موسى محمد هجاد الزهراني
16/03/2005, 12:17 AM
أنت السبب !
من أشد الآلام على النفس وأصعبها وأكثرها تمزيقاً لراحتها ألم الهم والغم ! .. الهم الذي يزلل الجبال ويكاد يذهب بالأرواح .. الهم الذي يعجل بالمشيب ويأتي به قبل أوانه .. ويذهب ببهاء الوجه وصفائه وشبابه .. ماذا أقول عن الهم !! ولعل كل قاريء لهذه الأسطر قد ذاق مرارته .. واكتوى بناره .. إي لأعجبُ أشد منه العجب ! كيف استطاع الهمّ أن يشلّ التفكير ويفقد التركيز وينسي المرء أغزر المعلومات .. بل حتى حفظ القرآن الكريم ، لا تسل عن سببه ..أنا السبب ! .
بلغ الإنسان منا في الذنوب والمعاصي إلى أنصاف أذنيه ثم يرحمه أرحم الراحمين فلا يعجل له بالعقوبة .. يمهله مرة وأخرى وثالثة وعاشرة .. وهذا يتمادى وأكبر الطامات إذا اعتقد أن على الخير .. فإذا حانت ساعة العقوبة من الله تعالى وحالت به المصائب والهموم والغموم .. إنها حينئذٍ وفقد ثقته بنفسه في أحلك المواقف ظلمة .. في وقت هو أحوج ما يكون فيه إلى التماسك .. تنزل به الهموم فيبدأ يتخبط .. يبحث عن حلول هي أشبه ما تكون ببيت العنكبوت .. واهية لا تقي من برد أو حر .. أشبه ما تكون بالمسكن المؤقت الذي يخدع الجسم المريض .. فإذا ما زال مفعوله عاد إلى الجسم أشد أنواع الألم هكذا نحن مع الهم والغم تماماً ! ننسى لحظتها البحث عن السبب الذي من اجله أنزل الله تعالى بنا هذه العقوبات .. ونأتي بحلول وهمية سرعان ما تتلاش كما يتلاش السراب في الصحراء وقد كان " يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجد شيئاً " والأمرُّ من هذا إذا خادع الإنسان منّا نفسه وأصبحت لديه ردات فعلٍ عنيفة .. يحاول بها أيضاً التخلص من هذه الهموم .. فبعد أن كان هادئاً متزناً .. تجده يدافع عن نفسه باستئساد ووحشية ورفع صوت وفقدان شعور كأنه ينتقم من الدنيا .. وبعد أن كان على خلقٍ جميل أصبح سيء الطباع ذا أخلاق شرسة .. تند منه الألفاظ النابية التي - في كثير من الأحيان - لا يعيها ولا يؤمن بها ولا يعتقدها .. ولكنه " التنفيس القهري" كما يقول عنه أصحاب الدراسات النفسية ..ولأنه .. لو ذكر الله تعالى وقت غضبه .. لانحلت عقده وأصبح طيب النفس فرحان ..ولو أنه قعد يفكر في أموره .. لوجد أنه هو السبب " { مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفَى بِاللهِ شَهِيدًا } [ سُورَةُ النِّسَاءِ : 79 ] وإن كانت كلها لا تخرج عن تقدير الله تعالى " قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ " ..
السبب والله نحن .. لو أننا أحسنّا في علاقتنا بربنا تبارك وتعالى واتقينا الله تعالى حق التقوى .. لما نزلت بنا العقوبات تترى . من منا من إذا أصابه الهم والغم .. قام فزعاً إلى الصلاة ؟!
ومن منا .. من ذكر الله تعالى ويستغفره حتى يلين قلبه وتدمع عيناه .. وتخشع روحه ..
بل من منا .. من يتذكر ذنوبه ومعاصيه .. من تفريط في صلاة الفجر فلا يصليها إلاَّ إذا استيقظ .. ثم لا يشعر بذرة ندم .. بل كأنه جبريل أو ميكائيل .
ومن الذي ينظر في أموره بدءاً من الرواتب بعد الصلاة وقبلها أو الوتر الذي يمكث الواحد منا سنوات لا يعرفه إلاّ في رمضان اضطراراً مع الإمام أو إذا كان هو الإمام أو إطلاق بصرة في الحرام .. أو إطلاق لسانه في الحرام .. وتلذذه بأكل لحوم البشر .. ولا أعاني -والله العظيم -في حياتي من شيء مثلما أعاني من أكل لحوم البشر من الغيبة .. اللهم إني أسألك بكل اسم لك عظيم _ وكل أسمائك عظيمة _ أن تفرج عني هذه الكربة وتعافيني من هذه الآفة ..
* * *
آه .. ثم آه .. وأخرجها والله من كل قلبي .. كم نحن بعيدون عن الله .. مجرمون في حق الله .. انعكس ذلك على نفسياتنا .. وعلمنا ، وعملنا ، وأخلاقنا مع العباد بل وأخلاقنا مع زوجاتنا وأبنائنا وبناتنا . حوّلنا بيوتنا جحيماً لا تطاق .. إذا دخلناها انقلبت صفحات وجوهنا تلقائياً إلى اللون الأسود ..! ننهر هذا ونعنف هذا ونسكّت هذا ..
ونطردهم إلى غرفهم .. ونفرد نحن بأنفسنا .. ليجد المرء منا الراحة والطمأنينة فلا يجد إلاَّ الزفرات والحسرات الحارقة .. وما علم أن ابتسامة من (خالد .. أو محمد .. أو .. .. أو .... أو .... )قد يفرج بها الله الهموم .. ويطرد بها الغموم !! فلماذا نقسوا عليهم ؟! .
ما أحلى القرآن وما ألذ آياته ، ألم يصف الله تعالى بأن { فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ
وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ } [ سُورَةُ الأَنْعَامِ : 125 ]
وأن { وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ } [ سُورَةُ الزُّخْرُفِ : 36 ]
وأن { وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى } [ سُورَةُ طَهَ : 124 ]
وأن الشفاء كله بيد الله تعالى .. فهذا سيد الخلق بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم .. عندما أصابه الهم والغم في رحلة الطائف المشهورة ، وبعد إذ لم يستجب له أهل الطائف ورموه بالحجارة وأدموه بأبي هو وأمي ، يمد يده إلى حبيبه ومولاة : ( اللهم إليك أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي ، وهواني على الناس يا أرحم الراحمين أنت رب المستضعفين ، وأنت ربي إلى من تكلني ؟ إلى بعيد يتجهمني أم إلى عدو ملكته أمري ؟ إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي ، ولكن عافيتك هي أوسع لي ، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات ، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تنزل بي غضبك أو تحل علي سخطك لك العتبى حتى ترضى لا حول ولا قوة إلا بك).. .. هل قرأت أو سمعت أجمل من هذا النفثات المهمومة .. أشعر بها في صدري الآن إذا قلتها وكأنها حرارة تلتهب .
* * *
يارب .. هذا كلامي .. والكلام يطول .. لكني وعزتك في ضيق لا يعلم به إلاَّ أنت .. فيسر لي يا رب العودة إلى رحابك .. والتمرغ بخدي بين يديك ، وأشغل لساني بذكرك .. ويسر لي شكرك وحسن عبادتك .. وأخرجني من دنيا الهموم إلى جنات النعيم .. سليماً معافاً .. فأني قد بلغت الغاية من ضيق الصدر وأنت يارب تعلم ..
تب علي .. وارحمني يا رحيم .. واغفر لي زللي فأني يارب أحبك ! فاجعل حبي لك شافعاً لي عندك .. وأحسن خاتمتي في الأمور كلها وأجرني من خزي الدنيا وعذاب الآخرة .. ياكريم ..
القاهرة
24/ ذي القعدة /1425هـ
5/1/2005م
من أشد الآلام على النفس وأصعبها وأكثرها تمزيقاً لراحتها ألم الهم والغم ! .. الهم الذي يزلل الجبال ويكاد يذهب بالأرواح .. الهم الذي يعجل بالمشيب ويأتي به قبل أوانه .. ويذهب ببهاء الوجه وصفائه وشبابه .. ماذا أقول عن الهم !! ولعل كل قاريء لهذه الأسطر قد ذاق مرارته .. واكتوى بناره .. إي لأعجبُ أشد منه العجب ! كيف استطاع الهمّ أن يشلّ التفكير ويفقد التركيز وينسي المرء أغزر المعلومات .. بل حتى حفظ القرآن الكريم ، لا تسل عن سببه ..أنا السبب ! .
بلغ الإنسان منا في الذنوب والمعاصي إلى أنصاف أذنيه ثم يرحمه أرحم الراحمين فلا يعجل له بالعقوبة .. يمهله مرة وأخرى وثالثة وعاشرة .. وهذا يتمادى وأكبر الطامات إذا اعتقد أن على الخير .. فإذا حانت ساعة العقوبة من الله تعالى وحالت به المصائب والهموم والغموم .. إنها حينئذٍ وفقد ثقته بنفسه في أحلك المواقف ظلمة .. في وقت هو أحوج ما يكون فيه إلى التماسك .. تنزل به الهموم فيبدأ يتخبط .. يبحث عن حلول هي أشبه ما تكون ببيت العنكبوت .. واهية لا تقي من برد أو حر .. أشبه ما تكون بالمسكن المؤقت الذي يخدع الجسم المريض .. فإذا ما زال مفعوله عاد إلى الجسم أشد أنواع الألم هكذا نحن مع الهم والغم تماماً ! ننسى لحظتها البحث عن السبب الذي من اجله أنزل الله تعالى بنا هذه العقوبات .. ونأتي بحلول وهمية سرعان ما تتلاش كما يتلاش السراب في الصحراء وقد كان " يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجد شيئاً " والأمرُّ من هذا إذا خادع الإنسان منّا نفسه وأصبحت لديه ردات فعلٍ عنيفة .. يحاول بها أيضاً التخلص من هذه الهموم .. فبعد أن كان هادئاً متزناً .. تجده يدافع عن نفسه باستئساد ووحشية ورفع صوت وفقدان شعور كأنه ينتقم من الدنيا .. وبعد أن كان على خلقٍ جميل أصبح سيء الطباع ذا أخلاق شرسة .. تند منه الألفاظ النابية التي - في كثير من الأحيان - لا يعيها ولا يؤمن بها ولا يعتقدها .. ولكنه " التنفيس القهري" كما يقول عنه أصحاب الدراسات النفسية ..ولأنه .. لو ذكر الله تعالى وقت غضبه .. لانحلت عقده وأصبح طيب النفس فرحان ..ولو أنه قعد يفكر في أموره .. لوجد أنه هو السبب " { مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفَى بِاللهِ شَهِيدًا } [ سُورَةُ النِّسَاءِ : 79 ] وإن كانت كلها لا تخرج عن تقدير الله تعالى " قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ " ..
السبب والله نحن .. لو أننا أحسنّا في علاقتنا بربنا تبارك وتعالى واتقينا الله تعالى حق التقوى .. لما نزلت بنا العقوبات تترى . من منا من إذا أصابه الهم والغم .. قام فزعاً إلى الصلاة ؟!
ومن منا .. من ذكر الله تعالى ويستغفره حتى يلين قلبه وتدمع عيناه .. وتخشع روحه ..
بل من منا .. من يتذكر ذنوبه ومعاصيه .. من تفريط في صلاة الفجر فلا يصليها إلاَّ إذا استيقظ .. ثم لا يشعر بذرة ندم .. بل كأنه جبريل أو ميكائيل .
ومن الذي ينظر في أموره بدءاً من الرواتب بعد الصلاة وقبلها أو الوتر الذي يمكث الواحد منا سنوات لا يعرفه إلاّ في رمضان اضطراراً مع الإمام أو إذا كان هو الإمام أو إطلاق بصرة في الحرام .. أو إطلاق لسانه في الحرام .. وتلذذه بأكل لحوم البشر .. ولا أعاني -والله العظيم -في حياتي من شيء مثلما أعاني من أكل لحوم البشر من الغيبة .. اللهم إني أسألك بكل اسم لك عظيم _ وكل أسمائك عظيمة _ أن تفرج عني هذه الكربة وتعافيني من هذه الآفة ..
* * *
آه .. ثم آه .. وأخرجها والله من كل قلبي .. كم نحن بعيدون عن الله .. مجرمون في حق الله .. انعكس ذلك على نفسياتنا .. وعلمنا ، وعملنا ، وأخلاقنا مع العباد بل وأخلاقنا مع زوجاتنا وأبنائنا وبناتنا . حوّلنا بيوتنا جحيماً لا تطاق .. إذا دخلناها انقلبت صفحات وجوهنا تلقائياً إلى اللون الأسود ..! ننهر هذا ونعنف هذا ونسكّت هذا ..
ونطردهم إلى غرفهم .. ونفرد نحن بأنفسنا .. ليجد المرء منا الراحة والطمأنينة فلا يجد إلاَّ الزفرات والحسرات الحارقة .. وما علم أن ابتسامة من (خالد .. أو محمد .. أو .. .. أو .... أو .... )قد يفرج بها الله الهموم .. ويطرد بها الغموم !! فلماذا نقسوا عليهم ؟! .
ما أحلى القرآن وما ألذ آياته ، ألم يصف الله تعالى بأن { فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ
وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ } [ سُورَةُ الأَنْعَامِ : 125 ]
وأن { وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ } [ سُورَةُ الزُّخْرُفِ : 36 ]
وأن { وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى } [ سُورَةُ طَهَ : 124 ]
وأن الشفاء كله بيد الله تعالى .. فهذا سيد الخلق بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم .. عندما أصابه الهم والغم في رحلة الطائف المشهورة ، وبعد إذ لم يستجب له أهل الطائف ورموه بالحجارة وأدموه بأبي هو وأمي ، يمد يده إلى حبيبه ومولاة : ( اللهم إليك أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي ، وهواني على الناس يا أرحم الراحمين أنت رب المستضعفين ، وأنت ربي إلى من تكلني ؟ إلى بعيد يتجهمني أم إلى عدو ملكته أمري ؟ إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي ، ولكن عافيتك هي أوسع لي ، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات ، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تنزل بي غضبك أو تحل علي سخطك لك العتبى حتى ترضى لا حول ولا قوة إلا بك).. .. هل قرأت أو سمعت أجمل من هذا النفثات المهمومة .. أشعر بها في صدري الآن إذا قلتها وكأنها حرارة تلتهب .
* * *
يارب .. هذا كلامي .. والكلام يطول .. لكني وعزتك في ضيق لا يعلم به إلاَّ أنت .. فيسر لي يا رب العودة إلى رحابك .. والتمرغ بخدي بين يديك ، وأشغل لساني بذكرك .. ويسر لي شكرك وحسن عبادتك .. وأخرجني من دنيا الهموم إلى جنات النعيم .. سليماً معافاً .. فأني قد بلغت الغاية من ضيق الصدر وأنت يارب تعلم ..
تب علي .. وارحمني يا رحيم .. واغفر لي زللي فأني يارب أحبك ! فاجعل حبي لك شافعاً لي عندك .. وأحسن خاتمتي في الأمور كلها وأجرني من خزي الدنيا وعذاب الآخرة .. ياكريم ..
القاهرة
24/ ذي القعدة /1425هـ
5/1/2005م