة استبدلت يسوع المسيح بمحمد ومريم العذراء بفاطمة الزهراء؟
ألا يعني ذلك أن بقاء هذه الملة مرهون بأمرين:-
1- أن لا تخرج خارج حدودها الجغرافية المتمثلة في صحراء النفود، صحراء إبراهيم وآل إبراهيم، صحراء بني ربيعة بن معد بن عدنان عليهم وعلى جدهم حبيب الله وخليله أفضل الصلاة وأتم التسليم.
2- أن لا تخرج سدانتها عن أيدي أصفى وأنقى وأخلص ولد إبراهيم أصلاً وأصرحهم وأصدقهم نسباً إليه وأشدهم تشبثاً وتمسكاً بصحرائه جغرافياً وثقافياً؛ اتحاد قبائل عنزة بأئمتهم الشرعيين وقادتهم وممثليهم السياسيين الرسميين آل سعود.
ومتى ما خرجت ملة إبراهيم عن هذين الأمرين سيكون مصيرها الفساد والانحراف والتحريف والتشويه والتزوير وربما الانقراض والتلاشي التام أو التحول إلى عقيدة وثنية خالصة لا علاقة لها بإبراهيم من قريب أو بعيد.
إن المعارضين للحكومة السعودية سواء أولئك المتخصصين في استقطاب الأطفال عن طريق اعتماد استراتيجية عنترية تلعب على هامش الفائض من هرمونات الاسترجال لدى المراهقين، أو المتخصصين في تجنيد المتسولين والعاطلين من مرضى التوحد الذين فشلوا في الاعتماد على قدراتهم الذاتية لإطعام أنفسهم فلجئوا للتظاهر بالمعارضة السياسية وربما الدينية كنوع من الضغط على الحكومة كي تزيد من حصصهم في صدقات التوظيف الوهمي باعتباره أكثر الأسلحة فتكاً في حرب الاستنزاف الاقتصادي ضد ميزانية السعوديين، أو سواء أولئك المعارضين المتخصصين في تقنية التقية والنفاق باعتبارهم الأكثر حكمة وذكاءً وقدرة على التغلغل خلف صفوف الأعداء وطعنهم في الظهر، جميع أولئك يراهنون على قطع الصلة بين الحكومة السعودية وعمقها الثقافي وجذورها الضاربة في ما وراء الزمن، يراهنون على تجريدها من أبعادها التاريخية لتبقى مجرد سلطة زمنية تخضع –كغيرها من حكومات العالم- لقوانين اللعبة السياسية. وقد ظهرت لنا حقيقة هذا الرهان بمنتهى الوضوح في أولى جلسات الحوار الوطني بدورته الحالية.
اللهم هل بلغت؟ اللهم فاشهد
..........يتبع
المزيد... (http://www.nawafnet.ws/msg-4009.htm)
(الجزء الأول)
محمد سرتي
هل الحكومة السعودية مجرد سلطة زمنية اكتسبت شرعيتها بقوة السلاح؟ أم إنها تستمد شرعيتها –بالدرجة الأولى- من دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب على اعتبار السعوديين هم أول من رفع راية نشرها والجهاد في سبيلها والتمكين لها في الأرض؟ أم إن شرعيتهم تنبثق من توحيدهم لهذه الأقاليم والقبائل والشعوب التي ظلت متفرقة متناحرة طيلة حقبات التاريخ حتى جاءت هذه الأسرة لتلم شملهم داخل كيان سياسي واحد؟ هل كونهم يطبقون شرع الله ويقومون بواجبهم تجاه خدمة الحرمين الشريفين مسألة تكفي لإضفاء الشرعية على بقائهم في سدة الحكم؟
إن أياً من هذه الأمور لا يمنح السلطة سوى شرعية زمنية مؤقتة بل وضبابية تحمل في داخلها من الركاكة ما يفتح أمام معارضيها كافة أبواب الطعن ويعبد لهم جميع الطرق لنزعها بمنتهى السهولة، وهو ما يفعلونه بالتحديد في وقتنا الراهن سواء قدموا طعنهم في قالب ديني أو سياسي أو اجتماعي أو اقتصادي. فالشيعة والصوفية وبقايا حكومة الأشراف والمخلاف السليماني لا يرون في الاستعانة بإيران أو الحوثيين أو جماعة السستاني أو حزب الله أو القذافي أو جماعة الإخوان المسلمين أو حتى أردوغان أو أمريكا أي بأس أو مانع شرعي ما دامت القوة هي أداة شرعية للاستحواذ على السلطة، حتى لو كانت قوة خارجية إقليمية أو دولية، فالسعوديون حكموا البلاد –حسب رأيهم- بنفس الطريقة عندما تحالفوا مع البريطانيين وحصلوا منهم على الأسلحة المتطورة التي مكنتهم من توحيد الجزيرة آنذاك، وعندما يصرون على تحالفهم الاستراتيجي مع الأمريكان في الوقت الراهن كي لا تنقطع إمدادات هذه الأسلحة التي بفضلها مازالوا يتربعون على عرش البلاد.
أما القاعدة والفقيه فيعزفون على وتر الدعوة الوهابية ذاتها خصوصاً قضية الولاء والبراء التي أوردها الإمام في كتابه كإحدى نواقض الإسلام، بالإضافة لطعنهم في قضية تحكيم السعوديين للشريعة الإسلامية مستدلين بالبنوك الربوية والمكوس والاختلاط والإعلام وتعطيل سنة الجهاد وغيرها، وبذلك تم تجريد السعوديين حتى من حقوقهم الأدبية كأول من أسس لهذا المذهب باعتبارهم تخلو عنه وتراخوا في صيانته والمحافظة عليه بعد ذلك.
ويتفرد الفقيه بإضافة إيقاع اقتصادي إلى سيمفونيته عازفاً على أوتار البطالة والفقر والفساد الإداري والمالي واتهام السعوديين بسرقة أموال النفط كي يحرمهم حتى من حقوقهم الأدبية كموحدين ومؤسسين لهذا الكيان السياسي بعد أن يجردهم من أهليتهم لإدارة هذا الكيان وينزع منهم –بالإضافة إلى شرعيتهم الدينية- شرعيتهم الإدارية.
هنا نجد أنفسنا أما سؤال يطرح نفسه بشدة: هل السلطة السعودية هي فعلاً سلطة زمنية يبدأ تاريخها –فقط- من عشرينات القرن المنصرم عندما وحد الملك عبد العزيز هذه البلاد، أو ربما قبل ذلك بقليل عندما انطلقت الدعوة الوهابية على يد الإمام محمد بن سعود في منتصف القرن الثامن عشر؟ أم إنها سلطة تاريخية تضرب بجذورها في أعماق الزمن وتستمد شرعيتها من امتداداتها الثقافية الأزلية الغارقة في القدم، والتي لا تشكل الحركة الوهابية سوى حلقة زمنية صغيرة في سلسلة هذا الامتداد الأزلي الأبدي المتصل، الذي لا بداية له ولا نهاية، ولا يخضع لقانون الزمن إلا خضوعاً شكلياً هامشياً لا يؤثر في جوهره الثقافي ولا ينال من شرعيته السياسية؟
هل الدعوة الوهابية مجرد مذهب فقهي –أو عقائدي- حديث نشأ متأخراً في ظل ظروف سياسية واجتماعية استثنائية، وبالتالي يمكن إدراجه ضمن قائمة المذاهب الإسلامية المتفرعة من والمجتمعة في أصلها القديم الجامع وهو الديانة الإسلامية بمفهومها الشمولي؟ أم إن الدعوة الوهابية هي أكثر قدماً وأصالة من الإسلام ذاته بالرغم من كونها تنتسب زمنياً إلى الإمام محمد بن عبد الوهاب الذي يصفونه -زوراً وبهتاناً- بأنه مؤسسها ومنشؤها من العدم، بينما لا علاقة له بتأسيسها من قريب أو بعيد، ولا تتعدى صلته بها حدود التجديد والتبليغ، وإنها لم تحمل اسمه إلا لكونه خرج مبشراً بها ومجاهداً في سبيل نشرها وتعليمها للناس في وقت كاد الناس ينسونها وتضيع معالمها في زحمة المذاهب والأديان والبدع والشرك والتحريف الذي أصاب العقيدة الإسلامية في مقتل وكاد يقضي تماماً على أصلها التوحيدي، فجاءت هذه الدعوة لا لتخترع مذهباً من العدم، بل لتعيد إحياء ملة يقارب عمرها الأربعة آلاف عام، وعقيدة انبثقت منها جميع الأديان السماوية بما فيها الإسلام، فهي أقدم من الإسلام بخمسة وعشرين قرناً، هي الأصل والإسلام مجرد فرع منها، مجرد شكل زمني من أشكال الدعوة إليها. إنها ملة إبراهيم، ملة التوحيد الخالص خلوصاً كاملاً من جميع أنواع الشرك وأشكاله، إنها ملة أزلية أبدية خالدة لا تخضع لمتغيرات الزمن ولا تتأثر بمؤثراته، ولكنها تتخذ لنفسها ألبسة زمنية مختلفة، وأغلفة فقهية مؤقتة تحمي أصلها العقائدي وتصون عصبها التوحيدي من الفساد والتحريف والشرك، حتى إذا ما بليت تلك الألبسة والأغلفة وعجزت عن صيانة ما تحتها استبدلت بأخرى أكثر قدرة على حماية ذلك العصب الأصيل، الملة التوحيدية الخالصة، ملة إبراهيم؟
أليس هذا ما حصل لملة إبراهيم طيلة مسيرتها التاريخية؟ ألم يبعث الله موسى مجدداً لهذه الملة بين الإسرائيليين بعد أن كادت تنقطع صلتهم بها جراء إقامتهم في مصر تحت سلطة الفراعنة الوثنيين؟ وماذا حصل بعد أن اختلط الإسرائيليون بالكنعانيين الوثنيين؟ ألم تتحول ملة التوحيد الخالص إلى ديانة يهودية خليطة التصقت بها عناصر الوثنية الكنعانية لتخرجها في قالب كهنوتي شركي يجعل من الأحبار والرهبان أرباباً من دون الله؟
عندها خلع الله تعالى عن ملته التوحيدية الخالصة لباس اليهودية البالي ليبعث عبده ورسوله عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام مجدداً لهذه الملة وداعياً إلى العودة بها لأصلها التوحيدي الإبراهيمي الأول. فما لبث الزمن أن يتقادم بدعوة المسيح التوحيدية حتى بدأ التحريف ينال منها كما نال من اليهودية قبلها، وأصبح أتباع المسيح يستخدمون نصوص الإنجيل للدعوة إلى الشرك، تناولوا تلك النصوص المقدسة التي كان المسيح عليه الصلاة والسلام يدعوهم من خلالها إلى التوحيد الخالص، فحوروها وفسروها وحرفوا كلمها عن مواضعه حتى استدلوا بها على تأليه المسيح وعبادته من دون الله، فنزع الله سبحانه وتعالى عن ملته التوحيدية الخالصة ثوبها المسيحي الذي أصبح بالياً ليستبدله بدعوة محمد صلى الله عليه وسلم الذي لم يأت –هو أيضاً- إلا مجدداً ومتبعاً لملة إبراهيم، وليس مبتدعاً لدين جديد اسمه الإسلام، بل لملة قديمة أزلية خالدة أسسها الله تعالى على يد حبيبه وخليله وخير خلقه إبراهيم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم. فمحمد صلى الله عليه وسلم لم يأت بالإسلام، بل إن إبراهيم صلى الله عليه وسلم هو الذي جاء بالإسلام، هو الذي أطلق هذا الاسم على ملته من قبل ولادة محمد بخمسة وعشرين قرناً.
(ملة أبيكم إبراهيم هو سمّاكم المسلمين من قبل وفي هذا)
(ما كان إبراهيم يهودياً ولا نصرانياً ولكن كان حنيفاً مسلماً، وما كان من المشركين)
(ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين)
(قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم ديناً قيماً ملة إبراهيم حنيفاً، وما كان من المشركين)
(ومن أحسن ديناً ممن أسلم وجهه لله وهو محسن واتبع ملة إبراهيم حنيفاً، واتخذ الله إبراهيم خليلاً)
(قل صدق الله فاتبعوا ملة إبراهيم حنيفاً، وما كان من المشركين)
ولكن هل سلمت رسالة محمد صلى الله عليه وسلم مما لم تسلم منه سابقاتها؟ ألم تتعرض هي الأخرى للفساد والتحوير والتغيير والتزوير على أيدي المسلمين الذين تناولوا نصوص القرآن وأقوال النبي صلى الله عليه وسلم بنفس الطريقة التي فعلها اليهود مع توراتهم والنصارى مع إنجيلهم؟ أليست نصوص القرآن التي ما أنزلها الله إلا للدعوة إلى التوحيد الخالص هي نفسها التي يستخدمونها اليوم لترسيخ الشرك الخالص؟ ألم يقوموا بتفسيرها وتحويرها ولي أعناقها وتحريف كلمها عن مواضعه ليستدلوا بها على تأليه محمد وآله وعبادتهم من دون الله؟
ألم يتحول السواد الأعظم من المسلمين إلى شيعة ومتصوفة قبل أن يمضي على وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة قرون فقط؟
هل أصبح الإسلام بمفهومه الاصطلاحي الدارج يدل على ملة إبراهيم أو يعبر عن عقيدة التوحيد الخالص؟ أم إن لقب "المسلمين" بات يدل على المشركين أكثر من دلالته على الموحدين، وبات يندرج تحت عباءته من عبدة آل البيت أضعافاً مضاعفة لأولئك الذين ما زالوا يعبدون الله وحده لا شريك له؟
ألم يتحول النبي الذي ما بعث إلا محارباً لعبادة الأصنام إلى صنم هو نفسه يعبدونه باسم الإسلام؟
ألم يصل الإسلام إلى مرحلة بات فيها عبئاً على ملة إبراهيم، فصار لزاماً على هذه الملة أن تنزع عنها ثوب الإسلام المحرف (الإسلام الصوفي والشيعي وكافة مذاهبه وأنماطه المتفرعة) لترتدي ثوباً توحيدياً خالصاً؟ وهل كانت دعوة الإمام محمد بن سعود سوى هذا الثوب، بصرف النظر عن الاسم الزمني الذي اتخذته لنفسها، سواءً سميت بالوهابية أو السلفية أو أي اسم آخر، وبصرف النظر عن الإطار الفقهي المؤقت الذي تتبناه، سواء الفقه الحنبلي أو فتاوى بن تيمية أو غير ذلك، إلا إنها في النهاية ليست سوى دعوة للعودة إلى الأصل الأول، إلى الملة التوحيدية الخالصة، ملة إبراهيم وآله؟
ولكن ما مدى ارتباط الأسرة السعودية على وجه التحديد بهذه الدعوة التاريخية؟ ماذا لو جاء بن لادن أو الفقيه أو المسعري أو حتى "الإخوان المسلمين" وادعوا بتبنيهم للدعوة إلى ملة إبراهيم، ألا يكتسبون بذلك شرعية تاريخية لقيادة هذه الملة خصوصاً إذا زعم أتباعهم بأنهم أشد حرصاً على هذه الملة والدعوة إليها من آل سعود أنفسهم؟
هل الدعوة إلى ملة إبراهيم مرتبطة بآل سعود كأشخاص أو ككيان سياسي نشأ قبل أقل من ثلاثة قرون فقط، وبالتالي لا تتعدى علاقة الدولة السعودية بهذه الدعوة كونها مجرد مطية مؤقتة أو رداء سياسي زمني يمكن استبداله متى ما فسد وبلي وأصابه العطب والضعف ولم يعد يفي بوظيفته في صيانة العصب التوحيدي الأزلي للملة؟ أم إن التصاق آل سعود بهذه الدعوة هو التصاق أزلي أبدي لا ينفك ولا ينفصل بحال من الأحوال، فهو ينبع من كونها أسرة تاريخية تتجاوز بأصولها حدود الزمن وتضرب بجذورها في أعماق الماضي السحيق لتنصهر في بوتقتها السياسية جميع تراكمات الإرث الإبراهيمي الثقافي حيث تنتمي هذه الأسرة إلى الاتحاد القبلي الذي اتخذ لنفسه لقباً توافقياً هو "عنزة"، والذي لم يعد يوجد في هذه الدنيا من تتجسد فيهم ملة إبراهيم واقعاً عملياً حياً في سلوكياتهم وعاداتهم وتقاليدهم وجميع عناصر ثقافتهم أفضل من هذه المجموعة الصغيرة المتمثلة في اتحاد قبائل بني ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان، أحق بني إبراهيم بوراثته كونهم أصدق أبنائه نسباً إليه وأخلصهم وأشدهم تمسكاً والتصاقاً أزلياً بتفاصيل ثقافته البدوية الرعوية، ثقافة صحراء النفود، ثقافة رعاة الإبل، فهم لم يبرحوا صحراءهم منذ الأزل، لم يتمدنوا ويختلطوا وتفسد أرومتهم الفطرية الحنيفية أو ينل منها فساد ثقافي على مر الدهور والأزمان، بل ظلوا أكثر شعوب الأرض نفوراً من التمدن والاختلاط والتزاوج بغيرهم تزاوجاً يؤثر تأثيراً نوعياً على نقاء عرقهم الإبراهيمي وخلوص أرومتهم الثقافية البدوية الفطرية الحنيفية التي تركهم عليها جدهم حبيب الله وخليله إبراهيم عليه وعلى خالص ذريته أفضل الصلاة وأتم التسليم، أليست الأسرة السعودية هي الممثل السياسي الرسمي لهذا الاتحاد؟ أليس الكيان السياسي السعودي بهيكليته الحالية هو الوريث العرقي والثقافي الشرعي والوحيد لهذه الملة؟
هل يستطيع أحد الإنكار بأن ملة إبراهيم هي ملة الفطرة، صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة، فطرة الله التي فطر الناس عليها؟ أليست الفطرة هي تلك الحالة الإنسانية الأولى التي خلق الله سبحانه وتعالى عباده عليها قبل أن ينالها الفساد والتغير؟ وأين يمكن في هذه الدنيا أن نعثر على تلك الحالة إلا لدى الإنسان البدوي الخالص الغارق في البداوة، والذي لم تتغير أرومته بفعل المدنية والتحضر؟ هل يوجد غير رعاة الإبل من يمثل هذه الحالة الفطرية؟ ترى ما هو الشعب الوحيد المتبقي في هذه الدنيا الذين لا يصفهم العالم إلا برعاة الإبل؟
لماذا اختار الله سبحانه وتعالى حبيبه وخليله من أبناء هذه الصحراء؟ لماذا بعث الله الرجل الذي أسس على يديه جميع الأديان السماوية من صحراء النفود؟
وعندما خرج إبراهيم من هذه الصحراء وانطلق داعياً إلى ملته في شتى بلاد الله، لماذا أصر في النهاية على العودة إلى هذه الصحراء ليموت ويدفن فيها؟
لماذا بعث الله جميع أنبيائه من هذه الصحراء وما حولها؟ لماذا كان معظمهم من ذرية إبراهيم، ذريته البيولوجية؟!
ما هو المغزى الحقيقي من رسالة موسى: دعوة فرعون إلى الإسلام، أم إخراج بني إسرائيل من مصر والعودة بهم إلى هذه الصحراء ليصلحوا فيها ما فسد من أرومتهم الحنيفية بعد أن تشوهت وأصابها الفساد في أرض الفراعنة؟
ألا يدل ذلك على أن هذه الملة لا تستطيع أن تعيش سليمة معافاة طاهرة نقية صافية خارج موطنها الأصلي، بل وخارج نطاق السلالة الإبراهيمية الخالصة؟
ألم تتحول عقيدة التوحيد الإسرائيلية إلى وثنية يهودية كهنوتية عندما اختلط أبناء يعقوب الخلص عرقياً وثقافياً بالشعوب الكنعانية؟
وماذا حصل للرسالة المسيحية التوحيدية الخالصة عندما هاجرت إلى أوروبا؟ ألم تتحول إلى وثنية يونانية خالصة مع تغيير المسميات فقط؟
وماذا عن دعوة محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام؟! هل بقيت دعوة توحيدية عندما خرجت عن حدود هذه الصحراء؟ ألم تتحول على يد يهود الخزر والترك وحمير والأمازيغ ومجوس فارس واليمن والعراق والبحرين ولبنان إلى وثنية كهنوتية يهودية مجوسية كنعانية جعلت من آل البيت آلهة تعبد من دون الله؟ ألم تتحول على يد أقباط مصر إلى وثنية مسيحية كهنوتية خالصة استبدلت يسوع المسيح بمحمد ومريم العذراء بفاطمة الزهراء؟
ألا يعني ذلك أن بقاء هذه الملة مرهون بأمرين:-
1- أن لا تخرج خارج حدودها الجغرافية المتمثلة في صحراء النفود، صحراء إبراهيم وآل إبراهيم، صحراء بني ربيعة بن معد بن عدنان عليهم وعلى جدهم حبيب الله وخليله أفضل الصلاة وأتم التسليم.
2- أن لا تخرج سدانتها عن أيدي أصفى وأنقى وأخلص ولد إبراهيم أصلاً وأصرحهم وأصدقهم نسباً إليه وأشدهم تشبثاً وتمسكاً بصحرائه جغرافياً وثقافياً؛ اتحاد قبائل عنزة بأئمتهم الشرعيين وقادتهم وممثليهم السياسيين الرسميين آل سعود.
ومتى ما خرجت ملة إبراهيم عن هذين الأمرين سيكون مصيرها الفساد والانحراف والتحريف والتشويه والتزوير وربما الانقراض والتلاشي التام أو التحول إلى عقيدة وثنية خالصة لا علاقة لها بإبراهيم من قريب أو بعيد.
إن المعارضين للحكومة السعودية سواء أولئك المتخصصين في استقطاب الأطفال عن طريق اعتماد استراتيجية عنترية تلعب على هامش الفائض من هرمونات الاسترجال لدى المراهقين، أو المتخصصين في تجنيد المتسولين والعاطلين من مرضى التوحد الذين فشلوا في الاعتماد على قدراتهم الذاتية لإطعام أنفسهم فلجئوا للتظاهر بالمعارضة السياسية وربما الدينية كنوع من الضغط على الحكومة كي تزيد من حصصهم في صدقات التوظيف الوهمي باعتباره أكثر الأسلحة فتكاً في حرب الاستنزاف الاقتصادي ضد ميزانية السعوديين، أو سواء أولئك المعارضين المتخصصين في تقنية التقية والنفاق باعتبارهم الأكثر حكمة وذكاءً وقدرة على التغلغل خلف صفوف الأعداء وطعنهم في الظهر، جميع أولئك يراهنون على قطع الصلة بين الحكومة السعودية وعمقها الثقافي وجذورها الضاربة في ما وراء الزمن، يراهنون على تجريدها من أبعادها التاريخية لتبقى مجرد سلطة زمنية تخضع –كغيرها من حكومات العالم- لقوانين اللعبة السياسية. وقد ظهرت لنا حقيقة هذا الرهان بمنتهى الوضوح في أولى جلسات الحوار الوطني بدورته الحالية.
اللهم هل بلغت؟ اللهم فاشهد
..........يتبع
المزيد... (http://www.nawafnet.ws/msg-4009.htm)