مشهور
15/11/2010, 03:20 PM
وصايا الأضاحي تحرج الجيل الجديد!
http://s.alriyadh.com/2010/11/15/img/665264149042.jpg
«السعر المعقول» و«البديل المناسب» يساعدان على انفاذ الوصية
كانت الحياة في غاية البساطة المتناهية، وكان الناس يعيشون حياتهم بسعادة طاغية مع أن البعض ربما كان يعمل في المزارع بما يشبعه فقط، وإذا ما كان محظوظاً وانفتحت أمامه سبل العيش، ورغد الحياة، ونعيم الترف فربع الريال، وفي أفضل الأحوال نصف الريال يكون أجره في الشهر كاملاً، إلى جانب ماقد يحصل عليه من تمر عند "الصرام" أو "علف" يجلبه معه آخر النهار ل "المنيحة" التي في بيته وعادة تكون عنزاً، وعند المقتدرين بقرة.
إيجار «سبل بيت» في دخنة أو السبالة لم يعد كافياً لشراء أضحية قبل أن يتحول إلى أطلال اليوم
كانت الحياة تسير وفق نمط تصالحي مع الذات، ومع الأيام، وكان الرضا بما يكون عليه العيش متمكناً في النفوس، والقناعة بالقليل، وربما أقل القليل سلوكاً يتعاطاه الإنسان وأسرته، فالستر، والعافية، والحب داخل الأسرة ومع محيطها الاجتماعي كل ذلك هو الثروة الحقيقية في الثقافة الجمعية، والسلوك الذاتي.
كانت الحياة تسير وفق هذا النمط، وتلك الأنساق. والاعتقاد السائد بأن هذا ما سيكون مدى العمر وعمر الأبناء والأحفاد، فلا تغيير، ولا تحولات، ولا مستجد في الايقاع اليومي، وبالتالي الحياتي. وإذا كان هناك تحول كبير جداً، وفتحت أمام الإنسان خزائن الأرض، وترفها، وبذخها فذلك يتمثل في الانتقال من دكان صغير في "سوق أشيقر" أو "المقيبره" أو "سوق الجفرة " إلى متجر في شارع "الثميري" البرجوازي، أو الانتقال من سكن في "السبالة" أو "الدحو" أو "معكال" إلى سكن لايختلف في تصميمه ونوعية بنائه، ولكن في حي أرستقراطي كحي "الوشام" ، أو "الفوطه" أو "المربع" ولكن يظل البيت "بيت طين". وقد كان متر الأرض وقتها في موقع مستشفى الملك فيصل التخصصي ربع ريال.. ربع ريال فقط!.
هكذا كان الاعتقاد في مفاهيم التحولات، والمتغيرات. ولذا فإن منزلاً من مائة وثمانين متراً في "الدوبية" أو "الحلة" أو "المرقب" هو ثروة حقيقية كبيرة، ومن يمتلكه يعتبر من أثرياء الناس، و"علية القوم" فمن يطال سكناً بهذه المساحة، وفي هذه الأحياء إلاّ من أوتي حظا في الحياة، ومعناه في مفهومه حين ذاك أنه أمّن مستقبلات أولاده، وأحفاده، وعائلاتهم.
وفي ثقافتنا الدينية المتأصلة، والتي يحافظ عليها المجتمع دون وصاية من أحد، أو تهديد، وتخويف، وشحن نفسي، وقمع، وتسلط، فإن رب الأسرة يوصي بأضحية له ولوالديه ورفيقة عمره تؤخذ من ريع المسكن كل سنة، وينفذ من يقوم على شؤون البيت عن رضا، وسعادة، وغبطة لأن في ذلك برا للوالدين، ومحافظة على السلوك الديني.
الأمر اختلف الآن تماماً، تماماً؛ إذ أصبح الكثير في حالة محيرة، بين أن ينفذوا الوصايا، ويمارسوا عمل البر. وبين واقع مادي صعب، ومقلق ربما يدخل الإنسان في متاهات الديون، واقتطاع شيء من قوت أطفاله، واحتياجاتهم الضرورية من أجل تنفيذ هذا الواجب.
المنزل الذي في "دخنة" أو "حوطة خالد" أصبح الآن طللاً متهالكاً، خرباً، متصدعاً تسكنه عمالة بائسة يدفعون في السنة أجرة قدرها خمسمائة ريال، وربما لايدفعون؛ لأن القناعة متوفرة عند الوصي بأنه غير صالح للسكن، وترميمه لا يفيد في المطلق؛ لأن الحي أصبح "قاعاً للمدينة" و مكانا ل "الهامش الاجتماعي". وفي الوقت نفسه فإن قيمة الأضحية في المتوسط تصل إلى ألف وثمانمائة ريال.
إذن:
تبقى الحيرة سيدة الموقف، فما كان فرحاً تحول إلى معاناة.
إنه سؤال.. مغلف بالقلق.
والإجابة لا تعني بالضرورة إعادة النظر في وصايا الأضاحي، ولكن إعادة النظر في وسائل التمكين من تنفيذها، واستمرارها دون انقطاع، فكم من نفس عجزت اليوم عن إنفاذ وصية أجداده، وكم من نفس أخرى متحسرة على ذلك، وثالثة لا تزال تبحث عن مخرج..!
http://s.alriyadh.com/2010/11/15/img/665264149042.jpg
«السعر المعقول» و«البديل المناسب» يساعدان على انفاذ الوصية
كانت الحياة في غاية البساطة المتناهية، وكان الناس يعيشون حياتهم بسعادة طاغية مع أن البعض ربما كان يعمل في المزارع بما يشبعه فقط، وإذا ما كان محظوظاً وانفتحت أمامه سبل العيش، ورغد الحياة، ونعيم الترف فربع الريال، وفي أفضل الأحوال نصف الريال يكون أجره في الشهر كاملاً، إلى جانب ماقد يحصل عليه من تمر عند "الصرام" أو "علف" يجلبه معه آخر النهار ل "المنيحة" التي في بيته وعادة تكون عنزاً، وعند المقتدرين بقرة.
إيجار «سبل بيت» في دخنة أو السبالة لم يعد كافياً لشراء أضحية قبل أن يتحول إلى أطلال اليوم
كانت الحياة تسير وفق نمط تصالحي مع الذات، ومع الأيام، وكان الرضا بما يكون عليه العيش متمكناً في النفوس، والقناعة بالقليل، وربما أقل القليل سلوكاً يتعاطاه الإنسان وأسرته، فالستر، والعافية، والحب داخل الأسرة ومع محيطها الاجتماعي كل ذلك هو الثروة الحقيقية في الثقافة الجمعية، والسلوك الذاتي.
كانت الحياة تسير وفق هذا النمط، وتلك الأنساق. والاعتقاد السائد بأن هذا ما سيكون مدى العمر وعمر الأبناء والأحفاد، فلا تغيير، ولا تحولات، ولا مستجد في الايقاع اليومي، وبالتالي الحياتي. وإذا كان هناك تحول كبير جداً، وفتحت أمام الإنسان خزائن الأرض، وترفها، وبذخها فذلك يتمثل في الانتقال من دكان صغير في "سوق أشيقر" أو "المقيبره" أو "سوق الجفرة " إلى متجر في شارع "الثميري" البرجوازي، أو الانتقال من سكن في "السبالة" أو "الدحو" أو "معكال" إلى سكن لايختلف في تصميمه ونوعية بنائه، ولكن في حي أرستقراطي كحي "الوشام" ، أو "الفوطه" أو "المربع" ولكن يظل البيت "بيت طين". وقد كان متر الأرض وقتها في موقع مستشفى الملك فيصل التخصصي ربع ريال.. ربع ريال فقط!.
هكذا كان الاعتقاد في مفاهيم التحولات، والمتغيرات. ولذا فإن منزلاً من مائة وثمانين متراً في "الدوبية" أو "الحلة" أو "المرقب" هو ثروة حقيقية كبيرة، ومن يمتلكه يعتبر من أثرياء الناس، و"علية القوم" فمن يطال سكناً بهذه المساحة، وفي هذه الأحياء إلاّ من أوتي حظا في الحياة، ومعناه في مفهومه حين ذاك أنه أمّن مستقبلات أولاده، وأحفاده، وعائلاتهم.
وفي ثقافتنا الدينية المتأصلة، والتي يحافظ عليها المجتمع دون وصاية من أحد، أو تهديد، وتخويف، وشحن نفسي، وقمع، وتسلط، فإن رب الأسرة يوصي بأضحية له ولوالديه ورفيقة عمره تؤخذ من ريع المسكن كل سنة، وينفذ من يقوم على شؤون البيت عن رضا، وسعادة، وغبطة لأن في ذلك برا للوالدين، ومحافظة على السلوك الديني.
الأمر اختلف الآن تماماً، تماماً؛ إذ أصبح الكثير في حالة محيرة، بين أن ينفذوا الوصايا، ويمارسوا عمل البر. وبين واقع مادي صعب، ومقلق ربما يدخل الإنسان في متاهات الديون، واقتطاع شيء من قوت أطفاله، واحتياجاتهم الضرورية من أجل تنفيذ هذا الواجب.
المنزل الذي في "دخنة" أو "حوطة خالد" أصبح الآن طللاً متهالكاً، خرباً، متصدعاً تسكنه عمالة بائسة يدفعون في السنة أجرة قدرها خمسمائة ريال، وربما لايدفعون؛ لأن القناعة متوفرة عند الوصي بأنه غير صالح للسكن، وترميمه لا يفيد في المطلق؛ لأن الحي أصبح "قاعاً للمدينة" و مكانا ل "الهامش الاجتماعي". وفي الوقت نفسه فإن قيمة الأضحية في المتوسط تصل إلى ألف وثمانمائة ريال.
إذن:
تبقى الحيرة سيدة الموقف، فما كان فرحاً تحول إلى معاناة.
إنه سؤال.. مغلف بالقلق.
والإجابة لا تعني بالضرورة إعادة النظر في وصايا الأضاحي، ولكن إعادة النظر في وسائل التمكين من تنفيذها، واستمرارها دون انقطاع، فكم من نفس عجزت اليوم عن إنفاذ وصية أجداده، وكم من نفس أخرى متحسرة على ذلك، وثالثة لا تزال تبحث عن مخرج..!