المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مستقبل العراق بعد نشر وثائق ويكيلكس


رحال العمر
27/11/2010, 11:16 AM
مستقبل العراق بعد نشر وثائق ويكيلكس

عُمان-سلطنة عُمان - 4 نوفمبر , 2010
الكاتب: د. عبد العاطي محمد


القيمة الحقيقية لنشر موقع ويكيلكس وثائق تصل إلى 400 صفحة تؤكد بالقرائن المادية وحشية الحرب الأمريكية على العراق وما ترتب على ذلك من جرائم تعاقب عليها كل القوانين والشرائع الدولية، هي في أن يحدث نشر هذه الوثائق تياراً سياسياً عاماً من داخل العراق وخارجها يعمل على أن يجعل من العراق حاضرا ومستقبلا دولة للسلام والديمقراطية والرفاهة الاقتصادية واضعا حدا فاصلا بالقطيعة التاريخية مع كل ما شهده العراق منذ استقلاله وسيطرة حزب البعث على مقاليد الحكم. ودون قيام هذا التيار ودون تحقق ضمير إنساني جديد على مستوى العراقيين وجيرانهم والعالم الخارجي يسانده ويحوله إلى واقع حقيقي على الأرض العراقية، فإن كل مظاهر التنديد والسخط التي توالت على كل الأصعدة بما فيها الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان المختلفة، وكل المطالبات بإخضاع من تورطوا في هذه الجرائم للمحاكمة ستذهب سدى وتدخل عالم النسيان سريعا مثل كل الوقائع المشابهة في أكثر من ملف عربي ساخن سواء كان في فلسطين أو السودان أو الصومال أو لبنان.. والشيء الوحيد الأكثر ترجيحا على مستوى الفعل، في ظل عدم تشكل هذا التيار واختفاء الضمير الإنساني الداعم له هو قيام قوة سياسية واجتماعية مناوئة تماماً لكل ما جرى من تطورات على الأرض العراقية تقود صراعا ممتدا للتخلص من نتائجها حتى لو استخدمت العنف، لن تختلف في الحقيقة عما جرى في عهد صدام حسين.
الدلالة على هذا الافتراض تجد جذورها في التجارب التاريخية العالمية المشابهة (تغيير المجتمعات والأنظمة بالقوة العسكرية أو الحرب بوجه خاص). وأمامنا التجارب التي أحدثتها الحرب العالمية الثانية على وجه التحديد عندما غيرت وجه الحياة تماما في أوروبا، وفي اليابان. فبغض النظر عن عدم شرعية الحرب الأمريكية على العراق ومع كل التأكيد على أهمية كل الأطروحات التي تناقش هذه الحرب وتبنيها وتسعى إلى محاكمة كل من تورط فيها داخليا وخارجيا، فإن الحقيقة التي لا جدال فيها أن حربا قد وقعت سالت فيها دماء كالبحر وراح ضحيتها مئات الآلاف من العراقيين الأغلبية منهم مدنيون أبرياء وأن هذه الحرب أوجدت أوضاعا جديدة غيرت معالم الخريطة السياسية والاجتماعية في العراق بما جعل ذلك البلد أسوأ مما كان عليه في عهد صدام حسين. وعندما شنت الولايات المتحدة وحلفاؤها الحرب كانت الأهداف المعلنة والتي للأسف اقتنع بها بعض من السياسيين والكتاب والإعلاميين العرب ناهيك عن القوى العراقية الجديدة التي تحالفت مع من قادوا هذه الحرب غير العادلة، هي أنها ستقود إلى ما سبقت الإشارة إليه في بداية المقال، أى قيام عراق جديد يهنأ بالاستقرار والسلام والديمقراطية والرفاهة الاقتصادية. واستشهد هؤلاء في دفاعهم المريب عن هذه الحرب وقادتها بما ترتب على الحرب العالمية الثانية من تغيير مفيد لصالح شعوب أوروبية عديدة وللشعب الياباني، حيث كان السند الرئيسي الذي اعتمدوا عليه هو أن سقوط حكم الاستبداد هو الذي سيترتب عليه تحقيق هذه الأهداف، فسقوط النازية في أوروبا والحكم المستبد في اليابان بفعل الحرب العالمية الثانية كان جوهر التغيرات الإيجابية العديدة التي جعلت دول أوروبا واليابان تصل إلى التقدم والديمقراطية وسيادة الحريات على أفضل مستوى عالمي، وعليه – وفقا للتحليلات التي طرحها هؤلاء القوم – فإن النتيجة التي كانت متوقعة للعراق الجديد هي أن يضع قدميه على نفس الطريق الذي سارت فيه أوروبا واليابان قبل أكثر من 60 عاما، ولكن شيئا من هذا لم يتحقق، بل حدث العكس تماماً..
نشر وثائق موقع ويكيلكس بما احتوت عليه من أدلة دامغة عن وحشية هذه الحرب وانتهاك كل من تورطوا فيها لكل الأعراف يعيد فتح القضية مجدداً بحثاً عن مستقبل العراق ويطرح التساؤل نفسه القديم الجديد (عندما وقعت الحرب عام 2003) عما إذا كانت تداعيات الحرب على المستويين الإنساني والسياسي يمكن حقاً أن تقيم عراقا جديدا يتمتع بالسلام والديمقراطية والرفاهة أم لا؟.. وهنا تلهمنا التجربة الأوروبية بالإجابة التي لا تزال غائبة أو غامضة في أخف التقديرات وهي أن أوروبا نجحت في إقامة تيار سياسي عام مدعوم بضمير اجتماعي راسخ لدى كل شعوب أوروبا بأنه لا عودة إطلاقا إلى العنف لتسوية الخلافات والصراعات السياسية والاجتماعية داخل الشعوب الأوروبية وفيما بينها أيضا وأن التراضي حول اقتسام السلطة قيمة عليا لا ينتهكها أحد وإلا خرج عن الإجماع الوطني ولن يجد لنفسه موقعا في الحياة السياسية لهذه الدول لا حاضرا ولا مستقبلا، كما أن هناك ثقافة حاكمة للجميع تقوم على التسامح والاعتراف بالآخر وبتركيز أهداف المجتمع ونظم الحكم على تحقيق التقدم العلمي والاقتصادي دون حدود لأن الغاية الكبرى في نهاية المطاف هي رفاهة الشعوب وسعادتها.. وقد وجد هذا التيار المقومات الأخرى التي مكنته من النجاح حيث المؤسسات الديمقراطية المختلفة والقيادات السياسية الواعية والمفكرون والمثقفون الذين نشروا ثقافة التسامح والعلم والتقدم الاقتصادي.
وفي الحالة العراقية لا نجد شيئا من مقومات نجاح الشعوب الأوروبية في الاستفادة من الحرب، علما بأن الحرب العالمية الثانية كانت أفظع وأشرس ودمرت الأخضر واليابس مقارنة بما أحدثته حرب العراق لأسباب عديدة، لا تعود فقط إلى اختفاء المقومات السابق الإشارة إليها، وإنما أيضا لأوجه الخلل الجوهرية التي تعتري الثقافة العربية عموما في تعاملها مع الكوارث التاريخية التي حلت بالمنطقة عموما على مدى العقود الماضية، ومن الواضح – للأسف – أنها لا تزال على حالها دون تغيير، بسبب العجز العربي عن استخلاص حقوقه وتصحيح الأوضاع لصالحه. إنها ثقافة عربية تعتمد على الشجب والبيانات الصاخبة التي تطالب بتطبيق الشرائع والقوانين الدولية ذات الصلة دون أن تمتلك إمكانات تحويل المطالبات إلى فعل على أرض الواقع. ينطبق هذا على الشعب صاحب القضية – أي الشعب العراقي – وعلى بقية الشعوب العربية وعلى مواقف الأنظمة السياسية في هذا وذاك.
نشر الوثائق لا يشكل جديدا بالنسبة للعراقيين وللعرب، فالثابت، على مدى السنوات الماضية منذ عام 2003 أن العراقيين أنفسهم وأجهزة إعلام عربية عديدة مقروءة ومرئية كشفت عن الكثير من مظاهر الوحشية التي تعرض لها الآلاف من المدنيين الأبرياء، ولكن أحدا في العواصم الغربية إعلاميا كان أم سياسيا تحمس للروايات العربية أو أخذها مأخذ الجد، بل ظل تعليق المسؤولين الغربيين وفي مقدمتهم الأمريكيون يركز على وأد هذه الروايات وإحباطها بتصويرها على أنها إما ناتجة عن تعاطف مع «الإرهابيين» أو صادرة عن جماعات العنف التي قاومت الاحتلال، مع أنها وقائع كانت ماثلة للعيان بالصوت والصورة ويشهد بها أبناء العراق البسطاء. ولكن لأن الوقائع جاءت هذه المرة من مصدر غربى ومن خلال محلل عسكري أمريكي وسربها جنود أمريكيون كانوا يعملون في العراق، فإنها اكتسبت أهمية خاصة وشكلت بالفعل مصدر قلق للإدارة الأمريكية وللحكم الراهن في العراق حيث يصعب إجهاضها بترديد المقولة القديمة بأنها من صنع خيال الإرهابيين أو المتعاطفين مع المقاومة المسلحة العراقية كما كان يحدث في الماضي القريب، ولذلك انتفضت الإدارة الأمريكية فزعا واضطرت هيلاري كلينتون للخروج إلى وسائل الإعلام سريعا لتدين نشر هذه الوثائق – دون أن تكذبها – بحجة أن النشر يعرض القوات الأمريكية والعراقيين أيضا للخطر خوفا من ردود الفعل المنتقمة التي يمكن أن تترتب على ذلك، خصوصاً أن موقع ويكيلكس كان قد نشر وثائق مشابهة عن وحشية الحرب الأمريكية في أفغانستان وذلك منذ بضعة أشهر ووقتها أدانت الإدارة نفس العمل خوفاً على قواتها في أفغانستان. وهكذا فإن رد الفعل الأمريكي، وكذلك البريطاني على نشر الوثائق لم يكن يحمل في مضمونه محاسبة للذات أو اعترافا بالفشل وتحمل نتائجه دفاعا عن سمعة السياسة الأمريكية، وإنما للقلق على مصير القوات الأمريكية التي ستبقي في العراق.
وأما رد الفعل العربى فقد جاء فقط – على المستوى الرسمي – من دول مجلس التعاون الخليجي وقيادات في الحكومة العراقية المنتهية ولايتها، مع اهتمام إعلامي عربي كالمعتاد ولم يخرج عن نطاق أي صخب اعلامي عربي اعتاد عليه الرأي العام العربي كلما طرأت وقائع تعكس الظلم والهوان الذي يتعرض له شعب عربي هنا أو هناك. فقد دعا عبد الرحمن بن حمد العطية الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي في بيان يوم 24/10 الولايات المتحدة إلى فتح تحقيق جاد وبشفافية تامة حول ما تضمنته وثائق ويكيلكس من معلومات عن ارتكاب جرائم ضد الإنسانية بخصوص الحالة العراقية، مؤكدا في نفس الوقت على المسؤولية القانونية المباشرة للولايات المتحدة عن كافة الجرائم والانتهاكات التي ارتكبتها قواتها في العراق وفق ما نصت عليه المواثيق الدولية.
وفي السياق نفسه حث مقرر الأمم المتحدة مناهضة التعذيب مانفريد نواك الرئيس الأمريكى باراك أوباما على إصدار أمر بإجراء تحقيق في وثائق ويكيلكس. وفي بغداد تعهد مسؤولون عراقيون بالتحقيق في أي مزاعم عن ارتكاب الشرطة أو الجيش لجرائم.
وليس من المستبعد أن تحقق إدارة أوباما في هذه الوقائع خصوصاً أنها المستفيدة سياسيا على الصعيد الداخلي من نشرها لأنها تدين حكم الإدارة الجمهورية بما يعني وضع الحزب الجمهورى في موقف صعب وهو يخوض انتخابات التجديد النصفي للكونجرس الشهر المقبل في مواجهة الحزب الديمقراطي الذي تنتمى إليه إدارة أوباما. وليس من المستبعد أيضا أن تحقق الحكومة العراقية الحالية في هذه الوقائع خصوصا في ظل التنافس المحتدم على تشكيل الحكومة الجديدة بهدف تبرئة ساحة بعض عناصرها وبما لا يجعل نشر هذه الوثائق عقبة تزيد الأوضاع تعقيدا..
ولكن التحقيق في الوقائع – في حالة حدوثها – كنتيجة مباشرة للنشر لن يفيد الوضع العراقي الداخلي المتأزم بقدر ما يمكن أن يفيد الإدارة الأمريكية الحالية خصوصا إذا عرفنا أنه من الصعب إخضاع القيادات الأمريكية المسئولة عن ذلك للمحاكمة عبر المحكمة الجنائية الدولية لأن الولايات المتحدة ليست عضوا في هذه المحكمة، كما أنه من الصعب محاسبة المسؤولين العراقيين الذين تورطوا في هذه المأساة لأنهم هم الآن أصحاب القرار والمتحكمون بالطبع في أى سلطات قضائية.
التأثير الحقيقي لنشر الوثائق يكون في تشكيل تيار سياسي وضمير اجتماعي عراقي يتبنى قيام عراق جديد ينعم بالسلام والاستقرار والديمقراطية والرفاهة الاقتصادية يستفيد من نشر هذه الوقائع وغيرهما مما سبق بالنسبة لما جرى في سجن أبو غريب ليس في اتجاه تعميق الخصومة بين أفراد المجتمع العراقي أو في تبني المزيد من العنف والعودة بالعراق لما كانت عليه في عهد صدام حسين، وإنما بتمثل التجربة الأوروبية سياسيا وثقافيا واقتصاديا والتعلم من دروسها الإيجابية. والمشهد الراهن يحتاج إلى عمل الكثير من الجهد لنشر العدالة والسلام بين مختلف الطوائف العراقية والنجاح في إقامة حكم ديمقراطى يستند إلى تراضى كل القوى المؤثرة على اقتسام السلطة والشروع سريعا في إقامة تنمية اقتصادية واسعة النطاق، وأما التعويل وحده على الإدانة والفضح والمطالبة بمحاكمات ليس من السهل تحقيقها، فإنه لن يعدو عن أن يكون إما بتبرئة للذمة أو احتواء لموجات الغضب، أو دعوة لفتح الطريق أمام تيار جديد للعنف

أبـو مشاري
27/11/2010, 02:14 PM
حنا عارفين ان العراق راحت ضحيه

بس نبيها توقف وترد مثل اول

مانبي كلام