المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مُعاناة التأليف والنّشر.. القاسم المُشترك بين المُبدعين


نواف بيك البريدية
23/01/2011, 01:10 AM
مُعاناة التأليف والنّشر.. القاسم المُشترك بين المُبدعين

"لا يفهم مُعاناة الشّاعر المؤلّف إلا من خاض تجربته"



بقلم: زينب ع.م البحراني





مدّ يده بسخاء قائلاً بنبرةٍ مرِحة:



- تفضّلي، أرجو أن تُنفقي أوقاتًا غير مملّة مع ثرثرتي الطّويلة على الورق.





كانت تلك المرّة الأولى التي يُهديني فيها مؤلّف شيئًا من إصداراته. شعرتُ بالكتابين الصّغيرين باردين وثقيلين جدًا بين يدي، وانفجرت كُلّ ذكرياتُ مُعاناتي الطّويلة لإصدار كتابي الوحيد في لحظة. الحُزنُ العميق الذي لا يعلم الأديب من أين يتدفّق إلى صدره دون شفاء، الثّلجُ الذي ينبثق من صُلب العظام ليتسلّق الرّوح ويُشرنق الكيان المعنويّ بأكمله في أوقاتٍ غير مُتوقّعة. سنوات وشهور الكفاح الطّويلة بين قطرات عرق الجبين وحرمان النّفس من الفلس على أمل جمع ما يكفي ليُحلّق الحلم من شرنقته المخطوطة بجناحي كتابٍ يُشمّ ويُلمَس. آلاف الكُتُب التي طولِعَت، ملايين الصّفحات التي قُرِئت، بلايين الكلمات التي استنشقتها الرّوح طوال مئات السّاعات، عشرات الخيبات والإحباطات والعثرات وليالي بُكاء الوجدان ونزف القلب الصّابر على أعتاب أملٍ سرابيّ شحيح. شُهورٌ أخرى من تحمّل تسلّط النّاشر، ومتاعب التّسويق والتّوزيع، وسماجة تعليقات جُهلاء القرّاء، كلّ هذا بين يديّ في نُسختين قُدّمتا بلا ثمنٍ رُغم أنّ الجحيم الذي خاضه مؤلّفهما أكبر من أن يُقاس أو يُقيّم بثمن. احتشدَت الدّموع في حنجرتي ولم أستطع قول شيء كي لا يكتشف فضيحة بُكائي لأجل كتاب!، لم يكُن اتّحاد الشّين بالكاف بالرّاء المُنوّنة لصُنع كلمةٍ قزمةٍ مُرتعشةٍ يكفي لإبداء ما أحسّه من امتنانٍ كبير، لهذا أمسكتُ قلمي وبدأت أكتُب عن الكتاب كي أقدّم بهذا أقلّ كلمةٍ شُكرٍ يُمكن أن يُقدّمها قارئ لمؤلّف. ومن يومها بدأ تاريخ مُحاولاتي لشُكر كُلّ كاتب يُصرّ على وضع كتابه بين يدي.. بقلمي.





لو لم أكُن ركضتُ على صراط التأليف والنّشر من قبل لما تجاوزت مشاعري ظنون عامّة القُرّاء ممن لم تطحنهم، وتخبزهم، وتعجنهم، وتمضغهم تلك التّجربة التي أعتبرها - في وطننا العربيّ- تجربةً غوليّة، من ينزلق إلى ما بين فكّيها مفقود، ومن تُمهله إلى أجلٍ مجهولٍ؛ مولود. بعض القرّاء يتوهّم أنّ المؤلّف يتسلّى أو يزجي أوقات فراغه بتحريك قلمه على الأوراق كيفما اتّفق، ليتمخّض ذلك عن رُزمة أوراقٍ يُرسلها إلى دار نشرٍ سُرعان ما تتبنّاها شاكرةً وتدفع فوقها مُكافأةً وحبّة مِسكِ وقطعة حلوى، ثمّ يخرج الكتاب من المطبعة ليتربّع على أرفف المكتبات حاصدًا أدسمَ الأرباح الماديّة والمعنويّة في غضون أسابيعَ قصيرة، غير عالمين أنّه يعيش صراعًا دائمًا بينه وبين ذاته، ومعارك ماديّة و نفسيّة مُستمرّةً مع أفراد أسرةٍ قد لا تتفهّم أسرار تقلّبات مزاجه وشهيّته المُفاجئة للعُزلة، ومُجتمعٍ غير مؤهّلٍ للتعامل مع استثنائيّة سلوكيّاته، ومهنٍ مؤذيةٍ لا تتلاءم ورهافة أحاسيسه ومواهبه الإبداعيّة، وخرائب نشرٍ يُدير أكثرها خُبراء في النّصب والتّرويع أكثر من كونهم خُبراء في النّشر والتّوزيع!، وأمّة ترى في القراءة رفاهيةً وعبثًا وتبذيرًا للوقت، ومن يقرأ من أفرادها فإنّه على استعدادٍ لقرصنة الكتاب بأيّ طريقةٍ تُهدر مضمونه وتُبيح حبر حُروفه دون أن يدفع فلسًا ولا قرشًا، وهو فوق ذلك من المانّين لا من الشّاكرين! ونُقّاد لا يكتبون إلا عن كاتبٍ شهير، أو صديقٍ مُقرّب، أو صاحب مصلحةٍ مؤكّدة. و إذا تحدّثوا عن كتابٍ لا يعرفون صاحبه معرفة منفعة في واحدةٍ من المغارات السريّة التي تحمل شعار مؤسسةٍ ثقافيّةٍ جرّدوه من كُلّ محاسنه وحوّلوا سُمعة كاتبه إلى مهزلةٍ تلوكها ألسنتهم ظنًا منهم أنّ تجمّعاتهم السريّة أبعد من حدود مسامعه.



لا يُدركُ صعوبات حياة الشّاعر أو السّارد إلا شاعر أو سارد مثله، ولا يفهم مُعاناة المؤلّف إلا من خاض تجربة التأليف، والطباعة، والنّشر بمُفرده؛ فقيرًا إلى الوساطات ودعم الأحزاب والتكتّلات الأدبيّة المُنغلقة على ذاتها وعلاقاتها الشخصيّة في سلوكٍ يفتقر إلى الإيثار الأدبيّ وإفساح المجال للآخر إن لم يكُن تقديمه على الذّات. لهذا السّبب يُحاول الكاتب المُستقلّ تحليل ما يطّلع عليه من كُتُب زُملائه والكتابة عنه. والكاتب إذ ذاك لا يكتُب بصفته ناقدًا أو مُتطفّلاً على النّقد، وإنّما يعرض مُلخّصًا لمضمون الكتاب في مُحاولةٍ للتّعاون مع الصّحافة الأدبيّة في تأدية دورها الذي باتت تفتقر إلى الوقت الكافي لإتمامه ومُتابعة آخر المُستجدّات في ميدانه، لا سيّما مع طفرة المطابع الحديثة في السّنوات الأخيرة. ومثلما أنّ وحدة المشاعر، والأهداف، والمصير مع الزّملاء على طريق الحرف الأنيق تدفعنا للكتابة عن كتاب؛ فإنّ الأسباب ذاتها تجعلنا ننتقي كلمتنا المكتوبة عنه بعنايةٍ كبيرة. إذ كيف يكون بوسعي مُهاجمة مؤلّفٍ أدبيٍ بشراسة الأعداء ثمّ أدّعي أنّني أتحدّث في إطارٍ ثقافيّ وعلى خطّ منهجيّ؟ ولا أدري كيف يلوك البعض بقلمه مضمون كتاب بفجاجةٍ فاضحةٍ تصرف القُرّاء عن الرّغبة في مُطالعته رُغم أنّ الهدف من الكتابة العلنيّة عن الكُتُب هي التّعريف بالكتاب وتشجيع أبناء الأمّة العربيّة على مُطالعته!..كما لا أدري كيف يجرؤ مَن هبّ ودبّ على إبداء وُجهة نظره السلبيّة علنًا إزاء نصّ شعريّ أو سردي ما لم يُصنّف من فئة النّقاد المُتخصّصين أسلوبًا وذوقًا ومعرفة!!، إذ ليس بالضّرورة أن تكون وُجهة نظره السلبيّة تلك صائبةً لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها كي يضرب بها إصدارات الآخرين ويصرف النّاس عن مُطالعتها، وليس بالضّرورة أن تكون إصداراته هو نفسه مثاليّة كي يتوهّم نفسه سيّد العارفين في ميدان الأدب. ومن يدّعي طلبه الخير للشّاعر أو السّارد فليكتُب عن مجموعته أو روايته عرضًا موضوعيًا مُحايدًا يُشير إلى الهفوات الواضحة بكلماتٍ مُهذبةٍ تنمّ عن نفسٍ طيّبة؛ ثمّ يكتُب له وُجهة نظره السّلبيّة إزاء عثرات إصداره في رسالةٍ شخصيّةٍ أو يُحدّثه عنها على انفراد. وليتخيّل نفسه في هذا المكان؛ أ يُرضيه أن يضرب أحدُهم كتابه علنًا بما يُسيء إليه بحُجّة اهتمامه الأخويّ لمصلحته؟!



ولمثل هذا الحديث دومًا بقيّة...





المزيد... (http://www.nawafnet.ws/msg-4343.htm)

أبـو مشاري
23/01/2011, 12:08 PM
موفق بإذن الله ... لك مني أجمل تحية .