صقر الجنوب
22/01/2012, 01:28 PM
منازل آيلة للسقوط أصبحت أماكن لتخزين الأواني والأجهزة والخردوات
في منفوحة الرياض..فقراء تحوِّلهم الحاجة إلى "مافيا تجارية"!
http://sabq.org/files/investigations-image/1180.jpg
الرياض :
يقول المثل العربي القديم "الحاجة أم الاختراع"؛ ومع محاولة البعض الهروب من شبح البطالة ظهرت على السطح أساليب متعددة للحصول على عمل مناسب، يُدِرُّ دخلاً معقولاً، يضمن لصاحبه - بإذن الله - العيش الكريم. ومن بين تلك الأساليب ظاهرة جديدة بدأت تغزو مجتمعنا بشكل عام، والعاصمة الرياض بشكل خاص، وتُعرف باسم "الأسواق المنزلية".
فما قصة "الأسواق المنزلية"؟ وما سرها؟ ومن وراءها؟.. أسئلة عدة كشفها التحقيق الـ"ميداني"، الذي قامت به "سبق" في جنوب الرياض، عقب تلقيها قصصاً وروايات عدة حول تلك "المنازل التجارية" – كما اشتُهرت به - التي حصلت على تفاصيلها عن طريق أحد العاملين فيها.
منازل تحوَّلت من كونها أماكن مخصصة للسكن إلى أسواق تجارية، يُباع فيها جميع أنواع المستلزمات والاحتياجات المنزلية، كما أنها لم تواجه أي منع من قِبل المسؤولين، رغم أنها غير مرخصة.
عقب وصول "سبق" إلى حي منفوحة واجهتها العديد من المناظر التي لم تكن تتوقعها: منازل قديمة تكاد تسقط، ولكنها لم تزل مسكونة من قِبل بعض الأشخاص الذين لم يجدوا سواها، بعد أن هجرها سكانها الأصليون، وطرق غير معبَّدة، وأزقة مظلمة تدعو للشبهة، وروائح كريهة من خلف أسوار تلك المنازل. تم قطع مسافة طويلة مشياً على الأقدام، ووُجد أناس كثيرون في تلك البقعة القابعة في وسط الحي من نساء ورجال، وكأنهم في مركز تجاري كبير؛ حيث أصوات الأطفال والمساومات المالية التي تحدث بين البائعين والمشترين. دخلنا في معمعة ذلك المجتمع، الذي يُصنَّف على أنه مجتمع مغلق، له مفاهيمه وعقليته، وحتى البضائع التي يبيعونها لم يُرَ مثلها من قبل!
تحولت تلك المنازل إلى مكان لتخزين الأواني المنزلية وأدوات السباكة وبعض الأجهزة الكهربائية والخردوات، وعرضها للبيع على المشترين والزبائن.
ويسمي بعضهم تلك الأسواق بـ"الأسواق الفقيرة". تحدثنا مع بعض مرتادي هذه "المولات الفقيرة" عن حقيقة هذه المنازل فعلمنا أن أصحابها قد حولوها إلى أسواق لبيع الأواني المنزلية والملابس الرجالية والنسائية والرياضية الشتوية والصيفية، وبيع الأجهزة الكهربائية وأجهزة الكمبيوتر وألعاب الأطفال، وغيرها؛ لكسب الرزق وإحياء المنطقة الميتة.
تجولنا في أحدها، فوجدنا مدخل المنزل لعرض بعض الأجهزة الكهربائية، أما المطبخ فلعرض جميع الأواني المنزلية، بينما تحولت الغرف المخصصة للنوم إلى معرض خاص للملابس؛ فإحدى تلك الغرف خاصة للملابس الرجالية، وعلى بابها لائحة بجميع المحتويات، بينما الغرفة التالية مخصصة لبيع الملابس التجارية. وصلنا إلى الصالة الكبيرة في وسط المنزل، التي تمت تغطية أرضيتها بشراع كبير؛ حيث يتم فيها عرض بقية البضائع الأخرى من أجهزة جوالات بجميع أشكالها وأنواعها وموديلاتها، وغيرها.. ووجدنا أن المسؤولين عن هذه البضائع هم أصحاب المنزل.
يقول متعب الخضري "أب لسبعة أبناء"، الذي يشرف على منزلهم التسويقي منذ انتقالهم لمنزل جديد: "إن هذه السوق الصغيرة مصدر رزقي الذي أطعم به عائلتي بعد أن تقاعدت عن العمل. ضاقت السبل، وزاد عدد أفراد عائلتي؛ فقررت أن أنتقل بهم إلى منزل صغير، وأحوِّل هذا المنزل إلى سوق صغير، يضم جميع المستلزمات والاحتياجات المطلوبة بكثرة من قِبل سكان الحي، كما أنني أسعى دائماً إلى توفير كل جديد ومطلوب من قِبل زبائني في الحي، وبعد مضي قرابة سنة أو أقل اكتشفت أن أكثر سكان الحي يمارسون العمل نفسه؛ حيث حوَّلوا منازلهم إلى أسواق تجارية، وبدأت المنافسة فيما بيننا".
دخل لتوه يتسوق.. يُدعى "محمد أسعد"، رجل مسن وأحد مرتادي هذا السوق. قاطع حديث "سبق"، وقال: "أقصد سوق المنازل؛ لأني أجد فيه كل ما أحتاج إليه من أدوات منزلية وغيرها تحت سقف واحد، وبأسعار معقولة، كما أن أغلب مرتادي هذا السوق من الجنسيات الأجنبية؛ حيث يرتادونه باستمرار؛ لوجود كل المتطلبات، إضافة إلى أسعاره المناسبة".
في تلك الأثناء كان واضحاً صوت كلاب تنبح، وكأنها قادمة إلينا من فوق رؤوسنا، وأسمع أصواتاً من فوق السقف الحديدي؛ فسألنا متعب عن ذلك فقال إن أصغر أبنائه يحب تربية الكلاب، ولم يجد مكاناً آمناً لها سوى سطح المنزل، الذي يتكون من زينك مربوط بحبال بعدد من الأخشاب، وعليها شراع كبير؛ حتى تحميها من الأمطار.
وعن مصدر تلك البضائع قال ممدوح علي: إن أغلب بضائع السوق تأتي من سوق الميناء من جدة؛ حيث تُباع بأسعار رخيصة جدًّا، ثم تُنقل إلى الرياض، وتوزَّع على أسواق معينة، ويأتي الموزِّع المسؤول عنها ونشتريها منه، ثم نفرزها، ونعرض البضائع الجديدة للبيع، أما القديمة والمستعملة فنقيم عليها مزاداً علنياً بصورة يومية.
خرجنا من محل ذلك الرجل، أو لنكن واقعيين بأننا خرجنا من "منزل متعب"، غير مكترثين بتلك الهدية التي قدمها لنا بعد أن فرغنا من التحقيق.
وتبقى مسألة مهمة للغاية، إجابتها لم يتم الحصول عليها بعد، ألا وهي: ماذا لو كانت تلك البضائع مسروقة؟!
في منفوحة الرياض..فقراء تحوِّلهم الحاجة إلى "مافيا تجارية"!
http://sabq.org/files/investigations-image/1180.jpg
الرياض :
يقول المثل العربي القديم "الحاجة أم الاختراع"؛ ومع محاولة البعض الهروب من شبح البطالة ظهرت على السطح أساليب متعددة للحصول على عمل مناسب، يُدِرُّ دخلاً معقولاً، يضمن لصاحبه - بإذن الله - العيش الكريم. ومن بين تلك الأساليب ظاهرة جديدة بدأت تغزو مجتمعنا بشكل عام، والعاصمة الرياض بشكل خاص، وتُعرف باسم "الأسواق المنزلية".
فما قصة "الأسواق المنزلية"؟ وما سرها؟ ومن وراءها؟.. أسئلة عدة كشفها التحقيق الـ"ميداني"، الذي قامت به "سبق" في جنوب الرياض، عقب تلقيها قصصاً وروايات عدة حول تلك "المنازل التجارية" – كما اشتُهرت به - التي حصلت على تفاصيلها عن طريق أحد العاملين فيها.
منازل تحوَّلت من كونها أماكن مخصصة للسكن إلى أسواق تجارية، يُباع فيها جميع أنواع المستلزمات والاحتياجات المنزلية، كما أنها لم تواجه أي منع من قِبل المسؤولين، رغم أنها غير مرخصة.
عقب وصول "سبق" إلى حي منفوحة واجهتها العديد من المناظر التي لم تكن تتوقعها: منازل قديمة تكاد تسقط، ولكنها لم تزل مسكونة من قِبل بعض الأشخاص الذين لم يجدوا سواها، بعد أن هجرها سكانها الأصليون، وطرق غير معبَّدة، وأزقة مظلمة تدعو للشبهة، وروائح كريهة من خلف أسوار تلك المنازل. تم قطع مسافة طويلة مشياً على الأقدام، ووُجد أناس كثيرون في تلك البقعة القابعة في وسط الحي من نساء ورجال، وكأنهم في مركز تجاري كبير؛ حيث أصوات الأطفال والمساومات المالية التي تحدث بين البائعين والمشترين. دخلنا في معمعة ذلك المجتمع، الذي يُصنَّف على أنه مجتمع مغلق، له مفاهيمه وعقليته، وحتى البضائع التي يبيعونها لم يُرَ مثلها من قبل!
تحولت تلك المنازل إلى مكان لتخزين الأواني المنزلية وأدوات السباكة وبعض الأجهزة الكهربائية والخردوات، وعرضها للبيع على المشترين والزبائن.
ويسمي بعضهم تلك الأسواق بـ"الأسواق الفقيرة". تحدثنا مع بعض مرتادي هذه "المولات الفقيرة" عن حقيقة هذه المنازل فعلمنا أن أصحابها قد حولوها إلى أسواق لبيع الأواني المنزلية والملابس الرجالية والنسائية والرياضية الشتوية والصيفية، وبيع الأجهزة الكهربائية وأجهزة الكمبيوتر وألعاب الأطفال، وغيرها؛ لكسب الرزق وإحياء المنطقة الميتة.
تجولنا في أحدها، فوجدنا مدخل المنزل لعرض بعض الأجهزة الكهربائية، أما المطبخ فلعرض جميع الأواني المنزلية، بينما تحولت الغرف المخصصة للنوم إلى معرض خاص للملابس؛ فإحدى تلك الغرف خاصة للملابس الرجالية، وعلى بابها لائحة بجميع المحتويات، بينما الغرفة التالية مخصصة لبيع الملابس التجارية. وصلنا إلى الصالة الكبيرة في وسط المنزل، التي تمت تغطية أرضيتها بشراع كبير؛ حيث يتم فيها عرض بقية البضائع الأخرى من أجهزة جوالات بجميع أشكالها وأنواعها وموديلاتها، وغيرها.. ووجدنا أن المسؤولين عن هذه البضائع هم أصحاب المنزل.
يقول متعب الخضري "أب لسبعة أبناء"، الذي يشرف على منزلهم التسويقي منذ انتقالهم لمنزل جديد: "إن هذه السوق الصغيرة مصدر رزقي الذي أطعم به عائلتي بعد أن تقاعدت عن العمل. ضاقت السبل، وزاد عدد أفراد عائلتي؛ فقررت أن أنتقل بهم إلى منزل صغير، وأحوِّل هذا المنزل إلى سوق صغير، يضم جميع المستلزمات والاحتياجات المطلوبة بكثرة من قِبل سكان الحي، كما أنني أسعى دائماً إلى توفير كل جديد ومطلوب من قِبل زبائني في الحي، وبعد مضي قرابة سنة أو أقل اكتشفت أن أكثر سكان الحي يمارسون العمل نفسه؛ حيث حوَّلوا منازلهم إلى أسواق تجارية، وبدأت المنافسة فيما بيننا".
دخل لتوه يتسوق.. يُدعى "محمد أسعد"، رجل مسن وأحد مرتادي هذا السوق. قاطع حديث "سبق"، وقال: "أقصد سوق المنازل؛ لأني أجد فيه كل ما أحتاج إليه من أدوات منزلية وغيرها تحت سقف واحد، وبأسعار معقولة، كما أن أغلب مرتادي هذا السوق من الجنسيات الأجنبية؛ حيث يرتادونه باستمرار؛ لوجود كل المتطلبات، إضافة إلى أسعاره المناسبة".
في تلك الأثناء كان واضحاً صوت كلاب تنبح، وكأنها قادمة إلينا من فوق رؤوسنا، وأسمع أصواتاً من فوق السقف الحديدي؛ فسألنا متعب عن ذلك فقال إن أصغر أبنائه يحب تربية الكلاب، ولم يجد مكاناً آمناً لها سوى سطح المنزل، الذي يتكون من زينك مربوط بحبال بعدد من الأخشاب، وعليها شراع كبير؛ حتى تحميها من الأمطار.
وعن مصدر تلك البضائع قال ممدوح علي: إن أغلب بضائع السوق تأتي من سوق الميناء من جدة؛ حيث تُباع بأسعار رخيصة جدًّا، ثم تُنقل إلى الرياض، وتوزَّع على أسواق معينة، ويأتي الموزِّع المسؤول عنها ونشتريها منه، ثم نفرزها، ونعرض البضائع الجديدة للبيع، أما القديمة والمستعملة فنقيم عليها مزاداً علنياً بصورة يومية.
خرجنا من محل ذلك الرجل، أو لنكن واقعيين بأننا خرجنا من "منزل متعب"، غير مكترثين بتلك الهدية التي قدمها لنا بعد أن فرغنا من التحقيق.
وتبقى مسألة مهمة للغاية، إجابتها لم يتم الحصول عليها بعد، ألا وهي: ماذا لو كانت تلك البضائع مسروقة؟!