المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : التشدد الديني والتطرف المضاد


صقر الجنوب
24/03/2005, 01:05 PM
التشدد الديني والتطرف المضاد



http://www.aleqtisadiah.com/SiteImages/EqNews/5845.jpg

بدر الراشد


لكل فعل ردة فعل، تساويه في المقدار وتعاكسه في الاتجاه، أعتقد أن هذه القاعدة تنطبق بشكل تام على نشوء التيارات الفكرية في أي مكان من العالم، فالأفكار غالباً ما هي إلا نتاج بيئة ومجتمع وفكر آخر، إما تكون نسخة مطورة من الفكر السائد أو معاكسة له تماماً ومتمردة عليه، وبالتأكيد يبقى العديد من خواص الأفكار الأم متجذرة في الفكر الناتج حتى لو لم تظهر بشكل صارخ، فلا ننتظر فكراً معتدلاً على الأغلب من مجتمع يحمل أفكاراً متشددة، فالمجتمع والحالة هذه لا ينتج عنه إلا فكر أكثر تشدداً إما لليمين وإما لليسار. وفي المجتمعات الدينية تبرز مشكلة التيارات الدينية المحافظة التي تريد فرض أيديولوجيتها على المجتمع حسب مفهومها الأحادي ولا تقبل أي طرح آخر يعارض فكرها الذي تظنه منزهاً عن الخطأ. عندما تعرض الإسلام بشكل متزمت ومتشدد، وكأن النار هي المصير لكل من ارتكب جزءاً من خطيئة، وأن الأصل بالمسلم الكفر حتى يثبت إيمانه، وتبدأ تضيق على العامة بالمكروهات وتحريم ما لم يحرمه الله، وتحريم هذا الأمر احتياطاً وذاك أخذاً بالمصلحة وثالث درءاً للمفسدة وهكذا، فإن المسلم سيعيش هاجس الحلال والحرام، فكل ما يفعله خطيئة وكل ما حوله إثم، يتناسى سعة الله ورحمته. التشدد الديني موجود ويظهر جلياً في بعض تفسيرات النص الديني، وبعض المذاهب الفقهية، ولكن يجب ألا نتناسى التفسيرات الأخرى للدين الأكثر تسامحاً ومناسبة للواقع وتستمد أحكامها من البنية الدينية نفسها والطرق الفقهية التي لا شك فيها قديماً وحديثاً، والاختلاف بين العلماء موجود ومسوغ منذ نشأة الفقه الإسلامي، بل كان موجوداً في عهد الصحابة. النص الديني يحتمل أكثر من تفسير وهذا لا شك فيه، خاصة على مستوى القضايا الفقهية وتفسيرات لا حدود لها تتراوح بين الأكثر تشدداً والأكثر تمييعاً للدين، وكذلك الوسطية التي يدعيها الجميع، لكن يجب ألا نغفل أن كل إنسان سيحاسب في النهاية وحيداً، عن اعتقاده هو لا اعتقاد من يتبع، وبالتالي كل إنسان مسؤول عن فكره الديني ويتحمل نتائجه. في مجتمع يعتنق وينشر فيه الدين بشكل متشدد وصارم، لا وجود لروح التسامح وروح الإنسانية وقيم المحبة التي يجب أن تشيع بين الناس، والتي هي في النهاية من صميم دعوة الأنبياء والرسل وعليها تقوم الأديان السماوية. وتصاب الأجيال، خاصة مع الانفتاح الثقافي الإجباري على العالم، بصدمة من هذا الواقع، وتطمح لخيار فكري وديني أفضل. من يعرض الدين بشكل متشدد يتحمل جزءاً كبيراً من وزر الإنسان الذي يرفض الدين بسبب هذا العرض السيئ ويتمرد ويدعي أفكاراً لا يعنيها ولكنه يسير مع الموجة وقد لا يفهم المبادئ الفكرية للتيار الذي يدعي الانتماء له، ولكنه ثائر على الواقع السيئ لا غير! ظهر لدينا العديد من المتمردين الذين يدعون الانتماء لفلسفات معينة وهم لا يفقهون في هذه الفلسفات شيئاً، بل يتعاملون بتزمت التيار الديني الذي كانوا ينتمون إليه، مع أنهم يدعون الانفتاح والدفاع عن الحريات. يجب أن نفهم أن الدين الإسلامي لم يكن يوماً حكراً على أحد، وهناك تفسيرات للدين تنبع من البنية الإسلامية الفقهية نفسها، تحمل أفكاراً أكثر انفتاحاً على الآخر وتعطي للإنسانية معناها وتقدس الحريات وتدعو للانفتاح الثقافي والفكري، وتحترم المرأة وتقدس دورها في نهضة المجتمع، وتجارب إسلامية رائدة لمفكرين إسلاميين وحركات إسلامية معتدلة وأحزاب لها وزنها على مستوى العالم الإسلامي في مصر وتونس والمغرب وتركيا، تمثل تجارب نتمنى أن تنهض بشكل واضح هنا في المملكة.